حوار
حول السَّلام العالمي
خاص
بالعدد الحادي عشر من مجلّة السَّلام الدَّولية
2023
حوار
صبري يوسف مع الروائي محمد فتحي المقداد. سوريا
1.
ما هي
برأيِكَ أهمُّ أسبابِ تراجعِ السَّلامِ العالمي بينَ البشرِ؟.
*لم
يكُن في تاريخ البشر يومًا ينعمون فيه بالعيش بسلام وأمان وطمأنينة، إنّما الأقوياء
بصدد إعداد العُدّة من أجل إرضاء مطامعهم، وشهوة السّيطرة، وهذه النزعة الهابيليّة
مُتأصّلة في أطباع البشر بشكل عامٍّ.
الأقوياء
يتعبون فيأخذون فترة للاستراحة، ولكنّها استراحة المُحارب، الذي سُرعان ما ينهض
لمتابعة مشوار حروبه المُستمرّة طوال الوقت. والسلام بهذا المعنى يفرضه الأقوياء
ضمن شروطهم، ليكون معادلة الاستسلام.
وهذا
ما تبدّى من دروس الحرب العالمية الثانية، وانتصار دول الحلفاء على دول
المحور(ألمانيا. اليابان. إيطاليا. والدول التي ساندتهم). كان استسلاما بشروط
مُذلّة وفيها الكثير من الإجحاف والقيود. في عالم الأقوياء لا سلام بل استسلام
وخنوع وفق رغبتهم وإرادتهم.
2.
لماذا
ابتعدَ الإنسانُ عَنِ السَّلامِ والوئامِ بينَ بني جنسِهِ، سائراً نحوَ حقولِ
الألغامِ الَّتي تنسفُ حيثيَّاتِ السَّلامِ مِن جذورِهِ؟.
* أنّ طبيعة التركيبة للبشرية متفاوتة المًعطيات
بكافّة التفاصيل، ليس جميعهم بذات المستوى من القوّة والضعف. تفاوت المُستويات التراتُبيّة
من شخص لآخر، حتّى يُلحظ هذا الموضوع بين الأخ وأخيه من أبٍ وأمٍّ واحدة.
إن
الاستعداد الفطري للحالة التي سيكون عليها أي شخص، هو ما يُعطيه استعدادات وميول
نحو الاستقواء، وآخر ميوله للهدوء مع قابلية لقبول الهيمنة والسيطرة، من هنا برزت
فكرة شيخ القبيلة المُطاع وإن كان أحمقًا، وحديثًا تطوّر إلى مفهوم القائد المُلهم
الذي لا يُخطئ. وتحقيق طموحات الزعامة تسلتزم فرض السيطرة بالقوة عُمومًا، ولن
يستقرّ أمر لأي كان في أجواء المُنافسة من الطّامحين من أمثاله، والنتيجة الحتميّة
بالسّجون والمعتقلات، وبالحروب والويلات ما إن تندمل ندوبها جراحاتها، حتّى تتجدّد
بمتوالية الموت المُستمرّة على الدّوام.
3. ما
هي أسبابُ انكفاءِ الحسِّ الأخلاقيِّ والمعاييرِ الرَّاقيةِ عندَ الكثيرِ مِنَ
البشرِ في الوقتِ الرَّاهنِ؟.
*ليس
في الوقت الرّاهن فقط الذي بدوره هو امتداد لأزمة تفتقد للحسّ الأخلاقي، وهذا
الموضوع ليس بجديد قطعًا. الإنسان الأوربيّ الذي يعيش بمستوى حياة لائقة بالبشر،
هل تساءل يومًا عن مصادر رفاهه، التي جاءت على حساب الشّعوب المُستعمَرة في آسيا
وإفريقيا وأمريكا الجنوبيّة، وثرواتهم المنهوبة، إفقار شعوب العالم الثالث؛ هو مصدر
رفاه وحياة رغيدة لشعوب الدول الاستعماريّة المُسيطرة على مُقدّرات الشّعوب بجميع
الوسائل المُتاحة والممكنة.
