الثلاثاء، 29 مارس 2022

الطريق إلى الزعتري. أحمد العربي

 رواية الطريق إلى الزعتري تكتب عن قرية في حوران لتوثق أحداث الثورة السورية

الرواية وغيرها مما كتب من أدب وتوثيق سياسي وفكري عن الثورة السورية، سيكون ـ يوما ـ الضوء الذي ينير هذه الحقبة السوداء من تاريخ سوريا الخاص، ويظهر العار الذي يجلل العالم المتفرج على هدر دماء السوريين.

كتب وملفاتالثقافة والفنون

بتاريخ: يناير 15, 2020

 صورة معدلة لغلاف الرواية-مصدر الصورة:الأيام السورية

 0

 المشاركة

الكاتب: محمد فتحي المقداد.

قراءة: أحمد العربي.

الناشر: دار عمار للنشر والتوزيع. الاردن/ط١، نسخة ب د ف ، ٢٠١٨م.

تتحدث الرواية  عن واقع الثورة السوريا من منظور الروائي، تعتمد صيغة الكتابة الإخبارية، هناك راو متوار خلف الشخصيات، يكتب تارة عن الآخرين وما يعيشونه من المتغيرات، ويضع أحيانا بعض الشخصيات في حالة التكلم عن الذات، في خليط بأسلوب الكتابة.

الكاتب لا يلتزم بخط زمني صاعد متواتر في الحدث الروائي، إلا بمقدار محدود، ليخدم السياق الروائي كما يراه، والرواية مكتوبة بطريقة الخطف خلفا، يعني من لحظة ما قريبة من خاتمة الحدث الروائي، التي أصبحت حاضرة في كثير من الأعمال الروائية.

تبدأ الرواية من المحامي خالد ابن قرية من قرى درعا (حوران)، متواجد في إحدى الدول الأوربية، حيث وصل إليها في رحلة اللجوء السوريا، على أثر أحداث ثورتها. خالد المنتمي للثورة، الذي حمل على عاتقه مهمة توثيق أحداثها، منذ البدء في قريته (موج) وامتدادا إلى درعا مهد الثورة السوريا، يخوض في واقع الثورة من البداية حتى رحلة لجوئه.

يقلب خالد الدفتر الذي رصد به وقائع الثورة السوريا، يبدأ من أطفال درعا الذين تأثروا بما نقلته لهم الفضائيات عن حراك ثوري طال تونس ومصر وليبيا وأدت إلى إسقاط أنظمة قمعية استبدادية، كان من المستحيل أن تسقط قبل حراك الربيع العربي الذي بدأ في أوائل عام ٢٠١١.

مما شجع الناس في سوريا على رفع الصوت أمام النظام الاستبدادي السوري، متجاوزة حاجز الخوف نسبيا، كما حصل في سوق الحريقة حيث تحدى مواطن شرطي، وتلاسن آخر مع وزير الداخلية، وأخبره أنه مواطن وإنسان.

لم يسكت الأمن عن كتابة أطفال درعا على جدران مدارسهم، (جاك الدور يا دكتور، أو الشعب يريد إسقاط النظام)، فتم اعتقال الأطفال والتنكيل بهم، ولم يستجب لأهلهم والوجهاء في درعا حول التجاوز عن فعل الأطفال، بل قُتل الاطفال وطرد الأهل بشكل مهين.

أراد النظام أن يوصل رسالة تحذير وتخويف للشباب السوري وللشعب من ورائهم، أنه لن يسمح لأي طرف أن يتحرك في سوريا، مطالبا بالحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية، مذكرا الناس بتاريخ قمع واستبداد وظلم وفساد استمر لعقود منذ عصر الأب حافظ الأسد وابنه بشار بعده.

لكن الشباب الدرعاوي والسوري عموما لم يكن ليقبل بأن يستسلم للقمع وردة فعل النظام اتجاه بداية حراك التظاهر السلمي المطالب بالإصلاحات والديمقراطية، بدأت في درعا وامتدت إلى كل سوريا رويدا رويدا.

