السبت، 30 أكتوبر 2021

كتاب ظلال من ورق. جيهان الكردي

 

لصحيفة آفاق حرة:

 

بطاقة تعريفية بكتاب

"ظلال من ورق" للأديبة السورية "جيهان الكردي"

 

المحرر الثقافي – الروائي محمد فتحي المقداد

 

المقدمة:

التوهُّج الذاتي عند "جيهان الكردي" الذي سطرته من خلال كتابها "ظلال من ورق" جاءت خواطره بمنثورها الأدبيّ، بمستويات ذات ذوق أدبي رفيع، على محمل لغويّ متشابك بمعانيه وأفكاره الظّاهرة والخفيّة، لتكون مُحفّزًا ذهنيًّا للبحث عن الغايات والأهداف، ذات البُعد الإنساني الأشمل والأرحب، عندما خرجت من شرنفتها لتُعانق الحياة بفصولها الأربعة، وتلفت الانتباه للجمال والبهاء والنقاء، والإشارة إلى مواطن الحبّ والسعادة فيها. خالفت بخطواتها تلك ممّا هو سائد على السّاحة من كتابات تمحورت حول الفستان الأحمر والأصفر، وما يُعاب عليه من التشرنُق على الذات، وبناء عالم نرجسيّ حول الذات المُتحوّلة إلى حالة مرضيّة.

 

اللغة:

متعة القراءة لا تُضاهيها متعة، وهذه حقيقة لا جدال ولا مِراء فيها، ودواعي جلب هذه المتعة عديدة وكثيرة، من الفكرة إلى الصياغة إلى اللغة العميقة، وطريقة استخدامات بمهارة فائقة، لافتة الأنظار إليها، وهو ما يُنبئ عن نليه بصراحة وجلاء في كتاب "ظلال من ورق"، يأخذ القارئ إلى حالات تأمّل صوفيّة للوقوف على ناصية دروب النصوص في الكتاب.

 

العنوان:

"ظلال من ورق"، والظلُّ آية من آيات الله العُظمى، والظلّ لا يتشكّل إلّ لكتلة ذات حجم وأبعاد وشكلٍ مُعيّن، والظلّ انعكاس الجانب الآخر المُغاير للضوء، والضوء لازمة أساسيّة لتشكيل ظلٍّ ما. إشكاليّة انرياحيّة دافعة للحيرة التساؤليّة، بتحويل المفهوم الفيزيائيّ "للظلّ" من معناه المعنويّ الذي لا يعدو أن يكون لونًا أسودًا، إلى واقع ماديّ ملموس. الأمر الدافع للتفكير باتجاه آخر يُكنّى عنه ب"الهياكل الورقيّة" أو"الكرتونيّة"، ذات هشاشة غير قادرة على الثبات حتّى في وجه نسمة لطيفة، وهو ما بيّنه الفصل الثالث من الكتاب "ورقات الغيم في أيلول"، وقضيَّة التساقط والتعرّي، وفضح المستور والمسكوت عنه. حينها ندرك أن "الظلال" كان من ورق خفيف الوزن، كورقة دفتر، أو ورقة تساقطت من شجرة، لتكون في مهب الريح تُحركها كيف شاءت، وأينما أرادت. وهذه الظلال تكاد أن تكون عديمة الجدوى، لأنها بلا أساسات تُثبّتُ كينونتها. وهذا المنحى خلاف الظلال الوارفة بثباتها خلف الكتلة المُولّلدة لها على الدوام.

 

مواضيع الكتاب:

جاء الكتاب بتقسيماته ذات الفصول الستّة، لكن الفصل السادس وصف بأنه الفصل الأخير. ولكل فصل وصف بين قوسين.

-الفصل الأول: (رسائل إلى لا أحد)، فإذا كانت الرسائل الثلاثون فكأنها إشارة لعمر الأديبة جيهان، فإنها لا شكّ أنّها خاصّة ملئية بالمشاعر والأحاسيس والأحزان، والآمال والطموحات المنثورة هباء على أعتاب وطن جريح، وهي رسائل الربيع، وما هو إلا الربيع العربيّ:

وهذا ما فسرته الرسالة الخامسة بوضوح تام:

"هل فكرت يوما إن كانت أحلامنا متشابهة؟ هل حلمت بسجدة في رحاب الأقصى، وصلاة في الجامع الأموي، وابتسامة سلام في بغداد، وتنهيدة نصر على شواطئ بيروت؟. هل حلمت بأنك تحرر الأهرامات من قيود فرعون؟ وتربت بيديك هل حلمت بعيون صنعاء تصافحك بذاك النور الذي ينبعث من عيني الشمس؟. على أكتاف طرابلس بعد شفاء.

