الجمعة، 14 فبراير 2020

بعد منتصف الليل قراءة على \ شهادات من أذرح

بعد منتصف الليل
قراءة على \ شهادات من أذرح \ من مجموعة - من دفاترالمساء- للأستاذ نايف النوايسة


مقالات ملفقة ( 26 \ 2 )
بقلم ( محمد فتحي المقداد )*


بطريقة غير مباشرة وصلتني من صديق مجموعة كتب لمطالعتها، وعلى غير موعد كنت على لقاء مع مجموعة( من دفاتر المساء- للأستاذ نايف النوايسة )، غاصت أصابعي في تقليب صفحاته للنظرة المبدئية على العناوين، وكانت لحظةٌ قاسيةٌ، وأنا أتوقف أمام العنوان الأول في المجموعة( شهادات من أذرح ) تجمدتُ ولم أستطع أن أبارحه إلى عنوان آخر، على مضض أكرهتُ نفسي على قراءة عابرة للمواضيع، رغم قوتها وعميق فكرتها المطروقة. 
ووجدتُ نفسي رهن الاعتقال للحظة قادمة من رحم التاريخ، و أنا أقفُ في قفص شهادات من أذرح، كي أكون شاهداُ جديداً على إبداع جديد، استخرج الحادثة التاريخية، وقام بنفض غبار السنين عنها، بإعادة تدويرها أدبياً، بلسان شاعر، مرهف الأحاسيس، متوتر المشاعر، فانبجست لحظة الوقوف على الحقيقة، بفيض من موهبته الثرّة، الآسرة للقارئ.. 
و هاهي حثحثة الشهادات تأتي على ذكر أبطال معركة صفيّن ( عمرو بن العاص ، ومُدرك بن حصين الأسدي، وعلي بن أبي طالب، ومعاوية بن أبي سفيان، وأبو موسى الأشعري )،[ وتباتُ الليالي السود كُحْلاً في الجفون، ولا يكفُّ السُّمّار عن مضغ الكلام، ونفيه على حافّة المرحلة ..]*، [ الليل والريح، ورماح الخديعة، ورؤوس العفن، عاصفة تنفجر فوق بئر الروح، وتلفّ الزمان بعصابة من شوك، وتدفن الوليد في المزبلة ]*. 
وذاكرة المكان تغزو قلب الكاتب، وتستولي على ذهنه، ليذهب عدّة مرّات إلى جبل التحكيم، ليمارس اليوغا الفكرية متأملاً مسترجعاً متذكّراً بوعي عميق لما حصل هناك في موقعة ( صفّين) هناك على أطراف الفرات، في شطره الشّامي قرب مدينة الرقة في الجزيرة السورية، متربعة على الكتف الغربي الجهة من نهر الفرات، مقابل قلعة جعبر من جهتة الشامية ، بينهما مسافة قليلة ، وهي تقع في منطقة عالية مطلة على الفرات.
والذي كان مجهولاً لي، استناداً إلى معلوماتي القديمة، المختزنة من أيام الدراسة الثانوية، والتي علاها غبار النسيان، أن التحكيم جرى في أذرح، لأنني كنت أعتقد أن الأمر جرى في صفّين بعد حادثة رفع المصاحف على الرماح و السيوف، وانتهى الأمر، لكن الموضوع طال، بعد قبول التحكيم من الطرفين المتصارعيْن، فاتفقوا على اللقاء في الموسم القادم، في أذرح، للفصل والبتّ في الموضوع، عندما يلتقي أهل العراق والشام والحجاز ومصر.
ومن هنا، جاءت قراءة الأستاذ نايف لهذا الموضوع الشائك، القديم المتجدد، الذي كثر الاختلاف و الجدال حوله و تكلّس حوله الكثيرون بعقول متحجرة متعصبة، ولم يكن باستطاعتهم مبارحته، فغاصوا في متاهاته، وتعصّب كلّ منهم للفريق الذي رأى أنه على حق، وأهمية الإسقاطات بنظرتها الشاملة على مستوى فكر الأمة قاطبة، والعثرات الناتجة عن صفّين، والتي امتدّت ذيولها الخائبة، حتى وصلت لحاضرنا، مما حدا بأناس لنبش ذلك التاريخ، ومحاكمة الحاضر على ضوء ما جرى في الماضي، الذي لم نحضره، ولم يكن لنا خيار المشاركة فيه، إلا من خلال المراجع التاريخية، فمن المفترض أن تكون لنا العبرة و العظة منه لا أن يكون مجالاً للإحتراب، وعبئاً ثقيلاً على كاهل الأمة، وتحدياً صعباً مضافاً للتحديات الحضارية، حتى أصبح تاريخنا لعنة علينا. 
وللنأي عن المستنقع فقد لجأ الأستاذ للترميز غير البعيد عن إدراك وفهم القارئ، يسير به بثقة كبيرة، للوصول إلى الهدف الأسمى وهو الحق، والانتصار للحق كانت غايته الأسمى، بعيداً عن مناصرة فريق على حساب فريق آخر، فكان موقفاً موفقاً يسمو بالعقل و الفكر إلى عوالم سحرية مليئة بالأسرار.
ذاكرة المكان حُبْلى بحوادث الأيام، مليئة بالانحناءات الملتوية، مختفية في سراديب النسيان، ليأتي من يستنطقها، ويبث فيها دماء الحياة من جديد، فتستولي على عقله و لُبّه، فكان الحكيم الذي استنبط منها طريقاً جديداً واضحاً جليّاً كالشمس لا غبار عليه، وكانت أذرح القرية المنزوية في وادي موسى في جنوب الأردن, نقطة يلف الكون حولها بتاريخه، وهي مركز قضاء إداري في محافظة معان، و في اللغة نجد تفسير كلمة أذرح على أنها الهضاب تحيط بها السهول ليتوافق ذلك مع واقع الحال هناك، وهي حاضرة رومانية قديمة، .... أنشىء فيها معسكر لإحدى الفيالق الرومانية، فيما استمرت مزدهرة في العهد البيزنطي ,ودليلنا بقايا الكنائس والمعابد، واشتهرت أذرح قديما بوفرة وعذوبة مائها الذي كان يجري مشكلا "سيل اذرح" قبل أن ينضب منذ بداية القرن الماضي.
وتنتصب قبابُ الليل [ لتفيض الصحارى بالليل و الرجال، وبين العينين يتجلّى الجنوب، ملفوفاً بالسواد، ورماح الخديعة، وسذاجة البرانس ..، يا ليل الخديعة، افتح بسنابك العابرين سطوراً فوق لوحة النّور، اثْعب في الجبال جبلاً، تهيّأ .. واخرجْ لفيوض الصحارى, بآلاف الأصفار، لتركض وراء عورة اللحظة العابرة,, افرح يا ليل الجنوب بالفتنة الباصرة ].وهنا إشارة للخلاف الذي حصل، و الخديعة، وأصحاب البرانس ( الخوارج)، الذين كان لهم الدور الأكبر في توسيع شقّة الخلاف بين الفريقين، مما حدا بهم أخيراً لتكفير كلا الطرفين، احتجاجاً خاطئاً للآية الكريمة " إن الحكم إلاّ لله " والبشر لا يملكون من أمره شيئاً. 
وجاء التحكيم، ليمنح أحد جبال أذرح الدانية منها، اسم جبل التحكيم، [ صفّين نصفين في كل القباب، ومن كل الجهات تتناسل نصفين، ونصبُ العينين جنوب.. يا هذا الجنوب المبتلى] و الخلاف لم يكن إلا صراعاً على الحكم، تحت غطاء رفع المصاحف، [ قباب الليل و الصحارى، وبقايا الصهيل، وثمّة صرصارات لعينة تواصل :" صفّين .. صفّين " ]. 
وجاءت الشهادة الأولى من [ أذرح المقعية على ثنية الطريق لا تدري ما الخبر..!! ، وأخرجت من جوفها هشيماً كالبشر، راحوا يشربون القادم، و يتنفسونه بعيون مظلمة.. صاح طفلٌ، أكلت الأيام وجنتيه، وعاف الأكل فمهُ المُقرّح : " عربٌ مثلنا " ، صاح طفلٌ آخر :" عربٌ مثلنا تلفظهم الصحراء"، صاح شيخٌ ضمّختهُ الأيام بالإعياء والحكمة :" هؤلاء من صفيّن ولدوا.. يا ضيعة الرؤيا، وانكسار الحلم..!! ، من صُفّين جاؤوا صَفّيْنِ ]. 
دراية باهرة في سرد الحدث بنفس شعري لافت، وكان القمة في اختيار طفلين يتكلما عن الجموع، أرادهما نايف النوايسة، أن يتكلما ببراءة الطفولة البعيدة عن التلوث الذي أصاب الكبار ذوي العقول، والفهوم، فهما يتكلما عن قدر فهمهما النظيف." عرب مثلنا " .. ويتكرر المشهد لينسحب علينا ونحن نرى غزة تحترق وتُباد بوحشية صهيونية، بحقد شايلوكيٍّ، ونحن نغرق في متاهات صمتنا اللعين، حيث أصبح سمةً عربية بامتياز، ومات الدم العربي فينا .. وماتت فينا النخوة العربية.. وماتت فينا إغاثة الملهوف .. ونصرة المظلوم.. لتأتي الشهادة الثانية ليقول :[ نحن ما زلنا حضارياً في قيد الإنكشافات المهينة، ولغة الخديعة والإجباب المتربصة ] كأن نايف النوايسة عندما كتب هذا النص في أواخر عام 1997كان يستقرئ حالنا اليوم، ونحن اليوم في مثل أيام العام من كتابته وتاريخنا 2014م، وينطبق بأبعاده الفكرية على ما يحصل لنا كأمة، بتقنية متفتقة عن ذهنية متوقدة، زاوجت بين الحاضر و الماضي، استثمرت واستوعبت الدرس التاريخي : [ المصاحف فوق الرماح.و لا شيء في فضاء اللحظة إلا العاصفة، وصُفّين رسولةُ التمزق في زمن القحط، الموجُ يداهم الجموع، والطوفان يعلو ويعلو، وزُبى أذرح تنتظر السيل الجارف ] .. يا ألله .. !! لله درك أيها الجميل.. لقد قرأت ففهمت، وأفهمتنا معك، فرأيت المستقبل وقرأت ما في نفوسنا من طنجة حتى رأس الخيمة، ولو قلت كلمة أتزلف بها إليك : " لقد أوتيتَ الحكمة "، وهذا من باب الإنصاف مني على الأقل، إن لم يعرف ذلك ممن هم حولك.
ويتابع بنصب راية المشهد من جديد :[ أزمات الأمة تتناسل في غيابةٍ ما بين الحلم واليقظة في زمنٍ كالومضة.. استحكم الطين فابتعدت السّماء ] .. ما هذا الإلهام .. ونفاذ البصيرة.. وآخرها شهادة منه ناتئة عل حوّاف الزمن العربي :[ الانفجار قادمٌ، ولا يليق بالصّغار إلا الركونُ في قرار ]، ونتيجة لذلك.. لا يمكن أن يكون هناك تاريخ بلا جغرافية، وتعني المكان المرتبط زماناً بإنسان، وعليه يكون الوطن ، جغرافية و إنسان، وارتباط الإنسان من خلال الذكريات و الأحلام، والآمال والآلام، فهذه التي جعلت منها تعادل الروح من الإنسان، فيفتديها بالدفاع عنها، وهي الأرض و الجسد و الواقع، إنها تربة الأفكار وروحها وواقعها
.

