الأربعاء، 17 يونيو 2020

حوران البيئة المكانية في رواية دوامة الأوغاد - بقلم سامر المعاني

 

حوران البيئة المكانية

في رواية دوامة الأوغاد

للروائي السوري محمد فتحي المقداد

بقلم - سامر المعاني

 

 

دوامة الأوغاد صادرة عن دار عمار للنشر والتوزيع عمان الأردن 2017 صمم الغلاف الشاعر السوري محمد طكو قدّمه الشاعر الروائي المقداد متضمّنًا غلافه، والإهداء نصوص مقتبسة من المنتج المتضمن 23 بابًا و 224 صفحة.

الرواية تمثل النمط والواقع المعيشي بأسماء مكانية وأسماء وألقاب مُستعارة تمثل مرحلة ستينيات حتى سبعينيات القرن المنصرم،  حيث  حوران  المكان الذي ولد وعاش فيه الروائي، علمًا أن حوران هي أجزاء واسعة من جنوب سوريا وشمال الأردن، حيث التشابه في كل شيء الممارسات والعادات والألفاظ والنمطية العملية والزراعية والمعيشية مع اتساع الرقعة المكانية والحدود السياسية بين الدولتين.

المقداد في دوامة الأوغاد استنطق المكان والزمان؛ ليكون مؤرّخًا لتلك الحقبة من الزمن بأدقّ تفاصيلها، وأدقّ المؤثرات، وكأنها تحاكي كل حوراني عاش أو نقلت له أحداث هذه المرحلة  فهي سرد قصص تَعايَشنَا سردها ونمطيتها.

أدرك الروائي المقداد خصوصية الحقبة، وحوران الزراعية البسيطة  الغافية على التعب والجهل والحاملة في سنابلها الحب وعرق الفلاحين الذين ينتظرون  لقاء السمر المفعم بالحب وقصص السارحة في مدار البطولة الجسدية، والأوهام الضائعة بين الحيوانات المفترسة (الضبع)، والمستعارة من  حصار الفكر بالأسماء والقصص المتكررة  والخرافات (أبو الهول) ولعلك أمام قصة واحدة متكاملة، نقلها مع كل ضيف أو كل مكان جديد، وما أقلها تلك الأمكنة  الناعسة غافية على قناديلها القديمة، والمفعمة بالبساطة وكثير من البركة في الوقت والمحبة.

***

الأسماء والألقاب المتضمنة في الرواية، وحتى اسم القرية الذي اختاره الكاتب على أنه غير واقعي، ولا توجد قرية على أرض الواقع بهذا الاسم, إلا أنها في رأيي تمثّل كل قرى حوران بكل تفاصيلها السردية، حيث انتشرت الألقاب بين الناس لحدّ الإستغناء عن الاسم الحقيقي كفرد وكعائلة وكمنطقة، حيث تُلغى الأسماء الحقيقية ولا تذكر، إلا في محاضر الدوائر الحكومية، وتصبح الألقاب ملازمة حتى عند من حملها مُستمدّة من سلوك أو مهنة أو صفات خلقية وخُلقية أو تضاريس مع بعض الألقاب العائدة على صاحبها،  التي نجمت عن موقف أوٍ لقب يعود لوظيفة، أو منصب جهوي  حتى بعد انتهاء عمله، وهذا واضح بامتياز في دوامة الأوغاد (النمس - العفاريت - المختار  البيك - الازعر- أبو غليون).

***

ومن الإشارات أيضا بأن المقداد أشار إلى أسماء الأدوات والحركات والأشكال وجميع الأسماء المرافقة للمنزل وللزراعة، ووضح ماهيته وعمله بين قوسين مثل (الزينكو - السنسال - الزغرودة - المشورب - تفوووو- وغيرها الكثير).

المفردة المتلازمة وهي مفردات يكررها شخص بشكل مستمر عند كل حديث؛ فتصبح صبغة  خاصة به  لها وقعها عند المتلقي  كالعذر المتكرر وعند الإستهلالية بالحديث أو في الدهشة، وكانت منتشرة حدّ أن يُستغاب صاحبها بتلك المفردة مهما كان مضمونها.

