الجمعة، 28 أبريل 2023

حوار. د. حسان قمحية

حوارات سورية في المنفى

الروائي محمد فتحي المقداد

يحاور

الأديب الطبيب. حسان أحمد قمحية

 

 

 

تقديم:

الأديب والطَّبيب "حسّان قمحيَّة" قامة أدبيَّة وعلميّة سوريَّة سامقة تُناطح نجوم السَّماء؛ ليُصبح كوكبًا دُريًّا مُتفرِّدًا بخصائصه ومواهبه، هِمَّة وثَّابة تكاد تُحيط بالكون أجمع، لِتَلُمَّه بين يديْها، وتجعل منه مادَّة خير للبشريَّة جمعاء، باقتدار امتلكَ ناصية الطبِّ بتخصُّصه الباطنيِّ، والعُلوم الطبيَّة. قام بترجمة العديد من الكتب في مجاليْ الطبِّ والصحَّة العامَّة، ويحقُّ له التفاخُر باكتسابه مفردة مُترجم كمهنة، بجهوده الجبَّارة وقهر كلَّ الصُّعوبات، ليُصبح أحد أساطين هذا العلم.

ومن أروع ما قدَّم للمكتبة العربيَّة، تلك الإضافة المُهمَّة للأدب المهجريِّ، بإصراره ومُتابعاته الحثيثة على مدار سنوات من المُكابدة بلا يأس، استطاع إبراز أكثر من سبعين اسم شاعر سوريٍّ مهجريٍّ، فمن أين وجد ووفَّر الوقت اللَّازم، لممارسة مهنته واشتغاله بترجمات شعراء المهجر، وليس هذا فحسب، بل توّجها بدواوينه الشعريَّة العديدة المطبوعة والمخطوطة، وبعضها خصَّصه للأطفال، إضافة لدراسة معمّقة نشرها في كتاب حول وسائل التواصل الاجتماعيَّ.

 

 

أسئلة الحوار:

 

*س1* الطبيب الشاعر المترجم "حسان قمحيّة"، ومن خلال نافذة "حوارات سورية في المنفى". كيف ستُقدّم نفسكَ للأحباب، والقرّاء والمتابعين، وبطريقتكَ التي تُحب؟.

 

بداية، شكرًا جزيلًا على الاستضافة والاهتمام. والآن أعرّفكم على نفسي: حسّان أحمد قمحية، طبيب من مدينة حمص، نشأتُ فيها ودرست، ثمّ انتقلتُ إلى دمشق لدراسة الطبّ البشري والتخصّص في الأمراض الباطنة. كان منزلنا في حمص ساحةَ أدب ولغة وعلم، إذ وُلد لدى معظم أشقّائي حبّ غامر للغة العربية وآدابها منذ الصِّغَر واحترام بالغ للعلم، فكنّا نعقد الجلساتِ الطِّوال في السِّجال الشعري وتدارُس بعض فنون الأدب، وكانت لدينا مكتبة عامرة بالكتب الأدبية، لاسيّما دواوين الشعر. وقد ظهر لديّ، خلال دراستي للطبّ، ميل كبير إلى الكتابة في الأدب الطبّي، فأصدرتُ أوّل كتاب فيه قبلَ تخرّجي من الطبّ العام بسنة. وخلال التخصُّص، أصدرتُ بضعة كتب، مثل الأمراض الرثوية والطبّ النفسي والطبّ الوقائي، وكانت ترجمة عن كتب مشهورة، كما شرعتُ بوضع كتاب عن أزمة المصطلح العربي، ولكن بقيَ مخطوطًا.

 

لقد وجدتُ نفسي ميّالًا إلى الترجمة، مستأنسًا بها، فاجتهدتُ في زيادة رصيدي من هذا العمل، وأخذتُ في اقتناء عدد من القواميس في العلوم الطبّية والعامّة.

 

كان هدفي من ذلك أن أجمع بين الطبّ الذي أحببت خوضَ غماره والكتابة التي تمثّل مهدَ أيّ أدب. ورغم ولعي بالشعر العربي منذ الطفولة، لكنني لم أنظم شيئًا منه ذا بال إلّا في السنة الخامسة من دراستي الطبّية. وأذكر أنه في تلك السنة، 1991 م، نشبت حربٌ ظالمة في البوسنة والهرسك، وآلمني جدًّا ما تعرَض له المسلمون هناك من ظلم واضطهاد، فنظمتُ بعض الأبيات أعبّر فيها عن ذلك. كما نظمتُ بعض القصائد في المدّة نفسها في حبّ دمشق والتعلّق بها، ولم يَفُت تلك القصائد شيءٌ من شعر الغزل أحيانًا. واستمرّ نظمي للشعر متباعدًا بين الفينة الأخرى بحسب ما يتيح لي الوقت وما تفرزه الأحداث.

