الجمعة، 11 أكتوبر 2019

الثنائيات في رواية (وقُتِلتُ مرّتين) للروائيّة سماهر السيايده

التقابلات والثنائيّات
في رواية (وقُتِلتُ مرّتين) للروائيّة (سماهر السّيايدة)

بقلم الروائي/ محمد فتحي المقداد

(وقُتِلتُ مرّتيْن) عنوان صادم بدلالته المنطوية على الألم والخوف وضياع الأحلام وانسداد الأفق أمام انطلاقها إلى عوالم رحبة تتّسع للمزيد.
بينما الحروب والصراعات أقوى بجبروت قوّتها من الأفراد وبعض المجموعات البشريّة، ليس لها إلا حكم واحد غالب ومغلوب، فشروط وقوانين الغالب يرفضها بلا قيود من قانون أو أخلاق أو دين.
وعنوان الرواية جاء عتبة صالحة للعمل من الروائية (سماهر السيايدة)، تجاوزت بروايتها خارج حدود المملكة لتُسلّط الضوء على مُخرجات الحرب القذرة في إقليم مُلتهب كل ما فيه، وآثارها المُدمّرة لكلّ مُقوّمات الحياة بدقائق تفاصيلها؛ فالتهجير نتيجة طبيعيّة محتومة، والمآلات التي ستؤول حال المُهجّرين من ذُلّ التشريد والقهر وتعرّض بعض النساء للاغتصاب.
***
شخصيات الرواية:
- الطبيبة النفسيّة (شمس) وزوجها الأستاذ في الجامعة اللبنانيّة (جورج).
- الخادمة السّنغاليّة (منيو سكليت).
- ياسمين البنت اللاجئة السوريّة القادمة من مدينة حلب.
- البنت (روز) القادمة من مدينة غزّة في فلسطين.
- الطبيب المصري (سيف).
- الطفلة (أمل) ابنة ياسمين، وهي نتاج حادثة اغتصاب.
***
ابتدأت الرواية بافتتاحيّتها استهلالًا بأغنية (الأماكن) للمطرب (محمد عبده). هي الأماكن نسكنها وتسكننا، وترتحل فينا إذا ارتحلنا، فتلتهب الأشواق و تجرّنا مُرغمين بحبال الحنين، فتكون على الأقلّ أجمل بقاع الدنيا بما تحمل من ذكريات وأحلام وآمال زرعناها هناك، وربّما لا تعني للآخرين شيئًا.
وجاء فضاء الرواية المكاني يحمل دلالات الإنسانية وهمومها والحرب والدمار والدموع والآهات والأحزان.
***
التقابلات الثنائيّات:

جاءت واضحة المعالم في رواية (وقتلت مرتين) تمامًا بتكامليّة سردية تجلّت فيها الكاتبة ونسجت الحدث الروائي على حبالها.
١- الوطن والمنفى، التهجير القتل، الدمار والتشريد، القوي والضعيف.
٢- البيت في الوطن والخيمة في المخيّم في بلد اللجوء.
٣- دفتر ياسمين الذي سلّمته لصديقتها (روز) كأمانة، وكان عبارة عن قصة الرواية بأكملها، حيث كانت الراوية الخفية (روز) عن لسان ياسمين عن لسان الكاتبة سماهر .
ودفتر (سيف) الطبيب كتب فيه مذكّرات حكاها، واعترف بها لياسمين زوجته.
بعدما دخلت ابنتها(أمل) وعبثت بمحتويات الدفتر.  ومنذ زواجهما كان قد حظر عليها دخول غرفته بتاتًا.
٤- ياسمين مهجّرة قسرًا وصديقتها (روز) أيضًا مُهجّرة مثلها قسرًا، بينما الخادمة (منيو سكليت) مهاجرة بإرادتها بقصد اكتساب العيش. ثلاثتهن لهن وطن في مقيم في الذاكرة.
٥- ياسمين تتشابه مع سيف، كلاهما حمل مأساة، وكلاهما بعيد عن وطنه، ولم الخيار خيارهما حتى في زواجهما الذي تمّ نظريّا ولم يكن عمليًًا أبدًا.
٦- الجامعة كانت الإطار الذي لملم جزءًا من الحدث الروائي، بمقابل المشفى الذي أسجلت الستارة فيه على النهاية التراجيديّة للرواية.
٧- أسرة ياسمين التي مات أفرادها بسبب الحرب. وأسرة الطبيب سيف التي بقي أفرادها على قيد الحياة، وممارسة الانحراف الأخلاقي بسبب الفقر. الحرب والفقر أيقونتا الدمار.
٨- تشاركية المآسي، فلكل إنسان مأساته المفصّلة حجم صاحبها.
٩- وقتلت مرّتين. دلالة العنوان لبطلة الرواية ياسمين. مرّة حينما اغتُصِبت. وأخرى حينما أحبّت. فكان الموت مزدوجًا. أحياء بلا قبور.
١٠- أسرة الطبية النفسية (شمس) وزوجها الأستاذ الجامعي (جورج)، هي الوعاء الذي استوعب أبطال الرواية، وكوّن لهم أسرة بديلة مليئة بالحنان والعطاء بلا مقابل. وبالتالي كانت المحور المُحرّك المُشوّق للحدث الروائي.