عمّان \ الأردن

دراسة نقدية لرواية دوامة الأوغاد للأديب السوري: محمد فتحي المقداد.

دراسة نقدية لرواية
دوامة الأوغاد للأديب السوري: محمد فتحي المقداد.
الكاتب الأديب محمد فتحي المقداد ، كاتب سوري مجدّ، يجدف بقوة للوصول لشط الأدب الحقيقي العميق الغور والرسالة، عرفناه في منتدانا " فرسان الثقافة" متابعا وكاتبا ، وكان لي مغامرة نقدية في كتابه السابق: شاهد على العتمة، ولأنه طلب مني نقدا لروايته الجديدة بإلحاح ولي الشرف، آليت ألا أخذله، رغم أن لي طقوسا واختيارات خاصة في النقد، فأرجو أن أكون موضوعية فيه.
بصدق وتجرد أقول: نقدنا اليوم بات سطحيًّا، متوغلا بالانطباعية ، دون عمق ولا إبداع، ولو عرفنا حال الأدب اليوم، لعرفنا لماذا بات النقد على هذه الحال.
يصنف الدكتور جورج زكي الحاج النقد:نقد إعلامي، نقد شارح، نقد أكاديمي ونقد إبداعي، فالأول يقوم على المديح أو الهجاء ويفتقر غالبا للمرتكزات العلمية، والثاني يكون وسيطا بين المبدع والقارئ.
أما الأكاديمي فلديه نقاط ثابتة ومسلمات وهي مهنته وغالبا يقوم عليه الأساتذة والمختصون.
أما الإبداعي فثقافته غنية، عميقة، هو قارئ شمولي، يعرف ماذا يريد من النقد، قد يكون على طريق الأدب
وقد يكون أديبا، وقد تسبق واحدة الاخرى، لكنها تصل للدرب ذاته، وهذا ما يكرس الإبداع الذي ينشده.
العنوان لافت وقوي : دوامة الأوغاد.
إذن نحن مقبلون على موضوع شر وأمر خطير.
معجميا:
دومَ ودوام: قال الأَصمعي: أخذه دُوَامٌ في رأْسه مثل الدُّوارِ، وهو دُوارُ الرأْس
لسان العرب
يقال: أخذه دُوامٌ بالضم، أي دُوارٌ، وهو دُوار الرأس
سُمِّيت الدُوَّامَةُ من قولهم: دَوَّمْتُ القِدْرَ، إذا سكّنتَ غليانَها بالماء؛ لأنها من سرعة دورانها كأنَّها قد سَكَنَتْ وهدأت.
الصحاح في اللغة
ورد في لسان العرب:
وغدّ:
يقال: فلان من أَوْغادِ القوم ومن وغْدانِ القوم وَوِغْدانِ القوم أَي من أَذِلاَّئِهِمْ وضعُفائِهِمْ.
والوَغْدُ: خادِمُ القومِ، وقيل: الذي يَخْدمُ بطعام بطنه، تقول منه: وغُد الرجلُ، بالضم، والجمع أَوْغادٌ ووُغْدانٌ ووِغْدانٌ.
الوغد في القاموس المحيط:
الوَغْدُ: الأَحْمَقُ الضَّعيفُ، الرَّذْلُ الدَّنيءُ، أو الضَّعيفُ جِسْماً.
وعليه فمانعرفه عن الأوغاد هم أراذل الناس وما يسعون إليه من دوامات الشر والسوء، هذا مانفهمه منه مباشرة.
متن النص:
يطالعنا نص تعبيري وصفي تصويري إبداعي يصف حركة الناس: ما إن بدأ الظلام يتسرب..، تنسحب آخر خيوط النهار..، متوارية هاربة من طغيان العتمة..
نلاحظ توازي المقدمة مع العنوان ليضعك الكاتب في جو الرواية فورا بمشهد واقعي مُعاش.
بينما يلعب الاولاد (الطميمة-لعبة شعبية سورية يغمض الطفل عينية، ويعد بالأرقام، ويختبئ الاولاد ليجدهم.
يظهر لنا الشخصية الأولى: نمس بن قرهود، هل سمعنا بهذا الاسم قبلا؟ نظن ذلك...
واصفا جلسته على سطح البيت مع إبريق الشاي الخ..وحديث الحي عن بطولاته مع الضباع، وحكايته عن مغامراته لهم عصرا.
ماجد الولد الذكي الذي فكر بالخروج باكرا لمعرفة قصته الحقيقية التي يشك بها، فعرف كذبه، وأفخاخه.
حيث بدأ الخبر بالتسرب.
ويشتري النمس بارودة صيد من فليحان مضطرا، واشترى منه أرضا بثمن بخس.
حتى الناطور نواف بات يسخر منه كما النساء.
تستمر متابعة ماجد له بكلمة تتكرر على معظم مساحة الرواية: سجل عندك يا تاريخ..، وكأنّ لسان حال الكاتب يقولها، فما نعرفه عن أي مؤلف، أنه مهما حاول وضع قناع الشخوص، يبقى لسان الحال يتسلل بين الفينة والفينة.
المشهد واقعي تصويري تشعر، وكأنك سمعت به من قبل، خاصة لما كانت الأمهات قديما تخيف أطفالها بقوله:
-نام قبل أن ياتي البعبع..
ما الصلة هنا؟، هل تلك البيئة مازالت حاضرة في الريف؟، وهل النمس تطور، أم هي صورة عامة؟.
نهاية الصفحة 16:
الأيام التي تاتي بالجديد قليلة في الحياة..ربما لحظة ينتظرها الشخص مدى حياته، وربما لا تأت أبدا..
وما أجملها إذا كانت رمية من غير رامٍ وبلا تعب..
وفي بداية الصفحة 17 من النسخة الإلكترونية تمر بنا جملة:
الدوّامة عمليّة بناء جديدة، هدمت نسيجًا اجتماعيًّا متماسكًا في عتمة ليل طويل......
جمل وعبارات فيها مغزى عميق، لايمكن إسقاطها على المشهد لبساطته بشكل عام. حتى ويمكن للمؤلف صياغته بطريقة أقرب للموقف:
لقد كانت تجربة جديدة للأطفال، علمتهم أن الكبار يكذبون أيضا..(مثلا).
ظهور شخصية موظف الأمن رامز الثلاثيني، وضيافة النمس له ، وهمس ولمز أهل الحي، وبحث النمس على كذبة جديدة، وحسدهم له.
ظهور أبو ماجد سعفان تاجر القماش الكبير في الرواية.
في الصفحة 233 يطرح قضية المعلمات، والتعليم في القرية، وظهور شخصية شمسة الجميلة في القرية.
وبدأت شكواها للمفرزة الأمن دفاعا عن نفسها من شاب تعرض لها لفظا، ليحول الشكوى لاسم النمس الجاهل، فيطالعنا مظهرها المستهتر وتنورتها المنحسرة عند جلوسها بانتظار انتهاء التقرير.
كقارئ أقول أنها استفزت من حولها كما ورد في النص، ومنهم من يقول كل حر بسلوكه كنظرية غربية، ولكنني كقارئة أقول وبتجرد، معظم المواقف المفاجئة والسيئة التي تظهر في الروايات، أصلها سلوك غير سوي، فلماذا نذرف الدموع، ونحزن على الابطال؟.
ورد في الصفحة 29، ظهور بطل جديد في الرواية "عريبي"وصفه المؤلف ب القميء:
ورد في مقاييس اللغة:
جدم :
الجيم والدال والميم يدلّ على القماءة والقِصَر. رجل جَدَمةٌ، أي قصير.
والشاة الجَدَمة: الرّدِيّة القَمِيئة.و القَماءةَ تعني الذِلَّةٌ.
ويكمل وصفه بالبلادة والطيبة معا....فماذا يعني اقتران الاسم بالصفة؟، أم هو اسم والسلام ، خاصة أن الاسم غير فصيح أبدا، وربما يخص المنطقة الخاصة بالرواية.
ويسخر منه الأولاد بعد تعثره، وينصحه سليطين بالتجاهل، يهمنا هنا توظيف الشخصيات والحدث، هل يقدم لنا صورة أولاد الحي الفوضويين، وتصرفاتهم غير المسؤولة؟ وعدم زجر المجتمع لهم؟.
أم شحدة الفلسطينية، وبناتها الخمس ورغبتها بإنجاب ولد ذكر،مشكلة مجتمع كامل، يمجد الذكورة الطاغية فيه فكرا وسلوكا.
ليدخل النص في مجتمع موغل في الخرافات والشعوذة؛ بميلاد شحدة أو المشورب، الذي يصبح شيخا، هذه الصورة المكرورة في رواياتنا الواقعية، أليست تنفي نماذج ناصعة من المرجعية البيضاء التي سطرت للوطن خير النماذج مثل بدر الدين الحَسَنِي القدوة العارف بالله، وأبو حامد الغزالي مدرس المدرسة النورية بدمشق، وهناك في مناطق عدة من بلادنا أمثالهم، فقد قدم لنا هؤلاء مريدين، وطلابا قدوة تركوا لنا علما وفيرا.