 

*س2* ما بين دراستك للطبّ، وممارسة الترجمة مسافات مُتباعِدَة المسارات. كيف استطاع د. حسان تجسير هذه الهوّة؟

 

بدأت علاقتي الفعلية بالترجمة منذ أن كنت في السنة الثالثة من دراسة الطبّ، حيث كان علينا أن نجتهد في قراءة اللغة الطبية بالإنكليزية لمواكبة المستجدّات في عالم الطبّ، فما يتوفّر من كتب طبّية باللغة العربية لا يلبّي حاجتنا لمعرفة كلّ جديد في هذا العلم. كانت الرحلة شاقّة، فلم تكن هناك وسائل للإبحار في عالم الطبّ مثل ما هو متاح اليوم، فالكتب الطبّية الأجنبية – كما هو معروف – باهظة الثمن، والمعاجم الطبية قليلة، ولا يوجد إنترنت أو وسائل أخرى ييسّران الحصول على معاني المصطلحات، ويعتمد ذلك على الجهد الشخصي. كنتُ قد اقتنيت كتابًا أجنبيًا في الطبّ الباطني، وأخذت أفكّ طلاسمه بشقّ الأنفس، أجلس على الصفحة الواحدة أيامًا، وأستخرج معاني المصطلحات فيها بصعوبة بالغة، ثم يتعذّر عليّ فهم مقاصد الجُمَل والفقرات. لكن لم يكن يساورني اليأس، فكلما بردت همّتي وشعرتُ بالخيبة، عاودت شحذَها من جديد، وهكذا حتّى صار لدي إلمام جيّد باللغة الطبية الإنكليزية أهّلني لأضع أوّل كتاب لي وأنا في سنتي الخامسة من الدراسة، ثمّ وضعت الكتاب الثاني وأنا على أبواب التخرّج. وواظبتُ على هذه الرحلة إلى أن أصدرتُ مع نهاية 1997 م موسوعة طبّية باللغة العربية بلغت أربعة أجزاء في 4500 صفحة. ولم يمضِ على تخرّجي من الطبّ العامّ سوى سنوات قليلة إلّا وقد أصدرتُ عشرات الكتب المترجمة في مختلف العلوم الطبّية. وحصلت بعضُ كتبي اللّاحقة على جوائز عربية كأفضل كتب مترجمة في العلوم.

ولكنّ هذا الشّغفَ بالترجمة لم يقتصر على الطبّ، فقد خضتُ في مسارات أخرى، فعمدتُ بعد سنة 2000 م إلى ترجمة بعض الكتب الصحّية التثقيفية (غير الأكاديمية) لصالح دار نشر لبنانية ومؤسّسة عربية رسمية. كما ترجمتُ كتبًا جمعت بين الجانب الصحّي والجانب العام، مثل أسوأ السيناريوهات والحمل في القرن الواحد والعشرين، ومعجزة الجنين، وتجديد الشباب، ويوم من الحياة في جسمك.

 

ولذلك؛ فليس هناك فجوة بين الترجمة الطبيّة ودراسة الطبّ إذا امتلك الشخص ناصية اللّغتين، المصدر والهدف. ومع الممارسة يزداد المِران والتمكّن. وبالنسبة لي، كانت الترجمة الطبيّة الطريق الماهدة للترجمة العامّة. أمّا بالنسبة إلى النمط الأخير من الترجمة فهو – كما ذكرتَ – لا علاقة مباشرة له بالطبّ، غير أنّ ما مهّد لهذه العلاقة عندي هو الترجمة الطبية ابتداءً.

 

*س3* هل كانت الترجمة هواية تُضاف إلى مواهبكَ المُتعدَّدة، أم هي دراسة أكاديميَّة؟.

 

لم أدرس الترجمة دراسة أكاديمية، بل كانت محضَ ميول واجتهاد.

