الاثنين، 6 يوليو 2020

الالجنديان :السّوريّ والأردنيّ في روايةِ"الطّريق إلى الزّعتريّ". " دراسة مقارنة

الجنديان :السّوريّ والأردنيّ في روايةِ"الطّريق إلى الزّعتريّ".
     " دراسة مقارنة"

بقلم - رائد السراحين

 الجنودُ هم حماةُ الدّيارِ،وهم مَن يذودون عن حياضِه ،ويبذلون أرواحَهم فداءً له،سحنتُهم المغبرّةُ تحكي قصصَ نضالٍ وغُربةٍ، أصبحوا رفاقَ الشّمسِ من مشرقِها حتّى مغربِها،أنستهم الصّحراءُ بفصولِها الأربعةِ.
 طالعتنا روايةُ "الطّريق إلى الزعتري "لمحمد فتحي المقداد، بصورتَين متناقضتَين للجنديَين الشّاميَين :السّوريّ والأردنيّ، ورسمتْ لكلٍّ منها صورةً تشي بحقيقتِهما، وفق ما رواه الكاتبُ على ألسنةِ أبطالِه،إبّانَ الثّورةِ وبداياتِها في درعا،ومن ثمِّ التّهجيرِ القسريّ إلى الأردنِّ ،وتحديدًا "مُخيّمِ الزّعتريّ"
الصّورةُ الأولى للجندِ السّوريين، وأستثني من ذلكَ الجنودَ الأحرارَ الذين لم يُشهِروا سلاحَهم في وجوهِ أهلِهم وجيرانِهم وأبناءِ جلدتِهم ، بلْ شدّوا على أيدِيهم ووقفوا بجانبِهم ؛فهؤلاء مُرتشون، باعوا ضمائرَهم مقابلَ ثمنٍ بخسٍ،وإنْ كانَ هذا يصبُّ في مصلحةِ المواطِنين العزّلِ، كأبي رستمَ المُساعدِ في جيشِ النّظامِ ،الذي كانَ يُخبرُ أبا فندي بما ينوي القيامَ به؛ليأخذَ حذرَه مقابلَ(تنكةِ زيتٍ) ،ويستغلُّ الفُرصَ لطلبِها،"عندما وصل دوره بمصافحة أبي فندي أخذه بالأحضان ،وراح يقبّله ،وهمس في أذنه : لقد وصلتني قائمة بأسماء المطلوبين ،واسمك على رأسها، دبّر حالك".
كما كانوا هؤلاء يتلفّظون بألفاظٍ تخدشُ الحياءَ العام،يقولونها على مرأىً منِ الملأ، دونَ خوفٍ واحترامٍ؛ لأنَّهم ربّما اعتادوا على مثلِ هذا الأمرِ،وأصبحَ جزءًا من ثقافتِهم الحياتيّةِ،وطالما استفزّوا الموقوفين والمعتقلين بها، وهي كلماتٌ تمسُّ العِرضَ والشّرفَ والكرامةَ،لا يقبلُها شريفٌ،يقولُ الكاتبُ لسانِ أبي رستمَ:"هناكَ ابنُ شرموطة، اتّصلَ بأن قبلَ قليلٍ ،أخبرنا بأنَّ في حارتِكم مُظاهرَةً ،وهتافاتٍ مُناوئةً للدّولةِ".

 وكانوا أيضًا قتلةً وظَلمةً،لمْ يسلمْ من أذاهم وشرورِهم شيءٌ، لا مكانَ للشّفقةِ والرّحمةِ في صدورِهم،قتلوا الإنسانَ بدمٍ باردٍ ،وقتلوا الكلابَ والحميرَ والحمائمَ،حتّى الجرذَ أصبحَ ضحيّةً لرصاصِهم ، فهم يرون أنَّ الكائناتِ الحيّةَ مجردَ أرقامٍ لا تُقدّمُ ولا تؤخّرُ ،يقول:"انخرط العساكرُ بنوبةِ ضحكٍ هستيريّةٍ ،أذانُهم غيرُ مُصدّقةٍ مما سمعوه منِ السّيدةِ الموظّفةِ،..إلّا أنَّ أحدَهم أدخلَ الحربةَ الموصولةَ براسِ البندقيةِّ،في فتحةٍ صغيرةٍ تحتَ كُرسي السّائقِ ،فهربَ الجرذُ مذعورًا..صوّبَ أحدُهم رصاصةً لتخترقَ الجرذَ ،وتستقرُّ في دولابِ الباصِ الأماميّ".

