الأحد، 17 نوفمبر 2019

إصاءة على رواية ايام الخبز

إضاءة
على رواية (أيّام الخبز)
للروائيّ مطر محمود مطر (طوالبة)

بقلم الروائيّ – محمد فتحي المقداد


الواقعيّة الاجتماعية من أكثر المناهج ارتباطًا بالعمل السّرديّ بصفةٍ خاصّة، ويرجع السّبب إلى أنّ الفنّ القصصيّ يُعدّ أقرب الأشكال الأدبيّة إلى الواقع، ورواية (أيّام الخبز - للروائي مطر محمود مطر) تُصنّف ضمن هذه المدرسة الواقعيّة في الأدب.
بداية تعتبر الرواية موضوع هذه العُجالة وثيقة تأريخيّة وشاهدة على مرحلة من حياة الأردنيين، وألقت الضوء على الحراك المجتمعيّ في قضيّة متشابهة مع كلّ المجتمعات الإنسانيّة ذات النّهج الديمقراطيّ، والمصاعب الاقتصاديّة تستدعي الاستدانة من المؤسّسات الدوليّة، وعلى رأسها البنك الدوليّ عندما تُصبح ديونه عصًا يُسلّطها على الدول مُتّخذًا منه حجّة وسببًا  لانتهاك سيادة الدّول وإذلال الشعوب، والتلاعب بمقدّراتهم وصولًا إلى رغيف الخبز معضلة العالم.

***

وعنوان الرواية هو العتبة المُفضية إلى مسالكها وزواياها المُضاءَة والمُعتمة، ولعلّ فيه أكثر من إشارة موحية، بالترّحم على أيّام زمان. مثلًا عندما اتّخذ المرحوم (وصفي التل) قراره بزراعة القمح في محاولة الاكتفاء الذاتيّ، والاستغناء عن استيراده؛ لتحرير القرار السياسيّ من ضغوطات الخارج، وقصته الشّهيرة مع السفير الأمريكي أوائل الستينيّات من القرن الماضي، حينما اتّهم الشّعب الأردني بالكسل، الأمر استفزّ الرّئيس وصفي التل، فقام بجولة على أنحاء المملكة ابتدأها من مدينة (معان)، والتقى هناك وجهائها قائلًا لهم: "آين كوايركم*؟ أريد أن أراها، فزار عدّة بيوت ليجد أن الكواير فارغة، فخاطبهم: "لا أريدها فارغة بعد الموسم القادم".
*(الكواير جمع كوارة وهي حيّز كبير على شكل مستطيل متوازي الأضلاع مصنوع من الطين والتبن لتخزين الحبوب فيه، تُعبّأ فيه من الأعلى وعند الحاجة لها تؤخذ من فتحة في أسفل الحيّز).
واستعادت الرواية من مقولات المرحوم (وصفي التل) في هذا الخصوص، على لسان (أبو العبد) الرّاوي الموازي للكاتب:
"يجب أن يكون غذاؤنا من زرعنا، من أجل أن يكون قرارُنا بأيدينا"، و "الذي لا يأكل من فأسه، لا ينطق من رأسه". وهي مقولات خالدة مُتجدّدة استلهمها الكاتب بذكائه وتطبيقها من جديد على الواقع.
 يدخل الصراع  من أجل الوطن وعلى الوطن، ليكون الشّعار العام لمحور العمل الروائي (أيام الخبز).
أ‌- وهو المُبرٍر الأخلاقي الذي جعل الحركات والأحزاب تشتغل على تأجيج المشاعر، وانضمام الكثير من الناس إلى التجمّعات والاعتصامات، فمن نظرة لواقع الأحزاب العربيّة عمومًا أنها دمّرت الأوطان في سبيل الوصول إلى الحكم والتمسّك به إن كانت تحكم، وصولًا بها إلى الدكتاتوريّة ونتائجها الوخيمة. وهي على خلاف الأحزاب في العالم الديمقراطيّ التي عملت على بناء وازدهار أوطانها، بينما هنا كانت معاول هدم وتدمير.
ب – في المقابل يأتي مبرّر الخوف على الوطن من الأنظمة واتّخاذ الوسائل الكفيلة بالمحافظة على استتباب الأمن، ومحاولة أي خروج على القانون، ومعاقبة أصحابها، وهنا أتوقف عند الوسطيّة السياسيّة في الأردن، حينما يقول الروائي مطر محمود في ص 82 على لسان (أبي العبد)  البطل الثاني في روايته (أيام الخبز) : "هذا البلد غير دمويّ، ولم يُسجّل عليه أيّ حالة إعدام لمعارضيه، أو تنكيل بهم وبعائلاتهم".
فهذا ما أتاح للأردن أن يكون دوحة للحريّات الشخصيّة مقارنة مع محيطه العربيّ، وهو ما سمح للأحزاب والحركات السياسية على مختلف انتماءاتها أن تتجمّع وتتظاهر وتهتف ضدّ الحكومة، وإفساح المجال للرأي الآخر ليقول كلمته ويعلو صوته ضمن هامش واسع للحريّات العامّة، وظهور مؤسّسات المجتمع المدنيّ، وهذه سابقة عربيّة تُسجّل للأردنّ.

