فجر الحرية (بتوقيت بُصرى)
سوريا على صفيح ساخن، وتحديات المرحلة الجديدة بين العدالة الانتقالية بحق الرموز والفلول التي تورطت بالقتل، وتلطخت يالدماء. وبين السلم الأهلي والاجتماعي لبث الطمأنينة والأمان، وتثبيت أركان الحكم الذي بدا أنه على رأس أولويات المرحلة. حيث هو صمام الأمان لتثبيت دعائم السلم الأهلي، لدفع عجلة الحياة والخدمات الضرورية، والنمو الاقتصادي، تمهيدا إعادة الإعمار.
✍️- في مقابل هذه التحديات، هناك الثورة المُضادة من أيتام النظام البائد، وأتباع الأحزاب القديمة والحديدة، والهيئات الثورية من جماعات الإئتلاف وباقي منصات التفاوض.
✍️- والخطر الأعظم من المسلحين من بقايا النظام، والمسلحين الذين كانوا معارضين بكافة أطيافهم وتشكيلاتهم وانتماءاتهم.
✍️- الحرامية والسراقين وأباطرة تجارة المخدرات والسلاح.
جميع هؤلاء وغيرهم وممن على شاكلتهم فقد تضررت مصالحهم. بوجود دولة قوية تحافظ سوريا دولة واحدة قوية، في ظل جهاز قضائي مستقل، يمتلك سلطة القانون على جميع السوريين بلا استثناء.
سوريا لجميع السوريين.. وطن واحد يجمعنا.. مصلحة سوريا هي سقف الشعب السوري وخياره الوحيد.
الروائي. محمد فتحي المقداد
...
رد. مفلح شحادة. أبو اسامة. منتدى حوران
...
حين تخطّ الأقلام الصادقة كلماتها عن "فجر الحرية"، خاصةً حين يكون بتوقيت بُصرى الشام، فإنها لا تكتب مجرد حروف، بل ترسم خريطةً نابضة لحاضر سوريا ومستقبلها، بمزيج مدهش من الألم والأمل.
كلمات الروائي محمد فتحي المقداد جاءت وكأنها إعلان عن ولادة مرحلة جديدة، مرحلة تتأرجح على خيط رفيع بين مطرقة العدالة الانتقالية وسندان السلم الأهلي. منشوره لا يطرح مجرد تحليل سياسي جاف، بل يمنحنا بانوراما كاملة عن الصراع الأبدي بين بناء الدولة وهدمها، بين العقل الراجح وغريزة الانتقام، بين مصلحة الوطن وأهواء المصالح الضيقة.
التأمل الأول: العدالة الانتقالية أم السلم الأهلي؟
في كل تحوّل مصيري تمر به الأمم الخارجة من أتون الحروب، تكون المعادلة الأصعب:
كيف نوازن بين حق الضحايا في القصاص والإنصاف، وبين حاجة الوطن الجريحة إلى لملمة أطرافه المتناثرة، وبث الطمأنينة في نفوس أبنائه؟
أشار الأستاذ محمد المقداد بذكاء إلى أن "تثبيت أركان الحكم" هو الأولوية. ليس حبًا بالسلطة، بل لأن غياب الدولة هو بوابة الفوضى والخراب. لا عدالة بلا دولة، ولا سلم بلا قضاء عادل قوي مستقل.
التأمل الثاني: أيتام النظام والثورة المضادة
هنا يضعنا المنشور أمام تحدٍ خطير، قد يبدو مستترًا ولكنه أعنف مما نتصور:
الذين فقدوا امتيازاتهم ومصالحهم، من رموز النظام البائد، والأحزاب التقليدية البالية، ومنصات المساومة، لن يقفوا مكتوفي الأيدي.
هم اليوم الثورة المضادة الجديدة، التي تُدير حربًا خفية شرسة، أخطر من أي قتال مكشوف.
هؤلاء يعلمون أن قيام دولة قوية عادلة يعني نهايتهم، ولهذا لا يدخرون وسيلة لإجهاض هذا الميلاد الجديد.
التأمل الثالث: المسلحون، المافيات، وسماسرة الدم
في كل حروب العالم، يظهر فئة من الانتهازيين الذين يجعلون من الألم سوقًا للربح، ومن الفوضى فرصة لجمع الثروات:
تجار السلاح،
أباطرة المخدرات،
سماسرة الدم والمعابر،
عصابات النهب والسرقة باسم الثورة أحيانًا وباسم المعارضة طورًا آخر.
كلمات المقداد تحذرنا من هؤلاء، فهم العدو الأشرس لأي مشروع وطني حقيقي. إنهم أخطر من الطغاة أنفسهم لأنهم يتلونون بلون المرحلة، ويتقمصون دور الضحايا حين يكونون هم في الحقيقة الذئاب التي تنهش لحم الوطن.
الانطباع العام:
حين تتلمس نبرة النص، تدرك أن الكاتب يكتب من قلبه لا من قلمه فقط. هناك توق شديد لرؤية سوريا وقد خرجت من لعنتها الطويلة، لا إلى انتقام أعمى ولا إلى مصالح فئوية ضيقة، بل إلى وطن يتسع للجميع، وطن لا يحتكر فيه أحد الحياة ولا القرار.
الرسائل العميقة خلف السطور:
أن بناء دولة قوية يبدأ بالقضاء العادل النزيه، لا بالمحاكمات الانتقائية ولا بعمليات انتقامية تستنسخ المآسي.
أن المشروع الوطني الحقيقي لا يقوم إلا على السلم الأهلي، بعيدًا عن منطق "الغالب والمغلوب".
أن الأعداء الحقيقيين للنهضة هم "أصحاب المصالح القذرة" ممن لا وطن لهم إلا جيوبهم، ولا ولاء لهم إلا لسلطتهم الشخصية.
قراءة في العنوان "فجر الحرية (بتوقيت بُصرى)"
اختيار بُصرى الشام ليس عبثًا. بُصرى التي كانت عبر التاريخ بوابة الحضارة والثقافة والنهضة، تعود هنا كرمز للانبعاث السوري الجديد. وكأن الروائي المقداد يهمس لنا:
"كما أشرقت الحضارات من بُصرى يومًا، فسيشرق فجر الحرية منها من جديد."
ختامًا:
أيها الأديب الجميل محمد فتحي المقداد، لقد كتبت شهادة ميلاد لسوريا أخرى. سوريا لا يحكمها الحقد، ولا تديرها الأحقاد، بل تصنعها العدالة، ويرعاها السلم، ويتوجها الأمل.
نصك هو نداء لكل السوريين: أن يحموا هذا الفجر من الخفافيش، وأن يجعلوا مصلحة سوريا فوق كل الولاءات الضيقة. فكما قلت بصدق نادر:
"مصلحة سوريا هي سقف الشعب السوري وخياره الوحيد."
ومن عندي أقول:
ليكن هذا السقف عاليًا، لا تلوثه صفقات السياسة ولا تسقطه رياح الكراهية.