خواطر غارفة
على قارعة الخاطرة
الروائي محمد فتحي المقداد
خاطرة على قارعة الأدب
على شُرفة حانةِ ذكرى ثَمْلَى احتضارًا..
دهاليز اتّسعت ساحاتها لتَرنّحات كآبتي المقبورة في صدري.
وانزلاق ابتسامة على شفتيّ؛ تستدرجُ أكوام حسد،
وعيونٌ تتملّاني.. تنهشُ بقايا من بقايا هيكلي الواهن.
تستقوي.. تزدري..!!
تنشط في اعتلاء مراتب قهري..
ترقص طربًا على أنغام جراحاتي..!!
بسمتي صكّ امتلاكي الكون، ومفتاحه.
بكلّ ثقة أعلنها: "أنا متفائلٌ حدّ الفجيعة" .
متسائل: "أعليكَ حرارة؟ ".
وقيل كذلك: "يبدو أنّه تناولَ دواءً ليس له".
آخر مُخاطبًا نفسه: "مسكينٌ.. حِجابه ضاع منه".
_________
*(الحجاب - التميمة المكتوبة تعلق في الرقبة وتتدلى على الصدر)
***
ليلي مُتعَبٌ..
وأنتِ وخْزُ الوقتِ المُثخَن هدرًا..
أظنُّ أنّ الفرح ضلَّ طريقه إليكِ. .
ربّما يصل إلى قلبكِ المُزدَحِمِ تأخّرًا؛
عندها لن يجد مُتّسعًا للإقامة هناك..
الأحزانُ لا تقبل مُنافسته؛ فتطرده..
أوّاه..!!
يا لقلبكِ المسكين المُقيم على أحزانه إدمانًا..
لن أجازفَ ثانيةً على ناصية سعادتي علنًا..!!
سأتخفّى..
لترتاح الأعيُن من تُخمَة التلصّص عن متابعتي.
***
و(ما بين حانا ومانا ضاعت لحانا).
ما بين الممكن والمستحيل مساحات ضياع الرؤى واختلاف الكلمة وتباين المواقف.. للتعبير عن عن مرحلة قاتمة في تاريخ الثورة الفلسطينية، التي قتلت مع بداية انطلاقتها خارج فلسطين، فكانت متعددة الولاءات، ومتعددة البنادق، فكانوا أقرب لحالة البيادق على لوحات شطرنج الأنظمة العربية والعالميّة.. فكانت البنى الفكرية متباينة حد الاقتتال، فجاءت النتيجة فصائلية متناحرة متنافرة، من المستحيل الاتفاق فيما بينها على القضية التي توشحوا بملاءتها، فكانت ستارا ارتكبت كل الموبقات تحتها، مع لافتات من الشعارات الرنانة الواهمة الموهمة، والنتيجة مخرجات مخيبة للآمال، قاتلة للطموحات العربية، بربك قل لي: كيف تبرّر لي، فلسطينيا في رام الله، يحرض بقوة على أخيه في غزة؟.. (لاأقصد إلا الثورة السورية) المتشابهة في كثير من جوانبها مع الفلسطينية بكافة معطياتها، إلا أنها اختلفت عن الفلسطينية كانت داخل سورية. (أرجو أن يتسع صدرك لما كتبت) صديقي الألم الفلسطيني يؤلمني قبل السوري. الحقيقة قاسية فلنتقبلها مجردة كنا هي بشجاعة أدبية. محبات
***.
الموبايل ...
أُحدّثُ نفسي وأنا مُرغم على التفكير فيما لو دفعتني الظروف لأن أحمل معي وعلى مدار اليوم وأينما ذهبتُ وتوجهتُ وعلى سبيل المثال، جهاز تلفزيون وآلة تسجيل وراديو وساعة وتلفزيون وآلة تصوير وجهاز حاسوب، وآلة حاسبة ، ودفتر مع قلم لكتابة الملاحظات بكل تأكيد يتوقف عقلي من هول ذلك، وخاصة عندما أسترسل متخيلاً أنني أحمل كل تلك الأشياء على عاتقي على مدار اليوم، الأمر الذي يصيبني بالفزع والتعب والأمراض التي ستسكن جسمي وآلام المفاصل، وغير ذلك مما لا يعلمه إلا الله وحده.
بهذه الصورة التي اتضحت رؤيتها، ألا يكون الهاتف النقال نعمة مُسَخّرة بين يدي ؟ .
***.
كلمة كانت
كلمة كانت مليئة بالحبر، اندلقت محتوياتها في جوفي، عندما تلعثمت أثناء نطقها.
عيونهم تُحدّقني باهتمام، لاقتناص فرصتهم. حمدتُ الله على نجاتي.
***
متابعة
في سوق دمشق الكبير.. التقيت بأبي جهل مصادفة، من غير المُتوقّع ذلك أبدًا، ولا في الحلم..!!.
أشرتُ إلى صورته في حافظة نقودي، وإلى واحدة أخرى على حائط كبير.
هزّ رأسه مُبتسمًا، وتابعَ دونما اكتراث لِيَدي الممدودة إليه.
***
ما وجدتُ شيئًا..