وبعقد تجمع حياته الزمردية من الجزائر والدار البيضاء وتونس، سيكون أثمن هدية تهديني إياها..! هل حلمت بتلويحة قلب عند الكعبة المشرفة وتحية روح في المدينة المنورة؟ وبثوب مطرز من نقوش الخليج الجميلة مع نفحة أندلسية تجعله غلافا لكتاب "كيف توحد العرب ؟ " الذي سوف توقعه أمام تمثال الحرية في واشنطن وأمام انعكاس الأضواء من برج إيفل في باريس؟ وعلى إيقاعات ساعة بغبن في لندن؟ وفي إحدى شوارع روما الجميلة؟ وفي سفينة يلتف حولها شغف النوارس في أسطنبول؟".ص١٤.

وفي الثاني من الفصل الأول: سبعة عشر بوحًا، والبوح الداخلي محاكاة للنفس، والبوح للمحيط الاجتماعي، والبوح لا بد أنه ذو رسائل؛"فقالت جيهان في (ما لم يقلة اللوز في نيسان) كل ما تطمع به وتطمح إليه بقية أشجار الفاكهة وفي كل الشهور. فمن طفلة يغريها اكتشاف ضحكات المطر في رؤيتها الأولى له إلى ناضجة تطلق أسراب الدموع لمراقصته، وبين حواريات وجداريات تأخذنا الكاتبة في دوامة شهية حيث نخلع عنا أقنعتنا في حضرة مرايا نصوصها". غن صفحة الغلاف الأخيرة.

-الفصل الثاني: وهو (اعترافات في ضوء القمر) عشرون اعترافًا، والإشكاليّة أنها اعترافات في ليل وظلام، وربما حاءت في ليالٍ مقمرة. وهذا مثار تساؤلات ذات أبعاد مليئة بالخوف والهواجس، ففي الاعتراف الثالث عشر:" دعني أغامر إذًا.. عساي أعثر على وطن أضعتُه.. وملامح لحارات ومدن تسكن ذاكرة وجعي" ص٧٣.

الاعتراف العشرون وفي ختامه: " وتساقطت الكتب والأوراق، وألوان الدمعة، وأقلام الحنين، تساقط الورد والحبر والفخار، ورحلا ذائبين في خطوط الظلام، على صوت

نحيب القمر وتقطر دموع ضيائه"ص٨٨.

-الفصل الثالث: (ورقات الغيم في أيلول) وهن عشرون ورقة، جاء على شكل رسائل متبادلة بين (هي.. هو)، وذلك بعد الاعترافات السابقة، وبالاقتباس تتبين هوية هذه الأوراق: "غايتي..هل أخبرتك من قبل أنك تشبهين البلاد العربية؛ واضطهادها وجمالها وطغيانها؟. بأحلامها وجنونها / من قال أن الحب يعترف بالكال؟ الحب يعترف بالبشرية، عيوبها وحسناتها، أن تحب محبوبك على علاته" ص٩٧.

"أنا أنا وأنت فلن ترحل! سيرحل الخريف فقط! وسنبقى حكاية كتبت * على جدران القلوب، حكاية لا يعرف أبطالها، ولا حتى أساؤهم، حكاية | تتخطفها الألسنة، وينشغل بها المحبون، دون أن يكون لنا نصيب من خبرها". ص١١٧

-الفصل الرابع: (أسراب الدموع تراقص المطر) عشرون رقصة أثّثت بأفكلرها مساحة هذا الفصل، فتقول جيهان:" عاد الشتاء حاملا مع كل قطرة ألف حياة، معاندًا جفاف رحيلك، مقاوما غبار الخيبات، في الأمس مشيث تحت المطر، تناولت الحب من يد السماء، وابتسمت له!". ص١٢١. وتقول أيضًا: "كل شيء ذهب! اللوز والربيع والقمر وأيلول! وما بقيت سوى الأحزان، تعاندني عن ركوب الأمل والإبحار مجدداً في بحر الحياة". ص١٢٦.