لماذا لانتكلم عنهم، ونقدم للقارئ النموذج الجيد القريب من هؤلاء، ثم نقارن حيث تطفل بعضهم على هذا المسار الحساس في الأمة؟، لأنه علينا البحث عن توظيف لكل شخصية وموقف، ولكن أن نقحم كل سيء فيه على أنه القاعدة؟، ناهيكم على أن صنعة الرواية تقوم على حشد نماذج متفرقة في مشهد واحد، أو مشاهد متفرقة يجمعها المكان والأحداث!.
وهذا لاينفي مهارة المؤلف في بث روح التشويق في ثنايا السرد الروائي طبعا، ونجاحه في هذا.
ويدخل من جديد شخصية التاجر عكاش، وصديقه فهيم، كنموذج إيجابي في المجتمع الشامي العريق. وكان يمكن للمؤلف التعريج عن أصولهم وليس بملزم، ولكن لإرواء فضول القارئ، ولكن لأنه أدخله على المجتمع المختلف عنه.
هنا نرى عرضا لفقر أم شمسة الأرملة، وتفكير رامز فيها عاطفيا.ص42
ويستعرض المؤلف بسرعة الواقع السياسي بين الحزبيين، والمواطنين، قضية الوحدة بين مصر وسوريا والقضية الفلسطينية ومعاناتهم وإصرارهم على الكفاح، وانعكاس ذلك على المجتمع، حيث يعرض كيف غدا محل عكاش مهوى المتناقشين والمتحاورين.
يصف لنا في الصفحة 599 عن فريز المتملق، وهي شخصية منتشرة في مجتمعنا حقيقة، وصوليون عموما.
خيبة أمل النمس من سليطين، وتوقه لدخول الحزب بعرض من رامز، وأنانيته المفرطة، واستجابة رامز له بتعيين ابنه فرج.. ص62
تبدأ صفحة 67 بوصف لقرية أم الخنافس، كبيئة سورية واضحة المعالم، حميمية العلاقات الاجتماعية.
صفحة 69 واعتراف رامز لشمسة بحبه.
ونطالع في الصفحة 76 بداية موفقة حيث قال: نطاق القرية ضيق لا يتسع للأسرار وكتمانها...
فعلا المجتمع الحميمي تطير أخباره على الأثير...وصف حقيقي واقعي واضح، يكملها بأم ماجد وزوجها سعفان وماتحدثه به عن أخبار القرية.
الأمثال الشعبية المعروضة والأقوال، تشعرنا، بأنه شعب مطلع على السجية.
ظهور شخصية الشاعر أبو غليون في الصفحة 799، ولقائه بشخوص القرية، وتقليد أولاد الحارة له، هل فعلا للشعراء خصوصيتهم، وهناك من لا يفهمهم؟، أم هم بسطاء حد السذاجة؟.
تطالعنا الصفحة 822 بوقوع بطليْ الرواية شمسة ورامز في المحظور، وكان هذا الأمر من ضرورات السرد..الذي كنت أعتذر حقيقة عن نقد أي رواية لأنه يصبح محورا فيها، ونكمل:
يجد النمس له حلّا بعد انتشار الخبر، وظهور خاتم ذهبي على إصبع شمسة، كتغطية وبلا زواج...
ظهور شخصية الشاب النشيط والموظف، الصفحة 87
في الصفحات التالية تجسيد لتكوين الشعب النفسي، وخوفه من المخابرات والتقارير، والظروف العصيبة المبنية على ذلك، من خلال شخصية فهيم ومن حوله.
نلاحظ في تكنيك الرواية البدء في معظم الفصول رغم عدم تقسيم الرواية لفصول في أصها، باسم الشخصيات، ونرى أنها تسهل على القارئ حفظ شخوص السرد وأبطاله.
وما زال السرد يطرح إشارة استفهام: لماذا تكررت عبارة: سجل عندك يا تاريخ بغير موضع حساس كما في الصفحة :99.
ليختم الفصل بنفس العبارة، وملاحقة ماجد لتحركات أم فرج.. فهل تلك كانت الغاية منها؟، نعتقد ذلك.
تدخل إلينا شخصية أم مرعي في الصفحة :1011، وغرق ابنها فهد وبكائها عليه..هل يجهل أهل القرية السباحة؟، لم توضح الرواية ذلك، إلا قليلا في الصفحة 108، وشرح لحياتها العاثرة مع زوجهان كنموذج لاستعباد المرأة، وقلة تفهم طبيعتها.
ولقطة ماكرة لنساء الحي، وبكاءهم على أنفسهم لا على ما حصل لأم مرعي..، وهذا انعكاس صحيح، فالبشر مهما تعاطفوا مع قضايا غيرهم، تبقى المقارنة حاضرة في أذهانهم بين متاعبهم، ومتاعب غيرهم.
الصفحة 111 وظهور شخصية مصطفى المثقف القادم من مطار ببروت، والقبض عليه لتشابه في الأسماء، ليتبين في الصفحة 131 غرض لافت أناني.
في الصفحة 18 يقدم لنا المؤلف مصطفى في مشهد السجن..قائلا: في السجن تتضاءل الأحلام...
نعم كما قال المؤلف تماما:
تتضاءل الأحلام... ويتلاشى الشعور بالوقت والحياة والمحبة..يصبح شيئا مركونا في زاوية الدنيا...ينتظر من يخرجه للنور...
الصفحة 121 يكرر المؤلف ذكر ماجد ومراقبته للأحداث، وكأنه عنى فيه الإشارة للجيل القادم الذي خبر ما حوله، و قادر على إيجاد حل..، باجتماعاته المتكرّرة على حداثة سنه أصدقائه.
ومازال أبو غليون يتكررحضوره في المشاهد فماذا قدم في مسيرة أحداث القرية من مهم؟.
خروج مصطفى في الصفحة 145.
يطالعنا في الصفحة 154 تهجم دموي على النمس لأن ابنه بات معينا لرامز، وكأنه عميل للمجتمع، عين عليه، وبات لوطيا قوادا.
في الصفحة 1588 يمر ذكر إسرائيل ، وكأنه مقارنة بين سلوك أفراد القرية وسلطتها، ومعركتنا الحقيقية.
الصفحة 1599 اجتماع نسائي، ومقارنة أخرى في طرق التفكير والمداولات، وكأن الجناح النسائي، أكثر إنسانية.
الصفحة 1600 ومداولات في محل عكاش، ورفض لسلوك النمس جملة وتفصيلًا، تتلوها عرض حالة مرعي وشقائه.
في الصفحة 1733 تذكر فاطمة تذمرها من النمس وما أحدثه في ضمائر أهل القرية، وهل هي الضمائر فقط؟، جملة ثقافية لا تخرج من فرد بسيط هناك كما رأيت ..الخ.
الصفحة 183 ووقوع أم فرج، وإعادة الإشارة لضعف المرأة في تلك البيئة، وأثرها الطيب الذكر.
يظهر أبو غليون طالبا من الضابط نقل شمسة ورامز حتى لاتهتز هيبة الدولة.
في الصفحة 1899 تطالعنا جملة لفارس: حفلة قصقصة الأجنحة..، عبارة موفقة..، فهي عقيدة عامة في انضباط الدول كما ورد، لايمكن لأحد أن يحلق عاليا..، فهم مربوطون بخيوط متينة..، في الصفحة 198 يقارن ماجد النمس بشايلوك، تاجر البندقية، وكأنه أكثر إيذاءًا من يهودي لأنه يؤذي المجتمع من الداخل، ويذكر بقضية الضبع الواهية.
اختفاء النمس..
صفحة 204 والاهتمام باستخراج الكنز الذي حقق مع مصطفى لأجله.
في الصفحة 2166 أعجبتني عبارة :صراع على النفوذ بين الكبار من الأقطاب، والصغار يذوبون كما الصابون..
أليس هو الواقع؟.
الصفحة 218 وحمل شمسة الحرام.
الصفحة 220 واتهام رامز لشمسة بممارستها مع شباب الحي!.
مقتل رامز.
حقيقة، وبصرف النظر عن تفاصيل الرواية، فهي نسج محكم لواقع صوّرهُ المؤلف باحترافيّة عالية، وكان يمكنه التركيز على نموذج كمصطفى والتوسع فيه لأنه محور الأوغاد عمومًا لو جاز التعبير.
شكرا لك لاختياري لهذا العمل النقدي.
مع التقدير.
دمشق
د. ريمه الخاني