 

*س4* كمشتغل بقضايا الترجمة عن اللُّغات الأخرى. يُقال أنَّ الترجمة خيانة للنصِّ الأصليِّ، أو إنتاج نصٍّ جديد، بما يُدخله المُترجِم من تعابير؛ لتتوافق الترجمة مع اِسْتقامة التعبير. فماذا يقول الدكتور حسَّان في هذه النقطة المفصليَّة في الموادِّ المنقولة عن لُغات أخرى؟.

 

ترى منظّمة اليُونِسْكو أنَّ "الترجمةَ الجامِعَة لشروط الخبرة والـمهارة والأسلوب الصَّحيح يمكن أن تَرْقَى – من حيث القيمةُ العلمية – إلى مَرْتبَة التأليف". وليس هناك خيانة في نقل النصّ من لغة إلى لغة إذا أحسن المترجم نقلَ النصّ الغائب في العلوم الإنسانية والأدبية، بمعنى أن يكون لديه دراية بثقافة من يترجم عنه، فيفهم ما وراء الكلمات ومقاصد الجمل. أمّا في الترجمات العلمية البحتة، كالطبّ مثلًا، فلا وجودَ لنصٍّ غائب، بل ينبغي أن تكون الترجمة موازية تمامًا للنصّ المصدر.

 

*س5* حركة تعريب العُلوم أين وصلت؟، وأنت خريج جامعة دمشق خلال مراحل دراستكَ. وهي الجامعة التي حملت لواء التعريب وعلى الأخصِّ العلوم الطبيَّة. فهل دراسة العُلوم بغير لُغاتها يؤثِّر على حالتها التي كانت عليها في لغاتها الأمِّ؟.

 

لا أظنّ أن أمّة واعية لذاتها متبصّرة ومعتزّة بتاريخها وأهدافها تقبل ان تدرّس العلوم بغير لغتها. وهذا الأمر خيضَ فيها كثيرًا وأُشبع درسًا وحديثًا، وكان مثار جدل واسع لا يزال مستمرًّا، بل هو جزء من واقعنا المهين الذي تعيشه أمّتنا اليوم. والغريب في الأمر أنّ المدافعين عن ضرورة التدريس بلغة أجنبية يمضون أبعدَ من كلّ منطق ويسيرون في كلّ اتجاه إلّا في اتّجاه الهدف؛ فالحلّ واضح بَيّن في امتلاك ناصية اللغة الأجنبية السائدة، وهي الإنكليزية اليوم، ويتجلّى ذلك في الاهتمام بهذه اللغة، وإيجاد السُّبَل الكفيلة باكتساب مهارة الحديث والكتابة بها، وقد عُرضت هذا السُّبُل كثيرًا، ولا حاجة للخوض فيها في هذا المقام، وقد اتّخذتها بعض المجتمعات الواعية ونجحت فيها.

 

*س6* صدر لك كُتبٌ عديدة بشكل دراسات نقديَّة عن الأدب المهجريّ. كما لوحظ أنَّ الأسماء التي تَرجمتَ لها سِيَرها، وجمعت أشعارَهَا، كانت أسماء جديدة غير مطروقة في الدِّراسات التي درسناها من خلال المناهج المدرسيَّة. وهذا الجهد المُكمِّل لما سَبَقه، يعدُّ فتحًا جديدًا. هل لك أن تخبرنا عن الجُهود الدَّؤوبة ومُعاناة التحصُّل على هذه المادَّة الأدبيَّة؟.

 

بدايةً، الذي دعاني إلى الاهتمام بالأدب المهجري قصّة تعود إلى عدّة سنوات خلت، فقد استشارني أحد الدارسين في محتوى رسالة أدبية عن ظاهرة من ظواهر هذا الأدب، منقِّحًا ومراجعًا، فلفتَ انتباهي خلال الاطّلاع على أطروحته للدكتوراه قلّة الاستشهاد بشعراء المهجر السّوريّين، حتّى ليظنّ القارئ أنّ الأدب المهجريّ لبنانيٌّ بَحْت. ومع أنّ الأعلام اللّبنانيّين المهجريّين، مثل جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة ورشيد أيّوب وإيليا أبي ماضي، هم من أكثر أدباء المهجر تأثيرًا وانتشارًا، لكن هناك أدباء مهجريّون آخرون لهم نتاج أدبي على قدر كبير من القوّة والبلاغة والسّبك، غير أنّهم مهمَلون وآثارهم مطويّة، وهو من أبناء وطني، ومن حقّهم علينا أن نُعيرَهم انتباهًا ونُوليهم اهتمامًا. لقد أثار فيَّ ما تقدّم رغبة شديدة في تقصّي شعراء المهجر السّوريّين وتعقّب آثارهم. وقد وجدتُ صعوبة بالغة في ذلك، فالمراجع المهجريّة المشهورة تكاد لا تعرف سوى بضعة أدباء منهم، مثل نسيب عريضة وندرة حدّاد؛ وإذا ذكرتْ البقيّة فعلى استحياء، مثل حُسني غُراب، ونصر سمعان.