بالإضافةِ إلى أنَّهم مُستعبدون إلى حدِّ القداسةِ ،البسطارُ والبندقيّةُ مِنبرُهم ومِحرابُهم ،يقسمون بشرفِ قائدِهم تعبيرًا عن صدقِهم ،بلْ هو مُعتقدُهم وآلهتُهم ،أعماهم الحقدُ الدّفينُ عن إبصارِ حقيقةٍ واضحةٍ كشمسٍ في رابعةِ النّهارِ ، " قسمًا بشرفِ القائد،لنلعن أبيكم وأبا أبيكم، ونحرقكم يا كلاب.. ياحقراء"ويرفعون شعارَ "الأسد أو نحرق البلد".
هم سارقون ومعفشون، انتهكوا حُرماتِ المنازلِ،يكسّرون ويحطّمون كلَّ ما يجدونه في طريقِهم أثناءَ اقتحامِ البيوتِ،يأخذون كلَّ شيءٍ،وعودُهم كاذبةٌ ،ينسون كلَّ معروفٍ أُسدي إليهم،"مجموعة من العساكر دخلوا البيت للتّفتيش، أمُّ حمدانَ تتوكأ على عكازتها،... اصطدمت بهم، رفعت رأسها ،وركّزت نظارتها حتى تستطيع مشاهدتهم بشكل جيّد:على وين يمّة الله ينصركم،ما في حدا هون غير النّسوان،برضا قلبي وربّي عليكم لا تخوفوهن.." و" تعالوا شوفوا هالخيرات.. كأنّما أعدوا هذه الطّاولات من أجلنا،وخصيصًا لنا،كلوا،واشربوا هنيئا".

أمّا الصّورةُ الثّانيةُ فكانتْ تختلفُ عنِ الأولى كليًّا،اذْ أبدى الجنودُ الأردنيون كاملَ تعاطفِهم معِ المُهجّرين ،على اختلافِ رُتبِهم؛ فرّحبوا بهم أجملَ ترحيبٍ ،وأعطوهم الأمانَ ،هدّأوا من روعِهم وطمأنوهم،وقاموا بواجبَ ضيافتِهم،كما أنَّهم نذروا أنفسَهم لخدمتِهم ،وأخذوا على عاتقِهم حمايتَهم،ونقلوهم إلى المُخيّمِ بعدَ التّحقّقِ من وثائقِهم وتسجيلِ بياناتِهم،"رحّبَ الضّابطُ به، أعطاه الأمانَ،وقال:أنتَ الآنَ في حوزتِنا في أمانٍ،لا تخشَ شيئاً،إن شاءَ اللهُ ستكونُ في غايةِ الرّاحةِ، والسّرورِ... حضر عسكري شابٌ صغيرٌ،وطلبَ إحضارَ فنجانِ قهوةٍ للأستاذِ".

هؤلاء الجنودُ كانوا مؤدبينَ في تعاملِهم معِ اللاجئين، فلمْ يقسوا عليهم بكلماتٍ جارحةٍ عندَ مخالفتِهم للأوامرِ،فهم لا يريدون زيادةَ قلوبِهم جراحًا،ففيها ما يكفي ،اهتمّوا بالمرضى وكبارِ السّنِ ،وجهّزوا سيّاراتِ الإسعافِ ِ لنقلِ الجرحى والمُصابين،كما قاموا بإعدادِ(الكرفاناتِ) لاستقبالِ المُهاجرين رجالًا ونساءً ،وسهّلوا مهامَ عودتِهم لاستلامِ وثائقِهم، "اجتازوا السّاترَ التّرابيّ.. سيّارتا إسعافٍ عسكريّةٍ أردنيّةٍ ؛لاستقبالِ جميعِ الجرحى والمُصابين، أو تحسّبًا لأيّةِ حالةٍ طارئةٍ...، قاموا بفصلِ الرّجالِ في (كرفان) وحدَهم ،والنّساءِ في (كرفان) آخرَ.