ترهات فأر (قصة قصيرة)


ترّهات فأر
قصة قصيرة
الرتابةُ تكتنف جُلّ وقتي الهادئ بسكونه المريب، الظلام يخيّم على الزنزانة الانفراديّة، كل يوم لي زيارة خاصة إلى إحدى زواياها، فأقضي نهاري وليلي قابع فيها، بينما حنين الأخريات لجلستي فيهن، صفاء الروح جعلني أسمع حسيسهن، ولكل منها متعة مختلفة عن الأخرى، قراءة الذات؛ أصبحت وِرْدًا يوميًّا يستغرقني في ملكوت فضاءات، لم أكن أشعر بها في ضجيج الحياة قبل ذلك، المراجعة الذاتيّة لم أحظ بها أبدًا، جاءت الوحدة القسرية نعمة، لم أكنْ أحلم بها في يوم من الأيام، خربشة في الزاوية المقابلة، نبهتني إلى أمر غير متوقع بتاتًا، صوتٌ يأتيني، يكسر رتابة الصمت المهيب المريب، بالسلام، بالكاد تبيّنتُ ماهِيّتَه، أوه..!!، يا إلهي إنه فأر ضخم، شكله مخيف، ذكرّني بسلاحف النينجا الأفريقية، انكمشتُ على نفسي، وأنا ألملم أطرافي خوفًا من الاعتداء على أي منها، جلسَ مُقْعِيًا على مؤخرته، مُسْتندًا إلى ركن الزاوية المتين، عيناه تبرقان، فأضاءتا المسافة بيننا، الآن تبيّنتُ، وتمليتُ ملامِحَه بشكل حقيقي.
الفأر: أرى علامات الدهشة قد استولتْ على ملامحك، ألم تر في حياتك فأراً مثلي يتكلم؟، ألا تتذكر توم وجيري، -أطلق ضحكة مجلجلة دوى صداها في أذنيّ-.
أنا: لا في الحقيقة، ولا في الحلم، تخيّل أنني كنتُ أصدّقُ ذلك في صغري أيام المدرسة، وأنا أقرأ كليلة ودمنة، ولمّا كبرتُ قليلًا، كنت على يقينٍ أنّ عقلي كان قاصرًا عن إدراك كونها قصصًا كتبها دبشليم على لسان الحيوان، لغاية في نفسه، وللخروج من غضب السلطان، وأعوانه.
الفأر: نعم صدقتَ، ولكنني فأر مختلف تمامًا عمّا تعرف، أو بما يخطر على بالك، مما هو طريف وغير واقعي، سأختصرُ الوقت قبل تبديل نوبة الحراسة، وأنا قادمٌ إلى هنا، مررتُ بالحارس، رأيتُه مُتكوّمًا على نفسه، عيناه مغمضتان، شخيره متقطع، سيجارته انطفأت بين اصبعيْه، سأروي لك شيئًا، ربّما يكون طريفًا بالنسبة لك، وللأمانة التاريخية، أنا مهتمٌّ بقضايا التاريخ الحقيقية، وأهزأ بكم معشر البشر، وأنتم تقرؤون، وتصدقون ما تقرؤون، بلا تحليل وتركيب، وعمل تقاطع بين المعلومات، لاستنتاج شيء جديد على غير المألوف, والمعروف.
أنا: هاتِ ما عندكَ أيها الفأر..!!.
الفأر: العالم كله يعرف ويعلم، أن خروتشوف رئيس الاتحاد السوفييتي، ضرب بحذائه على الطاولة اعتراضًا على انتقادات رئيس الوفد الفلبيني للسياسة الخارجية السوفييتية في أوربا الشرقية، ووصفها بالاستعماريّة، أثناء الجلسة العامة للأمم المتحدّة في نيويورك 1960، بينما شاع أن هذه الحادثة جاءت احتجاجًا على العدوان الثلاثي على مصر1956، وما لم يقله أحد على الإطلاق، سأقوله لك، أنت وحدك بالذات: أثناء الجلسة هذه، تسللتُ إلى قاعة الاجتماع، وبينما كنتُ أدُورُ تحت الطاولات، وبين أرجل الكراسي، أغراني لمعان حذاء خروتشوف خاصة، وتغلب طبعي عليّ، رغم أنني أعرف مدى حساسيّة الموقف، ودقته المتناهية، فقمتُ بِعَضِّ مقدمة الحذاء، وانغرست نَابَايَ الكبيران خلال الجلد الطري، لينفذا إلى أصابع رجله، فلما أحس بالألم، لم يحتمله، فقام بخلع الحذاء، تصادف ذلك مع توجيه إحدى الصحفيين المكلفين بتغطية الجلسة عليه (الكاميرا) الرئيس، شدّة الألم جعلته يضرب الطاولة.
أنا: هيه..، أيها الفأر، هذا كلامٌ خطير، سيقلب الموازين، و النظريات السياسية القائمة والمعروفة.
الفأر: إذا لم تصدقني، عليك بالبحث و المراجعة، وكما أعلمُ أنك قارئٌ جيد، وكاتب قصصي مرموق. سأخبرك عن حادثة إطلاق القنبلة النووية على هيروشيما.
أنا: أظنّ أنك ستقول هذه المرّة، أن لك علاقة بهذا الموضوع ..!!، و ما أدري ما الذي يجعلني أسمع فأرًا حقيرًا؟، وقد اقتحمتَ عليّ عُزلتي.
الفأر: سامحك الله يا أستاذ، سأتـغاضى عن هذه الاتهامات، ولم أفهم سببًا مقنعًا لنظرتك العنصرية المعادية لساميّة الفئران، على كلٍّ، فلن أتردّد في متابعة حديثي الذي بدأته معك، فقد تسللتُ إلى تلك الطائرة، واختبأت تحت كرسي الطيّار، طال انتظاري، ولم أستطعه أكثر، وهدير الطائرة لم يتوقف، كاد أن يُسَبِّبَ لي الصمم، تحركت من مكاني إلى الفسحة الصغيرة بين قدميّ الطيار، ما إن أحسّ بوجودي ولمحني بطرف عينه، ركلني بضربة موجعة على ظهري، انطلقت بسرعة للأعلى، بحركة مفاجئة من يد الطيّار، أراد أن يبعدني بها عن كبسة قاذف مظلة النجاة، لأن مجاله الجوي ضمن منطقة معادية، فضغطت يده على كبسة قاذف القنابل ، وكانت هيروشيما، و ماتزال سجلًّا حزينًا في ذاكرة اليابانيين، فدوّنوه في صفحة سوداء قاتمة من تاريخهم الحديث.
أنا: قاتلك الله.. أيها الفأر الهرم على شنيع فعلتك، أنا أعتبرك أنك القاتل الحقيقي، ها ..!!، وماذا بعد هات من عندك، وأخْرِجْ من جعبتك شيئًا آخر، ولم تخبرني أين ذهبت أنيابك، وأسنانك؟.
الفأر يضحك بصوت عال، وقهقهة هزّت أركان الظلام في الزنزانة، وقال: في الحقيقة، أنه في السنوات الأخيرة، مؤكّدٌ أنك سمعت بالفنانة هيفا وهبي، وأغنيتها الشهيرة ” الواوا”، أغرتني ألوان المسرح وأضوائه، ولمعان ساقيْها، بينما الموسيقى بدأت في المقدمة الموسيقى، وكانت أغنيتها ستبتدئ بموّال زَجَلٍ لبناني” يابا .. يا بابا”، لم أستطع مقاومة الإغراء، الفرقة مشغولة بحركات المايسترو البلهاء، و المطربة نظراتها تتركز على المايسترو العجوز، تقدمت بسرعة خاطفة لعضّ قدمها، من شدّة ألمها، وبغنج الدلع، صارت تشير إلى قدمها، وهي تغني “الواوا” بدل “يابا.. يا.. يابا”، المايسترو مُنهمكٌ في عالمه، لم يلحظ تغيّرًا ما، بينما مُخرج الأغنية تابع تصويره، وراقت له الفكرة، وكأنها مبتكرة في عالم الفن، وهو يغرس نظراته في حركات “هيفا”، وهي تتلوى من الألم، ألمٌ ممزوجٌ بالإغراء، حاولتُ الهروب باتجاه آخر، وكانت عصا المايسترو لي بالمرصاد، وهي التي أسقطت أسناني.
أنا: صرختُ بأعلى صوتي: اغْرُب عن وجهي، أيها الفأر القميء، وخرجتُ من الزنزانة لأجدني في فضاء رحيب، وأعلن للملأ بأعلى صوتي عدم تصديق كذب و افتراءات ذلك الوغد الأفّاك. بينما أتملل في فراشي وإحساسي بتعرّق جسدي بأكمله، ترافق ذلك مع رنين ساعة المنبّه، فنهضت من فراشي بسرعة، قاصدًا الحمّام والنوم يتلبّدُ على جفنيّ.
عمّان – الأردن
 الوسوم