بدأت العمل بالبحث في المكتبات العربيّة، العامّة والخاصّة؛ ولمّا لم أجد ضالّتي فيها على الوجه الأمثل، حاولت التواصل مع أقارب بعض المهجريّين وأحفادهم، فنجحتُ في بعضهم، ولم أنجح في بعضهم الآخر. وهنا خطر في بالي أن أراسل المكتبات والمواقع الأجنبيّة، ودافعي إلى ذلك أنّ المهجريّين عاشوا، ومات كثير منهم في تلك البلدان التي هاجروا إليها. وقد استجابت بعض الجهات، ولم تستجب جهاتٌ أخرى، ولكن بالمحصّلة استطعتُ الحصول على الكثيرِ الكثير من المصادر المهجريّة الأصلية، وفيها كنزٌ من المعلومات التي لا تجدها في أيّ مرجع مهجريّ شهير، مثل أدب المهجر لعيسى الناعوري وأدبنا وأدباؤنا في المهاجر الأمريكيّة لجورج صيدح، وقصّة الأدب المهجري لمحمد عبد المنعم خفاجي. ولا أخفيك سرًّا إذا قلتُ لك إنّني لم أترك بابًا يمكن أن يفتح عليّ طريقًا للحصول على معلومة من هنا أو هناك إلا طرقتُه، وبإصرار مستمرّ، وبذلك استطعتُ أن أجمع معلومات جديدة وغير مطروقة عن نحو 70 أديبًا مهجريًا سوريًّا، بعدما كان بعضهم يظنّ أنّ أدباء المهجر السّوريّين لا يتعدّون أصابع اليدين. وقد بلغ عدد الكتب التي أصدرتها عن أولئك الأدباء حتّى الآن نحو 23 كتابًا؛ وأنا في طور الإعداد لنشر كتاب جامع عن أدباء المهجر السّوريّين بعنوان "أعلام الأدب المهجري السوري".

 

*س7* (الفيس بوك تحت المجهر) عنوان لأحد إصداراتك، في الحقيقة: يسترعي، ويستدعي التوقُّف في رحابه، سيَّما وأن يُعالج قضيَّة وسائل التواصل الاجتماعيِّ مُلحَّة، وتُلامس شرائح اجتماعيَّة عديدة. أودُّ منكَ لو تكرَّمت- بإيضاح رؤيتكَ كطبيب وأديب ومُترجم؟.

 

بعد مضي سنوات على إطلاق وسائل التواصل الاجتماعيّ وانتشارها بين الناس، كبيرهم وصغيرهم، ذكرهم وأنثاهم، خاصّتهم وعامّتهم، عالمهم وجاهلهم، لفتَ انتباهي ذلك التأثير الكبير الذي أحدثه استخدام تلك الوسائل في السّلوك البشريّ، فضلًا عن بروز ملامح معيّنة لدى أولئك المستخدمين لم نكن لنراها لولا هذه الظاهرة الجديدة على المجتمعات. وقد قرأتُ ولاحظتُ مدى ذلك التأثير، فكان لا بدّ من الوقوف على تلك الوسائل ودراسة إيجابيّاتها وسلبيّاتها، واستشراف ما ستتركه على الأجيال القادمة. وهذا ما دعاني إلى الحديث عنها وتبيان أضرارها ومحاسنها. ولله الحمد، فقد كان صدور الكتاب محطّ اهتمام وإعجاب، وأصبح من مراجع بعض الدراسات الاجتماعية والإنسانية، بل وتُرجِمَتْ مقاطع منه في دراسة ماجستير لإحدى الجامعات الجزائرية، كما راسلني بعض المهتمّين للاستفادة من بعض ما جاء فيه والاستفسار أكثر عن ذلك.