هل
بالفعل ينطبق وصف مدينة باريس بمدينة النّور؟، وفرنسا ببلاد العلم والثقافة والحضارة؟
، وكيف لذاكرة الجزائيين نسيان المليون شهيد من آبائهم وأجدادهم، قتلتهم الآلة
العسكريّة الفرنسيّة، وهم الذين دافعوا عن كرامة شعبهم وبلادهم.
ومثل
ذلك الشعب اليابانيّ بمصيبة هيروشيما وناغازاكي الأليمة والمؤسية والتي ما تزال
آثارها مُنسحبة على الحياة هناك، والأرض والتربة الميتة غير القادرة على أن يعيش بباطنها
أي نبات أو شجرة، كما لا ننسى الأجنّة المُشوّهة لأجيال.
4.
يركّزُ الإنسانُ على العلاقاتِ المادّيّةِ، وغالباً ما تكونُ على حسابِ إنسانيّةِ
الإنسانِ، لماذا يتراجعُ الإنسانُ نحوَ الأسوأ في علاقاتِهِ معَ بني جنسِهِ:
البشرِ؟!
*أرى
أن هذا السؤال لا يختلف كثيرًا عن سابقه (س3)
5.
هناكَ تطوُّرٌ كبيرٌ في تقنياتِ وتكنولوجيا العصرِ، يسيرُ عصرُنا نحوَ فتوحاتٍ
كبرى في عالمِ التّقانةِ والتَّحديثِ، لكنَّهُ فقدَ الكثيرَ مِنَ الحميميّاتِ،
كيفَ يمكنُ إعادةُ العلاقاتِ الحميمةِ الرَّاقيةِ بينَ البشرِ؟!.
*بلا
شكّّ أن تسارع وسائل الاتصالات والتواصل؛ جعلت من العالم قرية عالميّة صغيرة، ذات
صبغة جديدة تتفلّت، أو تكاد تكون مُتحرّرة من الخصوصيّات الاجتماعيّة ذات الأبعاد الأخلاقيّة
النّاظمة لكل مجتمع على حدة، ومنها المُشترك للجميع.
وفي
هذا المنحى بمنزلقاته الحادّة والقاتلة، ستتفتّتُ كل القيم الأخلاقية والدينية والعادات
والتقاليد، تلوينها بلون جديد قائم على تعهير المجتمعات عمومًا، بنشر هرطقات الجنس
الفاضح بتعميم قطعان الشواذّ، من خلال تقنين وضعهم تحت مسمى الحريات الشخصيّة
المُطلقة، وهو ما سيخلق تشويه إنسانيٍّ مُدمِر على كافّة المُستويات البشرية بين
شرق وغرب الكرة الأرضيّة.
وفي
هكذا أوضاع المُنزلقات من الصعب العودة للوراء، إلّا بتدخّل الإرادة الإلهيّة
بطوفان كونيٍّ شامل شبيه بطوفان نبيِّ الله نوح عليه السلام. أو إذا أمكن تخلّي
الأقوياء عن شهوة التسلّط والسيطرة؛ فمن غير المُتخيّل من أحد بالتخلّى عن مكاسبه وسلطانه وهيمنته وجبروته
لإخوته في الإنسانيّة.
6. لا
يتمُّ تأسيسُ الكثيرِ مِنَ الدُّولِ الشَّرقيّةِ/ العربيّةِ وما يجاورُها على أسسٍ
ديمقراطيّةٍ، غالباً ما تجنحُ نحوَ الحروبِ والدَّمارِ، متى ستتعلَّمُ هذهِ
الدُّولُ أنَّ بناءَ الدَّولةِ يقومُ على بناءِ المؤسَّساتِ الدِّيمقراطيّةِ
وتطبِّقُ هكذا مؤسَّساتٍ؟
*المشرق
عُمومًا، ومنه العربيّ خُصوصًا قد عانى من وَيْلات الاستعمار الأوروبيّ. ومن باب تلمُّس
البدايات المنطقيّة، لاستخلاص النتائج الصّحيحة. لأستند عليها فيما سأجيب. لقد جلا
الاستعمار عن بلادنا، وهذا ليس هروبًا من الإجابة، أو جنوحًا لنظرية المؤامرة.
