الأحد، 14 نوفمبر 2021

انتحار الأصنام

 انتحار الأصنام


بقلم محمد فتحي المقداد


‏انتحار الأصنام.. هل ستنتحر الأصنام ذات يوم؟.

كل التطور المادي والتقني الحاصل للبشريّة في الحاضر؛ لم يستطع نزع فكرة عبادة الأصنام من نفوس البشر على الإطلاق. لكن عبدة الأصنام إذا ضاع إلاههم، هل سيصنعونه مُجدّدًا من عجين خبزهم. فإذا جاعوا لن يجرؤوا على التهامه، كما فعل العرب الأوائل. من المتوقّع؛ أن يذبلوا ويموتوا وخوفهم يُجمّد الدماء في عروقهم. وبذلك يكونون قد استكملوا غاية حياتهم للصنم. 

قبل عِقْديْن من الآن، احتفظتُ بصورةٍ اقتطعتُها من جريدة، وهي لتمثال من الحجم الكبير للقائد السوفياتي "جوزيف ستالين"، كانوا يحتفظون به في مستودع خاص لبلدية موسكو، المفارقة التي تبعث على الاستهجان، أن عاملًا للنظافة يعتلي صدر التمثال، وبيده مكنسة، يزيح عنه الغبار والأتربة.  كما أنّ عمالًا بهيئة قناة السويس في مصر بطريق الصدفة، أثناء قيامهم بأعمال الإخلاء للمبنى 1998، عثروا على تمثال نصفي من البرونز، صنع 1963 للرئيس "جمال عبدالناصر" صاحب قرار تأميم القناة، في مخازن المبنى التاريخي لهيئة قناة السويس ببورسعيد. . 

وفي أيام الحرب الأهليّة اللبنانية التي دامت سبعة عشر عامًا، قامت بلدية بيروت بنقل تمثال "رياض الصُّلح"، أو ساحة "عاشور"التي أنشئت في مكان سوق المواشي. كما كانت تسمى قبل ذلك إلى أحد مستودعاتها حفاظًا عليه، بعد استهدافه برصاص الميليشيات المُتصارعة على اللا شيء، فقط كانوا بيادق يتحركون على رقعة الشطرنج بواسطة "الريموت كنترول". وأعيد التمثال إلى موقعه الأصلي في عام 1998، بعد إصرار الأمير السعودي "الوليد بن طلال" على إعادة تمثال جدّه لأمه "رياض الصُّلح" إلى مكانه، أثناء إعادة إعمار وسط بيروت ومشروع "السوليدير". 

بينما في بغداد ودمشق كان الأمر مختلف تماماً، ففي العام 2004إثر سقوط بغداد الثاني على يد قوّات التحالف الدوليّ الإستعماريّ للعراق، وفي ساحة الفردوس، حيث ركّز الإعلام على مشهد الرّافعة التي خلعت تمثال الرّئيس العراقيّ، في حين كانت فرق متخصصة لسرقة الآثار والتحف من متحف بغداد.

أمّا محافظة درعا جنوب سوريا التي انتفضت على ممارسات القمع الممنهج، وانتهاك الحربات وحقوق الإنسان، قامت الجماهير السوريّة الغاضبة بتحطيم التمثال في إحدى أكبر ميادين مدينة درعا. وحذت حذوها باقي المحافظات السورية.

وفي جمهورية مصر العربية، ومع تغير العهود السياسية منذ بداية المرحلة الناصرية 1952، فقد أزيلت معظم تماثيل الرّئيس "جمال عبد الناصر" خلال المرحلة الساداتية، نسبة الرّئيس "أنور السادات" بعد استلامه للجكم 1971بعد وفاة الرئيس السابق. وكان مصير تماثيله الإزالة، وهي التي نُصبت خلال  فترة حكمه إلى عام 1987بعد اغتياله في حادثة المنصة 1981على يد ضابط مصري أثناء استعراض عسكري. وبعد استلام الرّئيس "حسني مبارك" جاءت تماثيله الجديدة لتحلّ مكان سابقتها، إلى أن اقتلعتها رياح التغيير "الربيع العربي" 2011نهاية حكم العسكر، وانتخب للمرّة الأولى رئيس مدني في تاريخ مصر، ليعود العسكر عبر انقلاب الرّئيس "عبدالفتاح السيسي" في 2013. وتجيء المرحلة بتماثيلها الجديدة.      وعند وفاة "كيم إيل سونج" الزعيم الكوري الشمالي، رثاه الشاعر:

"لقد تركت وراءك حاملاً ثقيلاً. عشرة ملايين مواطن، وثلاثون ألف...تمثال".

يقين أنّ لكلّ مرحلة رموزها من تماثيل وشعارات، وألوان من الحكم للعهود الجديدة تُميّزها عن سوابقها، وبشكل عام فالنُخب الحاكمة هي الرابح الدائم، والشُّعوب هي الخاسر الدائم أمام سطوة العسكر، رغم أنها صاحبة القضايا العادلة.