***

فضاءات المكان كانت واضحة تمامًا، ابتداء من العالم فالوطن العربي فدُوَل الجوار العربي للأردن، ثمّ إربد وتفصيلاتها اعتبارًا من البيت والدّكان والمكتب الهندسيّ والشارع والدوّار والمركز الأمنيّ والأحياء والحارات والقرية.
مما أتاح مساحة للروائي لينسج خيوط الرواية على مهلٍ لانضاج الحدث، وليتّخذ لنفسه مكانًا خارج الرواية، وكآنه جلس في بُرج سكنيّ عالٍ، مما أتاح له رؤية واضحة تمامّا، والتقط صورة للمشهد بِبُعدٍ ثلاثيّ.
واتّخذ كذلك مسافة فاصلة عن الحدث وأدواته، وكان ديمقراطيًّا مع أبطاله فيما يقولون من آراء مختلفة متناقضة في حواريّات جميلة السّبك، بتطبيق حريّة الرأي والرأي الآخر بدون تشنّج وعصبيّة وضجيج، كما هو الحال عند المُتحزّبين تعصّبًا لرأيهم، ويُحسب للروائيّ أنه كان على مسافة واحدة من كافّة التيّارات والأحزاب، فلم يُصدر حكمه عليها أو ناصر طرفًا على حساب الآخر، سوى أن الممارسات هي التي حَكت ذلك بهدوء تامّ.
وشخصية  أبي العبد البطل الموازي للروائي، فهو موظف سابق كان في سلك التربية والتعليم، وهو مُطّلع عليمٌ على بواطن الأمور، حاضر الذهنيّة باستعادة الماضي القريب وأحيانًا البعيد، وإعادة تدويره ليكون مُنطلقًا صالحًا وهاديًا للحاضر والمستقبل.
وهل هناك من حكمة باستلهام شخصيّة الملك حسين ووصفي التل رحمهما الله؟. باعتقادي أن إجماع عموم النّاس على حبّهما، لما أحدثا من تغيير إيجابيّ في حياتهم، ولارتباط ذكرهما في فترة تاريخيّة حرجة استدعت منهما قرارات جريئة انسحب أثرها على حياة الفرد والجماعة في الأردن على الأخصّ.
وأعتقدُ كذلك أن الشخصية المُوازية كانت عظيمة الأثر أكثر من الشخصيّة الرئيسية (حسن)، فهي التي قالت كلّ شيء بوعيٍ حقيقيّ لا غبار عليه، وهو بشكلٍ حقيقيّ كان مُنحازًا للحراك السلميّ مُستهديًا بالتاريخ حينًا، وبمعارفه وثقافته بمهارة بإخبار أصدقائه وزبائنه بما يدور، وكلّ ذلك من خلف السّتارة، وهذا ما يعيدنا إلى إشكاليّة المثقّف والسّلطة كما نظّر لها عالم الاجتماع الحديث (إدوارد سعيد).