عمّان- الأردن
٣١ /٨ / 2019‪

مقدمة كتابي (بتوقيت بُصرى)

مقدمة كتابي (بتوقيت بصرى)

اضبطوا بوصلتكم وعقارب ساعاتكم وتقويمكم ومواعيدكم ومشاعركم على توقيتها.. فأنتم في بصرى..!!
أليس غريبًا هذا الطلب..!!؟
ربّما يعيش أي فرد منّا مئة عام، ولا يتعرّض لمثل ذلك.
لماذا بُصرى..؟
هي صخب التّاريخ وعبق الحضارة. حملت اسم أمّها الشّام إكرامًا وحُبّا.
لا غرابة إذا علمنا أنّ كلمة (بصرى) الحصن القويّ المنيع.
أزعمُ أنّ جدّي لأمّي بنى مضافتَه الشّهيرة في المكان الذي وطِئته القدم الشريفة للنبيّ محمّد صلّى اللّه عليه وسّلم.
ذات أمسية زعم صديقي الشّاعر (عبدالرحيم جداية): "أنّ الملك الحارث فرح لمولدي" .
فيها قبر أبي وأمّي، وأجدادي وآبائهم منذ فجر التّاريخ، شواهد قبورهم مكتوبة، كما [كتب العرب الأنباط شاهدًا لقبر ملك من ملوك اللّخميّين يُسمّى امرؤ القيس بن عمرو، وأرّخ بشهر (كسلول) من سنة ٢٢٣م بتقويم بصرى، وهو يوافق شهر كانون الأول (ديسمبر) من سنة ٣٢٨م.وبصرى بحوران في الشام عاصمة الأنباط الشمالية]*.
فالتّقْوِيمُ ‏‏: حساب الزمن بالسنين والشهور والأيّام، حسب التَّقْويمُ الهِجْرِيُّ والميلادي.
و تَوْقِيتُ العَمَلِ وضَبْطُهُ حَسَبَ أوْقَاتٍ مُعَيَّنَةٍ.
بُصرى الشام أو بتسميتها العثمانيّة (بصرى أسكي شام) وهي مرتفعة مقارنة بمحيطها، فأضيفت لها كلمة (أسكي)التركيّة لتمييزها. ومنذ فجر التاريخ قائمة جغرافيًّا ومأهولة مثلها مثل مدينة جرينتش الإنجليزيّة لها توقيتها، فتَوْقِيتُ غِرِينِتْش (الإستعماري): تَوْقِيتُ خَطِّ الزَّوَالِ (الظَّهِيرَة)، وَهُوَ خَطٌّ أصْلِيٌّ عَالَمِيٌّ يَمُرُّ فِي مُسْتَوى قَرْيَةِ غرِينتْش  الإنْجلِيزِيَّةِ.
لهذه الأسباب وغيرها جاءت فكرة عنوان الكتاب (بتوقيت بُصرى)، كلّ ما قيل في كفّة، وذكريات طفولتي في الأخرى، وأعتقدُ جازمًا أنّها راجحة على ما تقدّم.
وَهجُ العنوان الرئيسيّ أثناني عن اتّخاذ عناوين فرعيّة لكل أقصوصة في الكتاب؛ فجميعها مُكتسية خوفًا وذُلًّا.. دموعًا وحزنًا..  يأسًا وقهرًا.. ظلامًا وسِجنًا.. رقيب وعتيد يُحصي الأنفاس ويعُدّها.
فحجارتها كالبشر تروى الكثير من الأساطير وتداعب خيال الزائر ومشاعره.
ثمَّ التَقَيْنا فَلَا وَالله مَا سَمِعَت ...
أُذنى بأحْسن مِمَّا قد رأى بَصَرِي.
(من)* صَفَائِح بصرى (حين)* أخلصتها قُيُونُها*.
الروائي/ محمد فتحي المقداد
________
_*المصدر من كتاب (الشعر الجاهلي للدكتور شوفي ضيف ص٣٥)
-*ما بين القوسين كلمة (من - حين) إضافة مني لبيت الشعر ليتوافق سرديّا مع محيطه.
-* صفائح: سيوف - قيون جمع قِنْ وهو العبد المملوك.