 

*س8* (أَبْلغ من الصَّمْت) مَجْموعة شِعْريَّة لكّ صادرة في العام 2016. اِنزياحيَّة العنوان تُولَّد إشكاليَّة لدى المتلقِّي، فما هو الأبْلَغ من الصَّمت، سيَّما وأنَّ مقولة: (إذا كان الكلام من فضَّة، فالسُّكوتُ أو الصَّمت- من ذَهَب)، وهُناك صمتُ العُبَّاد المُتفكِّرين بعظمة الخالق، وصمت المُفكِّرين المُحتاج للعزلة. شاعرنا الجميل. فما هو الذي أبلغ من الصَّمت، والعبارة ابتدأت بصيغة التفضيل "أبلغ"؟. 

 

لا شكّ أن مقولة "الصمت أبلغ من الكلام" عبارة حكيمة في كثير من المواقف والظروف. ولكن في مواقف أخرى تكون خيانةً للعدل والإنصاف وإذعانًا للظلم والجَور؛ فأضعف الإيمان أن تناصر المظلومين والمعذّبين وتحاول تسكين أوجاعهم، أو إشعارهم بأنّك معهم يؤلمك ما يؤلمهم ويحُزّ في قلبك ما يقع عليهم من إجحاف أو يمرّ بهم من مآسٍ وكوارث ومصائب. لقد كان هدفي من ذلك الديوان أن أعبّر عن ذلك، فقد شاركتُ أهلَ الخيام من أبناء وطني المنكوب شيئًا من مأساتهم، وسكبتُ ذلك في قالب شعري، وتحدّثتُ عن التخاذل الذي لاقَوْه (انظر قصيدة "أنين الخيام" من الديوان)، كما أكثرتُ من الكلام عن الجرح الذي ألمّ ببلدي وأرضي وأهلي، وعن شظف العيش الذي يقاسيه الناس فيه (انظر قصيدة "ضعنا سدى")، ولم أنسَ أن أخوض في فجيعة الهجرة الاضطراريّة والنزوح والغربة (انظر قصيدة "ويح النوى"). إذَن، هذا هو الصّمت الذي لا أجد له مكانًا في قاموس المثقّفين، وأهل الأدب والشعر والعدل.

 

*س9* براعم النُّخبة للأطفال (مَجْموعة شِعْريَّة) 2017 م، لاشكَّ بموهبتكَ الشعريَّة الطّاغية بسماتها على شخصيَّتك المُوزَّعة بين مهنتك كطبيب وأديب، المُفارقة التي سأتوقَّف عندها، كيف تستطيع امتلاك عقليْن ولسانيْن أحدهما للكبار والآخر للصغار، وصعوبة ما بينهما من طريقة التَّعاطي. كيف تُبرِّر ذلك؟.

 

لا يخفى على من هم قريبون مني أنّ لي علاقةً خاصّة وقوية بالأطفال الصّغار، وما زلتُ أحفظ الكثير من القصائد التي نُظمت لهم في كتب المراحل الدراسية الأولى. ولكن، لم أفكّر في أن أكتب لهم قبل أن يصدر كتاب لي عن أناشيدهم. وفي الواقع، كان أخونا الأستاذ "براء الشّامي" على موعد مع إعداد كتاب شعريّ عن الأطفال، وقد حضّر له رسومًا وعناوين معيّنة، ولكنْ لأمرٍ ما تعذّر عليه ذلك، فطلب إليّ أن أفكّر في خوض هذه التجربة، وقد وقع هذا الطّلب منّي موقعَ القبول والاستحسان؛ إلا أنّني لم أشرع بالعمل إلّا بعد أن قرأتُ عن هذا الأدب في بعض الدّراسات الخاصّة بأدب الطفولة، وحاولت أن أستفيدَ ممّا قرأتُ من خلال تبسيط الكلمات، وطَرْق المواضيع الجاذبة للطّفل والمُنطوية على قيَم نبيلة ومُثُل عُليا (كالصداقة وبرّ الوالدين واحترام المدرّسين والاهتمام باللغة ... إلخ) واختيار الأوزان المجزوءة والخفيفة والعناية بالرّسوم والألوان الزاهية. وقد لاقى العمل بعد صدوره استحسانًا ومؤازرة، وأُجريَتْ على الكتاب دراسة ماجستير في جامعة جزائريّة أيضًا، وهناك اليوم من اختاره لدراسة ثانية.

 

*س10* وأنت تمتلك (دار الإرشاد للنشر والتوزيع. حمص) إحدى أقدم دور النَّشر في سوريَّا، فرصة نادرة للقاء ناشر للحديث حول صناعة الكتاب العربي، والصِّراع بين الكتاب الورقيِّ والإلكترونيِّ. فما هو قولكَ في هذا الموضوع المفصليِّ المهمِّ؟.