الفصل الخامس: (إلى ظلّي الآخر) وهي كذلك عشر رسائل تتبين بعض محاورها، بتتبع شيء من أفكارها وهو ما في الرسالة الثالثة: "هل تنام الظلال حين ننام؟ هل تأوي إلى أحلامها باكية تزخرف بالدمع وجه وسادتها مثلنا ؟ أم أنها تهرب من أوجاعنا باحثة عن ركن عن مخبأ، أو ربما عن ظل آخر تأوي إليه بشجونها وجنونها وفراغاتها، تمشي على رؤوس أصابعها بينما نحن غارقون في قصصنا وتنزلق خارج أسوار دموعنا، لكنها لا تدرك بأننا لن نمانع الهرب معها إذا ما خيرنا، فإن كنت يا ظلي العزيز لا بد هارب دعنا نهرب سويا فتعثر على ظل يرافقك وأعثر على روح تشبه روحي! لا تدعني دون ظل يغطي تفاصيل الحكاية، لا تترك حروفي عارية دون ظل معنى يهبها جمال التخفي.!". ص١٥٩

-الفصل الأخير: (شجرة الحب)، أربع عشرة ورقة، بالتوقف عند أول واحدة منها للاستدلال بمحتواها الفخم:" أكاد أشفق على القلوب التي لا تبصر معنى الجمال في آيات الله، ولا أقصد ذاك المعنى السطحي الذي لا يحمل سوى الانبهار اللحظي، بل أقصد المعنى الذي يأخذك بكليتك إلى عمقه، وتعلم أن اندهاشك لا يتوقف عند هذه اللحظة بل يمتد عميقا في روحك فتصبح أنت منه على حالة دائمة من التفكر والتسبيح، وكما ورد في الكتاب العزيز: "ويتفكرون في خلق السماوات والأرض"، فلم يقل يفكرون بل قال يتفكرون، وكان التفكر حالة مستمرة من التحديث حول ما يبصره قلبك ولا أقول عينك، لأنك هنا تراه بقلبك، فأنت ترى الغروب وتتفكر في هذه الصور، ثم في يوم آخر تتكشف لك معان جديدة رغم أنه نفس الغروب، وهكذا كل مرة" ص١٥٩.

الخاتمة:

متعة التطواف بين ثنايا كتاب" ظلال من ورق"، والتنقّل من فكرة إلى فكرة، جعلت مغادرته تبعث الأسى الموجع في قلب القارئ، خاصّة عندما يستشفّ الوجع والألم الممضّ في قلب والكاتبة" جيهان الكردي"، التي رمّزت له بحرفيّة أدبية عالية المستوى، بما نبشت من مكنونات اللغة العميقة، ذات شيفرة مُحكمة تحتاج خبير لفكّ رموزها.

 

عمّان- الأردن

 

٢٩/ ١١/ ٢٠٢١

 

 

كتاب عناقيد عنب. سميرة

 

 

 

لصحيفة آفاق حرة:

 

بطاقة تعريفية

 بكتاب "عناقيد عنب" للأديبة الأردنية "سميرة عرباسي".

 

المحرر الثقافي – الروائي محمد فتحي المقداد

 

المقدمة:

صدر حديثاً كتاب "عناقيد عنب" للأديبة الأردنية "سميرة عرباسي"، وهو إصدارها الأول، ولسهولة التعاطي مع المنتج الأدبي بشكل عام، لا بدّ من تسمية اللون الأدبي الذي كتبت فيه سميرة "عناقيد عنب"، وللخروج من دائرة إشكالية الخلاف، فلن أتردّد في الذهاب إلى رحاب الخاطر وهو ما خطر للإنسان في دواخله، من فرح وحزن، وتفاؤل وتشاؤم، واجتهاد وكسل، وصحوة وكبوة، وشجاعة وجُبن، وهكذا إلى آخر قائمة المتقابلات والمتضادات الناتجة التفاعل الإيجابي والسلبي، والتعاطي مع الواقع. والخواطر حالة إنسانية عامة، يتشاركها جميع بني البشر.

 

العنوان ودلالاته:

من خلال تتبع معظم نصوص الكتاب "عناقيد عنب". لوحظ أن الذاكرة هي محور استجلاب النصوص والأفكار، وعلى محمل الذاكرة ارتسمت ملامح ذاتية الكاتبة "سميرة عرباسي"، وإذا انتحينا جانبًا آخر، أجيز لنفسي بالذهاب إلى أنها جزء من سيرة ذاتية، موشّاة بخيوط ذهبية ذات أبعاد أدبية، بلغة متفاوتة التدرج ما بين العالية والمتوسطة البسيطة مُستبيحة مباشرة الطرح.