خاطرة للصباح (أسماء العائلات والمهن)

خاطرة الصباح:

تذكرت أننا أحيانا كنا نستخدم كلمة (خاشوقة..)، وهي ملعقة الطعام كانت دارجة عند الفلاحين في حوران.. وهي كلمة تركية.. وخاشقجي سيكون له علاقة بهذا المعنى، إما صانعا او بائعا.. وهو ما درجت عادات المدن من اطلاق اسم المهنة على الصانع لها، او المتاجر بها، ومع الأيام يصبح اسم عائلته.
(الحبّال، السّيوفي، السّروجي، حلونجي، السمّاك، ملبنجي، قزاز، رزّاز، المنجّد، الدّومري، الشراباتي، الملّاح، المالح، الشربتجي، السلّاخ، السقّا، الناطور، الصابوني، القاطرجي، القطرنجي، العبه جي، البقججي، بقجاتي، البصمجي، البوسطجي، المحملجي، الصباغ، الصوّاف، دبس وزيت، الحجّار، الخطيب، الشّرع، الطباع، السنجقدار، علمدار، دفتردار، دويدار، الدلّال، البوّاب القهوجي، الحدّاد، الخدام، القصّار، الحداد، النجّار، الحفّار، الطنبرجي، السكّري، معماري، السّاعاتي، شيخ الارض، الفرّا، الأخرس، الأطرش، الأعرج، البندقجي، التوتنجي،..إلخ)

أسامينا.. شو تعبو أهالينا (مقالة ملفقة ٢/٢٢)