تركز الرواية على قرية موج وكيف كانت مشاركتها، بادئة بثلاثة أصدقاء أحمد ومحمد وخالد الذين ترعرعوا في القرية منذ مراحل الدراسة الأولى، أحمد انتهى من دراسته وغادر خارج القرية واستمر بالتواصل مع أصدقائه، محمد استقر في البلدة يعمل فيها، وخالد تابع دراسته الجامعية وأصبح محاميا.

عندما بدأ حراك الشباب في التظاهر، كان الأصدقاء على تواصل، وكانوا منتمين نفسيا وواقعيا لهذا الحراك ولمطالبه الحقه، خالد أصبح جزءً من الحراك منذ اللحظة الأولى، بدأ يتواصل مع المتظاهرين، ويقدم لهم العون والإرشاد.

أما محمد فقد كان متابعا للثورة بترقب وحذر، يعرف أن النظام لا يرحم. كان ابنه يدرس في العاصمة دمشق، ويسكن المدينة الجامعية، كان قلقا عليه، تتوغل الرواية في حياة محمد حيث تعيش أمه المعمرة في كنفه، تتذكر أن أبيها كان من الثوار في مواجهة الفرنسيين وأنه استشهد في الحرب ضدهم، وكذلك زوجها والد محمد الذي استشهد بمواجهة الصهاينة في حرب ١٩٧٣م، وهي دائمة التذكر لهم والرحمة عليهم.

رواية تتحدث عن واقع الثورة السوريا من منظور الروائي، تعتمد صيغة الكتابة الإخبارية، هناك راو متوار خلف الشخصيات، يكتب تارة عن الآخرين وما يعيشونه من المتغيرات، ويضع أحيانا بعض الشخصيات في حالة التكلم عن الذات، في خليط بأسلوب الكتابة.

أما محمد الابن فهو في القرية رجل له حضوره الاجتماعي ويلتقي بشكل دائم بصديقه المحامي خالد ويتبادلان الزيارات والتواصل، وعندما بدأ حراك الثورة أصبح تواصلهما مستمرا، وكانا يبحثان كل مستجد، خالد من موقعه كقائد معنوي للشباب المتظاهر في البلدة ومحمد من خلال حضوره الاجتماعي.

بدأت القرية بالتفاعل مع الثورة التي توسعت على رقعة سوريا كلها، وبدأ الشباب بالتجمع في المسجد الكبير في القرية والخروج بالتظاهر، خاصة أيام الجمة، وكان الأمن يجمع قواته ويواجههم، وسرعان ما استعمل النظام السلاح، وأدى لسقوط الشهداء من الشباب، مما زاد جذوة الثورة واندفاع الشباب.

وعندما منع النظام أي حراك في الجامع الكبير انتقل الشباب إلى جوامع أخرى وبدؤوا ينطلقون منها، لكن النظام لم يستسلم فقد صعد في استعمال السلاح بمواجهة المتظاهرين، وزادت أعداد الشهداء، وبدأ الشباب بالتفكير بحماية التظاهرات، لقد كان للنظام الكثير من المخبرين الذين يقدمون للأمن معلومات كاملة عن التحرك، وبعضها موثق بالفيديوهات والصور، وهذا سيفيد النظام بتحديد قوائم المطلوبين لها من الثوار وقادتهم.

عند اشتداد عنف النظام وقتله للمتظاهرين، بدأت حالات تسلح فردي، سرعان ما توسعت، وكان تشييع الشهداء مبررا لمزيد من تأجيج مشاعر المواجهة مع النظام.

لقد منع محمد وخالد الشباب من مهاجمة المخفر أو مركز السلطة في القرية، خوفا من انتقام النظام من الناس، كان ذلك في البداية، لكن الشباب سرعان ما سيطروا على مرافق الدولة كاملة، بعد أن أصبح عنف النظام فوق قدرة أي أحد عن ردع الثوار المندفعين، وأصبحت القرية محررة من النظام لوقت قليل، حتى استقدم النظام قوات الجيش وحرسه الجمهوري، المنتمي للنظام، وهاجم القرية بقوة نارية عالية، مما دفع أهلها للاستفادة من بعض أزلام النظام لإعادة القرية إلى سلطته، وبالفعل حصل ذلك، وكان لذلك أثر بالغ على الثوار، حيث بدأت حملة اعتقالات واسعة، وبدأ الشباب بالتواري والهرب، وبعضهم بدأ بتشكيل مجموعات مسلّحة من الجيش الحر.