***

رواية (أيام الخبز) متماهية مع رواية (خبز وشاي – للروائي أحمد فراس الطراونة)، بكونهما من نفس المدرسة الواقعيّة، بجرأتهما على الدخول في حقل ألغام شائك استفادتا من هامش الحريّات العامّة في المملكة، بتصوير الواقع، وقول ما أراد وما اعتقد الكاتبان.
أيّام الخبز طافحة بالجمل المفتاحيّة بدلالتها الفكرية، ومن الفائدة إيراد نماذج منها على سبيل المثال لا الحصر:
- (إن الناس في هذا البلد يركضون من أجل لقمة الخبز، ولم أدر أنّ للرّكض من أجل الخبز ألوانًا وأشكالًا) ص26
- (الخبز ليس أرغفة تُباع وتُشترى، ويلتهما الناس بشراهة، إنه شيء يشبه الخوف المزروع في فطرة الإنسان، إنه أفيون الوجود) ص27
- (نحن الذين نحبّ الوطن ببلاش) ص34
- (أحبلناها وحتمًا ستلِد) ص65
- (كلّ الحقائق تغيّرت لمّا كبرنا، وبقينا أوفياء لا نتغيرّ) ص232
- (وطنٌ لا نحميه، لا نستحقّ العيش فيه) ص233
- (إن لم يكن ما تريد، فلتُرِد ما يكون) ص239
- (الانسحاب لا يعني أننا لا نستطيع المواجهة، ولكن الانسحاب أحيانًا بعني أنه لا أحد يستحقّ أن تستمرّ لأجله) ص243
- (الخبز صار لدينا عبارة عن عمل واستثمار لا أكثر، أما عمليًّا فإننا نأكله) ص245
- (الذي يحبّ وطنه يحبّه رغم العيوب، بل يحبّ العيوب أيضًا) ص 245
- (لا خبز بدون نار) ص247

***

بعد انتهائي من قراءة الرواية، والتأمّل في رسالتها التي وصلتني على الأقلّ، فقد ذكرتني بمقولة لأحد المفكرين الفيتناميّين:
(إنّ كلّ ثورة يُفجّرها مهووس، ويقودها عاقل، ويقطف ثمارها انتهازي).
وبمقولة أخرى:
(ثوّار الأمس هم رجعيّو اليوم).
ومن ناضل في هذه الرواية بدافع حماسيّ ظاهر رافعًا شعارات برّاقة  تحت غطاء قضيّة الوطن والمواطن، تبيّن في آخر الرواية آنه تاجر مواقف وشعارات لتنفيذ مآرب ومصالح شخصيّة، انطلت حيلتهم على البسطاء الذين ضحّوا بأموالهم وأنفسهم ومستقبلهم.
ميزة الرواية المُجسّدة بالبطل الحقيقيّ (حسن) الذي بذل ضحّى وخسر، ليستفيق مؤخّرًا على هول الصدمة، وينقلب من جديد على مسيرة حراكيّة أتعبته وأنهكته ماديًّا.
بالمقابل البطل الذي صمد على مواقفه بثبات هو البطل الموازي (أبو العيد)، وهو الكاتب الروائي حسب تحليلي لمفاصل الرواية.
ولا يفوتني حرص الكاتب الشّديد بتخوّفه على الوطن من الخراب، وكانت من خلال إشارات لما يحدث من حروب طاحنة في دول الجوار، لأن هناك من استغل وحوّل الحراك السلمي إلى أعمال مسلّحة؛ خرّبت البلاد، و شرّدت العباد.
ومن خلال تتبّعي سرديّات الرواية القصصية، لمحتّ لون القصة. القصيرة والقصيرة جدًا وصولًا إلى الومضة والشذرة، والرواية قادرة على استيعاب كافة الفنون الأدبية. واتّسمت رواية أيام الخبز بواقعيّتها المنحازة للإنسان وحقوقه المشروعة التي يكفلها الدستور، ويؤطرها القانون.
ونزلت الرواية لتنتشل البطولة من القاع الاجتماعيّ، وجعلت من أبطالها النّاس البُسطاء، وركّزت على الفضائل والمكارم من الأخلاق، وتعرية السّوء وأهله بشكل فاضحٍ ومُنفّر من أفعالهم، ورسمت بمهارة ملامح المجتمع الأردنيّ وتقديمه إلى العالم الخارجيّ برؤية حضاريّة.

