السبت، 12 ديسمبر 2020
الجنوب صمود
الدفتر الحر
الدفتر الحر
(خاطرة)
بقلم الروائي- محمد فتحي المقداد
أخيرًا حقّقتُ أحلامي المُستحيلة من ذات يوم مضى؛ بشراء دفتر صفحاته بيضاء ناصعة مُتحرّرة من الهوامش والسّطور. عظيمُ فَرحتي بكتابة ما يحلو لي للمرّة الأولى في حياتي، وبكامل حُرّيتي.
بلا سطور بلا هوامش كتابة حُرّة بلا حدود. رحم الله أستاذنا لمادّة اللّغة العربيّة (أبو فريد)، كان يُجبرنا على تسطير هامش ثانْ بالقلم الأحمر على الجهة اليسٍرى من كلّ صّفحة من دفتر الوظائف والواجبات، والسّطر الأوّل منها كذلك، ففيه منظر بهيج بتشكيل بصريّ مُريحٍ لدفاتر التّلاميذ. وكان الأستاذ (قاسم البلخيّ) مُدرّس اللّغة العربيّة في الصفّ العاشر، اشترى دفترًا أسماه (الدفتر الحر) لإثارة الإبداع الأدبيّ في المجالات المختلفة، مما يكتب الطالب، وفي حصّة ثانية يقرأ موضوعه ويجري النّقاش، لكنّ صفحات الدفتر تحتوي الهامش والأسطر.
بعد انقضاء ما يُقارب أربعة عقود من انتهاء دراستي في ثانويّة (بُصرى الشّام للبنين)، ما زلتُ مُتأثرّا بأيّامها بالمحافظة على كُتبي ودفاتري وقُصاصات أوراقي المُهمّة وغير المُهمّة بحرص شديد، وتوصية أبنائي عدم إتلاف أيّ منها على الإطلاق.
في مراحل الدّراسة الأولى لا بدّ من تمرين الأيدي على الكتابة، واستقامتها على سطور، والكلمات لا بدّ لها من أن تكون بعد الهامش الأحمر على يمين الصّفحة أو هامشيْن كما في حالة أستاذنا المرحوم.
المُعلّمون جميعًا كانوا يمنعوننا ويرفضون الدفاتر غير المُسطّرة. أتوقّف مُتسائلًا مُنذهلًا: من الذي ابتكر هذه الطريقة بتقسيم الصّفحات البيضاء وفرضها على تلاميذ المدارس. وهل (سايكس وبيكو) لهما دورًا في هذا الفعل الجنونيّ، كما قسّموا بلادنا إلى دُوَل مُجاورة متناحرة مُتناقضة بكلّ شيء، اجتماعيًّا واقتصاديًّا وسياسيًّا؟.
الهوامش والأُطُر والسّطور في الصّفحات البيضاء تُقسّمها كما التّقسيم الشنيع لبلادنا، ومن ورائه تقّسمت أولويّاتنا وفهمنا لدوافع وجودنا، فتعززت العصبيّة الإقليميّة والعشائريّة والمناطقيّة.
بعد شرائي للدفتر الحر ّ بصفحاته البيضاء بلا حدود ولا وجع قلب، سأكتب جنوني وهرطقاتي وتجديفي وكُفري وإيماني؛ لأشبع نَهَمي وحِرماني للكتابة بلا حدود، والتغلّب على قهري من الحُدود المُصطنعة، أمنيتي أن يأتي ذلك اليوم لهدمها، كما هدم الألمان جدار برلين.
من كتابي (من أول السطر)
الاحتيال على الرغيف
الاحتيال على الرّغيف (خاطرة)
بقلم: الروائي محمد فتحي المقداد
جميع الصّباحات مزدحمة بأفكار يومها: الرّغيف أوّلًا قبل كلّ شيء، دوافع القلق دائمًا تأتي من أجله؛ يحارُ المرء بكيفيّة تأمينه؛ فبالسرقة والرّشوة وقطع الطّريق والتهديد والكذب وحلفان عظم الأيمْان.
أتاني مشهد ذلك الأعرابيّ الحاج إلى بيت الله الحرام، حينما التقى بالعالم الأصمعيّ طالبًا منه موعظة؛ فقال: (وفي السّماء رزقكم وما توعدون) الأعرابيّ لم يَحِرْ سُؤالًا، استدار مُودعًا شاكرًا.
وفي الموسم القادم من الحجّ التقيا مُجدّدًا؛ فبادر الأعرابي بالسّلام على الأصمعيّ؛ طالبًا الموعظة لهذا العام، بعدما تفكّر حوْلًا كاملًا بالسّابقة.
أجابه الأصمعيّ: (فَوَربّ السّماء والأرض إنّه لحقٌّ مثلما أنّكم تنطقون)، وهذا هو الشِّقُّ الثاني من الموعظة، وهما مُكوّنا آية كريمة من القرآن الكريم.
وكأنّني بالأعرابيّ، أنّه سمع ووعى، وتفكّر عامًا آخر بموضوع الرّزق، وازداد يقينًا بثبات وعزم، وإيمان لا يتزعزع: الله وحده هو مُقسُم الأرزاق.
جنيُ الرّزق بالتوكّل على الله، والكسب الحلال، والجدّ والمُثابرة قيامًا على العمل. لو كانت خاصيّة الرّزق بيد البشر؛ لاستأثر بها الأقوياء حارمين منها البشر جميعًا، ومن حكمة الله في خلقه أن جعل بيده مفاتيح الرّزق والأجل وأسبابهما.
من كتابي (من أوّل السّطر)
-
( من أيّ ضياء يستقي ثقافته ) الروائي محمد فتحي المقداد بقلم – محمد الحراكي الثقافة هي الوجه اللامادي للحضارة، وكلّ ما يُصو...
-
رسّام كاريكاتير قصة قصيرة بقلم-(محمد فتحي المقداد)* أثناء فترة الدراسة في المرحلة الابتدائية، درجت موضة دفاتر تحمل على غلافها صورة الرئيس، ض...
-
الفضاءات الروائيّة في رواية (زيف القصاص) للروائي (حامد الشريف) بقلم الروائي – محمد فتي المقداد ما إن تجاوزتُ الصّفحات الأ...