الجمعة، 26 يونيو 2020

أسئلة حلقة الروزانا

سين – جيم 
أغنية عالروزانا
« مقابلة مع قناة الغد العربي / 18*12/2018»

** ما هي قصة الأغنية؟.

الرواية الأولى: 
تقول حكاية الأغنية انه في أيام الاستعمار العثماني أرسلت تركيا باخرة إلى بيروت تحوي جميع انواع المواد الغذائية وتم بيعها بسعر رخيص وزهيد جداً للمضاربة على تجار بيروت والحاق الضرر بهم وليكون اهناك كساد للبضاعة . وهذا ماحصل فعلاً وتكدست البضائع اللبنانية وكادت تتلف فما كان من تجار حلب إلا ان اشتروا البضاعة من تجار بيروت وأنقذوهم من الافلاس، وتم نقل التفاح الى خلب مهربا وتم اخفاؤه تحت العنب ، لأن الدولة العثمانية حظرت نقل ذلك التفاع خارج بيروت ،  وعادت الباخرة إلى تركيا خائبة وفشلت في تحقيق هدفها.‏

تدقبق هذه الرواية: 
1- روزانا اسم أوربي، فلا هو عربي و لا عثماني.
2- إذا كان هناك قرار عثماني بإغراق الأسواق اللبنانيّة بالبضائع والمواد الغذائيّة، كان المفروض أن تكون السفينة تركية.
3- ثمّ من يستطيع القيام بأن يشتري حمولة سفينة كاملة ويرسلها إلى لبنان لإغراق أسواقها، ويتحمّل كافّة مصاريف الشحن، وأثمان البضاعة ليبيعها يسعر مُغرٍ.
4- إذا كان الهدف السيطرة من ذلك السيطرة على أسواق لبنان. فهو في الواقع كله كله تحت السيطرة والحكم العثماني.
5- فيما نستطيع قبول واقعة تصدير التّفاح من لبنان إلى حلب، فلا غرابة في ذلك وهو طبيعي للغاية لأن الشام وحلب هما الرئتان الذي يحتاجهما لبنان على مدار التاريخ لضمان بقائه واستمراره، وهما شريان الحياة له. أما لماذا ركّزت الأغنية على أن التّفاح موضوع تحت العنب، لما يتحمله التّفاح بقساوته خلاف العنب
 الذي لا يحتمل هذه المسافات الطويلة في السفر الذي كان على الوسائل البدائية من الحمير والبغال والخيول. 
*** 

الرواية الثانية:
مرت بلاد الشام بموسم زراعي صعب نتيجة الجراد وشح الامطار فظهر شح بمادة القمح، ولأن بيروت كانت منطقة تتمتع بنظام خاص من الحكم الذاتي بالاتفاق مع الدولة العثمانية كان يسمح لهم بالاستيراد، فاستوردوا القمح من إيطاليا لانقاذ المنطقة من المجاعة.. فكانت قصة سفينة الروزانا الايطالية التي وصلت حاملة القمح .. الا انه ومع تحول إيطاليا إلى صف الحلفاء في الحرب بعد أن كانت حيادية .. مُنعت سفينة القمح من افراغ حمولتها .. وكان من المفترض ان يتم الدفع مقابل القمح المستورد بشحنة من التفاح تصدر الى اوروبا، الا انه وبسبب المنع بارت بضاعة تجار بيروت من التفاح .. فما كان من تجار حلب الا ان اخذوا ذلك التفاح الذي تم تهريبه الى حلب بعد تخبئته تحت العنب. وتم تسويق العنب وبيعه ، فأنقذوا بذلك تجار بيروت من الافلاس.

تدقيق هذه الرواية:
1- هذه الرواية كانت أيام الحرب العالمية الأولى في العام1915 على الأرجح، وكان حصار دول الحلفاء على الدولة العثمانيّة على اعتبار أنها تناصر دول المحور (ألمانيا – إيطاليا) من الطبيعي أن يكون الحصار لمنع وصول السفن والبواخر إلى أي ميناء عثماني.
2- منع باخرة القمح الايطالية روزانا كان من دول الحلفاء. 
3- من المؤكّد أن تجّار بيروت كانوا يهيئون بضائعهم لتصديرها إلى الدول الأوربية بتحميلها على متن الباخرة الايطاليّة روزانا. ولما لم لتصل ميناء بيروت بفعل ظروف الحرب، لم يحتملوا كساد بضائعهم وفسادها، فتوجّهوا إلى العمق الاستراتيجي لهم في الشام وحلب.
4- كذلك بقية ولايات الدولة العثمانية واجهت نفس المشكلة، كما أنّ العاصمة استانبول كانت تعاني خلال هذه الفترة في توفير المواد التموينية. من المستحيل في مثل هذه الظروف لن نجد أية جهة تسعى لشراء بضائع بأسعار حقيقية لبيعها في لبنان بأسعار رمزية لإغراق السوق وضرب الاقتصاد. 
5- حتى سوق لبنان فيه شحّ في هذه المواد فكيف يكون إغراقه بزيادة عرض البضائع بأسعار أقل من السائدة.
6- هذه الواقعة كانت أحد الأسباب الكافية وراء قيام الانتداب الفرنسيّ بتشكيل دولة لبنان الكبير من متصرفية جبل لبنان والمدن الساحليّة، مع ضمّ أربعة أقضية غنيّة زراعيّا كانت تابعة لولاية دمشق. لتأمين الحياة للبنان الكبير كدولة مستقلّة.
7- هذا التوسع والضمّ كان لجعل لبنان دولة متعدّدة الأعراق مع السيطرة الكاملة لحلفاء فرنسا بالسيطرة السياسية.
8- من المعلوم بما لا بدع مجالًا للشكّ أن التجّار هذا موسمهم. يشترون بأسعار زهيدة ليحققوا هوامش أرباح كبيرة في مثل هذه الظروف العصيبة وهؤلاء هم من يطلق عليهم تجّار أو أثرياء الحروب. لأن هدف التجارة أولًا وأخيرًا المال.
***