عمّان – الأردن
7 / 8 / 2019

تساؤل لم أجد له جواباً.. للآن (1)

بقلم / محمد فتحي المقداد


عندما كنت أنا وزملاء الدراسة في الصفّ العاشر العام 1980م، طلب منّا مدرّس التربية القوميّة (الوطنيّة). قراءة وتلخيص كتاب (الجذور التاريخيّة للقوميّة العربيّة تأليف عبدالعزيز الدّوريّ). وكان ذلك بمثابة نشاط نكسب منه علامة مشاركة، وهو ما كنّا نطلق عليه (وظيفة شهريّة). لأن العمل فيها وإنجازها خلال مدّة شهر. أو أسبوعين.
استعرت نسخة من أحدهم استطاع الحصول عليها من شعبة الحزب، عندما وزّعوا الكتاب على الأعضاء العاملين. حيث أن الكتاب طبعته القيادة القطريّة للحزب، وعمّمته على الفروع والشُّعَب في القطر.
فهمت أنّ القوميّة هم من القوم، وجاءت عربيّة لأنها تخص أقوام العرب أجمع أينما كانوا، وفي أيّ زمان عاشوا، تجمعهم وحدة اللغة والدين والتاريخ المشترك والجغرافيا الواحدة، ووحدة المصير، وهم مطالبون بتحقيق الوحدة العربية التي لا مناص ولا بدّ منها، لتكوين دولة واحدة وقيادة واحدة، فتصبح قوّة سياسية واقتصادية واجتماعيّة فاعلة في الكون، يُحسَبُ لها الحساب. والعربيّ أخا العربيّ يساعده ويسانده مهما كانت الظروف ضد أيّ تهديد خارجيّ أو داخليّ.
توقف بي قطار الدهشة هنا، في محطّة كانت الأخيرة لي، ولم أخرج منها بتفكير يرضي قناعتي التي تشّربتها في صغري، خاصّة عندما قامت الحرب الإيرانيّة العراقيّة في العام 1980م. ووقوف الجمهوريّة العربيّة السوريّة مع جمهوريّة إيران الإسلاميّة.
النقطة المهمّة أن سوريّة عربية، يحكمها الحزب ذا التوجّهات القوميّة، تصطفّ إلى جانب قوميّة فارسيّة. كما أنّ سوريّة ذات النهج العلماني الذي يصف الدين بالرجعيّة، تتآلف مع نظام إيرانيّ بصبغة دينيّة.
الموقف الآخر: اصطفاف سوريّة مع الأمريكان، عندما أرسلت الجنود السوريّين إلى صحراء حفر الباطن في المملكة العربية السعودية. لمحاربة العراق وإخراجه من الكويت.
المثقّفون ذوو التوجّهات القوميّة لم أعلم ولم أقرأ لهم تبريرًا  لمعضلتي التي أربكتني على مدى سنوات، أحدثت فجوة واسعة في تفكيري.

عمّان – الأردن
6/ 2 / 2019
================



مازال الجواب ينقصني(2)
بقلم/ محمد فتحي المقداد

أذكر حينما كنت طالبًا في الصف السّابع 1977، أن كتاب التربية الوطنيّة كان يحتوي من دروس لكل القضايا العربية والقومية، فالقضية الفلسطينية هي القضية العربيّة المركزية، إضافة لقضايا سورية لواء إسكندرون السليب، وهضبة الجولان،  وعلى نفس النسق فضية عربستان الأهواز وأرتيريا لا تقل أهمية عن قضيّتيْ سورية.
** «بعد قيام الثورة الخميني الإيرانيّة العام 1979، وبعد فترة قصيرة قامت وزارة التربية بحذف قضية عربستان من كتاب التربية الوطنية».
** «بعد الخلاف الذي حصل بين سورية وتركيا1998، حشدت تركيا جيوشها على حدودها وهددت بالحرب، بعد فترة وجيزة فوجئنا وعلى شاشة التلفزيون السوريّ، عند عرض خارطة سورية أثناء النشرة الجوية التي تتبع مباشرة نشرات الأخبار، بأن خارطة سورية فيها شيء ناقص، بأن الحدود المعروفة تبدأ من وسط خليج إسكندرون، بينما الخارطة بعد التعديل لاحظت أن نقاط الحدود بجانب اسم اللاذقية مباشرة».
للآن لم أجد له تفسيرًا ، وحيرتي قاتلة  وهي تنهش قلبي..!!
=======
للتأمل كي لا تذبل ذاكرتنا..
بقلم / الروائي محمد فتحي المقداد

