الفكرة
وعقدة الخواجة
(15)
بقلم
- محمد فتحي المقداد
بالتوقّف
الإجباريّ أمام معايير النّصر والهزيمة في حياة الأمم، نخلص إلى أنّ نتائجهما، ومُخرجاتهما؛
تنسحبُ سلبًا أو إيجابًا على المُنتصرين والمنهزمين على حدّ سواء، كلٌّ حسب موقعه،
وقُربه وبُعده عن ساحة ومركز الحَدَث.
وحسب موقع ويكبيديا، يُعرّف عقدة الخواجة: (عقدة
الخواجة: مصطلح ظهر؛ ليعبر عن حالة نفسية عامّة لشعوب المنطقة العربيّة؛ تُفسّر حُبّهم
لكلّ ما هو غربيّ، ورفضهم لكل ما عربيّ). إلى حدّ ما مُمكن التوافق مع هذا التعريف
في جانب، ويتبيّن قُصوره؛ بحصر الموضوع بحبّ التقليد الأعمى فقط.
وأغفل المُدوّن للمعلومة دوافع هذا الشّغف، المتمثّلة
بالهزيمة الماديّة المعنويّة على كافّة الأصعدة والمُستويات. وحصر حبّ التقليد في العرب
حصرًا، وكأنّ العرب من بين شعوب الدنيا، هم وحدهم الذين يُقلّدون، في الحقيقة أنّ هذه
النّقطة تنسحبُ على جميع الأمم والشّعوب المهزومة عسكريًّا وروحيًّا.
وفي الرّجوع إلى عالم الاجتماع العربيّ ابن
خلدون؛ فقد رصد قبل ستة قرون هذه الظّاهرة،
مع بداية المئة الثامنة للهجرة: (في أن المغلوب مولع أبداً بتقليد الغالب في شعاره
وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده).
وعُقدة الخواجة مُعادل القاسم المُشترك لمفهوم
الرّسوب الحضاريّ، كما قنّن هذا المفهوم المُفكّر الجزائري "مالك بن نبي"،
وما زالت كلمة خواجة التي سمعتها في صغري قبل خمسة عقود، من رجال سافروا إلى
فلسطين للعمل، وأكثرهم كان في مدينة حيفا، عندما يصفون صاحب العمل اليهوديّ، يقول
"الخواجة اليهوديّ" أو "الخواجة" فقط، بينما تردّدت الكلمة
على ألسنة الجيل الذي يليهم ممن سافر للعمل في لبنان.
ارتسمت صورة الخواجة في ذهني، بالرجل الأنيق
الهندام، يعتمر البرنيطة على رأسه، ونظّارات سوداء، وغُليونه في فمه أو السيّجار
الكوبيّ، ولا يتكلّم العربيّة، وإذا تكلّم بها، نطقها مُكسّرة، وإبدال ضمير
المُذكّر بالمؤنّث أو العكس.
وأمّا شُعور الفلّاح ابن القرية من أيّ بُقعة
ريفيّة سوريّة، لمّا كان يذهب إلى دمشق، يُصاب بصدمة الإبهار حدّ لجم لسانه عن أيّ
كلام؛ فكان يُرى وهو في أحسن حالته، كأنّه بلاهة مُستوطنة في داخله منذ ولادته.
المنهزمون ليس عسكريًّا، لديهم شعور المهانة
بالنّقص تجاه هؤلاء، سواء المُنتصر أو الخواجة
أو ابن العاصمة، ما هو إلّا عُقدة النّقص، والشّعور بالدّونيّة، والتّقليل
من نفسه، لدرجة يصعب معه مُجاراتهم بالكلام معهم مُتهيّبًا، خجلًا، فيضطر لتغيير
لهجته، وهذه أبسط الأشياء وأوّل تنازلاته.
لمسايرتهم ظنًا منه أنّه ارتقى قليلًا.
الأمر ينسحب على الأمم قاطبة، بلباس الجينز،
وموضات الشّعر الغريبة، وعودة موضات الهيبيز، والأردية الممزقة أطرافها خاصّة
السّراويل، والتهافت على مطاعم البيتزا والهامبرجر والدوغ هوت، والموسيقى الغربيّة التي لا يفهمون شيئًا،
وانتشار المثليّين والشواذّ والمُتحوّلين والمُلحدين، وانتشار موضة المُساكَنات
المختلطة (تشاركيّة السَّكن) بعيدًا عن الأهل، والتجربة الجنسيّة قبل الزواج. ويطول
الحديث ويطول.
وفي هذا القدر كفاية، أعتقدُ أنّها وضّحت
رسالة العنوان "الفكرة و عقدة الخواجة". فهل على المغلوبين أن يخرجوا
من جِلْدِهم، لباسهم الدّاخلي؛ ليُرضوا رغبتهم بمُجاراة الخواجة؟.
(من
كتابي: كيف.. كاف.. ياء.. فاء)
عمّان
– الأردنّ
15\
4\ 2021