لا تستثيري كوامني أيّتها الكلمات..
مذ سَكَتَ تنابُح الكلاب فجأة..
أشَبِعتْ بعد نهشها..؟
أمِ الْتَهتْ بجيفةٍ جديدة..
ألم تتعب من تناهشٍ خبزة بيد صغيري..
كان يلهو بها..!!؟
لم تترك لأطفالي شيئًا يأكلوه..
وما زالت تعوي على خراب مقبرتي
بين الحُطام..
وتلتهم الأنين..
***
استجداء
كلّ صباح تستفيق الكلمات، تستجدي طريقها منّى.
- تقول لي: "أعطني حريّتي.. أطلق يديّ".
ثرثرة داخليّة لم أفهم من ضجيجها شيئًا، وما درَتْ بأنّني أصَمُّ.
***
على شُرفة ذكرى
- سيّدتي.. أرتالُ الحزن تُباغتني، وربّما أوشَكْتُ على البكاء.. يومي مُزدحمٌ بأسبابه.
- ردّدتْ صدى نحيبي: على فكرة.. منذُ صحوتي مع الشروق، ورغبةٌ عارمة تستدِرُّ دموعي.
-سيّدتي أرجوكِ: لا وقت لدي للتفكير.. يشغلني..!! من سيوقد لي الشموع؟.
- لتخرجَني من استغراقي، أجفلني صراخها: الجميع بانتظار نكشة لينفجر، وأتفهّمُ خصوصيّة أحاسيسكَ.
- ولكن، أين سأوقدها؟. يا سيدتي
- أوقدها في قلبك.. ولا تنتظر أحدًا.. فإن لم يُسعِد أحدنا نفسه، فلا ينتظر السعادة على طبق ذهبيّ يُقدّم له مجّانًا.
- بصراحة كالشّمش.. لا مِراء فيها: لا أجدُ وقتًا.. أوْقِديها.. هيّا.. ماذا تنتظرين..!؟.
- سأفعلُ من أجلكَ.. وتستحق الف شمعة..
- ألفٌ فقط..!!. فأنا روائيٌّ أحتاجُ شموعَ الكون أجمع، عَلّها تضيء جُزءًا من مُحيطات عتمتي.
- أوووه..!! بكلّ الضوء الذي فيك لا تحتاج سوى أن تُغمض عينيك، لترى.
- مشاعرُ حروفي الحبيسة تتناهبني.
- شُعوركَ الذي ينتابك هو تدفق لبعض الإبداع، أعرف أنّ علماء النّقد يقولون: "ان الكاتب المبدع تنتابه أحوال غريبة، وكأنه شخص آخر.
- وكأنّكِ تُطلقين سهام الإيهام على دموعي بجنون.
- لا أبدًا.. أبدًا، بل من كان الياسمين موطنه؛ فلتكن سماؤه قاربَ الإحساس المُبحر على جناح الكلمة، مؤكّدٌ أنّه سيرسو على ضفاف النّورِ.
- أهكذا إذن..!!؟.
-نعم هو النّور داخلكَ، كمجرّة بسبع شموس.. يفردُ أجنحةً حانية في فضاءات الرّوح، لأنّه حتماً.. يشبهك تمامًا.
***
صراع الفاصلة والنقطة
بعد الفاصلة:
قبلها أغمضتُ عينيّ على نهاية؛ فوضعتها بلا مبالاة..!!
المسافة بعدها أذهلتني..؛ لأنّها أرهقت حروفي، أستجمع أنفاسي المُتقطّعة. وضعتُ نقطة.. وغادرت فرارًا.
***
بين النقطة والفاصلة:
- هل النقطة تفي بالغرض بدل الفاصلة؟ تساءلتُ مُستفهِمًا.
-قال الأستاذ:
(احتجاجٌ غاضبٌ من الفاصلة: "سأقاوم كلّ من سيُصادر دَوْري، ويحتلّ قراري".
النقطة تتريّث باتّخاذ قرارها، حتّى تهدأ العاصفة: :سيتنهي كلّ شيء حالما افتتحتُ سطرًا جديدًا، بعدما ختمتُ سابقه باطمئنان".
دوّي الاحتجاجات الصّاخبة، وصل مسمعها خافتًا لا يكاد يبين).
- يتابع الأستاذ: "لا أهميّة لهما في هذا الزّمن المختلف. كلّ من يكتبُ في العالم الأزرق، لا يُعيرهما أيّ اهتمام".
- سيّدي، الآن أدركتُ عدم فهمي للكثير مما أقرأ..!".
***
احتضان نقطة:
ما زلتُ على يقين أنّ المشكلة لم تُحل. تشكّي الفاصلة المستمرّ يقلقني. الشّعور الدّائم بالمظلوميّة يأخذ مداه، ويخلق حالة توتر دائم.
الفاصلة استعملت ذكاءها في محاولة لتتخلّص من هيمنة النّقطة؛ فتوددّت للنقطة زمانًا لتحقيق مآربها، في حالة شبيهة بغرام الأفاعي، وفي بادرة حُسن نيّة ضمّت إلى صدرها نقطة، وأمام كاميرات الإعلام، وغيّرت من نسبها، لتُعرف بالفاصلة المنقوطة، رغم ذلك بقيت وظيفتها الاستئنافيّة في متابعة الكلام، وما بعدها أيضًا نتيجة ما سبق.