بدأ النظام بتقطيع أطراف البلدة عبر الحواجز، التي تمركزت بأغلب مناطق البلدة الهامة، وصنعت متاريس وبدأت بالتضيق على الناس، توقفهم على الحواجز وتطالبهم بالوثائق الشخصية، اعتقل الكثير وقتل بعض الشباب ميدانيا، كذلك الحال حيث نُصبت حواجز على مداخل البلدة وأصبحت الحياة فيها أقرب للجحيم، فهناك إطلاق نار دائم، وصدامات بين مجموعات الثوار والنظام، وقصف عشوائي مستمر على البيوت مما يجعل الإصابات العشوائية كثيرة.

ما عاد الأطفال يتحملون ما حصل من عنف وأصوات قذائف، الخوف سيطر عليهم وظهرت بوادر منعكسات نفسية تؤرقهم وتصبهم بالمرض.

غادر أخ محمد حيّه إلى بيت محمد حيث القصف والضرب أقل، ثم لم يستطع أن يتحمل أكثر، غادر إلى مخيم الزعتري، التي بنته الأردن داخل أراضيها على الحدود الأردنية السوريا في الصحراء، ليأوي إليه الهاربين من الموت المشرع عليهم من النظام السوري في بلداتهم.

أصبحت القرية شبه خاوية، محمد تحمل العيش في البلدة خاصة أن والدته مريضة ولا تحب مغادرة بلدتها بعد هذا العمر، هذه الأم التي تفتخر بوالدها وزوجها الشهداء، سيوافيها أجلها وهي ترى بلدتها تحت نيران نظام مستبد قاتل.

كما أن مصيبة اخرى أصابت محمد، فقد اعتقل ابنه من المدينة الجامعية في دمشق، فقد توسعت هجمة النظام على كل ناشطي الثورة، اعتقل الشاب واستمر في المعتقل والسجن لأشهر ومن ثم أفرج عنه وعاد إلى القرية.

تحاول الرواية أن تكون سجلّا عن واقع الثورة السوريا وما حصل مع الشعب وما فعله النظام المجرم. صحيح أنها أخذت نموذجا لبلدة في درعا، لكنها تعني كل سوريا وما حصل فيها.

الأب محمد أحس أن الحياة في القرية أصبحت مستحيلة، فهي منطقة حرب ولا يستطيع أن يؤمن أي من أسباب الحياة، أصبحت كل السلع نادرة وغالية، إضافة لوجود احتمال أن يعتقل هو أو ابنه، صحيح أنه استطاع أن يخلق علاقة مع المسؤول الأمني في البلدة، عبر الأعطيات والرشاوى من زيت وغيره، لكن لا يعرف متى يقبض عليه أو على ابنه، أو يقع ضحية استهداف بقذيفة ما أو من خلال إطلاق نار أصبح كثير الحضور وعشوائي.

خاصة وأن النظام قد أبدع صيغة جديدة للسيطرة على أغلب البلدات من خلال تجنيد أغلب المخبرين وأصحاب السوابق الإجرامية وتحويلهم إلى شبيحة يؤذون الناس وينهبون كل ما يصلون إليه، ويثبتون السلطة للنظام، وهؤلاء الشبيحة لم يتركوا وسيلة من الإجرام بحق الشعب دون أن يقوم بها.

لقد دُمرت بلدات مثل دوما وداريا وحوصرت درعا واستبيحت الكثير من البلدات والمحافظات، مئات الآلاف أصبحوا شهداء ومثلهم مصابين ومعاقين، الملايين مشردين.

