الخميس، 29 أبريل 2021

كتب خليل النابلسي عن دوامة الأوغاد

 إطلالة على رواية دوَّامة الاوغاد للأديب محمد فتحي مقداد-سورية 

شخصيات الرواية .(النمس)

الشخصيات في العمل الروائي تعتبرُ من اهمِّ عناصر البناء الرّوائي ،اذ ان الشخصيات هي المحرك الأساسي للحدث الرِّوائي،ونموِّ وتصاعد وتشابك خيوط العقدة والوصول الى الحل،وعن طريقها يتم طرح الرؤى والقضايا التي اهتم بها الكاتب.

ورواية دوَّامة الاوغاد مزدحمة بالشخصيات الرئيسة والثانوية،ولكنّ براعة الكاتب ابعد التداخل بين الشخصيات وحافظ على نسق الترتيب المنطقي لتطوّر كل شخصية،وكما ورد في الرواية فقد جعل الاستاذ(فهيم)هو البطل الإيجابي لما يتصف به من شمائل،كما جعل النمس البطل السلبي لما يتصف به من خبث وخداع وتملّقٍ وحقد ورياء وكذب،وقد وصفته انا بالبطل السلبيّ مستعملاً اُسلوب الذّمّ في قالب المدح،وهو الأسلوب الاشد وقعا في النفس.

وقد يري البعض ان شخصية النمس شخصية مركبة معقدة،ولكن الكاتب سبر غورها وفرز أحاديات التركيب العقلي والنفسي لهذه الشخصية التي لعبت دوراً هاماً في سير احداث العمل الروائي.وقد رصد الكاتب تحرّكات هذه الشخصية بآلة تصوير دقيقة،وباختصار شديد كان النمس يمثل الخادم الأمين للسلطة فهو صاحب الدسائس،ونقل الأخبار،والتقارير،وبثّ الإشاعات الكاذبة، ومراقبة الصغير والكبير،حتى بات الجميع في رعب من لسانه وقلمه الذي يقطر سُمّاً زُعافاً.وقد جعل الكاتب هذه الشخصية تحت عين آلةِ التصوير دائماً،ليس لأنه يستحق ذلك،ولكنه كان المحرك والباعث على تصاعد الأحداث وتشابكها.

وقد تميز الكاتب بقدرته على تصوير المكان والشرائح الاجتماعية التي عاشت الأحداث خلال نهايات القرن الماضي وبدايات القرن الحالي،كما ابدع الكاتب في تصوير الوضع الاجتماعي والنفسيّ لأهل بلده،(فالنمسُ)وكل من سار في ركبه افسدوا حياة القرية وسكانها.وقد مثل (النمس) شخصية المخبر في قصيدة(المخبر)للشاعر بدر شاكر السّيّاب،والذي يقول فيها:

انا ما تشاءُ انا الحقير 

صبّاغ احذية الغُزاة وبائع الدّم والضمير 

وحتى يقول:

انا الدمار انا الخراب 

وكذلك في قصيدة (المخبرين)للشاعر العراقي احمد مطر.

وهكذا كان (النمس)يشبه حيوان النمس سلوكاً، فكان هو ومن سار في ركبه قد عاثوا في الارض الفساد. وقد أحسن الكاتب عندّما بدل اسم (النمس) ب(شايلوك)وهي الشخصية السلبية ذميمة السّمعة،ذميمة الخلق والخُلُق في مسرحية (تاجر البندقية)لشكسبير، فقد جُمعت رذائل الارض وجُبلت في هذا النمس حيث كان اسماً على مسمىً في داخله وخارجه.

ونتيجة ذلك فقد عاش أهل البلدة في توجّسٍ وخيفة،فالأب لا يثق بابنه،والأخ لا يثق بأخيه،ولا الصديق بصديقه،فالكل يخاف النمس وامثاله حتى باتت البلد في توتّر دائم،وتوقّع للاعتقال،لأن التُّهم جاهزةٌ حسب العادة وهذا الوضع هيّأ لما بعده من احداث وتطورات والتي مازالت مستمرة حتى الآن.