 هناك روايات أخرى ايضاً هل ممكن أن تذكرها لنا؟.
** أنا أصنّف هذه الأغنية بأنها (أغنية للتاريخ)، عندما كتبتها في كتابي مقالات ملفقة ج1 تحت نفس العنوان، فهي تحكي عن حقبة الاستعمار الفرنسي ّ لسورية ولبنان، ففي إبان الثلاثينيات من القرن الماضي حصلت انتفاضة في بيروت على ممارسات الاستعمار، وجاءت الأغنية من تأليف (إلياس سابا) لتخلد هذا الحدث التاريخي بمحاكاة رائعة. فعندما تشدو فيروز وتقول: (عالروزانا .. عالروزانا)، والروزانا هي فرقاطة حربيّة في الأسطول الفرنسي، كانت ترابط قبالة ميناء بيروت في البحر المتوسط. 
وحين تقول: (كلّ الهنا فيها) كان الفقراء في بيروت وغيرهم يذهبون للميناء فيعطيهم الجنود مما يفيض عن حاجتهم من الطعام. لأنه في هذه الفترة كانت ظروف الجفاف وانحباس المطر والقحط، هي ألجأت الناس بالوصول لهذه الحالة.
وحين تقول فيروز: (وش عملت الروزانا.. الله يجازيها)،نعم الله يجازيها على ما فعلت في بيروت من قصف للمدنيين الآمنين العُزّل بمدافعها وقنابلها وحممها الغاضبة الهمجية.
هنا ..ونيجة لما حصل فرض الحصار على بيروت ومنعوا تصدير المنتجات من بيروت للعالم الخارجي، فاتجه التجار لعمقهم التاريخي. فقالت: (يا رايحين عاحلب حبّي معاكم راح.. يا محمّلين العنب تحت العنب تفاح). وبذلك أنقذوا محاصيلهم من الكساد والبوار ببعيها في أسواق الشام وحلب. 
*** 

** هناك رواية تقول بأن كاتب هذه الأغنية هو (المُلّا عثمان الموصللي 1864-1923). على أساس أن الروزانا معروفة في العراق باسم (الرّازونة)، وهي فتحة صغيرة في الجداران فيما بين البيوت العربية، تستخدم للتحدث بين النساء والبنات والجيران، ولمناولة بعض الأشياء والأغراض باختصار المسافة عليهم. ومن ذهب في مذهب هذه الرواية لإثباتها بأن الأغنية أساسها عراقي. 
بالتدقيق نجد:
1- أن التفاح و العنب ليسا من منتجات العراق الزراعية القابلة للتصدير.
2- كما أن حلب بعيدة نسبيًّا بمسافات شاسعة.
3- منطقة حلب غنية بإنتاج هذه المواد الزراعية، وإذا احتاجت شيئًا منها من الممكن استيراده من اللاذقية أو لبنان.
*** 


ملاحظة هامّة:
كلمة (روزنة) كلمة معروفة في بلاد الشام وهي الكوّة في السقف، هاصة في بيوت الفلاحين. بقصد إخراج الدخان المتصاعد من المواقد ومدافئ الحطب في غرف سكناهم. وفي مستودعات الحبوب والتبن لافراغ المحاصيل من خلالها.  ويقال بأن الروزنة كلمة فارسية مُعرّبة. وتعني (النور ، الضياء). وتحولت في أعراف بلاد الشام، لتصبح النافذة الصغيرة أو الكوّة في الجدار أو السقف تسمح للنور والضياء بالدخول لأنها نافذة بالاتجاهين الداخلي والخارجي.
وفي القاموس وردت على أنها الكوّة غير النافذة في الجدار أو الحائط أو في صخرة فتكون معروفة باسم (الجُرُن). وفوائدها للتهوية وطرد الدخان من الغرف والمغاور المغلقة، وإدخال النّور والضوء. 
*** 

-لماذا تعددت روايات الأغنية برأيك؟.
إن ارتباط الشعوب وجدانيًّا بقضاياهم المصيرية جعلهم على صلة وثيقة بحوادثها معتمدين على ذاكرتهم بحيث صار تراثًا يتناقلونه شفاهيًّا، وفي كل يزاد فيه وينقص منه، ففي كلّ مرّة تتحوّل الحادثة لرواية جديدة، يحفظها من سمعها ويرويها للآخرين كما سمعها. من هنا جاء تعدّد الروايات، ولأن لم يكن هناك توثيقًا مكتوبًا لها في حينها حتى يكون مرجعًا معتمدًا. لكن الأغنية مؤكّد أنّها كانت في حالة لبنان ولا خلاف في ذلك أبدًا.
*** 

(ما المعاناة التي كان يلقاها أهل بلاد الشام وتحديدا لبنان وسوريا من العثماني؟).
بداية النقطة المهمة هو دخول الدولة العثمانية الحرب العالمية الأولى. وكان يحكم الدولة العثمانية حزب الاتحاد والترقي. 