"الطريق إلى الزعتري"... بعين فتحي المقداد

"الطريق إلى الزعتري"... بعين فتحي المقداد

"الطريق إلى الزعتري"... بعين فتحي المقداد
"الطريق إلى الزعتري"... بعين فتحي المقداد
الرابط المختصر
"مزيد من تداعي أفكاري، و أنا أقف مشدوها أمام البوابة الكبيرة المحاطة بالأسلاك و الحراس، عيناي مركزتان على لوحة كبيرة مكتوب عليها "أهلا بكم في مخيم الزعتري".
كان هناك، خلف الحدود، يراقب قوافل أهله و جيرانه وهي تغادر وطنها في طريقها إلى الزعتري، لتبدأ حكايا الزعتري تصل إلى مسامعه وهو الأديب الذي لطالما عبر عن مكنوناته بكلمات يخطها في السطور، وما بين السطور.
محمد فتحي المقداد، أديب سوري كان قد بدأ بكتابة روايته "الطريق إلى الزعتري"، فجعلته الظروف شاهد عيان عليها.
هذه الرواية هي الأهم بالنسبة له، وهي بانتظار اللمسات الأخيرة لتصبح مكتملة في طريقها إلى النور، لكن الواقع بالنسبة للمقداد طويل ومرير.
وتتمحور رواية المقداد كما يصفها لـ"سوريون بيننا" حول الدوافع التي أجبرت السوريين على عبور هذا الطريق، وهي عديدة برأيه، منها الخوف من القتل والاعتقال واليأس من الواقع الصعب، بالإضافة إلى البطالة التي زادت بشكل لافت نتيجة توقف عجلة الحياة والإحباطات المترافقة مع كل ما سبق، لذلك جاءت الهجرة طلبا للأمان الشخصي والعائلي.
كان المقداد قد بدأ بالكتابة منذ طفولته، ولكن ظروفه في سورية أجبرته على إبقائها حبيسة دفاتره، إلى أن استطاع شراء جهاز حاسوب مستعمل، كان بمثابة نافذته إلى عالم التواصل الإلكتروني، مما مكنه نشر العديد من أعماله وتبادل الأفكار والآراء مع القراء.
يعد المقداد بنظر العديد ممن عرفوه واطلعوا على نتاجه الأدبي، أديبا مبدعا مرهف الحس، استطاع أن يطرح بحرا من التساؤلات و الخواطر التي تمس مشكلاتهم بإسلوب إبداعي مبتكر.
أحد أهم أعماله "شاهد على العتمة" ويتلخص في إفادات عن تاريخ السوريين في المنفى، واعتبر ناقدون عمله الأدبي هذا فريدا بأسلوب طرحه ومعالجته للواقع، وهو الآن تحت الطباعة في بغداد وسيصدر قريبا.
يقول المقداد بأنه خلال الآونة الأخيرة قام بإصدار العديد من الأعمال الأدبية المتنوعة التي تحتاج لسنوات حتى تحظى بالدراسة والتوثيق ضمن المشهد الثقافي والسياسي السوري.
أعمال كثيرة ومتنوعة حملت اسم المقداد، منها خواطر ورواية وقصة قصيرة وقصيرة جدا، كان أهمها:
أقوال غير مأثورة، مقالات ملفقة، دع الأزهار تتفتح، وتراجانا. لكنها تنتظر النور ليتم طباعتها ونشرها.

تسكين المتحرك في قصة (بلا سبب) بقلم توفيق جاد

http://www.afaqhorra.com/%d9%85%d9%82%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%aa-%d9%86%d9%82%d8%af%d9%8a%d8%a9/%d8%aa%d8%b3%d9%83%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%aa%d8%ad%d8%b1%d9%83-%d9%82%d8%b1%d8%a7%d8%a1%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d9%82%d8%b5%d8%a9-%d8%a8%d9%84%d8%a7-%d8%b3%d8%a8%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%a3/