من يقرأ دوامة الاوغاد يؤكد ما أسلفنا به، إنها رواية تؤرّخ  المكان الحوراني ليس فقط بحدث ومكان وأسماء، بل هو يؤرخ لخصوصية المفردة والتراكيب وهو الناقل للصورة المجتمعية، بصورة واقعية بسيطة ومفردة حواريّة متضمنة لسان ولهجة أبطال الرواية،  بعيدًا عن  التأويل والإيحاء والرمزية فقد استخدم المفردة الدارجة بلسان الراوي، فمنها ما كان عاميًّا مفهومًا ومستخدمًا حتى الآن، أو عاميًّا انقرض مع تقدم الزمن وحياة العولمة، وتغير الصورة المجتمعية لتلك البيئة المكانية، وخاصة في القرى القريبة من المدن في حوران السورية والأردنية، وهذا يمثل الأسلوب السردي المباشر الذي امتازت به المدرسة الكلاسيكية في السرد الروائي.

المثل الشعبي احتل مساحة واسعة في كل أبواب الرواية  لدرجة أنك ربما تجد المثل الشعبي  يحتل كل صفحة من صفحات الرواية،  استخدمها الروائي المقداد على لسان أبطال الرواية  تمثل الحالة والواقعة، منهم من يستخدمه عند كل أمر ومنهم من يستخدمه من شدة هول الحدث، ومنهم للتشبيه، أو  للمقارنة،  ومن الأمثال من لها علاقة  بالمناخ والتضاريس والبدعة، ومنها من كانت للمواساة وعند المرض والفرح والترح.

***

السلوكيات المجتمعية والتي غلب عليها الجهل  كانت حاضرة في الرواية من حيث وجود الأمراض المجتمعية، كالحسد والنميمة ووجود أشخاص يمارسونها بشكل مباشر وغير مباشر، وسرعة انتشار الخبر والإشاعة والحدث بتفاصيل وإسهاب حدّ المبالغة مع كل شخص ووقت، كما السلوكيات التي كانت تمارس بالخفاء، والتي تمثل أمراضًا إجتماعية  لا يقيّدها دين ولا خلق، والخوف من العيب والعار وسيطرة الإقطاعيين، وقلة التعليم في مفاصل الحياة النابعة من الجهل  المتكئ على  الفقر وعدم الإختلاط والإندماج.

المرأة كانت موجودة في دوامة الأوغاد الزوجة والنساء كمجتمع، وعلاقات سيدات القرية ببعضهن البعض ، والتي كانت تمثل رمز الطيبة  والبساطة.

فلم تكن الرواية خارجة عن الهمّ العربي العام، وتأثيرات الشأن السياسي والحروب، وهُم من عاشوا فترات احتلال فلسطين و حرب الاستنزاف، ورفع وتيرة وأهمية الحوارات والجلسات العائدة إلى المرحلة وهول وجدية الأحداث حيث  الحوار القائم بين الأساتذة عطاالله و فهيم، وازدحام المشاهد الفرعية إلى الوضع العام، وكيفية  التعايش مع الأزمات، وموقف الحكومة من التعامل معها ومع الشعب.

***

القرية  التي كانت تنام على المحبة  رغم كل ما تطرقنا إليه  من وصف لتلك الحقبة الزمانية والمكانية، إلا إنها كانت تنسج دروسًا من الوئام والشعور مع الآخر، لم تكن تحلم  بأكثر من رزق حلال وبيئة  آمنة لهم ولأولادهم؛  لتجد ما أصاب كل القرى في الأمة بانتشار القبضات الأمنية، وانتشار الفتن والرعب من كل شيء، وكانت الدولة تمثل الرعب الذي يحيط بالناس في كل مكان، حتى جدران البيوت بعد انتشار المخبرين و قبضة الدولة القوية،  التي كانت تعتمد على الأحكام العرفية، فتشعر الناس بأن وجودها مُرتَهَن بتخويف الناس وترهيبهم بشتى الوسائل في جميع مناحي الحياة.

