الثلاثاء، 4 مارس 2025

كتب محمد طكو. ورد من فتحي المقداد

 كتب الشاعر محمد عبدالستار طكو، نصّا إبداعيّا أثار مكامن نفسي لما غاص عميقًا في أغوارها

********

عزيزتي حرية :

من بعد أن شربت ملء البحر مدناً وأنا أبحث لي عن بلدة صغيرة كتلك البلدة الطيبة وفشلت في ذلك.

أنا الآن أحاول جاهداً أن أمسح من ذاكرتي كل تفاصيل الأماكن التي زرتها في بلدي وحتى الأماكن التي كنت سأدعو نفسي لزيارتها .

يا الله كم هو صعبٌ أن تدعو نفسك لزيارة مكان تتوقع أن تحبه فلا تلبي الدعوة، فالنفس غالباً تلومك على الدعوة التي لم تلبها وليست الدعوة التي لبيتها.

رائحة الدعوة التي كانت تفوح من طرف الرغبة كانت كفيلة بحملي إلى هناك دون أن أمشي قيد فكرة. 

وها أنا الآن أحمل ممحاةً لأمحوَ كل الشوارع العالقة في ذهني من تلك الأماكن.

ولا أجد مبرراً بعد هذا لأن أترك شارعاً واحداً ولا حتى زقاقاً ضيقاً - كان فيما مضى يختبئ فيه بعض الصبية أو عاشقان يتبادلان أغنيات الوداد - لن أتركه يمرّ في رأسي. 

الويل لأي طفل يركض في ذاكرتي ويسبقني إلى المدرسة .


المخلص لك 

ميلاد


============


الرد من محمد فتحي المقداد:

******

التحرر من إسار الماضي الطافح بذكريات شاسعة احتلّت مساحتها من وطن الذاكرة، جاءت فكرة المحو، التي لجأ إليها الكاتب للتخلص من قيود الماضي المُكبّلة لطيوف المستقبل، لذلك كان العنوان بصيغة المخاطب: «عزيزتي حرية».

وطالبُ الحرية التي التصقت به منذ خلقه في هذه الدنيا، فهي منحة إلهيّة وهبها الله لكل البشر على اختلاف منابتهم وانتماءاتهم، خلقت معهم. 

ولما اغتصبها الآخرون، كان لزامًا استردادها، فهي تنتزع، ولا تعطى من أحد منّة أو عطاء قابل للمساومة، لأنها من ضرورات الحياة كالماء والهواء والغذاء.

فعاد بذاكرته للطفل البريء النظيف من كلّ أوطار ودسائس الواقع، فقال: «الويل لأي طفل يركض في ذاكرتي ويسبقني إلى المدرسة».

وما أدراك ما الرّكض خاصة إذا كان في ساحة الذاكرة، لا شكّ بصيغة الغضب الناقمة في لهجة الخطاب، التي لن تهدأ إلا في المهد الأول للمعرفة، ألا وهي المدرسة.

ومنها انطلاقة المستقبل مليئة بالآمال والأحلام التي طوّحتها قتامة وسوداويّة الحاضر، وتشويش الرؤية للمستقبل، إذا كان هنا مازال مستقبل.