#تأبى الخيانة أن تموت بموت صاحبها.. شقينا بك حيًّا وميتًا.
#شكرا لك ترامب على نكش ذاكرتنا من جديد..
#من يذكر (وديعة رابين) 1991، حينما اصطفت سورية مع التحالف الدولي لتحرير الكويت.. كان الوعد والتفاهم السرّي بإعادة الجولان. والواسطة كان (باتريك سيل) الباحث والمؤرخ البريطاني، الشاهد على الوثيقة التي ظهرت نكث التحالف الدولي بتعهده حسب الوثيقة.
#كان المقبور في العام 1967 وزيرا للدفاع.. وأصدر أوامره للجيش السوري بالانسحاب الكيفي من خطوط الجبهة الأمامية والتراجع للوراء.. تركوا الأسلحة.. غنمتها إسرائيل كامل هضبة الجولان بدون مقاومة..
#للعلم أنه ظهرت نبوءة شيوخ طائفته: (ظهور الأعوران على ضفاف نهر اليرموك).. وأحد هؤلاء الأعوران كان وزير الدفاع اليهودي (موشيه دايان)..
##التساؤل البريء: هل احتلال اليهود للجولان جاء بمحض المصادفة؟##.
##وهل وقوف العالم أجمع ضد الشعب السوري المطالب بحريته.. أيضا محض الصدفة؟..##
====+=+
ما بين البدء والانتهاء مسافة جديرة بأن تكون وليدة البدء، حاملة مقوّمات الحياة بكافّة صراعاتها المْفضية إلى تمدّد الأقوى بأدواته، و انتفاخ عضلاته؛ فتكون قبضته قوية كفاية للإمساك بالعصا..، و التلويح بها للتخويف، فيأتي الإقصاء و التغيّيب و النفي نتيجة حتميّة للتزاحم على ترسيخ النّفوذ، ومن قطعوا له تذكرة ذهاب بلا عودة؛ فهو مستقرّ في مثواه الأخير هناك.
من يحمل العصا يروم الاستحواذ على السّاحة له وحده، ويضيق ذرعًا ممن هم فيها، أو على أطرافها، فيجهد بلا كللٍ و لامللٍ بإفراغها، ومن ثمّ إعادة تشكيلها بالطريقة المناسبة لطموحاته، ومنافسته الشديدة على كسب الجغرافيا، و مجادلته للتّاريخ في محاولته تطويعه للتورّم الزّاهي في عينيه، ليكون هو التاريخ بعينه، يكتبه على صخب طبول أمجاده.

(محمد فتحي المقداد)
==========




لو لم يقولوا غيرها لكفاهم:
_____------_______

#الشاعر عمر أبو ريشة:
 (رب وامعتصماه انطلقت ملء أفواه الصبايا اليُتّم.. لامست أسماعهم لكنها لم تلامس نخوة المعتصم).

#الشاعر فخري البارودي:
(بلاد العُرب أوطاني من الشام لبغدان.. ومن نجد إلى يمن.. إلى مصر فتطوان).

#الشاعر أبو القاسم الشابي:
(إذا الشعب يومًا أراد الحياة.. فلا بد أن يستجيب القدر).
=====.
كأني بأحزاني أرتّبها على مَهَلٍ** في ليل، في نهار أتعابي

أصفو حينًا؛ فتدركُني أحايينا** يذوي هديل النُّسيْمات في أسرابي

ما ضرّها لو توارت عنّي بعيدًا**
لأَسْلوها ساعةً مع أترابي

#محاولة متهورة#
محمد فتحي المقداد
=====.
أتعبني التطواف بين السنين، أنزلت أحمالي أمام بوابة مكتوب عليها (بوابة التاريخ).
طرقتُها، كلّت يداي، أرهقني طول الانتظار.
داهمني النّعاس، فغططتُ في عميق النوم كأهل الكهف. استفقتُ.. وجدتُني في صحراء مقفرة، من جديدة أبحثُ عن البوابة بلا جدوى، حارت بي الدرب.
تلمّستُ الشمعة (التي قالوا) أستنير بضوئها، لطرد ظلمة النفق أثناء متابعة المسير.

                        الروائي والأديب محمد فتحي المقداد
=======.

