السبت، 13 يوليو 2024

ملامح القصة السورية

 ملامح القصة في سورية 

المقدمة :

القصة جنسٌ من الأجناس الأدبية العربية ، و إن كان قد سبقها الشعر ، حيث أن الشعر هو ديوان العرب .

و القصة الناجحة تجذب اهتمام القارئ لتوفّر عنصر التشويق و العقدة ، حيث تتشابك الأحداث و تتصاعد ليصل الكاتب إلى الحلّ أو النهاية .

و تبقى القصّة تعبّر عن الحياة ، و كلما كانت واقعية في أحداثها ، و جاذبة بلغتها و أسلوب سردها ، كانت أكثر نجاحاً .

و باعتبار أن العربَ تعرّفوا على القصّ من خلال قصص القرآن الكريم ، فقد تعلّقوا بهذا الجنس الأدبي ، و بدأت تظهر حركة القصّ في سورية ، و بقية الأقطار العربية .


البحث :


قد ظهرت بذور القصة في سورية في الثلث الأول من القرن العشرين ، و يؤكد  د. حسام الخطيب أستاذ الأدب المقارن في جامعة دمشق : أن ملامح القصة السورية ظهرت في النصف الثاني من القرن العشرين ، و قد أورد في بحثه أن أشهر القاصّين في تلك الفترة  د. عبدالسلام  العُجيلي ، حسيب كيّالي ، سعيد حورانية .

كما يؤكد بعض مؤرخي الحركة الأدبية في سورية ، أن هذه الحركة بدأت بين الحربين العالميين الأولى و الثانية ، و بعد حركة تعريب الكتب في سورية ، و بعد أن باشر محمد كرد علي بتأسيس المجمع العلمي العربي ، الذي كان يمثّلُ صوتَ اللغة العربية ، تم تأسيس الجامعة السورية .

و ربما كان شكيب الجابري من السّبّاقين في كتابة القصة السورية حيث كتب قصة (( نهم )) و بعدها (( قصور الشام )) لمحمد النّجار ، ثم ظهر على الساحة مجموعتا (( ربيع و خريف )) لعلي الخلقي ، و بعدها ظهر انتاج شفيق جبري ، و فؤاد الشايب ، و بديع حقي ، و غيرهم ، بالإضافة إلى ظهور بعض المجلات الأدبية التي تهتم بالقصّة ، و على رأسها مجلة (( الصباح )) ثم مجلة (( النّقّاد )) حيث انتعشت القصة السورية عن طريق هاتين المجلتين .

و تبلور هذا الفنّ بظهور عشرات من المجموعات القصصية لمجموعة من القاصّين السوريين . 

و بعدها لعبت الصحف مثل (( الآداب )) (( و الطليعة )) (( و النقاد )) دوراً هامّاً في تطور القصة السورية ، حيث كانت تعالج ما يعانيه المواطن السّوري في تلك الحقبة .

و في فترة الخمسينيات تشكّلت رابطة الكتاب السوريين و أصدرت مجموعة مشتركة بعنوان (( درب إلى القمة )) و التي ألقت الضوء على الواقع الاجتماعي و الفكري في تلك الفترة ، و بخاصّة القضية الفلسطينية ، و قد بكّرَ عبدالسلام العُجيلي بالكتابة عن النكبة الفلسطينية ، و حذا حذوه أدباء سوريون ، فمجّدوا النضال و الكفاح في قصصهم حيث أقبل عليها الجمهور بنهمٍ و رغبة ، و في الخمسينيات و السّتينيات كان تركيز الأدباء على الهموم الوطنية و القومية و الاجتماعية ، و فيها على سبيل المثال : هموم المرأة و العادات و التقاليد و الزواج و الإنجاب و الشرف ، و الدعوة للالتزام الأخلاقي و التمسك بالقيم الخلقية الأسرية ، فظهرت قصة (( أنصاف مخلوقات )) لاسكندر لوقا و قد حارب في قصصه التحلل و الفساد الخلقي و القيمي .

و قد ركّزت القصص آنذاك على الظروف الحياتية و الفقر ، و التسوُّل و الكسب غير الشريف و غيرها ، و برز من الكتاب عبدالسلام العُجيلي ، حسيب كيّالي ، سعيد حورانية و غيرهم ، و كان للعُجيلي الدور الواضح و الملتزم بقضايا الناس الفقراء ، و قيم الحق و العدالة الإنسانية ، و الحبّ ، بينما ركز حسيب كيّالي في قصصه و منها (( حفّار القبور )) على انتقاداته اللاذعة للوضع السياسي ، و تقديم نماذج بشرية و طباع متنوّعة بتلقائية سردية أشبه بالمكاشفات . 

و كانت للمرأة السورية دوراً في النهوض بالقصّة السورية ، فقد كتبت وداد سكاكيني (( مرايا الناس )) و التي صوّرت فيها العادات و التقاليد السائدة في الخمسينيات من القرن العشرين ، وكانت مساهمة العُجيلي  في تطور القصّة بشكلها الفني المعروف الأثر الكبير في نُموّ و رسوخ هذا الفنّ . 