** الضرائب:
الحرب كارثة تتوالد عنها كوارث على كل المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ومع دخول الدولة العثمانية الحرب العالمية الأولى، احتاجت للأموال لشراء الأسلحة والدعم اللوجستيّ لجيوشها التي تحارب على جبهات عديدة فرضت العديد من الضرائب المرهقة للشعب بشكل عام، خاصة الولايات العربية التي تعتمد في اقتصادها على الزراعة، التي ضعف إنتاجها من خلال اهمالها بسبب نقص الأيد العاملة من الرجال والشباب عندما سيقوا الى ساحات الحروب.


** سياسة التتريك: 
لضعف الانتاج الصناعي في عاصمة الدولة اضطرت لأخذ الحرفيين المهرة من الولايات العربية لابقاء حالة الانتاج الصناعي في حالة جيدة بما يخدم الدعم اللوجستي للجيش المقاتل على الجبهات، ومع وصول الاتحاد والترقي لحكم الدولة العثمانية، وهو القائم على نزعة قومية طورانية تضطهد القوميات الاخرى، وهو ما تزامن مع عصر القومية العربية. حيث حصل التنافر على أساس قومي. 
كما أن لغة دوائر الدولة ووظائفها كانت باللغة التركية، ومن يتعلم اللغة التركية يستطيع الحثول على. وظائف والعمل مع الدولة.


** سفر برلك:
المعاجم :سَفَرْبَرْلِكٌ: نفير عامّ تعبئة ، نفير ، سفربرلك ، تأهب للحرب ، إستعداد للحرب سفر ، رحلة ، سفرة ، حملة ، غزوة ، وفي تفسير آخر سفر برلك كلمه تركيه معناها بالعربي التهجير الجماعي وقد اشتهرت هذه الكلمة وارتبطت بحادثة تهجير أهل المدينه المنوره بالقوه خلال الحرب العالميه الاولى وقد تفرقوا بين مناطق الشام وتركيا وبعض مناطق الحجاز الأخرى وكلمة السفربرلك تركية وتعني “الحرب الأولى”، وسميت كذلك لأنها أول حرب شُنت بعد إزاحة السلطان عبد الحميد الثاني من قبل حزب الاتحاد والترقي على الرغم من الوضع المتردي آنذاك للدولة العثمانية، وقيل أيضاً أن معناها “الترحيل الجماعي” وكلمة سفر برلك اصبحت تطلق على كل حادثة مشابهة لخوض حرب مع إندلاع الحرب العالمية الأولى، تحالفت السلطة التركية الجديدة مع ألمانيا، في محاولة منها لإيقاف الانهيار المستمر لسلطتها في البلاد الخاضعة لها، والتي كانت هدفاً لأطماع الدول الكبرى السائدة آنذاك، وعلى وجه الخصوص بريطانيا وفرنسا، مما دفع بالسلطات التركية إلى خوض حرب ضروس مع هذه الدول، وتجنيد أعداد كبيرة من الجنود كانت غالبيتهم من شعوب الدول الخاضعة لسلطتها، وخاصة من البلاد العربية، فيما عرف لاحقاً بالسفر برلك، وذهبت أعداد كبيرة من شبان العرب إلى هذه الحرب، وكثير منهم لم يعودوا، ولم يعرف أحد أين ماتوا أو دفنوا وأيام السفر برلك جرت بين عام 1914م – 1918 م .وتمثل أيام السفر برلك وهي أيام الحرب العالمية الأولى إحدى أوجاع الإنسان العربي في المشرق العربي فقد قامت الدولة العثمانية بالتجنيد القسري لأهالي بلاد الشام والمدينة المنورة وتم مطاردة الفلاحين وأهل القطعان وحتى الصبيان الذين اقتربوا من سن الرشد، حيث تم إرسالهم للقتال في أوروبا بعد فشل الحرب في قناة السويس. مما سبب إهمالاً للزراعة وعناصر الحياة الضرورية، فانتشر الفقر والبؤس والجهل في المشرق العربي إن ذكرى أيام حرب السفر برلك والقصص المروعة خلالها طوال ثلاث سنوات مازالت راسخة في أذهان أهالي بلاد الشام والمدينة المنورة حتى الآن، فقد كانت القوات العثمانية تفتش القرى والمدن وترسل الشبان والرجال وحتى الشيوخ إلى أتون تلك الحرب فالذهاب إلى سفر برلك للقتال الى جانب الجيش التركي يعني غياباً بلا رجعة. هذا بالإضافة إلى أن العثمانيين قاموا بمصادرة المؤن من السكان لإطعام الجيش وفرضوا المزيد من الضرائب لتمويل تلك الحملة وما تزال ذاكرتنا تتذكر أحاديث الأجداد وكبار السن وكيف كانوا يتحدثون عن تلك الأيام السوداء والمجاعة والعذابات بكثير من الألم والحزن. ،
** قمع الحريات:
** التجهيل: 
** الفقر والمجاعة:
** استغلال موارد البلاد المسيطر عليها: 
*** 
•• ما علاقة الأغنية عند أهل بلاد الشام بالمقاومة؟. 
تاريخ بلاد الشام مشترك الهموم والآمال والطموحات، وجميع أقطاره عانت من الغزاة والمستعمرين قديما وحديثا. وأبغضها على الإطلاق الاستعمار الاستيطاني اليهودي. 
** لماذا كان يوثق الناس الأحداث السياسية القصيدة والأغنية؟  
منذ القديم و أيام العرب الأوائل كانت القبائل تحتفل بميلاد شاعر فيها.  وهو بمثابة وسيلة إعلامية متنقلة يفخر بقومه ومكارمهم وشجاعتهم. 