محمد قرر أن يهرب بعائلته إلى مخيم الزعتري في الأردن، وهكذا كان. أما خالد المحامي فقد أصبح وجها من وجوه الثورة، ويظهر على الفضائيات متحدثا عن واقعها وأفعال النظام، أصبح مستهدفا من قبله، نجا من محاولات اغتيال عدة، توارى وخرج من البلدة إلى الأردن أخيرا، ومنها إلى مصر ونشط هناك متحدثا ومدافعا عن الثورة وشرعيتها، وعن ظلم النظام وحقوق الشعب السوري، ومن ثم غادر إلى إحدى الدول الأوربية، لاجئا ينتظر هو وملايين السوريين أن يعود إلى سوريا بعد سقوط نظام الاستبداد ومحاسبته على إجرامه، مطالبا ببناء سوريا الحرة العادلة الديمقراطية.

هنا تنتهي الرواية.

في تحليلها نقول:

تحاول الرواية أن تكون سجلّا عن واقع الثورة السوريا وما حصل مع الشعب وما فعله النظام المجرم. صحيح أنها أخذت نموذجا لبلدة في درعا، لكنها تعني كل سوريا وما حصل فيها، حاولت أن تمر على أغلب ما حصل في الثورة، لذلك لم تُشبع الموضوع من جانبه المعرفي، وهذه ليست نقطة ضعف، لكن يفضل لو أنها أخبرتنا عن جواب أسئلة مركزية ولو بتكثيف وتركيز واختصار. لماذا قامت الثورة السوريا.؟.

وكذلك كان يجب أن تتعمق قليلا في واقع الثورة السوريا، لا يكفي إدانة العمل المسلح للثوار، يجب تنوير أسباب العمل المسلح، وأين أخطأوا؟، ومن استثمر واقعهم؟، ومن هم الأعداء الذين دعموا النظام؟ من المستفيد مما حصل في سوريا؟. ثم لماذا الصمت عن البنية العسكرية والأمنية والطائفية للنظام؟. وكيف تحولت سوريا كلها إلى مزرعة للنظام؟، وماذا عن عصبة الرئيس وعائلته المقربين؟…. الخ.

أخيرا كل ذلك لا يبخس حق الرواية وأنها أطلّت على واقع الثورة ووثقتها، من زاوية ما.

الرواية وغيرها مما كتب من أدب وتوثيق سياسي وفكري عن الثورة السوريا، سيكون ـ يوما ـ الضوء الذي ينير هذه الحقبة السوداء من تاريخ سوريا الخاص، ويظهر العار الذي يجلل العالم المتفرج على هدر دماء السوريين. وتدمير بلادهم، واستباحة حياتهم، وتشريدهم في كل أركان الدنيا.

________________________________________

محمد فتحي المقداد، روائي سوري، له العديد من الأعمال الأدبية، هذا أول عمل نقرؤه له.

دوامة الاوغاد. ريمة الخاني

 دراسة نقدية لرواية

دوامة الأوغاد للأديب السوري: محمد فتحي المقداد.

الكاتب الأديب محمد فتحي المقداد ، كاتب سوري مجدّ، يجدف بقوة للوصول لشط الأدب الحقيقي العميق الغور والرسالة، عرفناه في منتدانا " فرسان الثقافة" متابعا وكاتبا ، وكان لي مغامرة نقدية في كتابه السابق: شاهد على العتمة، ولأنه طلب مني نقدا لروايته الجديدة بإلحاح ولي الشرف، آليت ألا أخذله، رغم أن لي طقوسا واختيارات خاصة في النقد، فأرجو أن أكون موضوعية فيه.

بصدق وتجرد أقول: نقدنا اليوم بات سطحيًّا، متوغلا بالانطباعية ، دون عمق ولا إبداع، ولو عرفنا حال الأدب اليوم، لعرفنا لماذا بات النقد على هذه الحال.

يصنف الدكتور جورج زكي الحاج النقد:نقد إعلامي، نقد شارح، نقد أكاديمي ونقد إبداعي، فالأول يقوم على المديح أو الهجاء ويفتقر غالبا للمرتكزات العلمية، والثاني يكون وسيطا بين المبدع والقارئ.