خليل النابلسي٢٠١٧/١/١١

الفكرة بين نكبة ونكسة

 

الفكرة بين نكبة ونكسة

(19)

بقلم – محمد فتحي المقداد

 الفكرة عُمومًا، أيّة فكرة تستولد الأصل والضدّ المُزيّف، تستولد الخير والشرّ، وعوامل النّصر والهزيمة، وتَسْتَوْلد سُبُل النهوض والمقاومة السِّلميَّة والعسكريّة. تساؤل يقلقني: هل تُنْكَبُ اللّغة  وتَنْتَكِس إذا أصيب أصحابها بذلك؟.

   إذا انحدرت الفكرة من هزيمة إلى أخرى، فتتلفّع بأقنعة التخاذل سلوكًا لتبرير موقفها أولًا، ثمّ لتبرير الهزيمة بالتهويم والتلاعب بالألفاظ.. وبالعودة لما كتب من نكبة ١٩٤٨مرورًا بنكسة ١٩٦٧. العلامتان المُميّزتان، للانكسار العربيّ بشكل عام.

   وفي رحاب اللّغة ما يُغني الموضوع، والفهم الدّقيق لمؤدّى كلمة نكبة: وهي (مُصيبة مُؤلِمة تُوجِع الإِنسان بما يَعِزّ عليه مِن مال أو حَميم، تُصيبه بخَسارة عظيمة، رَزيئة، فاجِعة. "مَوْته نَكْبة لأُسرته"، و هي: نازِلة عَظيمة ومُصيبة جماعيَّة تحِلّ بعدد كبير مِن النَّاس، كارِثة)، وتكلّلت النّكبة باغتصاب فلطسين الجُزء الأغلى على قلوبنا، ومهوى أفئدتنا من وطننا العربيّ، وقيام الكيان الصّهيونيّ الغاصب.

   وكلمة (نَكْسة هي: إخْفاق، هزيمة، اِنْكِسار، خِسارة. نكْسةُ المرض: معاودة المرضِ بعد البُرْء). وفي التحوّل الذي ترسّخ في ثقافتنا العربيّة الجمعيّة: بأنّها نكسة عسكريَّة، خسرنا فيها (الجولان في سوريا، سيناء مصر، الضفّة الغربية في فلسطين). وما زال الكلام في موضوع النّكسة محرَّم وممنوع تداوله وتعاطيه على نطاقات عربيّة واسعة. لِمَسَاسَه الفاضح المُباشر، لأوضاع سياسيّة قائمة مُتورّطة، وتتستّر تحت مِلاءات المُقاومة والممانعة، الأسطوانة المشروخة التي صدّعت أدمغتنا، بمحالات فاشلة لإقناعنا بانتصارات دون دونكيشوتيّة.

   التسّاؤل الآخر القائم: لماذا كان الالتفاف على الاعتراف بالهزيمة في المرّتين، واستبدلهما بمصطلح نكبة ونكسة؟. الاستخفاف بالعقول مهنة حاذقة يقوم بها دهاقنة السّياسة، رغم انكشافها بشكل فاضح ومهين.

                                                                                               عمّان – الأردنّ

ـــــــــا 29\ 4\ 2021

 

 

الفكرة البروباغندا

 

الفكرة البروباغندا
(18)