رواية الطريق إلى الزعتري تكتب عن قرية في حوران لتوثق أحداث الثورة السورية

رواية الطريق إلى الزعتري تكتب عن قرية في حوران لتوثق أحداث الثورة السورية

رواية الطريق إلى الزعتري تكتب عن قرية في حوران لتوثق أحداث الثورة السورية
الكاتب: محمد فتحي المقداد.
قراءة: أحمد العربي.
الناشر: دار عمار للنشر والتوزيع. الاردن/ط١، نسخة ب د ف ، ٢٠١٨م.
تتحدث الرواية  عن واقع الثورة السوريا من منظور الروائي، تعتمد صيغة الكتابة الإخبارية، هناك راو متوار خلف الشخصيات، يكتب تارة عن الآخرين وما يعيشونه من المتغيرات، ويضع أحيانا بعض الشخصيات في حالة التكلم عن الذات، في خليط بأسلوب الكتابة.
الكاتب لا يلتزم بخط زمني صاعد متواتر في الحدث الروائي، إلا بمقدار محدود، ليخدم السياق الروائي كما يراه، والرواية مكتوبة بطريقة الخطف خلفا، يعني من لحظة ما قريبة من خاتمة الحدث الروائي، التي أصبحت حاضرة في كثير من الأعمال الروائية.
تبدأ الرواية من المحامي خالد ابن قرية من قرى درعا (حوران)، متواجد في إحدى الدول الأوربية، حيث وصل إليها في رحلة اللجوء السوريا، على أثر أحداث ثورتها. خالد المنتمي للثورة، الذي حمل على عاتقه مهمة توثيق أحداثها، منذ البدء في قريته (موج) وامتدادا إلى درعا مهد الثورة السوريا، يخوض في واقع الثورة من البداية حتى رحلة لجوئه.
يقلب خالد الدفتر الذي رصد به وقائع الثورة السوريا، يبدأ من أطفال درعا الذين تأثروا بما نقلته لهم الفضائيات عن حراك ثوري طال تونس ومصر وليبيا وأدت إلى إسقاط أنظمة قمعية استبدادية، كان من المستحيل أن تسقط قبل حراك الربيع العربي الذي بدأ في أوائل عام ٢٠١١.
مما شجع الناس في سوريا على رفع الصوت أمام النظام الاستبدادي السوري، متجاوزة حاجز الخوف نسبيا، كما حصل في سوق الحريقة حيث تحدى مواطن شرطي، وتلاسن آخر مع وزير الداخلية، وأخبره أنه مواطن وإنسان.
لم يسكت الأمن عن كتابة أطفال درعا على جدران مدارسهم، (جاك الدور يا دكتور، أو الشعب يريد إسقاط النظام)، فتم اعتقال الأطفال والتنكيل بهم، ولم يستجب لأهلهم والوجهاء في درعا حول التجاوز عن فعل الأطفال، بل قُتل الاطفال وطرد الأهل بشكل مهين.
أراد النظام أن يوصل رسالة تحذير وتخويف للشباب السوري وللشعب من ورائهم، أنه لن يسمح لأي طرف أن يتحرك في سوريا، مطالبا بالحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية، مذكرا الناس بتاريخ قمع واستبداد وظلم وفساد استمر لعقود منذ عصر الأب حافظ الأسد وابنه بشار بعده.
لكن الشباب الدرعاوي والسوري عموما لم يكن ليقبل بأن يستسلم للقمع وردة فعل النظام اتجاه بداية حراك التظاهر السلمي المطالب بالإصلاحات والديمقراطية، بدأت في درعا وامتدت إلى كل سوريا رويدا رويدا.
تركز الرواية على قرية موج وكيف كانت مشاركتها، بادئة بثلاثة أصدقاء أحمد ومحمد وخالد الذين ترعرعوا في القرية منذ مراحل الدراسة الأولى، أحمد انتهى من دراسته وغادر خارج القرية واستمر بالتواصل مع أصدقائه، محمد استقر في البلدة يعمل فيها، وخالد تابع دراسته الجامعية وأصبح محاميا.
عندما بدأ حراك الشباب في التظاهر، كان الأصدقاء على تواصل، وكانوا منتمين نفسيا وواقعيا لهذا الحراك ولمطالبه الحقه، خالد أصبح جزءً من الحراك منذ اللحظة الأولى، بدأ يتواصل مع المتظاهرين، ويقدم لهم العون والإرشاد.
أما محمد فقد كان متابعا للثورة بترقب وحذر، يعرف أن النظام لا يرحم. كان ابنه يدرس في العاصمة دمشق، ويسكن المدينة الجامعية، كان قلقا عليه، تتوغل الرواية في حياة محمد حيث تعيش أمه المعمرة في كنفه، تتذكر أن أبيها كان من الثوار في مواجهة الفرنسيين وأنه استشهد في الحرب ضدهم، وكذلك زوجها والد محمد الذي استشهد بمواجهة الصهاينة في حرب ١٩٧٣م، وهي دائمة التذكر لهم والرحمة عليهم.
رواية تتحدث عن واقع الثورة السوريا من منظور الروائي، تعتمد صيغة الكتابة الإخبارية، هناك راو متوار خلف الشخصيات، يكتب تارة عن الآخرين وما يعيشونه من المتغيرات، ويضع أحيانا بعض الشخصيات في حالة التكلم عن الذات، في خليط بأسلوب الكتابة.
أما محمد الابن فهو في القرية رجل له حضوره الاجتماعي ويلتقي بشكل دائم بصديقه المحامي خالد ويتبادلان الزيارات والتواصل، وعندما بدأ حراك الثورة أصبح تواصلهما مستمرا، وكانا يبحثان كل مستجد، خالد من موقعه كقائد معنوي للشباب المتظاهر في البلدة ومحمد من خلال حضوره الاجتماعي.
بدأت القرية بالتفاعل مع الثورة التي توسعت على رقعة سوريا كلها، وبدأ الشباب بالتجمع في المسجد الكبير في القرية والخروج بالتظاهر، خاصة أيام الجمة، وكان الأمن يجمع قواته ويواجههم، وسرعان ما استعمل النظام السلاح، وأدى لسقوط الشهداء من الشباب، مما زاد جذوة الثورة واندفاع الشباب.
وعندما منع النظام أي حراك في الجامع الكبير انتقل الشباب إلى جوامع أخرى وبدؤوا ينطلقون منها، لكن النظام لم يستسلم فقد صعد في استعمال السلاح بمواجهة المتظاهرين، وزادت أعداد الشهداء، وبدأ الشباب بالتفكير بحماية التظاهرات، لقد كان للنظام الكثير من المخبرين الذين يقدمون للأمن معلومات كاملة عن التحرك، وبعضها موثق بالفيديوهات والصور، وهذا سيفيد النظام بتحديد قوائم المطلوبين لها من الثوار وقادتهم.
عند اشتداد عنف النظام وقتله للمتظاهرين، بدأت حالات تسلح فردي، سرعان ما توسعت، وكان تشييع الشهداء مبررا لمزيد من تأجيج مشاعر المواجهة مع النظام.
لقد منع محمد وخالد الشباب من مهاجمة المخفر أو مركز السلطة في القرية، خوفا من انتقام النظام من الناس، كان ذلك في البداية، لكن الشباب سرعان ما سيطروا على مرافق الدولة كاملة، بعد أن أصبح عنف النظام فوق قدرة أي أحد عن ردع الثوار المندفعين، وأصبحت القرية محررة من النظام لوقت قليل، حتى استقدم النظام قوات الجيش وحرسه الجمهوري، المنتمي للنظام، وهاجم القرية بقوة نارية عالية، مما دفع أهلها للاستفادة من بعض أزلام النظام لإعادة القرية إلى سلطته، وبالفعل حصل ذلك، وكان لذلك أثر بالغ على الثوار، حيث بدأت حملة اعتقالات واسعة، وبدأ الشباب بالتواري والهرب، وبعضهم بدأ بتشكيل مجموعات مسلّحة من الجيش الحر.
بدأ النظام بتقطيع أطراف البلدة عبر الحواجز، التي تمركزت بأغلب مناطق البلدة الهامة، وصنعت متاريس وبدأت بالتضيق على الناس، توقفهم على الحواجز وتطالبهم بالوثائق الشخصية، اعتقل الكثير وقتل بعض الشباب ميدانيا، كذلك الحال حيث نُصبت حواجز على مداخل البلدة وأصبحت الحياة فيها أقرب للجحيم، فهناك إطلاق نار دائم، وصدامات بين مجموعات الثوار والنظام، وقصف عشوائي مستمر على البيوت مما يجعل الإصابات العشوائية كثيرة.
ما عاد الأطفال يتحملون ما حصل من عنف وأصوات قذائف، الخوف سيطر عليهم وظهرت بوادر منعكسات نفسية تؤرقهم وتصبهم بالمرض.
غادر أخ محمد حيّه إلى بيت محمد حيث القصف والضرب أقل، ثم لم يستطع أن يتحمل أكثر، غادر إلى مخيم الزعتري، التي بنته الأردن داخل أراضيها على الحدود الأردنية السوريا في الصحراء، ليأوي إليه الهاربين من الموت المشرع عليهم من النظام السوري في بلداتهم.
أصبحت القرية شبه خاوية، محمد تحمل العيش في البلدة خاصة أن والدته مريضة ولا تحب مغادرة بلدتها بعد هذا العمر، هذه الأم التي تفتخر بوالدها وزوجها الشهداء، سيوافيها أجلها وهي ترى بلدتها تحت نيران نظام مستبد قاتل.
كما أن مصيبة اخرى أصابت محمد، فقد اعتقل ابنه من المدينة الجامعية في دمشق، فقد توسعت هجمة النظام على كل ناشطي الثورة، اعتقل الشاب واستمر في المعتقل والسجن لأشهر ومن ثم أفرج عنه وعاد إلى القرية.
تحاول الرواية أن تكون سجلّا عن واقع الثورة السوريا وما حصل مع الشعب وما فعله النظام المجرم. صحيح أنها أخذت نموذجا لبلدة في درعا، لكنها تعني كل سوريا وما حصل فيها.
الأب محمد أحس أن الحياة في القرية أصبحت مستحيلة، فهي منطقة حرب ولا يستطيع أن يؤمن أي من أسباب الحياة، أصبحت كل السلع نادرة وغالية، إضافة لوجود احتمال أن يعتقل هو أو ابنه، صحيح أنه استطاع أن يخلق علاقة مع المسؤول الأمني في البلدة، عبر الأعطيات والرشاوى من زيت وغيره، لكن لا يعرف متى يقبض عليه أو على ابنه، أو يقع ضحية استهداف بقذيفة ما أو من خلال إطلاق نار أصبح كثير الحضور وعشوائي.
خاصة وأن النظام قد أبدع صيغة جديدة للسيطرة على أغلب البلدات من خلال تجنيد أغلب المخبرين وأصحاب السوابق الإجرامية وتحويلهم إلى شبيحة يؤذون الناس وينهبون كل ما يصلون إليه، ويثبتون السلطة للنظام، وهؤلاء الشبيحة لم يتركوا وسيلة من الإجرام بحق الشعب دون أن يقوم بها.
لقد دُمرت بلدات مثل دوما وداريا وحوصرت درعا واستبيحت الكثير من البلدات والمحافظات، مئات الآلاف أصبحوا شهداء ومثلهم مصابين ومعاقين، الملايين مشردين.
محمد قرر أن يهرب بعائلته إلى مخيم الزعتري في الأردن، وهكذا كان. أما خالد المحامي فقد أصبح وجها من وجوه الثورة، ويظهر على الفضائيات متحدثا عن واقعها وأفعال النظام، أصبح مستهدفا من قبله، نجا من محاولات اغتيال عدة، توارى وخرج من البلدة إلى الأردن أخيرا، ومنها إلى مصر ونشط هناك متحدثا ومدافعا عن الثورة وشرعيتها، وعن ظلم النظام وحقوق الشعب السوري، ومن ثم غادر إلى إحدى الدول الأوربية، لاجئا ينتظر هو وملايين السوريين أن يعود إلى سوريا بعد سقوط نظام الاستبداد ومحاسبته على إجرامه، مطالبا ببناء سوريا الحرة العادلة الديمقراطية.