•• الاغنية تغنى في لبنان وسوريا وفلسطين ماذا يعني ذلك برأيك؟.   
الهم واحد. والمصير مشترك. 

** لماذا لجأ كاتب الاغنية للتورية والمجاز فبدت الأغنية وكأنها رومانسية؟. 
التّرمبز والتكنية هما من أساليب الشعر، وكثيرًا ما يلجأ الشاعر إليها أولا للابتعاد عن موضوع المباشرة التي تقلل من جماليّة القصيدة، وحتى لو فُسٍّرت على منحى. يأتي من من يقول: الكعنى قي قاب الشّاعر.

** من أشهر من غنى الأغنية؟
فيروز – صباح فخري – سناء الموسى – نسمة شماميان – 

** تحدث لنا عن تجار حلب ؟
حلب تعتبر العاصمة الاقتصادية في سرية حاليا. وقبل ذلك ففي حلب كانت معظم الوكالات الأجنبية تتركّز فيها منذ أيام الفرنسيين وقبلهم الأتراك. كما أن خط الشرق السريع كانت محطة انطلاقه من حلب لينتهي في البصرة، وموقع حلب الاستراتيجي جعل منها عقدة تلتقي فيها الطرق من الشمال والشرق والغرب لتلقي ونن ثم تنطلق في الاتجاهات الأخرى. وفي أيام الفرنسيين كانت حلب مقر الريجيه في حلب واللاذقية والادارة الرئيسية في بيروت.

** اليوم يفصل ما بين حلب وبيروت الحدود .. ما رأيك بذلك وماذا تتمنى أن يكون حالهم. 
بطبيعة الحال لم يكن يوما ما هناك حدود مشتركة ما بين بيروت وحلب، إلا من خلال سورية. ونحن شعب واحد في بلدين فرّقتنا السياسة، فمصيرنا واحد ومشترك ولا فكاك لنا من بعضنا مهما حاول الأعداء. 
 
**بعض مشاهدي الحلقة من عرب لا يفهمون لهجة بلاد الشام .. هل لك أن تفسر الكلمات بالفصحى؟. 

** عالروزنا عالروزنا كل الهنا فيها 
و إ يش عملت الروزنا الله يجازيها
** يا رايحين لحلب حبى معاكم راح
يا محملين العنب تحت العنب تفاح
** كل من وليفه معه وانا وليفي راح
يا رب نسمة هوا ترد الولف لي
** لاطلع ع راس الجبل و اشرف ع الوادى 
و أقول يا مرحبا نسم هوا بلادى
** يارب يغيب القمر واقضي انا مرادى
و تكون ليلة عتم والسرج مطفية.

شهادة إبداعية رسائل وتين

شهادة إبداعية 
قُدّمت للأديبة الواعدة آلاء حسن الشعرات — حفل توقيع كتابها رسائل وتين. في منتدى البيت العربي الثقافي. – عمّان:  28/1/2019

كل إبداع أدبيّ هو محطة للقارئ مثلي.. أتوقّف عنده طويلًا مُتفيئًا ظلال روح الكاتب المُتدلّية كقطوف دانية من روحي.. متاهة تأخذني بعيدًا في مسافات زمنيّة استحوذت على حياة الكاتب، آكلة وقته.. حارقة لدواخله اعتبارًا من ولادة الفكرة في مخاضها العسير إلى صارت في صفحات كتاب رسائل وتين.. للأديبة آلاء الشعرات.
** أرسلت وتين إلي نبض رسالتها الأولى: «كم هو شهيٌّ هذا الصباح. وحكايا المطر تناقضٌ مبعثر.. بك يا نبضُ.. أراكَ وأسمعكَ، وأحملكَ جنينًا في أحشائي.
شكرًا لك أستاذي..!!. أنتَ مطلع الفرحة، وأنا نهايتها. أنا صغيرتُك معك. فلا تختلّ جاذبيّة قمري إلّا لعينيْكَ.. أنتَ ميلادي الأوّل، سرجُكَ العالي تلمسُه أناملي، فيهوي ما تبقّى من رماد الكبرياء.
فصل الشتاء نقطة ضعف العشّاق.. ففي حبّكَ أكون عنيفة لا أقبلُ التّراجع، أراكَ طوق النجاة، الذي أهربُ إليه. غريقةٌ أنا يا نبضُ، لم أعُد أعلمُ كيف النّجاة؟.
تعالَ نُسابقُ الرّيح المتأزّمة ونُركدها أرضًا تحت أقدامنا.
عزيزي: أعيشُ بين تراكيب ذاكرتي، وأنتَ حاضرٌ في تلافيفها، علّمتَني كيف أروّضُ كلماتي لتنساب حروفي بين السّطور. صوتُك الدّافئ يحملُني نحو كوكب بعيد أجهلُ اسمه، لأنه لم يُكتَشف بعد». 
** بعدما اسْتمعَ نبض بقلبه لها، وقرأ رسالتها مُحلّقًا في فضائها الروحيّ، أجابها: «أنتِ ساحرةٌ يا وتين».
** من جديد كتبت وتين إليه: «أنا لا أبالي يا سيّدي..!!. فأين المشاعر التي دفنّاها سويّة تحت شجرة الدُّر. تلك السّنون لم تكن جديرة على اكتسائي ثوب النّسيان».
** فردّ نبض عليها: «لم تكتمل قصّتنا بعد، ماردُ الصّباح يُسقط العقلانيّة لينتصر القلب، عندما تنضجين بعد طفولتَكِ البريئة ستكونينَ أعظم حُبّ، فهل تتغيّرُ المرأة بعد سنّ الثلاثين؟. لا تكوني إمّعة تريد الهروب من واقعها.. ستصمدين أمام معتركات تواجهينها، نحن كلّ يا أيتها النّساء. وأنتن تولدن من جديد كشعاع الأمل في فجر كل صباح».
** اختتمت وتين برسالتها له: «هل تساءلتَ يومًا أمام نفسك؟. فأنا علياء في جمالي أعاند انحناء الظهر لك. فتتراقص أنوثتي على وتر الشّقاء. أرفض لعبة الاحتكار، فقلبي خطّ أحمر.. احذر الاقتراب، لا تقُل عنّي مغرورة.. تواضعي بعيدٌ عن الكِبر والغرور، يجعلني أسلكُ منابر الرقيّ والتّسامي. سأبتسم ابتسامتي الشهيّة لحياني، وأمضي نحو حلمي.. وسأكون أنا ..أنا».  