لا شكّ
أنّ مرحلة ما بعد الاستعمار، جاءت بأشخاص حكموا البلاد، فكانوا وكلاء لتسيير مصالح
الأسياد، وأطلقوا أيديهم فيمن سيحكمون، بلا قيْد ولا شرط، باستخدام النُّهُوج
الدكتاتوريّة، خارجة في الصّباح على حبر كُتِب على ورق في آخر اللّيل؛ فيما أُطلِق
عليه دساتير وقوانين، لا تُطبّق موخاّ عقوباتها إلّا على الفقراء والمساكين، وممّن
لا حيلة ولا سَنَد لهم ولا قوّة.
بالنسبة
للغربيّين فإنّ التعامل مع الدكتاتوريّات المشرقيّة، أسهل لتأمين مصالحهم من
التعامل مع شعوب اختُصِرَت بقائدٍ مُلهَمٍ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من
خلفه ببركة بروباغاندا تُسوّق الباطل والغش والتضليل بلا قيد ولا شرط، وبرعاية
أجهزة أمنيّة وجُيوش، تخلّت عن حماية الوطن، وأصبح القائد هو الوطن، والوطن هو
القائد.
7.
جاءَتِ الأديانُ كلُّ الأديانِ، لتقويمِ سلوكِ وأخلاقِ البشرِ، ولإرساءِ أُسُسِ
العدالةِ والمساواةِ بينِ البشرِ، لكنْ واقعُ الحالِ نجدُ انشراخاً عميقاً بينَ
المذاهبِ عبرَ الدِّينِ الواحدِ، وصراعاتٍ مميتةً بينَ الأديانِ، إلى متى سيبقى
هذا الصِّراعُ والتَّناحرُ مفتوحاً بينَ المذاهبِ والأديانِ؟
*الصّراع
سِمة الحياة منذ الأزَل، والأديان بمختلف انتماءاتها فيها خير الخلق بلا استثناء.
الاختلاف والتخالف طبائع البشر لأغراض خاصّة بكلّ فئة، وجميعهم ينظرون بادّعاء
الحقّ، ومن سواهم على ضلال. برأيي المُتواضع: اختلاف الرؤى الناتجة باختلاف
التفسير والتأويل، هذه ناحية مهمة وسعت الشقّ في الصفّ الواحد، والاختلاف أنتج
مُنظّرين قادرين على التأصيل لفكرتهم وفق رؤاهم، وهذا كذلك استكثر الأتباع. ليدخل
الموضوع مثلث استقطب. أوّلًا: كاريزما القائد أو المرشد الروحيّ أو الإمام أو
الحواري أيًّا كان المُسمّى. وثانيًا: القضية بمجمل تفسيراتها وتأويلاتها
التنظيريّة. وثالثًا: استقطاب الأتباع، بواسطة الإقناع أو بالإغراءات.
وما
ينطبق على الأديان ينسحب على الجماعات الدينيّة والفكرية والأيديولوجيّة بأبعادها الدينيّة
والقوميّة والإثنيّة. وما يحصل بعيد كلّ البعد عن روح الأديان السماويّة إطلاقًا.
والأديان بريئة من كثير من أتباعها أو ممّن ينتمون إليها حتّى بالاسم فقط.
8.
سُمِّيَ القرنُ التّاسعِ عشر بعصرِ القوميّاتِ، نحنُ في بدايةِ القرنِ الحاديِ
والعشرينِ، وما نزالُ نتخبّطُ بالحقوقِ القوميّةِ وحقوقِ الأقلِّياتِ، إلى متى
سنظلُّ نتصارعُ كأنَّنا في غابةٍ متوحِّشةٍ، لماذا لا نركِّزُ على بناءِ الإنسانِ
وتأمينِ حقوقِ المواطنِ القوميّةِ والمذهبيّةِ والدِّينيّةِ بعيداً عَنْ لغةِ
العنفِ والعنفِ المضادِّ؟!