 

تصحيحًا للمعلومة، مالك دار الإرشاد الأستاذ عبد الجبّار الجندلي - رحمه الله – وأبناؤه من بعده؛ وهي من أعرق دور النشر وأقدمها في حمص. ولكن، تربطني بالدار صداقة قديمة، وهذا ما دفعني إلى نشر كثير من كتبي فيها.

أمّا بالنسبة لقضية النشر الورقي والنشر الإلكتروني، فهي قضيّة الساعة؛ وما زلتُ أشجّع على وجود عدد من نسخ الكتب الورقية عندَ صدورها؛ غير أنّ مواكبة العصر الراهن تستوجب التركيزَ على النشر الإلكتروني الذي يضمن سرعة الانتشار والوصول، مع ضمان حقوق المؤلّف والناشر بالأسلوب المناسب مستفيدينَ من التقانة الراهنة. وبالنسبة لي، عملتُ على نشر كتبي، الأدبية وغير الأدبية، التي أمتلك حقوقَها كاملة مجّانًا وبشكل متتابع على المواقع الإلكترونية كي تصل إلى أكبر عدد من المهتمّين، وسأبقى على ذلك – إن شاء الله – ما لم يمنعني أو يحبسني حابس.

 

*س11* وأنت أحد أبناء الوطن "سوريا" الجريحة، ولأكثر من عقد والحرب الطَّاحنة، تتنازعها الطّائفيَّة، والإثْنيَّات القوميَّة والعرقيَّة والدِّينيَّة والحركات المُتطرِّفة المُؤدلجة على مختلف انتماءاتها. ما هي رؤيتكَ، ليتكَ تُحدِّثنا؟.

 

ممّا لاشكّ فيه أنّ المآل الذي وصلت إليه الأمور في سوريّة ترك جرحًا عميقًا في قلب كلّ سوريّ، بل وفي قلب كلّ إنسان حرٍّ وشريف. كان المرجوّ في بداية الأحداث أن تتحقّق بعض المطالب البريئة التي ترتقي بالوطن أكثر فأكثر، لكنّ الأمور سارت بعد ذلك في طريق لا نُحسَد عليه، وخلّفت آلاف الضحايا والمشردّين والنازحين والأرامل والأيتام، فضلًا عن الدمار الكبير الذي لحق بمدننا وقرانا. وقد ولغَ الكثيرون في الدم السّوريّ، وتاجروا فيه تحت مسمّيات عدّة غريبة كلّ الغرابة عن الهدف المنشود الذي سعى إليه الناس.

 

*س12* مُستقبل سوريا موضوع يهمُّ كلَّ السُّوريِّين، كيف ترى مُستقبل سوريا؟ وما هي أمنيتكَ؟.

 

قد لا يستطيع أحد أن يتنبّأ - على وجه اليقين - بما سيكون عليه قادمُ الأيّام السّوريّة. ولكنّ الأمل كلّ الأمل أن تعود سورية إلى أهلها وأحبابها، وألّا يبقى في أرضنا غريب حاقد أو دّعِيٌّ مبغِض، وأن نرى بأمّ أعيننا "عمودَ النور" وقد حطّ رحاله في الشام من جديد.

 

***

بطاقة تعريفية للدكتور حسَّان أحمد قمحية:

 

· مَواليد الجمهورية العربية السوريَّة، مدينة حمص، 1968 م.

· شَهادة الدِّراسَة الثانوية سنة 1986 م.

· شهادَة الدكتوراه فـي الطب البشري بجامعة دمشق (الطبّ العام) سنة 1992 م.

· إقامة للاختصاص فـي الطبِّ الباطني من 1993-1997 م.

· دراسات فـي الصحّة العامّة 1994-1995 (خلال فترة اختصاص الباطنة).

· طَبيبُ طوارئ مع جمعية الهلال الأحمر السعودي من 2000 حتى 2006 م.

· مُشْرِفٌ ومدرِّب فـي برنامج الإسعاف الـمتقدِّم التابع للهلال الأحمر بمنطقة المدينة المنوَّرة، ومُشْرِف على دبلوم الإسعاف والطوارئ بمعهد السباعي الأهلي بالـمدينة الـمنوَّرة خلال فترة العمل مع جمعية الهلال الأحمر السُّعودي.