أما الأكاديمي فلديه نقاط ثابتة ومسلمات وهي مهنته وغالبا يقوم عليه الأساتذة والمختصون.

أما الإبداعي فثقافته غنية، عميقة، هو قارئ شمولي، يعرف ماذا يريد من النقد، قد يكون على طريق الأدب

وقد يكون أديبا، وقد تسبق واحدة الاخرى، لكنها تصل للدرب ذاته، وهذا ما يكرس الإبداع الذي ينشده.


العنوان لافت وقوي : دوامة الأوغاد.

إذن نحن مقبلون على موضوع شر وأمر خطير.

معجميا:

دومَ ودوام: قال الأَصمعي: أخذه دُوَامٌ في رأْسه مثل الدُّوارِ، وهو دُوارُ الرأْس

لسان العرب

يقال: أخذه دُوامٌ بالضم، أي دُوارٌ، وهو دُوار الرأس

سُمِّيت الدُوَّامَةُ من قولهم: دَوَّمْتُ القِدْرَ، إذا سكّنتَ غليانَها بالماء؛ لأنها من سرعة دورانها كأنَّها قد سَكَنَتْ وهدأت.

الصحاح في اللغة

ورد في لسان العرب:

وغدّ:

يقال: فلان من أَوْغادِ القوم ومن وغْدانِ القوم وَوِغْدانِ القوم أَي من أَذِلاَّئِهِمْ وضعُفائِهِمْ.

والوَغْدُ: خادِمُ القومِ، وقيل: الذي يَخْدمُ بطعام بطنه، تقول منه: وغُد الرجلُ، بالضم، والجمع أَوْغادٌ ووُغْدانٌ ووِغْدانٌ.

الوغد في القاموس المحيط:

الوَغْدُ: الأَحْمَقُ الضَّعيفُ، الرَّذْلُ الدَّنيءُ، أو الضَّعيفُ جِسْماً.

وعليه فمانعرفه عن الأوغاد هم أراذل الناس وما يسعون إليه من دوامات الشر والسوء، هذا مانفهمه منه مباشرة.


متن النص:

يطالعنا نص تعبيري وصفي تصويري إبداعي يصف حركة الناس: ما إن بدأ الظلام يتسرب..، تنسحب آخر خيوط النهار..، متوارية هاربة من طغيان العتمة..

نلاحظ توازي المقدمة مع العنوان ليضعك الكاتب في جو الرواية فورا بمشهد واقعي مُعاش.

بينما يلعب الاولاد (الطميمة-لعبة شعبية سورية يغمض الطفل عينية، ويعد بالأرقام، ويختبئ الاولاد ليجدهم.

يظهر لنا الشخصية الأولى: نمس بن قرهود، هل سمعنا بهذا الاسم قبلا؟ نظن ذلك...

واصفا جلسته على سطح البيت مع إبريق الشاي الخ..وحديث الحي عن بطولاته مع الضباع، وحكايته عن مغامراته لهم عصرا.

ماجد الولد الذكي الذي فكر بالخروج باكرا لمعرفة قصته الحقيقية التي يشك بها، فعرف كذبه، وأفخاخه.

حيث بدأ الخبر بالتسرب.

ويشتري النمس بارودة صيد من فليحان مضطرا، واشترى منه أرضا بثمن بخس.

حتى الناطور نواف بات يسخر منه كما النساء.

تستمر متابعة ماجد له بكلمة تتكرر على معظم مساحة الرواية: سجل عندك يا تاريخ..، وكأنّ لسان حال الكاتب يقولها، فما نعرفه عن أي مؤلف، أنه مهما حاول وضع قناع الشخوص، يبقى لسان الحال يتسلل بين الفينة والفينة.

المشهد واقعي تصويري تشعر، وكأنك سمعت به من قبل، خاصة لما كانت الأمهات قديما تخيف أطفالها بقوله:

-نام قبل أن ياتي البعبع..

ما الصلة هنا؟، هل تلك البيئة مازالت حاضرة في الريف؟، وهل النمس تطور، أم هي صورة عامة؟.