***

تسلسل الأحداث والنهاية المفتوحة من الخوف وعدم الثقة بعيدًا عن التخصيص والأشخاص، والترابط القصصي والفقرات في نقل مشاهد الرواية  سلسة وشيقة، كما عمل تعدد الأحداث وتشابكها من الرواية عذبة التناول  زاخرة بالتجديد، والتي ارتهنت لبيئة مغلقة رغم اتّساع بنيتها المشهدية  واستقطاب الشخوص المؤثرة في الأحداث، والتي رفعت من تأثير الحبكة والصراعات  التي أخذت معظم فصول الرواية، إلا من انعطافات وانتقالات تغيرت مع مرور الوقت، والتأثيرات الخارجية على مفاصل العمل.

دوامة الاوغاد للروائي السوري الحوراني محمد فتحي المقداد الإنسان الراقي والمهذب، عالي الهمة والقلب النابض بالحب لجميع الناس تتمثل الرواية المدرسة الكلاسيكية، فيها إعادة للتركيز على اللهجة الحورانية ببساطتها، قبل دخولها واندماجها مع اللهجات الأخرى، حيث ما زالت المفردة محفورة في ذاكرة أهل حوران، ومواليد ما قبل عام 1975، حيث بداية انتقال تلك القرى إلى نمط معاشي وتعليمي مختلف، وتغير ديموغرافي أيضا يسطر بروايته حديث الناس والأرض.

المرجع: كتاب منارات عربية - سامر المعاني ص55

 

***

ــــــــــــــــــــ


مقدمة كتاب (إضاءات أدبية) للروائي محمد فتحي المقداد


مقدمة كتاب إضاءات أدبية- للروائي محمد فتحي المقداد



أحمدُ الله ربّي على أن بثّ في أوصالي القوة، وفي عقلي القوّة على التفكير ومحاكمة ما قرأت وما كتبت، منذ سنوات كلّمّا قرأت كتابًا، كنتُ أتوق لحفظ الخطوط العريضة على الأقلّ، لسهولة الرّجوع إليها، كلّما احتجتُ واضطرّني الأمر لمعاودة استذكارها، وجاء هذا الكتاب حصيلة سنوات تنوف على العشر، ليس هذا  كلّ ما قرأت بل بعضه، هو الذي كتبت عنه قراءات وإضاءات.
ولا أدّعي أنّها نقد، بل هي إضاءات سجّلتُ فيها ما أسعفني ذهني في فهمه، وما استقرّ في قلبي من اطمئنان لما قرأت وطالعتُ. فالدّراسات النقديّة يجب أن يكون من يتصدّى لها على علم تامّ، وإلمام بطرق النّقد ومناهجه ومذاهبه، التي لم أحصل منها إلّا على ملامسة بعض منها. وهو ما لا يؤهّلني لوصف كتابي هذا بأنه نقديّ. وإن كان البعض من المعجبين بما قرأ لي من هذه الإضاءات على صفحات التواصل الاجتماعيّ حين أنشرها، بوصفها أنّها نقديّة.
   وكما يُقال: (رحم الله امرءًا عرف قدر نفسه)، فلا أستطيع وضع نفسي في موضوع لا أراه مكاني الطبيعيّ، ليس المهمّ عندي الوصف الخارجي، بل اعتنائي وتركيزي على الجوهر الداخليّ، وبما اعتقدتُ أنّني قدّمت خدمة للقراء حاضرًا ومستقبلًا، بتوفير مادّة معينة لهم رافدة لهم في الاطّلاع الوجيز على عناوين كتب، مقرونة بأسماء كُتّاب وأدباء وشعراء، خلال هذه الدوحة المضيئة بإضاءاتها.
عمان – الأردن ــــا 3\ 6\ 2020