بحجم رأس الدّبّوس وضع قلمٌ نقطة في منتصف سطر؛ انتقالٌ تلقائيٌ لافتتاح سطر جديد.
اغتاضت الفاصلة؛ ولم تُفلح في مسعاها باحتضان نقطة، وحملها معها في مواضع كثيرة، ولم تقتنع أنّها بلا نقطة؛ ستبقى ناقصة الدلالة.
***
حتميّة الفاصلة:
لستُ مُتأكّدًا من حتميّة وجود الفاصلة في خاصّة كلامي فيما بيني وبين نفسي، شعور غامضٌ تسلّل إلى دواخلي بأنُها تُلاحقني بإصرار في كلّ محطّاتي.
يا إلهي..!! إنّها الفاصلة اللّعينة، كنتُ مُتخفّيًا للقاء حبيبتي، وكم نسجت من مقدمات، وأسرفتُ بإفناء ساعات ما قبل اللّقاء لانتقاء أجمل الكلمات، وأرقّها غزلًا وعشقًا وهُيامًا.. وما إن انتبهتُ لكلّ وقفة؛ لالتقاط نفس يُسعفني؛ حتى تأتي الفاصلة لتضع رسمًا لها.
علاقاتي كثيرة مُتشعّبة مع فئات اجتماعيّة عديدة، فرضت الفاصلة وجودها بالقوّة، ولم تتركني وشأني.
كرهتُها.. كرهتُها، وبَيّتُ النيّة بمتابعة كلامي وإيصاله ببعضه؛ اشتبكت كلماته، وترامَتِ المعاني عكس ما رَجَوْتُ، وتتطلمست عُجمةً.
حاولتُ.. وحاولتُ، ولم تُفلح جميع مَسَاعِيّ في الإفلات من قبضتها.
أخيرًا..!! أدركتُ أنّها تنقذني من تقطّع أنفاسي.. وتُريحني من لُهاثٍ.. وتجلو غبار شكّ التفسير والتأويل.
رضيتُ عنها.. وما يضيرُني أن تكون بين الحاء والباء. ولن أستغني حتّى عن منقوطتها.
***
دكتاتوريّة النّقطة:
لستُ مضطّرًا لفضح نوايا الفاصلة، وغيرتها المُزمنة من ضُرّتها النقطة، التي لم تألُ جُهدًا بتذكير الفاصلة وعلى الدوام بأنها مجموعة نقاط، التوت تكوّرًا على نفسها بخجل وانطوائية، لتزاحم على الصدارة في كافّة النّصوص الكتابيّة؛ فهي شديدة الغيرة، لا تحتمل الإهمال ممن يكتب على ورق أو ملف (وورد) إلكترونيّ أبدًا، ومع ذلك عندما اتّخذت نقطة لها لم يُغيّر من الأمر الكثير الذي كانت ترجوه. بل بقيت مُحاصرة في جميع مجالاتها بالنقطة التي فكاك منها.
شجرة نَسَبِ النّقطة عريق، ضارب بجذوره بَواطِن أبجديّات اللّغات، وفي كلّ تجمّع لإحدى أبناء وأحفاد وأسباط النقطة، ستخلق تشكيلًا حروفيّا رامزًا مُفردًا بذاته، أو مُجتمعًا لتكوين كلمة، ثم جُملة، ومقطعًا وفصلًا وبابًا وكتابًا وموسوعة، ولم تترك الأبجدية في حالها، بل سكنت معظم حروفها، وكأنّها حارس ومراقب من فوق ومن تحت أو في صميم قلب بعضها الآخر.
ولم تدع النقطة تدخّلها في قول القائل، إلّا وتكون قبل قوله على شكل نقطتين فوق بعض، كأنّهما حاجز، لتنبيه السّامع لأمر ما ليس على نفس الدّرجة من الأهميّة للمُتلقّي.
وإذا ما جاءت نقطتان خلف بعضهما، مما يعني فتح فضاء كبير للتفكير والإضافة بما يتناسب مع فهم القارئ لما يقرأ.
وما زال إصرارها التواجد في نهاية كل تعبير، وفي نهاية السّطر أو وسطه أو بعد كلمة واحدة تحتلّ سطرًا كاملًا، وتُجبر الكاتب على افتتاح سطر جديد. دكتاتوريّة النقطة الصّارمة، كأنّني بها أمام الزبّاء حاكمة تدمر، أو شجرة الدُّرّ في قاهرة المُعزّ، وقد أخضعن الرّجال الأشدّاء ذوي الأشناب المُتدلّية والمفتولة، وعضلاتهم النّافرة المُنتفخة.
فالنقطة بداية ونهاية في ذات الموقف والمكان؛ فهل هذا مُبرّر دكتاتوريتها، وربّما صَلفها وتعاليها في قائمة علامات الترقيم؟، وضوابط الكتابة علامات الترقيم، كما إشارات المرور.
***