نهاية الصفحة 16:

الأيام التي تاتي بالجديد قليلة في الحياة..ربما لحظة ينتظرها الشخص مدى حياته، وربما لا تأت أبدا..

وما أجملها إذا كانت رمية من غير رامٍ وبلا تعب..

وفي بداية الصفحة 17 من النسخة الإلكترونية تمر بنا جملة:

الدوّامة عمليّة بناء جديدة، هدمت نسيجًا اجتماعيًّا متماسكًا في عتمة ليل طويل......


جمل وعبارات فيها مغزى عميق، لايمكن إسقاطها على المشهد لبساطته بشكل عام. حتى ويمكن للمؤلف صياغته بطريقة أقرب للموقف:

لقد كانت تجربة جديدة للأطفال، علمتهم أن الكبار يكذبون أيضا..(مثلا).

ظهور شخصية موظف الأمن رامز الثلاثيني، وضيافة النمس له ، وهمس ولمز أهل الحي، وبحث النمس على كذبة جديدة، وحسدهم له.

ظهور أبو ماجد سعفان تاجر القماش الكبير في الرواية.

في الصفحة 233 يطرح قضية المعلمات، والتعليم في القرية، وظهور شخصية شمسة الجميلة في القرية.

وبدأت شكواها للمفرزة الأمن دفاعا عن نفسها من شاب تعرض لها لفظا، ليحول الشكوى لاسم النمس الجاهل، فيطالعنا مظهرها المستهتر وتنورتها المنحسرة عند جلوسها بانتظار انتهاء التقرير.

كقارئ أقول أنها استفزت من حولها كما ورد في النص، ومنهم من يقول كل حر بسلوكه كنظرية غربية، ولكنني كقارئة أقول وبتجرد، معظم المواقف المفاجئة والسيئة التي تظهر في الروايات، أصلها سلوك غير سوي، فلماذا نذرف الدموع، ونحزن على الابطال؟.

ورد في الصفحة 29، ظهور بطل جديد في الرواية "عريبي"وصفه المؤلف ب القميء:

ورد في مقاييس اللغة:

جدم :

الجيم والدال والميم يدلّ على القماءة والقِصَر. رجل جَدَمةٌ، أي قصير.

والشاة الجَدَمة: الرّدِيّة القَمِيئة.و القَماءةَ تعني الذِلَّةٌ.

ويكمل وصفه بالبلادة والطيبة معا....فماذا يعني اقتران الاسم بالصفة؟، أم هو اسم والسلام ، خاصة أن الاسم غير فصيح أبدا، وربما يخص المنطقة الخاصة بالرواية.

ويسخر منه الأولاد بعد تعثره، وينصحه سليطين بالتجاهل، يهمنا هنا توظيف الشخصيات والحدث، هل يقدم لنا صورة أولاد الحي الفوضويين، وتصرفاتهم غير المسؤولة؟ وعدم زجر المجتمع لهم؟.

أم شحدة الفلسطينية، وبناتها الخمس ورغبتها بإنجاب ولد ذكر،مشكلة مجتمع كامل، يمجد الذكورة الطاغية فيه فكرا وسلوكا.

ليدخل النص في مجتمع موغل في الخرافات والشعوذة؛ بميلاد شحدة أو المشورب، الذي يصبح شيخا، هذه الصورة المكرورة في رواياتنا الواقعية، أليست تنفي نماذج ناصعة من المرجعية البيضاء التي سطرت للوطن خير النماذج مثل بدر الدين الحَسَنِي القدوة العارف بالله، وأبو حامد الغزالي مدرس المدرسة النورية بدمشق، وهناك في مناطق عدة من بلادنا أمثالهم، فقد قدم لنا هؤلاء مريدين، وطلابا قدوة تركوا لنا علما وفيرا.

لماذا لانتكلم عنهم، ونقدم للقارئ النموذج الجيد القريب من هؤلاء، ثم نقارن حيث تطفل بعضهم على هذا المسار الحساس في الأمة؟، لأنه علينا البحث عن توظيف لكل شخصية وموقف، ولكن أن نقحم كل سيء فيه على أنه القاعدة؟، ناهيكم على أن صنعة الرواية تقوم على حشد نماذج متفرقة في مشهد واحد، أو مشاهد متفرقة يجمعها المكان والأحداث!.