*باعتقادي
نشوء فكرة القومية جاءت مناسبة لتلك الفترة، في الوقت ضعفت ووهنت، مقابل العلاقات
الدولية والعالمية القائمة على المصالح الاقتصادية أوّلًا، وفي منطقتنا العربية حصرًا
ستبقى القضية الفلسطينية هي المؤشّر والبوصلة؛ فإذا لم تجد الحلّ العادل باستعادة
الحقوق العربية، ستزداد مشاكل المنطقة برمّتها. وما حصل في العراق وسوريا واليمن ولبنان،
ما هو إلّا نتيجة منطقيّة، للمقدمات السيئة منذ قيام دولة إسرائيل 1948إلى هذه
اللحظة. وأين يكون العدل في ظلّ انحياز العالم لإسرائيل؟.
9.
تحاولُ الدُّولُ العظمى أنْ تنشبَ حروباً في الدُّولِ النَّاميةِ كي تصنعَ حروباً،
فتعيشَ الدُّولُ المتقدِّمةُ على حسابِ المزيدِ مِنَ التّعاسةِ في الدُّولِ
النَّاميةِ، إلى متى ستبقى هذهِ المعادلةُ المخرومةُ قائمةً في أبجدياتِ سياساتِ
بعضِ الدُّولِ الكبرى؟.
*الدولة
العميقة والخفيّة التي تحكم العالم، بضعة أفراد يمتلكون من مقدرات الكرة الأرضية
الكثير والكثير، ويُشار هنا إلى الماسونيّة العالميّة، وتنظيماتها المتفرّعة عنها
بجميع أشكالها، تستحوذ وتحتكر قرارات الدُّول الكبرى والصُّغرى بتوجيهها بما يخدم
سياساتها ومصالحها، بعيدًا عن العواطف الإنسانيّة. عالم بلا رحمة.
10.
الإنسانُ هو المهمُّ، هو جوهرُ الحياةِ، وهوَ العقلُ المدبِّرُ لقيادةِ الكونِ،
مَعَ هذا لا أراهُ مهمَّاً في برامجِ الكثيرِ مِنْ دولِ العالمِ، لماذا لا يتمُّ
التَّركيزُ على بناءِ إنسانٍ خيِّرٍ وحكيمٍ ومحبٍّ للسلامِ والعدالةِ وبناءِ
الأوطانِ؟.
*كلّ
مُنتج يلقى رواجًا تجاريًّا يغلو ثمنه، بالمقابل يرخص الإنسان في مواقعه المتفرقة على
وجه الكرة الأرضيّة. نرجع للحكومات العالميّة العميقة؛ فهي تُقدّم من يخدُم
مصالحها، من حملة الشهادات والاختصاصات من علماء وسياسيين لخدمة لهم ولمصالحهم،
وها هي نظريّة المليار المفيد والصالح تطرق أسماع العالم، يريدون إفناء أربعة
مليارات. أين موقع الإنسان في هذا الخِضمّ المليء بالموت والدّمار. الإنسان وقود
حروبهم المفتعلة.
11.
عجباً أرى، كيفَ لا يفهمُ المتصارعونَ والمتحاربونَ أنَّ لا منتصرَ في الحروبِ،
حتَّى المنتصرُ هو منتصرٌ على حسابِ جماجمِ الآخرينَ؟ نحنُ بحاجةٍ أنْ ننصرَ قيمَ
الخيرِ والعدالةِ ونحقِّقَ الدِّيمقراطيّةَ والمساواةَ للجميعِ مِنْ دونِ هدرِ
الدِّماءِ!.
*صُنّاع
الحروب هذا الزمن هم حكّام العالم. والمُتحارِبون والمُنتصِرون بيادق على رقعة
الشطرنج، تأتي الحروب والانتصارات خدمة لمصالح صانعها وعلى إرادته، بعد إيصال الدول
الضعيفة للمرحلة الصفرية كما حدث في سوريا لم يستطع أي طرف سواء النظام أو
المعارضة المسلحة تسجيل انتصار كامل، بل كانت ما يشبه الانتصارات الجزئية، لم يحقّق
أيّ طرف فيها شيئًا سوى الدّمار للبنية التحتية، وها هي سوريا وصلت مرحلة الجوع
بعد استنزاف كامل قدراتها، وأصبحت أُلعوبةً مُرتَهنةً للخارج، الذي يفرض إرادته
كما يحلو له.