لقدْ عكسَ هؤلاء الجندُصورةً عن فكرِهم واعتقادِهم،تخلّى فيها سوريو النّظامِ عن منظومةِ القادةِ الشّاميين القدامى،الذين كانوا يحمون البشرَ قبلَ الحجرِ،وأصبحوا أثافي القتلِ والنّهبِ ،بينَما تمسّكَ الأردنيون بخلالِ هؤلاء الأشاوسِ.

23-5-2018

من طهران إلى جنوب لبنان

‏من طهران إلى جنوب لبنان (1)

بقلم- محمد فتحي المقداد 
   هل كان مصادفة أن يأتي ضابط مخابرات ايرانية بهيئة شيخ بعمامة سوداء إلى بيروت..!!؟ 
   في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي.. بعد فترة اكتسب الجنسية اللبنانية.. وترقى ليكون شخصية ذات فعاليات سياسية على الساحة اللبنانية. وكانت لقاءاته المنتظمة مع رئيس الجمهورية والرئاسات الأخرى، وقيادات الأحزاب والطوائف. 
   ومن ثم جاء التقاء مخططه مع قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، من خلال طروحاته بمناصرة القضية، وإيمانه بتحرير فلسطين، وصد اعتداءات العدو الصهيوني، ولم ينس تقديم بعض الدعم المادي والمعنوي، لكسب ودّ وثقة أهل القضية.
   بعد ذلك دفع بأنصاره من (حركة المستضعفين والمحرومين - أمل) إلى صفوف حركة فتح؛ ليتلقوا تدريبات عسكرية، صنعت منهم مقاتلين أشداء، وأول خنجر طُعنت به  حركة فتح في ظهرها وخاصرتها؛ كان على أيديهم، ولم يكذب الشاعر بقوله: "أعلّمهُ الرماية كل يوم.. فلما اشتد ساعده رماني".
   حلّ هذا الضيف الفارسي في لبنان على عائلات في جنوب لبنان، وبنى معهم علاقات اجتماعية بداية، متقرّبًا منهم على أساس أنه ينتمي لهمم، وأنه ينحدر في أصله من جبل عامل. في العام ١٩٥٥مستكملًا أدواته العلمية من حوزة (قم) بجيوب ملآى بالأموال، ليقيم أسس مشروع الحلم الفارسي الأول السيطرة والهيمنة والامتداد والتبشير المذهبي، من خلال الاعتماد على الطائفة الشيعية اللبنانية المهمشة منذ قرون.
   منذ اليوم الأول لمجيئه، استقطب عددا من الأتباع والمريدين، من خلال العاطفة الدينية في المخيال الشيعي، وفكرة المظلومية في الخلافة، وتجديد مراسم التجمعات الحسينية في عاشوراء من كل عام، وما يتبعها من طقوس انمحى اكثرها في بيئة فلاحية، تنتزع لقمتها بكل نفس ذائقة، لم يكن بالنسبة له مجرد حلم، بل كان على يقين من فعالية الأموال التي جلبها معهم، والدعم غير  المحدود لهذا الأمر، فأنعش الأوضاع المادية لعموم الجنوبيين وأهل بعلبك والهرمل، وجميع قرى البقاع ذات اللون الشيعي. من خلال إنشاء مؤسسة أم الشّهيد، والجمعيات ذات العون المادي والطبي لمساعدة المحتاجين، برؤية طويلة الأمد، ولم يستثنى من ذلك القروض طويلة الأجل بلا فوائد.
   هذه الأرضية التي مهّدها على مدار سنوات قليلة، أتاحت له اكتساح الساحة الشعبية الشيعية اللبنانية، أن يصبح الزعيم الشيعي الأوحد، منافسًا بذلك الزعامات الشيعية اللبنانية التقليدية، ويسحب البساط من تحتهم لاحقا، وكان بحق هو (الإمام موسى الصدر) الزعيم الشيعي الأوحد، الحائز بالدرجة الأولى على النسبة الأعلى شعبيا وجماهيريا، وجاء إعلانه عن تأسيس حركة (أمل) تتويجًا لمشروعه، ولتكون ذراعه العسكري، والتي أصبحت رقما صعبا في المنطقة، لفرض شروطه في المنطقة.
... (يتبع)... 
_ا ٥/ ٧/ ٢٠٢٠