وهذا لاينفي مهارة المؤلف في بث روح التشويق في ثنايا السرد الروائي طبعا، ونجاحه في هذا.

ويدخل من جديد شخصية التاجر عكاش، وصديقه فهيم، كنموذج إيجابي في المجتمع الشامي العريق. وكان يمكن للمؤلف التعريج عن أصولهم وليس بملزم، ولكن لإرواء فضول القارئ، ولكن لأنه أدخله على المجتمع المختلف عنه.

هنا نرى عرضا لفقر أم شمسة الأرملة، وتفكير رامز فيها عاطفيا.ص42

ويستعرض المؤلف بسرعة الواقع السياسي بين الحزبيين، والمواطنين، قضية الوحدة بين مصر وسوريا والقضية الفلسطينية ومعاناتهم وإصرارهم على الكفاح، وانعكاس ذلك على المجتمع، حيث يعرض كيف غدا محل عكاش مهوى المتناقشين والمتحاورين.

يصف لنا في الصفحة 599 عن فريز المتملق، وهي شخصية منتشرة في مجتمعنا حقيقة، وصوليون عموما.

خيبة أمل النمس من سليطين، وتوقه لدخول الحزب بعرض من رامز، وأنانيته المفرطة، واستجابة رامز له بتعيين ابنه فرج.. ص62

تبدأ صفحة 67 بوصف لقرية أم الخنافس، كبيئة سورية واضحة المعالم، حميمية العلاقات الاجتماعية.

صفحة 69 واعتراف رامز لشمسة بحبه.

ونطالع في الصفحة 76 بداية موفقة حيث قال: نطاق القرية ضيق لا يتسع للأسرار وكتمانها...

فعلا المجتمع الحميمي تطير أخباره على الأثير...وصف حقيقي واقعي واضح، يكملها بأم ماجد وزوجها سعفان وماتحدثه به عن أخبار القرية.

الأمثال الشعبية المعروضة والأقوال، تشعرنا، بأنه شعب مطلع على السجية.

ظهور شخصية الشاعر أبو غليون في الصفحة 799، ولقائه بشخوص القرية، وتقليد أولاد الحارة له، هل فعلا للشعراء خصوصيتهم، وهناك من لا يفهمهم؟، أم هم بسطاء حد السذاجة؟.

تطالعنا الصفحة 822 بوقوع بطليْ الرواية شمسة ورامز في المحظور، وكان هذا الأمر من ضرورات السرد..الذي كنت أعتذر حقيقة عن نقد أي رواية لأنه يصبح محورا فيها، ونكمل:

يجد النمس له حلّا بعد انتشار الخبر، وظهور خاتم ذهبي على إصبع شمسة، كتغطية وبلا زواج...

ظهور شخصية الشاب النشيط والموظف، الصفحة 87

في الصفحات التالية تجسيد لتكوين الشعب النفسي، وخوفه من المخابرات والتقارير، والظروف العصيبة المبنية على ذلك، من خلال شخصية فهيم ومن حوله.


نلاحظ في تكنيك الرواية البدء في معظم الفصول رغم عدم تقسيم الرواية لفصول في أصها، باسم الشخصيات، ونرى أنها تسهل على القارئ حفظ شخوص السرد وأبطاله.


وما زال السرد يطرح إشارة استفهام: لماذا تكررت عبارة: سجل عندك يا تاريخ بغير موضع حساس كما في الصفحة :99.

ليختم الفصل بنفس العبارة، وملاحقة ماجد لتحركات أم فرج.. فهل تلك كانت الغاية منها؟، نعتقد ذلك.

تدخل إلينا شخصية أم مرعي في الصفحة :1011، وغرق ابنها فهد وبكائها عليه..هل يجهل أهل القرية السباحة؟، لم توضح الرواية ذلك، إلا قليلا في الصفحة 108، وشرح لحياتها العاثرة مع زوجهان كنموذج لاستعباد المرأة، وقلة تفهم طبيعتها.