12.
أبحثُ عَنْ إنسانٍ حكيمٍ، عاقلٍ، جانحٍ نحوَ السَّلامِ، خيِّرٍ يقودُ البلادَ إلى
دِفءِ الوئامِ، متى سنرى قائداً بهذهِ الحيثيّاتِ، يقودُ البلادَ إلى أبهى واحاتِ
الأمانِ والسَّلامِ؟!.
*لا
مكان للحكمة والحكماء في عالم مجنون فاقد للأخلاقيات. الضّعفاء ينتظرون المُخلّص القائد
ليأخذ بأيديهم، وينتشلهم من مستنقعات الذلّ.
13.
الحيوانُ المفترِسُ يفترسُ الكائناتِ والحيواناتِ الضَّعيفةَ مِنْ بني غيرِ
جنسِهِ، مِنْ أجلِ البقاءِ، بينما الإنسانُ، هذا الكائنُ (السَّامي)، يفترسُ بني
جنسِهِ ليسَ مِنْ أجلِ البقاءِ، بلْ بسببِ البطرِ والنُّزوعِ الحيوانيِّ، كأنَّهُ
ينافسُ الحيوانَ المفترسَ افتراساً، إلى متى سيفترسُ الإنسانُ بني جنسِهِ؟!.
*الآدمي
إذا افتقد إنسانيّته فما الفرق بينه وبين الوحش الكاسر.
14.
الإنسانُ حيوانٌ اجتماعيٌّ بالطَّبعِ، أنا لا أرى فيهِ هذهِ الرُّوحَ
الاجتماعيّةَ، بَلْ أرى فيهِ جنوحاً نحوَ البوهيميّةِ والغرائزيّةِ، كيفَ يمكنُ
أنْ ننقِّيَ هذا النُّزوعَ البوهيميَّ وننمِّيَ فيهِ إنسانيّةَ الإنسانِ؟!.
*مع
نهاية القرن التاسع عشر، ومجيء القرن العشرين، ظهرت الموجات الإلحادية والتفلت من
عقال الأديان والعادات والتقاليد الاجتماعية، نزوعًا باتجاه الحريات الشخصية
المطلقة، والتركيز على دور المرأة وموجة المناداة بتحريرها من قيود الأسرة والزوج والعشيرة
والمجتمع، وعززت الفكرة الجمعيات والنوادي ذات الصبغة النسائية. الأمر الذي خدم
قضايا المخططين لأهدافهم. وهؤلاء البشر لم يعد لديهم قضايا مصيرية، إلا إرضاء
الرغبات الشهوات بلا حدود ولا ضوابط، فكانت ظلاميّة ببوهميّتها. وما قيمة حياة أي
منا إذا كانت بلا قضية ينتمي لها ويدافع عنها.
15.
كيفَ تنسجُ خيوطَ بحوثِكَ ونصوصِكَ، وتُترجمُ أفكارَكَ الإبداعيّةِ وأنتَ غائصٌ في
لجَّةِ الأحزانِ المتفاقمةِ في هذا الزَّمنِ المفخَّخِ بالتَّوهانِ عَنِ الهدفِ،
أم أنَّكَ تزدادُ ألقاً وعمقاً في صياغةِ أفكارِكَ رغمَ انشراخاتِ هذا الزّمانِ؟!.
*لحظات
الكتابة ولادة جديدة للخروج في جحيم المشاكل والأحزان والصعوبات، بهدف إيقاظ
الحاضر، ومسابقة قطار المستقبل للوصول في الوقت المناسب. وللخروج من عنق الزجاجة
بمآزقه الكثيرة. الإصرار حليف مكين يجعلني نصيرا للأمل، ومُحفّزا ومصدر سعادة
لمحيطي.
16. لا
أرى أهدافاً عظيمةً ممَّا يهدفُ إليها إنسانُ اليومِ، غالباً ما تكونُ أهدافاً
عقيمةً مِنْ حيثُ فائدتُها للمجتمعِ البشري، إلى متى سيغوصُ في ترّهاتِ الحياةِ،
تاركاً أسمى الأهدافِ بعيدةً عَنْ نُصْبِ عينيهِ؟!.
