الجمعة، 19 مارس 2021

ضجيج (أقصوصة)

ضجيج

أقصوصة

بقلم الروائي محمد فتحي المقداد

   صدفةٌ عابرة جمعتني منذ بِشخصِ مُتأفِّفٍ مع صديق لي، بادر من فوره بعد السّلام، لمّا عرفَ قبل قليل؛ بإعادة فرض الحظر الشّامل ليوم الجُمُعة، نظرًا لانتشار وباء الكورونا على نطاقات واسعة، وصلت حدّ المُعدّلات المُنذرة بالخطر القادم: "غير معقول ما يحصل".

   بابتسامة منّي أغاضته، وأنا أنصتُ إليه حتّى انتهى من كلامه. بادرته: "بأنّ ما سمعته منه هذه اللّحظة هو أفضل خبر سمعته هذا اليوم",

   رغم أنّني مُقاطع لنشرات الأخبار منذ سنوات، حتى نشرات الأخبار الجويّة أسأل عنها، رغم أنّها مُتاحة بين يديّ على الموبايل أيضًا.

   "أشتاق لمُمارسة الكسل يا صديقي.. باعتقادي أنّ الكَسل غاية لا تُدرَك مهما طال مُقامي فيه. كما أنّني أجدها فُرصةً هادئة ينعدم فيها الضجيج الذي أُعانيه ليل نهار؛  لأخلوَ بنفسي، وأجلس معها للاستمتاع بالتّفكير الهادئ والقراءة فيما هو مُؤجّل عندي، لتراكم الكثير من المواضيع المُصطفّة بانتظار مجيء دورها، ولمزاحمة المُستعجل منها".   

   غادرني صديقي مُبتَعِدًا؛ قساوة انقضاء اللّحظة عاجلًا، لم تسمح لي بالتبسُّط بأسئلتي له والحديث معه؛ وما زال صَدَى بَرْبَرَة الشّخص الآخر بكلمات مُغَمْغَةٍ، لم أفهم مِنها شيئًا على الإطلاق.

   شجّعني ذلك على الانخراط بمُحاكاة مع نفسي، لم أجد المُبرّر المُقنع لها وسط أصوات هدير مُحرّكات السيّارات العابرة، وزماميرها المُنْبِئة عن ضيق سائقيها من الازدحام المُروريّ الخانق.

***

قراءة الأستاذ علي أحمد قاسم \ اليمن

على نص ضجيج

أكثر ما يميز النص السخرية، والسخرية هي: استهجان الفعل، ووضع المدح مكان والذم ومكان المدح" وقد جاءت في ثنايا السرد والحوار كالتالي:

"صدفة عابرة جمعتني بشخص متأفف لما عرف بإعادة فرض التجول ليوم نظرا لانتشار كورونا"

ليأتي الرد في الحوار " بابتسامة أغاضته وأنا أنصت إليه" بأن ما سمعته هو أفضل خبر لهذا اليوم"

وبردف بصورة مضحكة " إنني مقاطع لنشرات وحتى النشرات الجوبة"

ويأتي السرد بتصاعد ساخر " أشتاق لممارسة الكسل يا صديقي فالكسل غاية لا تدرك"

ليأتي النص حين مغادرة الشخصية بانقطاع الحوار بين البطل وبينه يأتي بسخرية جديدة " غادرني مبتعدا قساوة انقضاء اللحظة" ليقابلها بحديث أفضل من الحوار معه بصورة مضحكة " شجعني ذلك على الانخراط بمحاكاة مع نفسي لم أجد المبرر المقنع وسط هدير أصوات السيارات"

ليأتي بمفارقة بين الحظر وصورة الواقع وفي يوم الجمعة وكأن الحظر في نشرات الأخبار" وسط أصوات السيارات وضيق سائقيها من الازدحام المروري"

 

- العنوان اختير بعناية " ضجيج ليكون " مختزلا لمضمون فلا حظر والضجيج إعلامي فقط.

- النص أقصوصة من حيث التركيز على فكرة الضجيج برغم الحظر والضجيج الإعلامي الذي يحذر من الخطر ولكن التركيز يصل لمستوى التكثيف.