وبعد ذلك صمتَتِ الشّفاه ونطقتِ العيون. (رسائل وتين) حملت تفاسير الكلام. لا تفتأ تُعلن للملأ شرح الحالة المُثلى للإنسانية، عندما ترتقي بأحاسيسها ومشاعرها رِفعة، بعيدًا عن الهبوط إلى قذارات الحضيض، لتُنافس الملائكة بفضائلها الروحانيّة. وتتسامى على حمأة الجسد المحمومة برغباتها وشهواتها الهائجة.
جاءت مجموعة الخواطر ممزوجة بروح قصصيّة، لتحاكي واقعًا مُدجّجًا بقسوة العواطف المتكلّسة المنبثقة عن نفوس مريضة. ارتضت مغادرة إنسانيّتها بتوحّش تنهش بضراوة القلوب والأرواح تحت مُسمّيات اختزلت الحياة ضمن دائرة ضيّقة من المصالح الآنيّة.
الأديبة آلاء الشعرات استطاعت تسجيل خواطرها وقصصها على شكل رسائل متبادلة بين قطبي الحياة (المرأة والرجل)، لتُسمع صرختها للعالم أجمع وبجرأة الحق، وهي تنظر بعين خبيرة إلى التشوّهات المجتمعيّة، تروم إزاحة الغيار والصدأ والطحالب عن النفوس، من خلال مؤلفها البكر (رسائل وتين)، الذي شكّلت منه نسقًا صادقا واضحًا في مسارات الأدب النسائيّ العربي. 
الفطرة السليمة تنتج عقلًا سليمًا يتوخّى الخير والجمال، وإبراز محاسنه من بين رًكام الإنسانيّة المُحتَضَرة على مذبح الظلم والتظالم، وهذا ما ناقشته وعالجته آلاء الشّعرات في رسائل وتين.

عمّان – الأردن 
28 / 1 / 2019 
محمد فتحي المقداد
قاص و روائي 

مسرحية

مسرحيّة
قصة قصيرة

بقلم الروائي/ محمد فتحي المقداد

- أعرَبَ لي: "سروري عظيم بانتهائي من مطالعة مسرحيّة(مغامرة المملوك جابر). 
-" بخبرتكَ العريقة، هل تستطيع إعطائي فكرة واضحة عن رسالة كاتبها سعدالله ونّوس..!!؟".
أخذ نفسًا عميقًا.. اعتدل في جلسته.. سحَبَ سيجارة من علبتي، فقال:
- "الممثلون يتحرّكون بإشارة من المُخرج القابع في زاوية لا يُرى منها، أوامره صارمة، وبعصبيّة". 
- "هل هوعسكريٌّ سابق؟". 
- "ومن أخبركَ بذلك؟". 
- "من وصفكَ له، تراءت لي الأيادي الخفيّة التي دائمًا ما تُحرّك المشهد وفق أجندتها". 
- "أثرتَ مواجعي من جديد، وإنّ ليل العبيد.. وليل الظّالمين قاسمهما المشترك الظّلام. كعربات نقل الموتى.. مملوءة بالملح والصديد. كلاهما مؤرّقان. 
النصّ موجوع ينثر الآهات. الأبطال فاقدو النّطق.. الإيماءات والإشارات ملأت صفحات رسالتهم الطويلة كالإلياذة. 
العناكب تتدلّى فوق السّتارة الباهتة غير آبهة ببؤسها. لهاث الأنفاس يتشارك العرض مع الممثّلين، شبيهًا بقصص احتضار الموتى التي لا تُنسى. 
ختامًا.. أُسدِلت السّتارة، من سّادن مبتور الكفّ اليمنى، واليسرى بلا أصابع. 
حرارة التصفيق مُتوهّجة تهزّ الأركان على وقع صدى: (موطني..!!)".
بُحّ صوتي، نمتُ واستفقتُ، وأنا ما زلتُ أردّد معهم:
- (موطني.. البهاء والجمال.. !!". 