*مرحلة
التيه والضياع، والغَبَش والشّوَش، تهدف إضاعة البوصلة. لتختلط الجهات، وتتخبط
الأقدام على غير هدى، هي مرحلة العماء، ما زال هناك أمل في مجتمعاتما رغم كل شيء.
17. ما
هوَ دورُكَ مبدعاً، مثقَّفَاً، مفكِّراً عندما ترى الإنسانَ يقتلُ بني جنسِهِ
بقلبٍ باردٍ، مِنْ دونِ أنْ يرمشَ لَهُ جفنٌ؟.
*يتفطر
قلبي ألمًا.. باتّساع رقعة التطرّف بكافّة أشكاله الدينية والعرقيّة والقومية. المثقف
ما زال يحمل بوصلة الوعي، واستخدام جميع الوسائل التوعوية المُتاحة. ما دامت هناك
أقلام تكتب، وألسنة تحكي، وعُقول واعية تُفكّر وفق معطيات الحقّ، أعتقدّ أنّ
الأمور بخير رغم قتامة المشهد.
18.
كيفَ يمكنُ أنْ ننقذَ فقراءَ وأطفالَ هذا العالمِ مِنَ الخرابِ والفقرِ والقحطِ
الَّذي بدأَ يستفحلُ في الكثيرِ مِنْ دولِ العالمِ؟!.
*الجهود
الإنسانية الجماعية بحملات التوعوية والإغاثية الصادقة في سبيل إنقاذ العالم من
ويلات الحروب والكوارث والمجاعات. والتكافل الاجتماعيّ من داخل كلّ مجتمع بمحاولة التخفيف
من هَوْل المصيبة، والتعاون المحليّ والدوليّ والعالميّ.
19. ما
هي أفضلُ الطُّرقِ والأُسُسِ الَّتي تقودُنا إلى تحقيقِ السَّلامِ العالمي بينَ
البشرِ كلِّ البشرِ؟.
*العالم
يخضع لشريعة الغاب، الأقوى يأكل الضعيف. الدول الكبرى أو العظمى تتحكم بمصائر
الشعوب الفقيرة، بنهب خيراته. فكيف لهذه الدول أن تقيم السلام والسلم، في ظل
مصالحها، ولعبة التوازنات. لا سلام ولا سبيل له في ظلّ هكذا أوضاع شاذة بكلّ
المعايير.
20. لو
قامَ كلُّ إنسانٍ بأعمالِ الخيرِ والسَّلامِ والمحبّةِ لتحقَّقَ السَّلامُ كتحصيلِ
حاصلٍ، ما هوَ دورُكَ في تحقيقِ هذهِ الفكرةِ؟.
*بكلّ
تأكيد سأكونُ في المقدّمة. فعلًا وقولًا. لو كان الأمر جادًّا، ولم يكن الأمر أُلعوبة
لتنفيذ أجندات ظاهرة وخفيّة.
21.
كيفَ يمكنُ أنْ نسخِّرَ أقلامَ مفكِّري ومبدعي ومبدعاتِ هذا العالمِ مِنْ أجلِ
تحقيقِ السَّلامِ والكرامةِ الإنسانيّةِ؟.
*القلم
بلا قوّةٍ تحميه لا قيمة له ولما يكتب.
22. ما
رأيُكَ بتأسيسِ تيَّارٍ وفكرٍ إنسانيٍّ على مستوى العالمِ، لإرساءِ قواعدِ
السَّلامِ وتحقيقِ إنسانيّةِ الإنسانِ، بإشرافِ هيئاتٍ ومنظَّماتٍ دوليّةٍ تمثِّلُ
كلَّ دولِ العالمِ، كي يكونَ لكلِّ دولةٍ مِنْ دولِ العالمِ دورٌ في تحقيقِ
السَّلامِ؟.