شهادة إبداعية عن الكاتبة آلاء الشعرات

شهادة إبداعية
قُدّمت للأديبة الواعدة آلاء حسن الشعرات — حفل توقيع كتابها رسائل وتين. في منتدى البيت العربي الثقافي. – عمّان:  28/1/2019


كل إبداع أدبيّ هو محطة للقارئ مثلي.. أتوقّف عنده طويلًا مُتفيئًا ظلال روح الكاتب المُتدلّية كقطوف دانية من روحي.. متاهة تأخذني بعيدًا في مسافات زمنيّة استحوذت على حياة الكاتب، آكلة وقته.. حارقة لدواخله اعتبارًا من ولادة الفكرة في مخاضها العسير إلى صارت في صفحات كتاب رسائل وتين.. للأديبة آلاء الشعرات.
** أرسلت وتين إلي نبض رسالتها الأولى: «كم هو شهيٌّ هذا الصباح. وحكايا المطر تناقضٌ مبعثر.. بك يا نبضُ.. أراكَ وأسمعكَ، وأحملكَ جنينًا في أحشائي.
شكرًا لك أستاذي..!!. أنتَ مطلع الفرحة، وأنا نهايتها. أنا صغيرتُك معك. فلا تختلّ جاذبيّة قمري إلّا لعينيْكَ.. أنتَ ميلادي الأوّل، سرجُكَ العالي تلمسُه أناملي، فيهوي ما تبقّى من رماد الكبرياء.
فصل الشتاء نقطة ضعف العشّاق.. ففي حبّكَ أكون عنيفة لا أقبلُ التّراجع، أراكَ طوق النجاة، الذي أهربُ إليه. غريقةٌ أنا يا نبضُ، لم أعُد أعلمُ كيف النّجاة؟.
تعالَ نُسابقُ الرّيح المتأزّمة ونُركدها أرضًا تحت أقدامنا.
عزيزي: أعيشُ بين تراكيب ذاكرتي، وأنتَ حاضرٌ في تلافيفها، علّمتَني كيف أروّضُ كلماتي لتنساب حروفي بين السّطور. صوتُك الدّافئ يحملُني نحو كوكب بعيد أجهلُ اسمه، لأنه لم يُكتَشف بعد».
** بعدما اسْتمعَ نبض بقلبه لها، وقرأ رسالتها مُحلّقًا في فضائها الروحيّ، أجابها: «أنتِ ساحرةٌ يا وتين».
** من جديد كتبت وتين إليه: «أنا لا أبالي يا سيّدي..!!. فأين المشاعر التي دفنّاها سويّة تحت شجرة الدُّر. تلك السّنون لم تكن جديرة على اكتسائي ثوب النّسيان».
** فردّ نبض عليها: «لم تكتمل قصّتنا بعد، ماردُ الصّباح يُسقط العقلانيّة لينتصر القلب، عندما تنضجين بعد طفولتَكِ البريئة ستكونينَ أعظم حُبّ، فهل تتغيّرُ المرأة بعد سنّ الثلاثين؟. لا تكوني إمّعة تريد الهروب من واقعها.. ستصمدين أمام معتركات تواجهينها، نحن كلّ يا أيتها النّساء. وأنتن تولدن من جديد كشعاع الأمل في فجر كل صباح».
** اختتمت وتين برسالتها له: «هل تساءلتَ يومًا أمام نفسك؟. فأنا علياء في جمالي أعاند انحناء الظهر لك. فتتراقص أنوثتي على وتر الشّقاء. أرفض لعبة الاحتكار، فقلبي خطّ أحمر.. احذر الاقتراب، لا تقُل عنّي مغرورة.. تواضعي بعيدٌ عن الكِبر والغرور، يجعلني أسلكُ منابر الرقيّ والتّسامي. سأبتسم ابتسامتي الشهيّة لحياني، وأمضي نحو حلمي.. وسأكون أنا ..أنا». 