الأردنّ - عمّان
24 / 2 / 202‪0‬

كتب فؤاد فؤاد قناية عن الروائي محمد فتحي المقداد

كتب فؤاد قناية/ سورية

====================

(محمد فتحي المقداد)
(أديب ألمعي وقاص ذكي وشاعر ومبدع)
في البدء كانت الكلمة فكانت السمة الرئيسة التي يتعالى بها شموخ البشرية وتصعد من خلالها إلى منابر الشرف لتبلغ بذلك أعلى درجات العلو والرفعة، فالكلمة ليست مجرد رسالة تصك في دقائق إنما هي من يحرر الإنسان من سجن العقول إلى فضاء الإبداع ومن المعروف لنا أن العلم لا تثمر أزهاره إلا إذا اقترن بالعمل وحسن الأخلاق وأديبنا جمع بين الحسنيين فهو مدرسة إبداع
وأدب وعلم وأخلاق، آتاه الله من الموهبة أجملها ومن الأخلاق أعلاها فهو كنسمة هواء رقيقة ومثال للباقة واللطافة وحسن المعاشرة، استمد ذلك من بيئته العريقة (بصرى الشام) التي تتوسطها قلعتها الشامخة بكل جلال ووقار
محمد فتحي المقداد صاحب كلمات لها فعل كفعل السحر كما أنه يمتلك بلاغة متميزة مما يجعل اللغة خاضعة في بنائها ووظيفتها لمكونات الجنس أما شعره الذي يجمع بين اللغة والأدب والحكمة وجزالة اللفظ lمما يجعل القارئ حائراً غارقاً بين سحر الكلمة والإبداع البلاغي فيزداد شوقاً للمتابعة وعند بلوغه النهاية يجد نفسه لا يستطيع أن يصف روعة ما قرأ، كما أن كلماته تعبر عن صدقه ورقة مشاعره وذلك من خلال مخاطباته الوجدانية وإشاراته الروحية وكشف القبح في المجتمعات ووضع الصورة أمام مقابلاتها فينتج في نفوس متلقييه الرغبة في الترقي للأجمل التي يمس بها النواحي والنواصي العليا التي تبدأ من الضمير وتنتهي إليه وكأنه يمسك بخناق الإنسانية لكي لا تتردى .
أما فيما يتعلق بموضوعاته فهو الرجل الجديد المتجدد من دون منازع فكل يوم يظهر لنا بحلةٍ جديدة مختلفةً عن سابقتها فهو يعُنى بتنويع المعاني الشيء الذي لا يجعل القارئ يصاب بالملل فهو يقوم بانتقاء الألفاظ السهلة والعبارات السلسة ذات المعنى والمغنى إضافة إلى الموهبة الساحرة التي يمتلكها والتي تعد بمثابة وقود توهجه وتكشف لنا عن أصالته التي حظيت بمرتبة الشرف بامتياز فيكون بذلك قد حقق شخصية الأديب فالأديب هو ضمير أمته ومرآة عصره
أما عن شخصيته فهو إنسان بكل معاني الإنسانية ودليل ذلك موضوعاته التي نقرأها كل يوم فلو اختل في شخصيته معنى من معاني الإنسانية لانعكس ذلك الخلل على فنه وكان بذلك غير مقنع لقرائه، وتجلى لي ذلك عند حديثي معه للمرة الأولى فوجدته إنساناً متواضع يعتنق فكرة عزة النفس والكرامة والإيثار وإنكار الذات وليس بعيداً عنه ذلك فالنظرة في عين المرء تريك مدى علاقته بالفكر ولو نظر أحد إلى وجهه لوجد القراءة والكتابة تحفر لها أخاديد على بشرته وتضيف إلى عينيه عمقا آخر .
وبذلك فإن تلك الصفات والخصوصيات التي تحدثت عنها ليست مطروحة على قارعة الطريق كما يظن البعض ، بل هي وهب من الله وأصحاب تلك الخصوصية قلة قليلون
وفي النهاية لا يسعني إلا القول بأن ومن بين كل النماذج الإنسانية الرائدة والطليعية يبقى الأديب متميزاً بالخيال الحر الطليق والتصور المكتمل لكل وجوه الحياة ، كيف هي كائنة وكيف يجب أن تكون تحية معطرة بأسمى آيات المحبة والتقدير لأديبنا محمد فتحي المقداد مع خالص الود والمحبة
.....................................................................
fouad kanaya

 