أسامينا.. شو تعبو أهالينا

مقالة ملفقة (٢/٢٢)
بقلم محمد فتحي المقداد

الاسم دليلٌ وعنوانٌ، ولا شخص بلا اسم أبدًا مهما كان الاسم، يلصق بصاحبه منذ ولادته أو في ذهن والديْه منذ زواجهما. ولا يثبتُ الاسم رسميًّا لصاحبه إلّا بشاهديْن للحصول على وثيقة ولادة؛ ليكون في تعداد السكّان وإعطائه رقمًا وطنيًّا يرافقه مدى حياته في جميع وثائقه حتّى وثيقة وفاته ومعاملات الإرث بعد مماته.
وفيما بعد الهويّة وجواز السّفر هي التي توثّق الاسم، وبغيرها سيبقى صاحبه مجهولًا لأنها المُعرّف المعتمد ولا تعدو غير قطعقة كرتونية وحديثًا بلاستيكيّة ممهورة بالخاتم الرسميّ الذي يُكسبها الحقيقة الموثوقة لدى دوائر الدّولة على مختلف مساراتها.
لعلّي مثل الكثيرين غيري، أستمع لأغنية فيروز (أسامينا..) تسحبني موسيقاها الرقيقة إلى عوالم فسيحة من ارتياح النفس وذكريات ربما أجهلها، إلا اسمي منها. بتدقيقي في المقطع الأوّل انفتحت آفاق فلسفية أبدعها الشاعر اللّبنانيّ (جوزف حرب):  "اسامينا .. شو تعبو أهالينا تلاقوها .. و شو افتكرو فينا الأسامي كلام .. شو خص الكلام .. عينينا هِنّي أسامينا).
بالرّجوع إلى المعجم اللغويّ نجد:" كلمة اسم، والجمع : أسماء ، أساميُّ و أسامٍ، وهو
ما يُعْرف به الشيءُ ويُستدلُّ به عليه. وعند النُّحاة: ما دلّ على معنًى في نفسه غير مقترن بزمن".
والاسم الأوّل لا يُعتبر دليلًا تعريفيًّا كافيًا على صاحبه، فلا بدّ من اقترانه باسم الوالد والنسبة(اسم العائلة أو العشيرة أو القبيلة). من خلال البحث والتقصّي هناك من يحمل نسبةً عائدة إلى مهنة مُتوارثة أبًا عن جدّ، وصار منسوبًا إلى مهنته المُستبدلة باسم العائلة الأساسيّ، هذا ما نلاحظه عند سكّان المُدن على الأخصّ.
وأبناء القبائل والعشائر القادمة من الجزيرة العرب عصر الفتوحات كانوا يأنفون المهن. وفي بعض البلاد كاليمن مثلًا ينظرون بدنيّة إلى المِهنيّ، حتى أن التصاهر والتزاوج غير مسموح به إلا كلّ من طبقته، فالحلّاق لا يتزوّج إلا ابنة حلّاق، وهكذا ينسحب الأمر على باقي المهن. وللمُتتبّع أنّ العرب لم يمتهنوا الحِرَف المختلفة، كما ورد (خمّار روميّ)، (صانع سيوف يهوديّ)، (طبيب نصرانيّ).
عاد الموضوع إلى ذهني عندما اغتيل الصحفيّ السعوديّ (جمال خاشقجي) قبل سنة في تركيا، فتوقّفت عند نسبته (خاشقجي)؛ فتذكرت أنّنا أحيانا كنّا نستخدم كلمة (خاشوقة..)، وهي ملعقة الطعام كانت دارجة عند الفلاحين في حوران.. وهي كلمة تركية.. وخاشقجي سيكون له علاقة بهذا المعنى، إمّا صانعا أو بائعا.
وهو ما درجت عادات المدن من إطلاق اسم المهنة على الصانع لها، أو المُتاجِر بها، ومع الأيّام صار اسم لعائلته وضاع نسبه الأصلي بمرور الزّمن.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، أورد بعضًا منها: (الحبّال، السّيوفي، السّروجي، حلونجي، السمّاك، ملبنجي، قزاز، رزّاز، المُنجّد، الشراباتي، الملّاح، الحدّاد، النجّار، خدّام، البوّاب).
وهناك ألقاب ورُتب اجتماعية صارت أسماء لعائلات (الآغا - الوزير - الباشا)، وللرّتبة الدينيّة ومن امتهنها امتداد اجتماعي لتصبح نسبة لأشخاص ( الشيخ - الخوري - مطران أو المطارنة - الشّرع - الخطيب - الرّفاعي - الشاذلي - السنوسي - الحريري).
وللجغرافيا وهجها لتفرض شروطها الاجتماعيّة لتصبح نسبة لمجموعة أشخاص غير مترابطين أصلًا في بلادهم بِصِلات دمٍٍ أو قرابة، وكلّ من ارتحل من بلده أطلقوا عليهم اسم المكان القادم منه (المصري - السوداني - المغربي - الشامي)، فالأماكن مرتحلة فينا،  نغادرناها ولا تغادرنا.
وأنا لن أغادر أرض حوران مع نشاط ذاكرتي، لاستعادة أسماء علماء ولدوا فيها، وانتسبوا لمناطقها، منهم:
أ - (ابن كثير البصروي) العالم والمحدّث والمُفسّر فهو منسوب لمدينة بُصرى الشام في حوران. ويعتبر كتابه الأشهر على الإطلاق (تفسير القرآن العظيم) وكتاب (البداية والنهاية) في التاريخ.
ب - ابن القيّم الجوزيّة الزّرعي أو (الأزرعي) نسبة لمدينة إزرع في محافظة درعا الريف الأوسط، وهز فقيه ومُحدّث ومُفسّر وعالم مُجتهد، أهمّ مؤلّفاته (زاد المعاد في هدي خير العباد) و (الرّوح).
ج - الإمام النّووي، نسبة إلى مدينة نوى في محافظة درعا الريف الغربي، التي ولد فيها سنة ( 1233‪— 1277‪م) وهو (أبو زكريا يحيى بن شرف النووي) مُحدّث وفقيه ولغوي، أشهر تصانيفه كتاب (رياض الصّالحين) و(الأربعين النوويّة).
قيل: "أنّ لكلّ إنسان من اسمه نصيب"، ربّما يكون الاسم (همّام) وصاحبه كسول خائر القوى، وبعض تأتي على أصحابها بالمصائب والإنحراف، وأذكر من أسمى ابنه (جُعَل) صرصور الصحراء الذي يبحث عن مخلّفات الإنسان والحيوان ليصنع منها كُرة يدحلها ويدفعها على الرّمال.
عموم العرب تتفاخر بانتحال أسماء أبنائهم، مُتّخذين منها سببّا من أسباب القوّة لبثّ الرّعب في قلوب أعدائهم (صقر - نمر - أسد - صخر - حرب - شاهين). والاسم عنوان صاحبه مهما علا أو دنا. فمن يمُت يبقى اسمه حيًّا لا يَمُت، منهم من يستجلب الرّحمات أو اللّعنات، ولو بعد قرون من موتهم.

عمّان - الأردن
١٠ / ١٠ / ٢٠١٩