· مُتَرجِمٌ ومحرِّر طبِّي عن بُعْد ومؤلّف كتب طبّية فـي مركز تَعْريب العُلوم الصحية (أكمل) التابع للجامعَة العربية فـي دولة الكويت منذ سنة 1999 م حتّى 2011 م، ومن 2020 حتّى الآن.

· مديرٌ طبِّي للهِلالِ الأحمر السعودي بمنطقة الـمدينة الـمنوَّرة، ومدير للدِّراسات منذ سنة 2002 وحتى 2006 م.

· كبير الـمحرِّرين الطبِّيين وعضو مجلس الإدارة فـي موسوعة الملك عبد الله العربية للمحتوى الصحِّي بجامعة الـملك سعود للعلوم الصحّية فـي الشؤون الصحية بالحرس الوطني، منذ سنة 2011 م وحتَّى تاريخه.

· يتَعاون مع الـمكتب الإقليمي لشرق الـمتوسط بمنظَّمة الصحَّة العالمية منذ سنة 1997 م، وعضوٌ مؤسِّس فـي شبكةِ تعريب العلوم الصحِّية التابعة له؛ وقد شارك مع فريقٍ من الـمنظَّمة فـي إنجاز مشروع الـمعجم الطبِّي الـموحَّد الـمَشْروح الذي يضمُّ أكثرَ من 130 ألف مُصْطَلح بعدَّة لغات وبوسائط متعدِّدَة.

· أصْدر عددًا من الكتب الطبِّية ترجمةً وتأليفًا والأدبيّة، وقد بَلغَت حتَّى حينه أكثر من تِسْعين كتابًا، مع الحصول على جَوائز عَربيَّة مشتركة، مثل جائزة مؤسَّسة الكويت للتقدُّم العلمي عن كتاب هاربر - الكيمياء الحيويَّة كأفضل كتاب مترجم فـي العلوم لسنة 2000 م، وعن كتاب الأسس الباثولوجية للأمراض سنة 2011 م. وآخر كتاب صدر له فـي الـمجال الطبّي هو «دور الوقت فـي الصحَّة والـمرض» عن دار الإرشاد بحمص، 2021 م. ومن بعض تلك الكتب (مترجمة أو مؤلَّفة):

- الـموسوعة الطبِّية الـميسَّرة (4 أجزاء)، دمشق، 1995-1997 م.

- الفيزيولوجيا الطبِّية والفيزيولوجيا الـمرضيَّة (3 أجزاء)، دمشق، 1997-1998 م.

- طبّ العناية الـمشدَّدة (جُزْآن)، دمشق، 1997.

- أطلس أمراض الجلد، دمشق، 2002 م.

- كتاب القلب، الدار العربية للعلوم - بيروت، 2003 م.

- دليل الـمسعف (مشترك)، الهلال الأحمر السعودي، الرياض، 2005 م.

- بروتوكول العمل الإسعافـي (مشترك)، الهلال الأحمر السعودي، الرياض، 2005 م.

- ثورة إطالة الأعمار، الدار العربية للعلوم - بيروت، 2006 م.

- أسوأ السيناريُوهات، الدار العربية للعلوم - بيروت، 2008 م.

- معجزة الجنين، الدار العربية للعلوم - بيروت، 2012 م.

- يوم من الحياة في جسمك، الدار العربية للعلوم - بيروت، 2011.

- الحمل فـي القرن الواحد والعشرين، الدار العربية للعلوم - بيروت، 2013 م.

- السلامة والصحّة الـمهنيّة، الـمركز العربـي لتأليف وترجمة العلوم الصحّية، الجامعة العربيّة، الكويت، 2022 م.

- الالتهابات، الـمركز العربـي لتأليف وترجمة العلوم الصحّية، الجامعة العربيّة، الكويت، 2022 م.

· نَشْرَ العَديد من الـمقالات الطبِّية والأدبيّة، مثل مجلَّة الـموسوعة العربيّة ومجلَّة جمعية مكافحة السلِّ والأمراض التنفُّسية بدمشق ومجلَّة الإسعاف فـي الهلال الأحمر السُّعودي وعدد من الـمجلّات الأخرى والـمواقع الإلكترونية.

· فـي الـمجال الأدبـي والاجتماعي والترجمة (مع ملاحظة أنّ بعضَ هذه الكتب أُعدّت سابقًا قبلَ تاريخ صُدورها ببضع سنوات):

- دراسات فـي الأدب الـمهجري:

± ديوان الشَّاعِر الـمَهْجري حُسْني غُراب - أَناشيد الحَياة (تَقْديم وضَبْط)، حمص، 2019 م.