سادن الطريق (محمد فتحي المقداد) بقلم الشاعر محمد طكو



سادن الطريق

بقلم – الشاعر  محمد طكو 
فلقد قرأت روايتك الطريق إلى الزعتري قراءة حقيقية وإني أعني كلمة حقيقية قولاً وفعلاً :
و كنت قد تقمصت العديد من الشخصيات فيها
إن لم أكن تقمصتها جميعاً
في بداية الأمر وعندما استوقفني العنوان ظننتني سأقف على الحدود قليلاً ومن ثم أدخل إلى المخيم.
إلا أنك أعدتني إلى قرية من قرى سوريا الجميلة الحرة الثائرة.
هذه القرية ( مَوْج) التي تتربع على حافة الأمل
التي أراد بعض من أهلها لها أن تحيا كما قدر الله لها ذلك .
قرية أرادت أن تسدل سنيناً من الظلم والقهر وتتنفس هواءها النقي الذي أكرمها الله به لا الهواء المعلب الذي أعده لها ثلة من المجرمين .
لقد رسمت يا صديقي بعض بيوتها ومضافتها وشوارعاً منها حتى لكأني أتمشى في قرية فيها ما فيها من الحياة . تنبض بالحب على سعف من نخيل الأمنيات البسيطة للشعب البسيط .
وعندما رأيت المحامي وصافحته بيدي شعرت بحرارة المثقف الواعي المدافع حقيقة عن بلده وأبنائها.
ولي مع شاعرها وحروفه الثائرة وتصويره قصة وفنجان قهوة .
أما أبا فندي فلا يليق به إلا أن يكون عربياً أصيلاً من سهل حوران النابض خيراً وغلالاً والمنتصب كالزيتون واللامع كبيادر القمح وقت حصادها.
لا يليق به إلا أن يكون ثائراً ليقود كما قاد ويحمل كما حمل حب الوطن وحب أهله و ألا يعتب إلا على من باع .
لقد مضيت معهم جميعاً ، إلى أن وقفت مع أبي فندي على باب مخيم الزعتري وإني إذ أكتب لك هذا فإنما أتمنى عليك أن تعيده إلى بيته ليخرج الخاتم بيديه من قرب جذع شجرة الزيتون ، وألا يطول به الأمد فيوصي أبناءه بأن يفعلوا ذلك .
هذا ما خطه يميني على عجالة ولعلي أعود فأكتب ما شاء الله لي أن أكتب
مع خالص الود والأمنيات الطيبة لك



شهادة ملفقة قدمها الشاعر والناقد عبد الرحيم جداية عن الروائي محمد فتحي المقداد

 

 

شهادة ملفقة

 

بقلم - الشاعر و الناقد\ عبد الرحيم جداية

 

عندما ولد محمد فتحي المقداد في بصرى الشام أقسم أهل بصرى بأن الحارث ملك الأنباط فرح  لمولده..، وأُعدّت الموائد وأقيمت الأفراح..، ذلك ما حدثتني به الحاجّة منيفة جدته لأمّه التي التقيتها خارجة من الحمامات الرومانية هناك؛ متوجّهة إلى صلاة العصر في مسجد بصرى الشام العمريّ.

 وبعد الصلاة وحلقة الذّكر، قامت إحدى المتفقهات بتذكير النساء بقيمة استشارة الزوج حتى في خروجها للمسجد ..، وقبل أن يؤذن شيخ المسجد لصلاة المغرب سألت الحاجة منيفة زوجها أن يأذن لها بصلاة المغرب في المسجد..، تفاجأ الحاج محمد من سؤلها، وهي المرأة التي تطوف بيوت القرية ومسجدها..، ومن هول المفاجأة قال لها الحاج محمد: «صلي بالمسجد الأموي»، فضحكت بصرى كلّها من تلك الدّعابة.

فتحي المقداد..، هكذا أحَبَّ أن أناديه وأحيانا أناديه بكنيته: «أبو هاشم»، ولكن لم يخطر ببالي أن أناديه البصراوي مع أني أناديه كثيرا بالحوراني، مما ذكّرني بشيخنا الحسن البصري رحمه الله، وهو الذي يصرُّ دائما أن يناديني «أستاذ»، ربّما لأني علّمت الصبيان في المدارس، وأدّبتُهم وربيتهم حتّى أصبحوا بمقام أبنائي، ومع هذا يناديني «أبو حمزة»، وأحياني يُناديني بالحوراني، فكلانا ننتسب لهذه الأرض الطيّبة التي أنجبت فخر علماء الأمة "ابن كثير، النووي، وابن القيّم"، ومُفتيها أحد أجدادي لأمّي من (طيّبة) إربد الشيخ "عبدالرحمن الطيبي"  الذي سكن قرية طفس.

سادتي القضاة: ها أنا أتقدم لكم بشهادة ملفقة حول موكلي الذي ذرع الأرض في ليبيا والإمارات، واستقرّ به المُقام في الكرك بعد أن خطّ طريقه إلى الزعتري برواية تفتح مغاليق الحكاية، لكنّ أمّ الخنافس تمثّلت أحد أحلامه، وامتشقت قلمه لترسم نفسها مجتمعًا مصغّرًا عن المجتمع السوري في رواية  (دوّامة الأوغاد) التي لاقت نصيبها من الحضور الثقافيّ، حيث كانت إربد «الدّاية» التي تلقّت روايته في حفل توقيع بهيج في (جاليري أرب آرت)، فتملّحت روايته ما إن أبصرت النّور بكلمات ومداخلات وشهادات إبداعيّة ودراسات نقديّة لم يداخلها التلفيق ولا التزوير بل نبعت حُبّا وفرحًا في قلوب حورانيّة فرحت بولادة فارس وروائي. مع أن العرب كانت تفرح لولادة فارس أو شاعر في القبيلة وكانت القبائل تفتخر بشعرائها حتّى أن قريشا كانت ترى نفسها أقلّ شأنًا، إذ لم يكن فيها شاعر فحلٌ، حتّى ولد عمر ابن أبي ربيعة يوم مقتل عمر بن الخطاب..، فقالت العرب: «أي حق رفع وأي باطل وضع»، من وقتها ونحن نحتفل بحوران بولادة روائيّ.