وكما يقال: " فإن المكتوب يُقرأ من عنوانه"، والعنوان عتبة النصّ الأولى، بما تفتح شهيّة القارئ لالتهام النص، وبما تفتح له من أبعاد دلالية، باعثة على المقارنات والتساؤلات، والذهاب للتأويلات التي ربما تخطئ في كثير من جوانبها، أو تصيب في أقلّها.

و"عناقيد عنب" هذا العنوان الذي يرمي بمفاتيحه، لمتابعة، كلمة عناقيد جمع، وعنب مفردة وجمع في آن واحد. وكم هي الآيات القرآنية التي جاءت على ذكر كلمة "عنب، وأعناب"، يغني ذلك أن العنب فاكهة تعيش في معظم بقاع الكرة الأرضيّة، ويعرفها جميع البشر. ففي رؤيتنا الأولى من خلال للنص الذي تربع كعنوان رئيس للكتاب. من خلال رؤية الكاتبة: "لا شيء يشبهك سوى عنقود عنب، ألم تر بيني وبين الجمال علاقة سوى ذلك العنقود؟!!". ص٦٤. وتقول أيضًا: "ولكن عيناك الخضراوين جعلاني أربطك كثيرا بعنقود العنب، فحين أعود من المغترب صيفا، وأجلس تحت دالية منزل جدي؛ أشعر ببرودة الظل تسري في جسدي، وأشعر بذلك الاحتماء اللذيذ من الحر.. تماما كجلوسي معك، وأنت تظللين قلبي بنظراتك التي اكتست بعشب عينيك الأخضر وعبراتك المنبعثة من خضرة قلبك.. وما زالت تعويذة حبك الخضراء تحميني من كل أذى..بل رأيت" ص٦٤. وفي مكان آخر:" بل إني أشعر بالحنين وبالشوق لذلك العنقود حين أراه في عينيك.. فما أجمل تلك اللهفة التي تكون بالرغم من القرب"ص٦٥.

نلمس من خلال ما تقدم من رؤية الكاتبة، التي جاءت على محمل ذكرياتها، والزمن الجميل، بيت الجد والعائلة ودالية العنب، والسهر والسّمر في أيّام الصيف، حين يحلو مذاق الحكايات بنكهة الماضي، والعودة للبساطة في الحياة بأصالتها، نزوع للهدوء مقابل تسارع حياة المدينة وضجيجها المُقلق والمُتعب والمُرهق للإنسان بشكل عام.

 

دلالات عناوين النصوص:

"رسائل إلى صديق. حقيبة الذاكرة، أبحث عنك، الأدوار المتبادلة، سطوة الحزن، في حضرة الغياب، الحطام، الرسمة المبتورة، البحث عن نرجس، أرواح مبعثرة، أحزان أنيقة، السيدة زينب، المحطة، عازف الخيبات، ديون، شتاء العمر، كواليس الروح، مهرجان الفصول، ظهور الديناصور، غريب في بيتنا، عناقيد عنب، واقع في هيئة كابوس، الوجع الزائر، القلب الباكي، غياب الورد، رفيقان على موعد، كلمات متقاطعة، طیف زائر، قصاصات، المشهد الأخير".

بتأمل بسيط لهذه العناوين ذات الطيوف القادمة من منابع واقع الحياة، ألا نلمس فيها حجم المعاناة، والآلام، والآمال والأحلام، والشوق والحنين، والموت والحياة، والنزوع إلى الأفضل والأحسن. ومن هذه العناوين نستطيع تشكيل نص إبداعي، بعد إعاجة تدويرها في نص أدبي جديد.

 

الخاتمة:

لاشكّ عندي بعد مطالعة كتاب "عناقيد عنب"، تأكد بأن الإنسان ابن بيئته، التي تنعكس بآثارها عليه، مما ينعكس سلبًا أو إيجابًا على سلوكه الاجتماعي، وكذلك فعله الثقافيّ على السّاحة، والأدب الاجتماعي يكتسب مصداقيته من واقعيته الصادقة، فتأتي عين الأديب كما فعلت الأديبة "سميرة عرباسي"، وبذلك لا تكون إلا ابنة وفيّة وبارّة لمجتمعها، وقضاياه الملحّة، وما كانت إلّا مرآة عكست من تجربتها كجزء من حالة عامّة تتكرّر أو تتشابه أو تتقاطع مع حالات الآخرين.

 

عمّان – الأردنّ

٣٠/ ١٠/ ٢٠٢١