± الشَّاعِر الـمَهْجري حُسْني غُراب - حياتُه وشعرُه، حمص، 2018 م.

± ديوان الشَّاعِر الـمَهْجري نَصْر سَمْعان (تَقْديم واستِدْراك وضَبْط)، حمص، 2020 م.

± عَتبات النصّ فـي ديوان الشَّاعِر الـمَهْجري نَصْر سمعان، حمص، 2019 م.

± ديوان الشَّاعِر الـمَهْجري بَدْري فَرْكوح - تَقْديم وجَمْع وضَبْط، حمص، 2020 م..

± ديوان الشَّاعِر الـمَهْجري نَدْرة حَدَّاد - أَوْراق الخَريف وقَصائِد أخرى (تَقْديم واستِدْراك وضَبْط)، حمص، 2020 م.

± ديوان الشاعرة الـمَهْجريَّة سَلْوى سلامَة (تَقْديم وجَمْع وضَبْط)، حمص، 2020 م.

± الأديبة والشاعرة الـمَهْجريَّة سَلْوى سَلامَة - حياتُها وأدبها، حمص، 2020 م.

± ديوان الشاعر الـمهجريّ بِتْرو الطرابلسي (تَقْديم وجَمْع وضَبْط)، حمص، 2020 م.

± ديوان الشاعر الـمَهْجريّ صَبْري أَنْدريا (تَقْديم وجَمْع وضَبْط)، حمص، 2020 م.

± ديوان الشَّاعِر الـمَهْجري مِيشيل مَغْربـي - أَمْواج وصُخُور (تَقْديم واستِدْراك وضَبْط)، حمص، 2021 م.

± ديوان الشَّاعِر الـمَهْجري جميل حلوة (تَقْديم وجَمْع وضَبْط)، حمص، 2021 م.

± ديوان الشَّاعِر الـمَهْجري نسيب عريضة - الأَرْواح الحائرة وقصائد أخرى (تَقْديم واستِدْراك وضَبْط)، حمص، 2021 م.

± ديوان الشَّاعِر الـمَهْجري نبيه سلامة - أَوْتار القلوب وقصائد أخرى (تَقْديم واستِدْراك وضَبْط)،  حمص، 2021 م.

± ديوان الشَّاعِر الـمَهْجري موسى الحدّاد، اللاذقية، 2021 م.

± ديوان الشَّاعِر الـمَهْجري يوسف صارمي، اللاذقية، 2021 م.

± أدباء وشعراء مَهْجريون منسيّون، اللاذقية، 2022 م.

± ديوان الأديب الـمَهْجري عبد الـمسيح حدّاد، اللاذقية، 2022 م.

± ديوان الشاعر الـمَهْجري علي محمّد عيسى، اللاذقية، 2022 م.

± د. عبد اللطيف اليونس حياتُه وأدبه، اللاذقية، 2022 م.

± ديوان الشاعر الـمَهْجري توفيق فخر، اللاذقية، 2022 م.

± ديوان الشاعر الـمَهْجري محمود صارمي، اللاذقية، 2022 م.

- دواوين شعرية وكتب أخرى:

± أَبْلغ من الصَّمْت (مَجْموعة شِعْريَّة)، القاهرة، 2016 م.

± براعم النُّخبة للأطفال (مَجْموعة شِعْريَّة)، القاهرة، 2017 م،

± جرعة حزن (مَجْموعة شِعْريَّة)، القاهرة، 2018 م،

± مرايا الليل (مَجْموعة شِعْريَّة)، إسطنبول، 2019 م.

± وعاد القمر (مَجْموعة شِعْريَّة)، إسطنبول، 2020 م.

± نِثار الغريب، إسطنبول، 2022 م.

± الأقرع بن معاذ القشـيري، ما تبقّى مـن شـعره، الطبعة الأولى، حـمص، 2020 م.

± الفيسبوك تحت الـمجهر، القاهرة، 2017 م.

± مَعالِـم فـي الترجمة الطبِّية - محاولة لوضع القواعد والأسس، حمص، 2019 م.

± الترجمة الطبِّية التطبيقية الـمركز العربـي لتأليف وترجمة العلوم الصحّية، الجامعة العربيّة، الكويت، 2022 م.