ويرى د.نعيم اليافي في كتابه ((التطور الفني يشكل القصة في الأدب الشامي)) ان القصة السورية مرّت بمراحل هي:

المرحلة الاولى:قبل الخمسينات،وهي مرحلة البدايات للقصة السورية.

والمرحلة الثانية:بين الخمسينات والستينات وهي مرحلة التقدّم على المستوى الفنّي للقصة السورية.

والمرحلةالثالثة:بعد الستينات،وهي مرحلة نضوج القصة القصيرة السورية.

وقد اهتم بالأسلوب القصصي كلٌّ من:وداد سكاكيني،قدري العمر،سامي الكيّالي،سلمى الحفّار الكزبري.

اما روّاد الاتباعية الجديدة فكان على رأسهم عبد السلام العُجيلي،اما أشهر روّاد الواقعية فكان حسيب كيّالي،ألفة الادلبي،فارس زرزور،مراد السباعي،صميم الشريف.

ومن روّاد الواقعية الاشتراكيّة،سعيد حورانية وحنا مينه وتعد فترة ما بعد الاستقلال في سورية فترة الانطلاقة الصحيحة للقصة،حيث سجل الأدب التطلعات الاجتماعية والسياسية للتخلص من التخلف والجهل،والتناقضات،لذا كان المذهب الواقعي هو الطاغي.

وفِي تلك الفترة رفع بعض الأدباء شعار((الفنّ للفنّ)) ولكن حشدٌ كبير من الأدباء القاصين طرح شعاراً جديداً هو((الفنُّ في سبيل الحياة ))حيث شدد هؤلاء الأدباء على مجموعة من القضايا السياسية والاجتماعية والإنسانية،وبذلك حشدوا تطلعات الجيل الناهض في سبيل  حياة العزة  والكرامة وصياغة أدب يخدم الانسان وقضاياه،وتتطلع لمواكبة الحركة الأدبية العالمية.

وقد بلغت القصة السورية ذروتها في عقدالتسعينات حيث صدر في هذا العقد:خمسمئة وتسعٌ وعشرون مجموعة قصصية،كما قال د.نضال صالح،كما تنامى الصوت النسائي القصصي في تلك الفترة أيضاً.

ففي المجال الاجتماعي صدر((اعترافات ناس طيبين)) لفاضل السباعي((الرسالة الاخيرة ))لفؤاد حداد وقصة((فنان))لابراهيم كبة،وقصة((لحظة دهر))للقاص  والمسرحي محمد الخفري الذي نال عدة جوائز على كتاباته.

أمّا في المجال الوطني القومي.فقد صدر((نص لص))و ((السادس والعشرون))لبسام كوسا و((إيحاءات))     لضياء قصبجي و((غناء البنفسج))لعبد الرحمن سيدو، و((ليلة المغول))لمحمد ابو معتوق، و((مملكة الصمت))لناديا  خوست و((الغربة وحالها))لوليد اخلاصي،و((المغني و النخلة))لخليل جاسم الحميدي، و((مرآة الذاكرة))لمراد السباعي، و((القناع)) لفرح اثاسي،و ((الانسان والأفعى)) لعيسى اسماعيل، و ((شبكة العنكبوت)) لأكرم ابراهيم، و((صور من الواقع)) لحسين علي محمد.

وما قبل الألفين بقليل ظهر جنس ادبي في مجال القصة وهو ((القصيرة جدا)) و التي تهتم بتكثيف الأحداث واللغة والسرد،ومازال هذا النوع يشق طريقه بحياء في عالم الأدب القصصي في سورية.

وفِي هذه الفترة ظهر كتاب الأدب الساخر مثل د.يوسف جاد الحق في قصته (( وأقبل الخريف )) و كذلك الأديب القاص خطيب بدلة .

و قبل عام الألفين تميزت هذه الفترة بغزارة انتاج القصص و ظهور أدباء جدد على الساحة الأدبية السورية .

و في جنوب سورية مثلاً برز القاص حمدي البصيري في قصة (( نساء ينتظرن )) و كذلك الأديب الشاب محمد طلب في مجموعته (( الوجه الآخر )) .


الخاتمة:


ومن هنا يتأكد لدينا ان القصة السورية كانت تمثل صفحة مشرقة من صفحات القصة في الوطن العربي الكبير مع وجود تفاوت بين أقطار الوطن العربي،وقد ظهرت في سورية قامات ادبية شامخة سجلت حضورها في سجل القصة العربية.

ولا شك ان القصة العربية تنمو وتزدهر في ظل مناخ الحرية والتوازن الاقتصادي  

والاستقرار الاجتماعي بين طبقات الشعب،وعلى العكس تتراجع القصة بوجود الظروف السياسية والاقتصادية الصعبة والقلق  والاضطرابات.

                 

              تقديم:خليل النابلسي