درعا التي احتفلت بالعديد من الشعراء لم تحتفل إلا بالمقداد روائيًّا، وعلي العبدالله صاحب رواية(رجل منسي)، ومحمد الحفري ابن قرية (معرية) الصغيرة في درعا على حدود الجولان التي اتّخذتها قوّات الأمم المتّحدة مقرًّا لها بعد حرب تشرين عام 1973م، ولم يذكرها التاريخ ولم تعرفها الجغرافيا؛ لولا ذلك العلم الذي رفرف فاستوحى منه الروائيّ السوريّ الحورانيّ محمد الحفري رواية (العلم)، التي لم أقرأها بَعْدُ، رغم حثّ فتحي المقداد لي على قراءتها لكنّي لم أفعل بَعدُ. وأنا الذي زرت سعسع والقنيطرة والمعريّة، وشاهدت السياج العازل البسيط الذي يفصل بين السّهل والجبل، فهل كنتُ شاهدًا على العتمة حينذاك..، والسؤال يلاحقني: ما الذي منعك يا عبدالرحيم أن تخترق السياج، وتٌقبّل العلم الذي قبّلهُ محمد الحفري؟.

كيف لي أن أكون شاهدًا على العتمة؟، رغم الدعوة الالهيّة بقوله تعالى: «لتكونوا شهداء على الناس، ويكون الرسول عليكم شهيدا»، فهل نحن الأمة الوَسَطَا التي ذكرها رب العزة في محكم تنزيله ..، ومع هذا كيف لي أن أشهد الزور؟، وأنا لم أر أو أسمع إلا القليل مما رواه المقداد لي وكتب التاريخ..، فهل تقبلون شهادتي. سادتي القُضاة، وهنا أتذكر الحديث الشريف: «القضاة ثلاثة، واحد في الجنة، واثنان في النار»، وقد ورد في القرآن: «شاهد من أهله، وشاهد من أهلها»، فلست يوسف، وليس هو يوسف، وليس بيننا امرأة العزيز؛ لأُلفّق شهادة رائعة، كما لفّقها فتحي المقداد القاص والروائيّ والكاتب والباحث في كتابه مقالات ملفّقة، جامعًا اللّغة والتاريخ والسياسة والدين في أسلوب جديد، طوّر فيه المقالة لتلبس ثوب الجدّة والابداع، كما ألبس الحريريّ ثوب التجديد في مقاماته، والجاحظ في كتاب البخلاء.

صديقي الذي ما زال يشهد على العتمة زورا..، لفّق مقالا ليقنعني أنّي ما زلت على وجه الأرض..، هذا ما حدث ذات مساء، والأفكار تتصارع في دماغه كذئاب كاسرة تبحث عن طعامها في صيد، فلم تجد حتّى جاءه أحدُهُم. فسأله المقداد: كيف الحال (أبو طه). فردّ عليه الرجل المُتعَب، الذي لم يكن ذئبا كاسرًا، بل رجلًا طيّبا بسيطًا.. ببساطة الطيّبين: «فوق الأرض». فلمعت الفكرة في فراغ رأس المقداد، وكأن صاعقة تنزل عليه؛ ليشرع في روايته الجديدة بعنوان: "فوق الأرض".

وبهذا يا سادة يا كرام ألخّص لكم شهادتي الملفقة بلا مقدّمات، وبلا قيل أو قال، كما كتب المقداد لعلّي أحصل على عفو المحكمة باعترافاتي التي شابهت اعترافات مؤنس الرزاز في روايته: «اعترافات كاتم صوت»؛ لتَخلُص الحكاية، وتنتهي الرواية كلّما طلع الصباح على شهريار، وتسكتُ شهرزاد عن القول المُباح كلّما أذّن الفجر وصاح الدّيك. 

ألتقيكم في شهادة ملفّقة قادمة، مُنتظرًا الحكم بالبراءة فأنا لم آت بالجديد، وهذا ما أعرفه، وتابعته، عن لافتات المقداد التي غلّفها السراب بشاخصاته الإبداعيّة دائمة التجدّد، ولم أكذبكم قولًا فهو القاصّ والروائيّ والكاتب والصديق الذي أعتز بمتابعة تجربته الإبداعيّة.

 ولكم مني الشكر على حكم البراءة له من كلّ التّهم المنسوبة إليه، علمّا بأنّني لم أقسم على أيّ حرف مما قلت.. فهل تجوز شهادتي؟.

 

 

إربد - 19 آذار 2017

 


منذ متى

منذ متى..؟

بقلم/ محمد فتحي المقداد

منذ متى، وأنا بانتظارك حبيبتي؟.
عند التقاطعات
مال الغروب, واستطال الّليل
انثال الحزن, والجروح تنزّ من جديد
وذاكرة الأحزان تستعيد شريطها الطويل الممتد بلا نهاية.
منذ متى.. أتساءل؟.
من يوم عرفتك, من يوم ميلادي المكبّل فيك.. أنت وحدكِ.. وليس سواكِ
تواريتِ عن سمائي؛ فكبلتني أغلال أحلامي الورديّة، ورحتُ أرقبُها؛ لعلّها تتبسمُ يوماً ما ..
حبيبتي: يبدو أنكِ قدري المحتوم، وتاريخي المأسور فيكِ.. ولا فكاك.
إلاّ هناك بين القبور, وأنت تلاحقيني ولا تتركيني.
منذ متى جفّ الندى, يا حبيبتي؟.
ما عانقني، ولا رطّب جفاف أيّامي.
وأنتِ أنتِ, زهوتِ كما الشمس في أصيلها
تعبتِ الدّروب منّي, وكَلّتِ الأبواب على يدي..!!
وأنا بانتظارك حبيبتي ..
--------------
بصرى الشام - ٢٠١٤