هنا تنتهي الرواية.

في تحليلها نقول:

تحاول الرواية أن تكون سجلّا عن واقع الثورة السوريا وما حصل مع الشعب وما فعله النظام المجرم. صحيح أنها أخذت نموذجا لبلدة في درعا، لكنها تعني كل سوريا وما حصل فيها، حاولت أن تمر على أغلب ما حصل في الثورة، لذلك لم تُشبع الموضوع من جانبه المعرفي، وهذه ليست نقطة ضعف، لكن يفضل لو أنها أخبرتنا عن جواب أسئلة مركزية ولو بتكثيف وتركيز واختصار. لماذا قامت الثورة السوريا.؟.
وكذلك كان يجب أن تتعمق قليلا في واقع الثورة السوريا، لا يكفي إدانة العمل المسلح للثوار، يجب تنوير أسباب العمل المسلح، وأين أخطأوا؟، ومن استثمر واقعهم؟، ومن هم الأعداء الذين دعموا النظام؟ من المستفيد مما حصل في سوريا؟. ثم لماذا الصمت عن البنية العسكرية والأمنية والطائفية للنظام؟. وكيف تحولت سوريا كلها إلى مزرعة للنظام؟، وماذا عن عصبة الرئيس وعائلته المقربين؟…. الخ.
أخيرا كل ذلك لا يبخس حق الرواية وأنها أطلّت على واقع الثورة ووثقتها، من زاوية ما.
الرواية وغيرها مما كتب من أدب وتوثيق سياسي وفكري عن الثورة السوريا، سيكون ـ يوما ـ الضوء الذي ينير هذه الحقبة السوداء من تاريخ سوريا الخاص، ويظهر العار الذي يجلل العالم المتفرج على هدر دماء السوريين. وتدمير بلادهم، واستباحة حياتهم، وتشريدهم في كل أركان الدنيا.

محمد فتحي المقداد، روائي سوري، له العديد من الأعمال الأدبية، هذا أول عمل نقرؤه له.

نوافذ .. شبابيك قراءة في مجموعة (أغدا ألقاك) للقاصة عنان محروس

نوافذ .. شبابيك
قراءة في مجموعة (أغدا ألقاك) للقاصة عنان محروس
بقلم – محمد فتحي المقداد

نوافذ البيوت تنقذها من احتمال تحوّلها إلى قبور، وهي علامة مُفضية إلى العالم الخارجي، فيدخل الضوء والنّور بحريّة تامّة، تجعل التشارك ميّزة بين الدّاخل والخارج. ونطلق عليها شُبّاك إذا شُبِكت واجهتها بالحديد والخشب للحماية من اللّصوص والحراميّة.
وهي إطلالة تفاعليّة ضروريّة لحياة سليمة تستجيب لقيم الطّبع السويّ، فإذا صارت مثارًا للمشاكل فسدّها وإغلاقها هو الأولى لدرء المفسدة وجلب المنفعة.
«أغدًا ألقاك» ضرب من المواعيد بين صديقين أو حبيبين أو غير ذلك، أمّا وأن تأتي العبارة عنوان لمجموعة قصصيّة للأديبة (عنان رضا محروس)، فهذا اختيار موفّق، سيّما وأنّ الفصل الأوّل جاء تحت عنوان نوافذ، توزّع على خمسة نصوص كانت نوافذ مفتوحة أمام القارئ على نماذج إنسانيّة لها اعتبارها الاجتماعيّ المؤتلف ما بين السُّدى واللُّحمَة.
ولا يسعني في إطلالتي هذه إلّا التوقّف أمام نوافذ أغدًا ألقاك، وهي تستثير في نفسي رغبة سبر ما خلفها مما هو محجوب مخفيّ عنّي.
- النّافذة الأولى: تصدّرتها عبارة تقول: (لا يغفو قلب الأب، إلّا بعد أن تغفو جميع القلوب) -ريشيليو-.  ولكنّ قلب الابن الغافل غفا أمام جبروت زوجته القاسية فلم لزوجها الخيار في ردّ شيء من حقّ أبيه السبعينيّ العاجز عليه.
فكان «يرقب الطّرقات.. وكأن فيها انعتاق روحه من قيد أتعبه سنينًا.. ستائر تافذته الرّثّة  تحجب عنه بعض الرّؤيا.. فتبعدها يده المرتجفة بصعوبة».
 الذي سمع بأمر ظالم يُخرجه من بيته إلى دار العجزة. فتوقّف قلبه الضّعيف حزنًا وكمدًا من ظلم لا يستطيع دفعه عن نفسه في مثل هذا العمر الوَهِن، وصار ذكرى منسيّة من قلب ابنه العاقّ.

- النّافذة الثانية، تصدّرتها عبارة غاندي: «الرٍجل.. ما هو إلّا نتاج أفكاره .. بما يُفكّر، يصبح عليه»، لنرى نموذجًا بشريًا مختلف تمامًا بانحراف سلوكيّ مُتلاعب بعواطف الآخرين خاصّة من الجنس اللّطيف لا يرعوي ذمّة ولا خُلُقا، وقد أضاع بوصلته  وانطلق بتوحشّه خاليًا من بقايا ضمير، وهو يغسل خطاياه بدموع الضحايا. وكل جرائمه جاءت عبر النّافذة: «عند نافذة قريبة أضواؤها خافتة، وقف رجلٌ وسيمٌ مُصاب بأنيميا حبٍّ مُزمن لا شفاء منه. الجزء الأعلى من جسمه يظهر من النّافذة، ويختفي الجزء الأسفل تحت حافّتها، وقف يُلوّح بلهفة عاشق لصبيّة جميلة، نافذتها تًقابل نافذته».

- أمّا النّافذة الثالثة، فقد تصدّرتها عبارة غاندي ثانية: «ساعة الغضب ليس لها عقارب»، ومنها نرى حال الزوجة المخلصة مقابل زوج غير قانع بما لديه، فيهيم ضياعًا في دروب بائعات الهوى خيانة لأمانة الحياة الزوجيٍّة. «لماذا ننسى قيمة عندما تكون لنا.. نغالط أنفسنا ونطارد الوهم».  فماذا يكون انعكاس ذلك على الزوجة: «ينعكس خيال صورتها على زجاج النّافذة، فتستغرب ما ترى..!!. تحوّل وجهها الملائكيّ إلى مخلوق بشع». من المؤكّد صدق حديث المرايا، فهو حقيقة مجرّدة بلا رتوشات مّزوّقة.

- وعند النّافذة الرابعة نجد أنّ: «المصائب نوعان: حظٌّ عاثر يصيبنا، وحظٌّ حسنٌ يصيب الآخرين» جاء ذلك على لسان -أمبيروسبيرس- لنتوقّف أمام حالة فريدة حقيقة، أرملة شهيد تعمل تحت غطاء اللّيل راقصة في مرابع السّمر، لتقوم بتربية أولادها عندما ضاقت في وجهها سُبُل العيش، وتُخفي عن أولادها الصّغار الذين ينتظرون عودتها دقيقة بدقيقة، وقد أدمنوا ذلك: «من بعيد رأت ضوءًا ينبعث من نافذتها، وثلاثة أزواج من عيون بريئة، تسعى هي بكلّ قوّتها لإبقائها حُرّة أبيّة.. ذات يوم جلست قرب نافذتها.. وامتدّ نظرها إلى الشّارع المُعتِم، وكأنّ الطّرقات المفتوحة هي السجن والعزلة، وجدران بيتها هي الانعتاق والحريّة».

