بيان اِحْتجاجي
(نصُّ بنكهة خاطر)
بقلم. محمد فتحي المقداد
للصَّمت والتفكُّر في حالة الجدار المُتْعَب بصبره الطَّويل، حالات فنيَّة تستوجب الاِنْتباه والتَّضامُن. أنينه المُتواصِل من وطأة ثِقَل أربعٍ من السَّاعات. اِثْنتان من ذَوَات العقارب، والأُخريان تُومضان بلونها الأحمر لتظهر أرقامهما الإلكترونيَّة.
العيون جميعها مُصوَّبة على العقارب والأرقام، والجدار بِصبْرٍ شديدٍ؛ يمتصُّ فائض نظرات الزَّبائن، ووقتتهم المهدور على مساحات لَهْوِهِم لساعات طويلة في لَعِبِ الوَرَق.
حركة النَّادِليْن لا تتوقَّف طيلة نَوْبَة دَوامِهِما. كَثْرَة الطَّلبات لم تترك لهما فُرصَةً لاِلْتقاط الأنفاس، ولا لِتَلمُّس أوجاع الأرجُل، والملل يتثاءب في صَدْريْهما. أصواتُ الزَّبائن تتمازج مع قرقرة النَّراجيل التي تحتلُّ الصَّالة، وتتزاحم مع أدخنتها المُنبَثِقة من الأفواه.
اِخْتلاطات النِّداءات المُتوالِدَة؛ لتلبية الطَّلبات، وأصوات أَكْؤُسِ الشَّاي وفناجين القهوة. غاب اللَّونُ الحقيقيُّ لطلاء الجدران المُعتِمَة. تراكُمات أكوام من ذرَّات الغُبار النَّاعم ودُخان السَّجائر والأراجيل وأصوات الزَّبائن منذ تأسيس المقهى وللحظة إعداد هذا البيان.
حُماة وأنصار البيئة رفعوا لافتاتٍ؛ تُندِّد بالتلوُّث البصريِّ والسمعيِّ في المدينة، مُطالبين بإنقاذها من أعداء البيئة. وهناك لافتة من بينهنّ ارتفع سقفها؛ للمطالبة بالحماية الدوليَّة من منظمَّة اليونسكو، لإدراج المقهى ضمن لائحة التُّراث العالميِّ.
بعد ساعة اِنْفضَّت التَّظاهُرة، وكأنَّها زوبعة في فنجان، العديد من الشُبَّان والشابَّات التقطوا الصُّور الجماعيَّة والسِّلفي، والبثّ المُباشر على وسائل التواصل. عاد الهدوء والنِّسيان للمكان، وبقي كلُّ شيء على حاله على مدار سنوات ولم يتغير.