*الهيئات
الدوليّة غير محايدة، ولا نزيهة، هي ألعوبة بيد الدول الكبرى صاحبة الحل والربط،
تتحكّم بمصائر الشعوب. ولو تأسس مليار تيّار وتحت أيّ مُسمّى، ما دامت هذه الأوضاع
الشّاذّة وغير العادلة تكيل بمكاييل مُتعدّدة، ولا ترى إلا بعين واحدة طريقًا
واحدًا، يُحقّق مصالحها وأطماعها.
23. ما
هي أفضلُ الطُّرقِ لخلقِ رؤى تنويريّةٍ، ديمقراطيّةٍ، تقدميّةٍ في العالمِ
العربيِّ والدُّولِ النَّاميةِ في العالمِ، لتحقيقِ السَّلامِ والاستقرارِ، بعيداً
عَنْ لغةِ الحروبِ المميتةِ الَّتي دمَّرَتْ وتدمِّرُ كلَّ الأطرافِ المتصارعةِ؟.
*منظومة
الدُّول العربيّة جزء من منظومة دول عالم ثالث مقهور ضعيف تابع، أمره ليس بيده. إضافة
للدكتاتوريّات القاهرة وانتهاكاتها الفظيعة. إضافة للفقر والضّعف وانعدام الحريات
العامة، كما أن هناك دولا عربيّة عديدة متجاورة متناحرة، وتعزيز النّزَعات
والانتماءات القُطريّة والإقليميّة؛ فهذه أمور ومُعيقات أضعفت القُدرات العربيّة
لكل دولة على حِدَة، فلو كان هناك نوع من أنواع التنسيق الاقتصادي مثلا، وتسهيل
انتقال العمالة والبضائع بين البلدان العربية، وإلغاء أو تخفيف هذه القيود ربّما تتحسّن
الأوضاع قليلًا.
24. ما
رأيُكَ بإلغاءِ وإغلاقِ معاملِ السِّلاحِ في العالمِ، والوقوفِ ضدَّ صنَّاعِ
الحروبِ والفكرِ القائمِ على الصِّراعاتِ، ومعاقبةِ كلِّ مَنْ يقفُ ضدَّ
السَّلامِ، لتحقيقِ السَّلامِ بقوّةِ القانونِ العالميّ، وذلكَ بمحاسبةِ الجانحينَ
نحوَ الحروبِ ودمارِ الأوطانِ؟!.
*لو
أُلغيَت سيكون خيرًا للبشريّة.. والأمنيات تبقى وَهْمًا في خيالي، لكن وأهمّ دخل اقتصاديّ
لدول تصنيع الأسلحة، يأتيهم من صناعة الأسلحة، وصناعة الحروب من تسويق أسلحتهم. ومن
العبث أن نتخيّل مُحاسبة أحد، العدالة عَوْراء يا سيّدي، بل قُل بيقين: "إنّها
عمياء" .
25.
ألَا ترى أنَّهُ آنَ الأوانُ لتأسيسِ "جبهةِ" سلامٍ عالميّةٍ مِنْ خلالِ
تواصلِ المبدعينَ والمفكِّرينَ مِنْ شتّى الاختصاصاتِ، والدَّعوةِ لتأسيسِ دستورٍ
عالميٍّ عبرَ مؤسَّساتٍ وهيئاتٍ عالميّةٍ جديدةٍ، لتطبيقِ السَّلامِ عبرَ هذهِ
التَّطلُّعاتِ على أرضِ الواقعِ؟.
حتّى
لو رأينا جميعًا إقامة كل شيء، من سيسمع..! ومن سيحترم القول..! ومن سيُنفّذ. من
السهل جدًا الالتفاف على هذه الجهود، بل إحباطها وإيقاف عجلتها، لأنّها بكلّ تأكيد
ستضرّ بالأقوياء. وإذا أردنا إطلاق الكلام بالهواء، وإقامة المهرجانات والمؤتمرات
الفارغة، والتقاط الصّور والتكريمات، واعتبارها نجاحات. نكون كذّابين على أنفسنا
أوّلًا بلا مُنازع. (11/10/2023)
صبري
يوسف
أديب
وتشكيلي سوري مقيم في ستوكهولم
رئيس
تحرير مجلّة السّلام الدَّوليّة