- في الأقصوصة السرد المدهش والجاذب وتحقق ذلك

- السرعة في الأقصوصة ترتبط بالسرد المدهش للوصول لنهاية تخلخل أفق المتلقي وتحقق هذا إلا السرعة حال عن تحققها الحوار.

- النص من بدايته للنهاية ساخر من الأخبار ومن الصورة الواقعية.

- كم كنت أتمنى ألا يذكر اللفظ "ضجيج" في النص حتى يكون العنوان مفتوحا. "

....

أستاذ علي كل الشكر والتقدير لهذا الغوص العميق لمدلولات النص، التي أردت منها؛ تسجيل حالة عابرة، طغت على الضجيج، الذي يعاني منه سكان المدن، وصولًا للهدوء.

 حتّى وإن كان يوم حظر شامل بسبب الوباء، وخلق تعدديّة الأصوات داخل الأقصوصة. ذات البعد الزمن الذي لا يتعدّى الدقيقة الواحدة، وهي مجموعة نصوص، أقوم بكتابتها لتكوين مجموعة قصصية قائمة على دقيقة واحدة، أتوقع سيكون لهذا المنحى شأن أدبي معتبر عند أهل القصة والأدب عمومًا والنّقّاد بشكل عام. وبخصوص كلمة ضجيج أملى حضورها ضرورة ارتباطها مع الهدوء المنشود حتى وإن كان في يوم حظر.

تحياتي


أربعة نصوص/بتوقيت بُصرى

 أربعة نصوص (ق. ق. ج) 


##مازالت ملامح البؤس الظاهرة على وجه ذاك المانيكان الطفل،  القابع قسرًا أمام محل لبيع التراثيات والأنتيكا في وسط البلد، تعاودني حينًا بعد حين. لباسُه التراثيّ لم يُغيّر من الواقع شيئًا. 

ارتسمت صورة وجه ابني على وجهه. تسمْرتُ أمامه طويلًا، وقلب البائع يتراقص فرحًا بتوقّفي، هو لا يعلم بضياع محفظتي، انْعقَدتْ كتلة بين حاجبيْه المشدوديْن، تشكيلاتُ خطوطٍ ومُنعرجاتٍ موحيةٍ بالغضب. 

انسحبتُ بهدوء، تبعني المانيكان راكضا بعد أن تبدّلت قسماتُه. تناثرت أجزاؤه عندما تعثّرت قدمه.##

___________


##كيف لي بسؤال صاحب مكتبة مشهورة في دمشق: "أريد شراء صورة للرئيس".

وأنا أقف على حافّة هاوية الجنون؛ لدرء ما كان يُقال عنّي هناك من اتّهامات لا أحتمل عواقبها.

وأنّهم وضعوا خطًّا أحمر تحت اسمي، وكثيرًا من الإشارات. 

استجمعتُ بقايا شجاعة قديمة، عيون صاحب المكتبة اخترقتني في الصميم، ثم مسحتني طولًا وعرضًا، أذهلتني نظراته.

هزّ رأسه  للأسفل مع رفع حاجبيْه مُتعجّبًا..!، أوحت لي حركته بانتظار سؤالي: "أريد شراء الرّ...".

اللعنة..!! كيف سقطت الصورة من صيغة السؤال. 

بسرعة أقفل أبواب المكتبة، وغادر دون التفاتة منه للوراء، بعد أن دفعني بكامل قوّته خارجًا. حيْرتي ما زالت تؤرّقني منذ سنوات: "كيف عرف هذا الرجل قصدي قبل أن أكمل طلبي؟".##

___________


##في وسط البلد أثناء جولة مليئة بالحنين والشوق، طال انتظارها. كان القرار الأخطر في حياتي؛ حينما اشتريتُ السيف البتّار من أجل تقشير الخيار.

التاجر انخرط في نوبة ضحك هستيريّة مُعتبِرًا خُطوتي ساذجة.. تلبّستني ندامة الكُسَعيّ؛ لأنّه عرف بنواياي الحقيقيّة.##

__________


##صدمة عظيمة، إثر إعلان وفاة الفارس المنهزم.

في لحظة حاسمة قرّر الفرار على قدميْه.

خوفًا من الفرار جاثيًا. على حدّ قوله في تصريح سابق له.##


(الروائي/ محمد فتحي المقداد)