بقلم: محمد فتحي المقداد


الفكرة مهما تعالت نفاسَتُها، وتدانَتْ قُطوفُها الماديّة والمعنويّة؛ فلا بِسَاط ترتاحُ عليه إذا نزلت من عقل الكاتب على ورقة، إلّا ساحات ورِحاب اللّغة، بأوعيتها المُتعدّدة الدّروب والضُّرُوب؛ لاستيعاب الفكرة وحواشيها، وتجليّات الكاتب السّامية.
مجالات كلّ فكرة وتطبيقاتها، لا بُدّ لها من مسار يُحدّد أوّلًا في ذهن الكاتب الكلمات المُستهدفة لاختيارها، لتكون في دائرة اهتمامه، لمعرفته بأدائها الدّلالي على مقاصده وأهدافه بِدِقَّة مُتناهية؛ هادفة لإيصال ما يُريد للقارئ برسالة مُفيدة أو غير ذلك، ويعتمد ذلك على مهارته بسهولة أو صعوبة إيصال ذلك للهدف المُراد.
وبالعودة إلى موضوع المقالة "البروباغندا" الدعاية، إذا أخذنا جانبها المُصْطلحي، لتكون أحد أشكال التواصل؛ بهدف التأثير على الجماهير، من خلال الترويج لرأي واحد، وربّما يستغرقُ ذلكَ وقتًا طويلًا.
بعد الحرب العالميّة الثانية، واستسلام اليابان، إثر القصف النووي الأمريكي لمدينيّ "ناغازاكي" و"هيروشيما"، عملت أمريكا مع بعض القوى الدّاخليّة اليابانيّة المُستقطبة، وأنشأت " الحزب الدّيمقراطي اليابانيّ الحر" الذي حكم اليابان لمدة 36 وسنة، وكلّ ذلك بهدف إقناع الشّعب الياباني، بعدم مُعاداة السّياسة الأمريكيّة، بينما تأبى ذاكرة الحرب والدّمار ما تزال مُسيطرة على العقول والنُفوس بآثارها المُدمّرة الماثلة بأذهان اليابانيّين.
استلزم ذلك جهودًا وأموالًا لتغيير الآراء تجاه ما حصل، وهو ما نستطيع وصفه: (البروباغندا (بالإنجليزية: Propaganda)‏ كلمة تعني: نشر المعلومات بطريقة مُوجَّهة أُحاديَّة المنظور، وتوجيه مجموعة مُركزّة من الرَّسائل، بهدف التأثير على آراء أو سلوك أكبر عدد من الأشخاص. وهي مضادة للموضوعية في تقديم المعلومات) المصدر- ويكيبيديا.
وغالبًا ما تقوم على معلومات ناقصة غير مُكتملة بهدف التّشويش وحرف الرّؤية باتّجاهات غير الحقيقيّة، كما أنّها تكون كاذبة تشتغل على توليفة جديدة في سبيل تنفيذ وتسهيل أهداف مُعيّنة، خفيّة وغير مُعلنة على الإطلاق، إلّا من خلال ما تتمخّض عنه من نتائج بعد فترة زمنيّة، ربّما تقصُر أو تطول.
(أصل المصطلح الإنجليزية "Propaganda" أتى من الكلمة اللاتينية "كونغريقاتيو دي بروباجاندا فيدي" والتي تعني (مجمع نشر الإيمان)، وهو مجمع قام بتأسيسه البابا غريغوري الخامس عشر في عام 1622. يقوم هذا المجمع على نشر الكاثوليكية في الأقاليم. و تعني بروباجاندا باللاتينية نشر المعلومات دون أن يحمل المعنى الأصلي أي دلالات مضللة. المعنى الحالي للكلمة نشأ في الحرب العالمية الأولى عندما أصبحت مصطلح مرتبط بالسياسة) المصدر ويكبيديا.
والدعايات الآن في أوسع نطاقاتها على الإطلاق، بتعدّد أوجهها ووسائلها الترويجيّة والاستهلاكيّة، والتأثيريّة بمحاولة تغيير السّلوكيّات الاجتماعيّة، من خلال وسائل التواصل الاجتماعيّ جميعها، وهي الاستعمار الجديد القادم للاستحواذ على مُقدّرات العالم وعلى الأخصّ الاقتصاديّة منها، لصالح الجشع الرأسماليّ للشركات العابرة للقارّات.

(من كتابي: كيف.. كاف.. ياء.. فاء)

عمّان – الأردنّ
ـــــــــا 28\ 4\ 2021