- النافذة الخامسة والأخيرة، تصّدرتها مقولة الشّاعر محمود درويش: «لا أستطيع الذّهاب إليكِ.. ولا أستطيعُ الرّجوع إلي». وقضية السّاعة في الزواج العُرفي خارج إطار القانون النّاظم للحقوق والواجبات، ف «قطرات من النّدى على زجاج النّافذة زادت من غبَش الرّؤية.. لأنثى تنتظر وصوت أذان الفجر يُبشّر بيوم جديد».
صور عديدة جاءت بها القاصّة والروائيّة عنان محروس في ثوب شديدة البياض بنقائه الشفيف عن حسّ مليء بضميره اليقظ ذي النّزعة الإصلاحيّة في إطار خُلُقيّ متين، سلطّت الضوء على معاناة ومآسي اجتماعيٍّة خطيرة تحيق بفئات من النّاس وهم بحاجة ليد العوْن تمتدّ لانتشالهم إلى برّ الأمان.

عمان – الأردن
6 /1 /2019

قراءة على رواية (جدائل الصبر) الأديبة الروائية إيمان كريمين (1)

قراءة على رواية (جدائل الصبر) الأديبة الروائية إيمان كريمين (1)

 بقلم - محمد فتحي المقداد

جاءت الرواية بعناوين فرعية لكل مقطع، العنوان الرئيس الجديلة الأولى إلى أن وصلت إلى ثمان وعشرين جديلة. وتوقفتُ عند هذا الرقم، لأتذكر أن الجدائل جاءت بعدد أيام شهر شباط الذين نعيشه الآن، فهو مقدمة لحياة جديدة من الربيع، وانتهاء المنخفضات الجوية الباردة، وحياة الشتاء، لننطلق من جديد.
أبتدئ بعبارة الكاتبة (لم يكن قراري خاطئاً أبداً)، أقتطعها من سياقها لتوظيفها في سياق آخر، بأنها أحسنت إذا كتبت، وإذ اختارت أفكارها بعناية وتنسيق، بلغة واضحة مفهومة، متسلسلة لا تستعصي على القارئ، فتدقّ أبواب فكره لتدخل بلا استئذان، وهي تجبرني على الدخول إلى عالم الجدائل، والصبر معاً.
فالجدائل هي نمط حياة كان، لأمهاتنا وجدّاتنا، وهنّ يعصمن شعور رؤوسهن لظروف الحياة القاهرة التي عشناها، مصبوغة بصفة نبي الله أيوب عليه السلام. قساوة العيش، وانتزاع لقمتهم بالقوة من فم الطبيعة بإصرار وتصميم على الاستمرار في الحياة، والتكيف مع المحيط الجغرافي، وتكييفه كي يتناسب معهم، ويستفيدوا من أدنى إمكانية لتحسينه مهما كانت.
***
الجدائل الخمس الأولى، لكل منها عنوان ذي دلالة، جاءت على التوالي، (رائحة الغياب ومذاق الألم)، (تقاسيم الأقدار بخطى الأسفار)، (سكون يتبعه أنين الرحيل)، (غياهب الهذيان)، (سطور ثائرة)، لتتخذ الكاتبة من هذه العناوين، مدخلاً مناسباً للدخول إلى عالم الرواية، فكانت كلها مقدمة، فتحت الأفق أمام أبطالها لسرد الحكاية من أولها، باستمرار وبلا انقطاع.
صحفيّةٌ اسمها (دنيا)، كانت مسافرة من عمّان العاصمة إلى مدينة إربد عروس الشمال، لإجراء تحقيق صحفي عن قضية ما، وجهت إليها (مجدولين) سؤالا عن موعد وصول الحافلة، والوقت الذي تستغرقه الرحلة، وجلست في كرسي منفرد، منعزلة عن العالم، منكبّة على أوراقها وهي تكتب، عندما تأخذ استراحة تتأمل الطبيعة على جانب الطريق، وتعود إلى سكب أفكارها الساخنة على الورقة. تشاء الظروف أن تموت مجدولين خلال الرحلة، وعلى اعتبار أن دنيا تجاورها في الكرسي المزدوج المقابل، وكانت قد بنتْ معها علاقة سريعة، مثلما كانت النهاية سريعة ومفاجئة. فوجدت من حقها بعد أن قامت لإسعافها، أن تحتفظ بأوراق مجدولين، لتعود وتروي قصّتها لنا على متن جدائل الصبر، وتأثرها العميق بما حصل معها بمحض الصدفة الخالصة، وما نتج عن ذلك من صدمة شعورية لها، وانعزالها إلى حين حتى استطاعت الخروج للحياة من جديد.
***
اختارت الكاتبة (دنيا – مجدولين)، لينوبا عنها في سرد أيام الطفولة و أحلامها البريئة، بآمالها وطموحاتها المتوردة في ذهنيْهما عن عالم المستقبل، ورسم السعادة من البقايا، واسترسال في سحب حبال الذاكرة عن الطفولة و المدينة، حينما عبّرت الكاتبة عن ذلك، (الأماكن بداخلنا تجسد حالات إنسانية تسمح لنا بالسير في زوايا ذاكرتها)، فللأماكن ذاكرتها الجاذبة بقوة لمن تشبّع بها، وأحسّ بها في أعماق نفسه، (فالأماكن حينما يهجرها ساكنيها، تصبح كمدينة أشباح، تتراقص أطياف الراحلين على أبوابها)، لتعرّج على جبل اللويبدة حيث نشأـ هناك، ووعيت كل تفاصيل نموّه خارج وسط البلد عمّان، واستشهدت بقصدية الشاعر حيدر محمود (أرختْ عمّان جدائلها فوق الكتفيْن)، و مقطع من قصيدة للشاعر عمر أبو الهيجا، يخدم سياق السرد. 
***
و في الجديلتيْن التاسعة و العاشرة، يتجذر مفهوم التجذر المكاني، عند إيمان كريمين على لسان (دنيا)؛ ليلقي الضوء على مفهوم الأصالة و المعاصرة، و التوفيق ما بين رؤية الوالد المعلم التي تأثرت بها حدّ التشبّع، وبين الحبيب الزوج، الذي أطلقت عليه سيّد الغياب, فصارت على شفا جرف غياب الإنسانية و الفضائل، بما جاء على لسان الوالد بعبارات عميقة الدلالة، أعتقد أنها ستكون عامود السرد الروائي لجدائل الصبر: (أخشى على الوطن من الديمقراطية، عندما يمارسها الجهلاء أو المرتزقة)، تساؤل مفصلي في حياتنا العربية، كشعوب هل نحن جديرون بالحرية و الديمقراطية، أم لا زلنا في طور التكوين الجنيني لثقافة الديمقراطية، ونحتاج إلى أشواط من المِران عليها، وكذلك تابع الوالد (فالإنسانية أصبحت كلمات يتلاعب بها الكثيرون، ولكن عند العقل تتكشف الأنياب، وتنغرس في جسد الفضائل).
***
وفي الجديلة العاشرة، حكايتي مع الزمن، تتوقف (دنيا) أمام (سيد الغياب)، فهي متشبثة متجذرة بالوطن، وهو يريد الهجرة إلى إيطاليا، ليجد فرصة أفضل من أجل الفن، فهو ناقم على وضعه، والوضع المحيط به بشكل عام، (أريد أن أصل إلى العالمية، ولن أصلها طالما بقيت مكبلاً بقيود كثيرة تفرضها على طبيعة التفكير العربي وجموده)، ويتابع (الفنان الحقيقي يسلك مسالك الانفتاح و الحرية الفكرية التعبيرية، لم أر هنا سوى النقد الهدّام، والتقليل من الذات، و الخوض في فلسفة الحلال والحرام، وما يجوز ومالا يجوز). بينما تجيبه (دنيا) بصراحة تامة لا مواربة فيها، يا سيّد الغياب، (بإمكانك الوصول للعالمية، من خلال التمسك بهويتك المستقلة غير التقليدية، فعندما تنسلخ عن جذورك، ستصبح بلا هوية متجذرة تُسندُ فنّك، أخشى عليك من الانصهار في عالم غريب عنك وعن أصولك)، فضلت هي البقاء متجذرة بينما هو هاجر، وتقول: (اكتشفتُ أنني على صواب، عندما عرفتُ أنه قام بالارتباط بامرأة تمتلك أكبر صالات العرض في فينيسيا). ومن أراد بلوغ غايته ومهما كانت الوسيلة، فهو بعيد عن كلام دنيا، يريد الوصول فقط، مهما كان الثمن.
نعم هو لا يفكر إلا في نفسه، وتختم: لم يكن قراري خاطئاً أبداً.

... يتبع بعون الله ...
عمّان \ الأردن
16 \ 2 \ 2016