ولقطة ماكرة لنساء الحي، وبكاءهم على أنفسهم لا على ما حصل لأم مرعي..، وهذا انعكاس صحيح، فالبشر مهما تعاطفوا مع قضايا غيرهم، تبقى المقارنة حاضرة في أذهانهم بين متاعبهم، ومتاعب غيرهم.

الصفحة 111 وظهور شخصية مصطفى المثقف القادم من مطار ببروت، والقبض عليه لتشابه في الأسماء، ليتبين في الصفحة 131 غرض لافت أناني.

في الصفحة 18 يقدم لنا المؤلف مصطفى في مشهد السجن..قائلا: في السجن تتضاءل الأحلام...

نعم كما قال المؤلف تماما:

تتضاءل الأحلام... ويتلاشى الشعور بالوقت والحياة والمحبة..يصبح شيئا مركونا في زاوية الدنيا...ينتظر من يخرجه للنور...

الصفحة 121 يكرر المؤلف ذكر ماجد ومراقبته للأحداث، وكأنه عنى فيه الإشارة للجيل القادم الذي خبر ما حوله، و قادر على إيجاد حل..، باجتماعاته المتكرّرة على حداثة سنه أصدقائه.

ومازال أبو غليون يتكررحضوره في المشاهد فماذا قدم في مسيرة أحداث القرية من مهم؟.

خروج مصطفى في الصفحة 145.

يطالعنا في الصفحة 154 تهجم دموي على النمس لأن ابنه بات معينا لرامز، وكأنه عميل للمجتمع، عين عليه، وبات لوطيا قوادا.

في الصفحة 1588 يمر ذكر إسرائيل ، وكأنه مقارنة بين سلوك أفراد القرية وسلطتها، ومعركتنا الحقيقية.

الصفحة 1599 اجتماع نسائي، ومقارنة أخرى في طرق التفكير والمداولات، وكأن الجناح النسائي، أكثر إنسانية.

الصفحة 1600 ومداولات في محل عكاش، ورفض لسلوك النمس جملة وتفصيلًا، تتلوها عرض حالة مرعي وشقائه.

في الصفحة 1733 تذكر فاطمة تذمرها من النمس وما أحدثه في ضمائر أهل القرية، وهل هي الضمائر فقط؟، جملة ثقافية لا تخرج من فرد بسيط هناك كما رأيت ..الخ.

الصفحة 183 ووقوع أم فرج، وإعادة الإشارة لضعف المرأة في تلك البيئة، وأثرها الطيب الذكر.

يظهر أبو غليون طالبا من الضابط نقل شمسة ورامز حتى لاتهتز هيبة الدولة.

في الصفحة 1899 تطالعنا جملة لفارس: حفلة قصقصة الأجنحة..، عبارة موفقة..، فهي عقيدة عامة في انضباط الدول كما ورد، لايمكن لأحد أن يحلق عاليا..، فهم مربوطون بخيوط متينة..، في الصفحة 198 يقارن ماجد النمس بشايلوك، تاجر البندقية، وكأنه أكثر إيذاءًا من يهودي لأنه يؤذي المجتمع من الداخل، ويذكر بقضية الضبع الواهية.

اختفاء النمس..

صفحة 204 والاهتمام باستخراج الكنز الذي حقق مع مصطفى لأجله.

في الصفحة 2166 أعجبتني عبارة :صراع على النفوذ بين الكبار من الأقطاب، والصغار يذوبون كما الصابون..

أليس هو الواقع؟.

الصفحة 218 وحمل شمسة الحرام.

الصفحة 220 واتهام رامز لشمسة بممارستها مع شباب الحي!.

مقتل رامز.


حقيقة، وبصرف النظر عن تفاصيل الرواية، فهي نسج محكم لواقع صوّرهُ المؤلف باحترافيّة عالية، وكان يمكنه التركيز على نموذج كمصطفى والتوسع فيه لأنه محور الأوغاد عمومًا لو جاز التعبير.

شكرا لك لاختياري لهذا العمل النقدي.

مع التقدير.

دمشق

د. ريمه الخاني