إطلالة على رواية دوَّامة الاوغاد للأديب محمد فتحي مقداد-سورية
شخصيات الرواية .(النمس)
الشخصيات في العمل الروائي تعتبرُ من اهمِّ عناصر البناء الرّوائي ،اذ ان الشخصيات هي المحرك الأساسي للحدث الرِّوائي،ونموِّ وتصاعد وتشابك خيوط العقدة والوصول الى الحل،وعن طريقها يتم طرح الرؤى والقضايا التي اهتم بها الكاتب.
ورواية دوَّامة الاوغاد مزدحمة بالشخصيات الرئيسة والثانوية،ولكنّ براعة الكاتب ابعد التداخل بين الشخصيات وحافظ على نسق الترتيب المنطقي لتطوّر كل شخصية،وكما ورد في الرواية فقد جعل الاستاذ(فهيم)هو البطل الإيجابي لما يتصف به من شمائل،كما جعل النمس البطل السلبي لما يتصف به من خبث وخداع وتملّقٍ وحقد ورياء وكذب،وقد وصفته انا بالبطل السلبيّ مستعملاً اُسلوب الذّمّ في قالب المدح،وهو الأسلوب الاشد وقعا في النفس.
وقد يري البعض ان شخصية النمس شخصية مركبة معقدة،ولكن الكاتب سبر غورها وفرز أحاديات التركيب العقلي والنفسي لهذه الشخصية التي لعبت دوراً هاماً في سير احداث العمل الروائي.وقد رصد الكاتب تحرّكات هذه الشخصية بآلة تصوير دقيقة،وباختصار شديد كان النمس يمثل الخادم الأمين للسلطة فهو صاحب الدسائس،ونقل الأخبار،والتقارير،وبثّ الإشاعات الكاذبة، ومراقبة الصغير والكبير،حتى بات الجميع في رعب من لسانه وقلمه الذي يقطر سُمّاً زُعافاً.وقد جعل الكاتب هذه الشخصية تحت عين آلةِ التصوير دائماً،ليس لأنه يستحق ذلك،ولكنه كان المحرك والباعث على تصاعد الأحداث وتشابكها.
وقد تميز الكاتب بقدرته على تصوير المكان والشرائح الاجتماعية التي عاشت الأحداث خلال نهايات القرن الماضي وبدايات القرن الحالي،كما ابدع الكاتب في تصوير الوضع الاجتماعي والنفسيّ لأهل بلده،(فالنمسُ)وكل من سار في ركبه افسدوا حياة القرية وسكانها.وقد مثل (النمس) شخصية المخبر في قصيدة(المخبر)للشاعر بدر شاكر السّيّاب،والذي يقول فيها:
انا ما تشاءُ انا الحقير
صبّاغ احذية الغُزاة وبائع الدّم والضمير
وحتى يقول:
انا الدمار انا الخراب
وكذلك في قصيدة (المخبرين)للشاعر العراقي احمد مطر.
وهكذا كان (النمس)يشبه حيوان النمس سلوكاً، فكان هو ومن سار في ركبه قد عاثوا في الارض الفساد. وقد أحسن الكاتب عندّما بدل اسم (النمس) ب(شايلوك)وهي الشخصية السلبية ذميمة السّمعة،ذميمة الخلق والخُلُق في مسرحية (تاجر البندقية)لشكسبير، فقد جُمعت رذائل الارض وجُبلت في هذا النمس حيث كان اسماً على مسمىً في داخله وخارجه.
ونتيجة ذلك فقد عاش أهل البلدة في توجّسٍ وخيفة،فالأب لا يثق بابنه،والأخ لا يثق بأخيه،ولا الصديق بصديقه،فالكل يخاف النمس وامثاله حتى باتت البلد في توتّر دائم،وتوقّع للاعتقال،لأن التُّهم جاهزةٌ حسب العادة وهذا الوضع هيّأ لما بعده من احداث وتطورات والتي مازالت مستمرة حتى الآن.
خليل النابلسي٢٠١٧/١/١١