شهادة ابداعية لتوفيق جاد/ رواية بنش مارك

 شهادة إبداعية - عن الروائي والقاص توفيق جاد

قدمت في حفل توقيع روايته (بنش مارك) في ملتقى إربد الثقافي بتاريخ ٢٠/١١/٢٠١٩


بقلم- الروائي محمد فتحي المقداد

ليس غريبًا أن تكون الموهبة قدَرًا، تبقى كامنةً كبصيص نارٍ تحت الرّماد زمانًا بانتظار فرصتها المُواتية بالظّهور علنًا جليّة كالشّمس في ضُحاها. 

تتملّكني الحيرة عندما يُطلب منّي الكتابة عن صديق. خوفًا من عدم إيفائه تمام حقّه أو جزء منه. ولكن لابدّ من المجازفة. 

المشهد يتّسع بمساحة الرؤية الواضحة أمام موهبة أدبية تأخّرت إلى جاءت في موعدها، وأن تصل مُتأخرًا خير من عدم المجيء، وصديقنا المُحتفى به (توفيق أحمد جاد)، لم يتركه اسمه نهبًا لأعنّة الرّياح تأخذه في اتّجاهات شتّى، بل منحه النصيب الأقوى والأسمى من اسمه بمعانيه، فهو مُوفّق، محمودُ الصّفات، جادٌّ باجتهاده ومثابرته اشتغالًا على نفسه. 

جاءت تجربته الأولى(الصّرير) تتهادى على مسارات خطوط القصّة القصيرة النّابعة من واقع الحياة المُعاش، بأسلوبها المُبسّط المفهوم بيُسر وسهولة مُبتعدة عن التعقيدات المُرمّزة التي تحتاج لكثير من التأويل والتفسير. 

وبعد اجتياز الدرجة الأولى من السُّلّم، لم يتوقف (توفيق جاد) عندها، بل ارتقى درجة أخرى، حاملًا معه روايته الأولى (الغداء الأخير) من وحي الشّتات الفلسطينيّ بتفصيلات وحوادث أصبحت في ذمّة التاريخ، لتنمو الرواية بحدثها السّرديّ مع الجيل الأوّل من أبناء المُهجّرين والنّازحين من ديارهم، من خلال تشابكات الحياة الاجتماعيّة في الأردنّ موطنهم الجديد. 

ومزاوجة ما بين تعالقات ومُخرجات ما حدث للشعب الفلسطينيّ. بمقاربات واقعيّة أضفت مصداقيّة في سرد الحدث الروائيّ. 

وتابع (توفيق جاد) مُخربشًا خواطره على جدار قلبه، وخلاصة مُصفّاة لتجربته الحياتيّة، جاءت على شكل خواطر ومقولات مُثقلة بحمولات الحكمة والنصيحةِ مُوحيةٍ بوعيه العميق، ودرايته في إدارة مفردات كتابه (خربشات). 

ومن صميم عمله على مدار سنوات كمسّاح، ودراسته المساحيّة أيّام شبابه، انتبه لموضوع مهنته؛ لتكون نقطة مرجعيّة رافدة للمشهد الثقافيّ بأبعاده المُتعدّدة، بمنجزه الروائيّ الأنضج تحت عنوان (بنش مارك) وإن كنتُ تمنيّتُ عليه استبدال العنوان باسم عربيّ دالّ على الحدث السرديّ، مثلًا ليكون (حجر مسّاح) أو أي شيء آخر بلسان عربيٍّ مبين. 

و(بنش مارك) هو مصطلح مساحيّ عبارة عن نقطة مركزيّة مرجعيّة للمسّاح يرجع إليه،  كلّما احتاج العمل في محيطها وجوارها. وألقى الضوء على معدّات المساحة وأدواتِها ومصطلحاتِها. 

كما أجاد بنقل المكان وخصوصيّة من مدينة عمّان إلى صفحات مقروءة. الرواية اجتماعيّة  بمفردات أحداثها ما بين الطموحات والآمال، وما تحقّق منها، ومليئة بالوقائع والأحداث المُكتسية بزمانها ومكانها. 

توفيق جاد لم يتوقّف عند حدود نفسه، بل انطلق إلى جواره من خلال العمل التطوّعي العامّ مع منتدى الجياد الثقافي أوّلا،  من ثمّ مع الجمعيّة العربيّة للفكر والثقافة في الرمثا. 

من خلال هذين الصّرحيْن مدّ يده للمواهب الشّابّة، بمحاولة دفعها إلى ميدان الثقافة، وأهم إنجازاته كان كتاب (عتبات صغيرة) أشرف عليه طباعة، بعد ان عمل مسابقتان للهواة، وكان له شرف توثيق الحدث وإخراجه للجمهور بكتاب جميل. 

تتبدّى لنا قفلة الرؤى كما الأرض، باختتام شهادتي هذه عن صديقٍ وفيٍّ مُثابرٍ مُحبٍّ. 

رؤيتي بما عرفتُه، كما السماء الكاشفة لكلّ تفاصيل الجانبِ المضيءِ عند توفيق جاد، ولم تكن ملفّقة هذه المرّة كما شهدتُ سابقًا على العتمة، وهو الذي اهتممتُ به، بعيدًا عن الشخصنة والخصوصيّات. 

تحياتي لكم أحبّتي على كرم المتابعة. دام فضلكم 


إربد ٢٠١٩/١١/٢٠