وبعد ذلك صمتَتِ الشّفاه ونطقتِ العيون. (رسائل وتين) حملت تفاسير الكلام. لا تفتأ تُعلن للملأ شرح الحالة المُثلى للإنسانية، عندما ترتقي بأحاسيسها ومشاعرها رِفعة، بعيدًا عن الهبوط إلى قذارات الحضيض، لتُنافس الملائكة بفضائلها الروحانيّة. وتتسامى على حمأة الجسد المحمومة برغباتها وشهواتها الهائجة.
جاءت مجموعة الخواطر ممزوجة بروح قصصيّة، لتحاكي واقعًا مُدجّجًا بقسوة العواطف المتكلّسة المنبثقة عن نفوس مريضة. ارتضت مغادرة إنسانيّتها بتوحّش تنهش بضراوة القلوب والأرواح تحت مُسمّيات اختزلت الحياة ضمن دائرة ضيّقة من المصالح الآنيّة.
الأديبة آلاء الشعرات استطاعت تسجيل خواطرها وقصصها على شكل رسائل متبادلة بين قطبي الحياة (المرأة والرجل)، لتُسمع صرختها للعالم أجمع وبجرأة الحق، وهي تنظر بعين خبيرة إلى التشوّهات المجتمعيّة، تروم إزاحة الغيار والصدأ والطحالب عن النفوس، من خلال مؤلفها البكر (رسائل وتين)، الذي شكّلت منه نسقًا صادقا واضحًا في مسارات الأدب النسائيّ العربي.
الفطرة السليمة تنتج عقلًا سليمًا يتوخّى الخير والجمال، وإبراز محاسنه من بين رًكام الإنسانيّة المُحتَضَرة على مذبح الظلم والتظالم، وهذا ما ناقشته وعالجته آلاء الشّعرات في رسائل وتين.

عمّان – الأردن
28 / 1 / 2019
محمد فتحي المقداد
قاص و روائي

إضاءة على لوحة (النجمة)

إضاءة على لوحة (النجمة)
للفنان التشكيلي عماد المقداد

بقلم الروائي – محمد فتحي المقداد

للألوان واستخداماتها فلسفتها الخاصّة عند معظم الفنّانين التشيكليّين، لتشكيل ثقافة بصريّة لدى المتلقّي، ولإحداث صدمتة الدّاهشة من النظرة الأولى، آخِذةً به إلى عوالم بعيدة عن الواقع ساحرة بأفكارها؛ في محاولة لجرّه إلى رحاب اللّوحة؛ ليكون جزءًا من نسيجها وبُنيتها، وهي تكتسب شرعيّتها وألقها من فرط إعجابه، فتتكرّس في ذهنه بأنّها باهرة خالدة.
وعند عماد المقداد يتخّذ اللّون البنّي وتدرّجاته الترابيّة رؤية عميقة لبدء الخلق ونهايتهم، فمن أديم هذه الأرض نبتت هذه الأجساد، وإليها تعود لتفنى ملامحها الماديّة وهي تتّحلّل وتتفسّخ لتعود ترابًا وفق ترتيباته ذرّات صغيرة لا تكاد بعضها تُرى بالعين المجرّدة.
فكانت لوحة (النّجمة) مُتدرّجة بألوانها تقاربًا ما بين البُنيّ العديدة والأسود والأبيض. يتجلى الكون هنا بليله ونهاره، وهما يتعاقبان على أرضه العامرة بالإنسان ضمن نواميس أزليّة لا تحيد عن مُهمّتها التي خُلقت من أجلها لاستدامة الحياة عليها.
وتشكيلات خطوطها الأبرز هي: دائرة تتوسّط أعلى اللّوحة وفيها يتجلّى وجه كالقمر في ليلة بدره, لون العينان الأزرق بصغر حجم العين فقد احتلّ مساحة أزرق الكون أجمع (السماء و البحر)، وكأن الفنّان يرسم تشابيه علم البديع باللّون؛ فلم يكن للسماء والبحر وجود في اللوحة، بل استعاض عنهما بلون العينيّن.. ونُقاط بلا حروف كمرتكزات بنائيّة لفكرة الهجائية باحتوائها العلوم كافّة.. يا لها من ذاكرة مُستوطنة دواخل الفنّان عماد في لا وعيه..!!
والدائرة تشي في الأذن بأنها قرص الشمس، والقمر، بل الأشمل والأوضح بأنّها الكرة الأرضيّة تسبح في مداراتها الأشكال الهندسيّة المربّعات والمستطيلات والمثلثات وخطوط مستقيمة ومتوازية، وهناك أشكال موميائيّة متحجّرة على ذاتها، كأنّها مهمومة بوجودها القسري على وجه التراب أو تحته، والحاجة الأوضح هي ما يتّضح في أماكن من اللّوحة على أنّها خلايا النحل المعروف بجديّته في الحياة ضمن تجمّعات تكوينيّة دالّة على الجد والأمل والتفاؤل. وهي صفات الروائية عنان محروس المتأرجحة بين الجد والبساطة في حياتها.
فضاءات اللوحة كثيرة ربّما وصل للمتأمّل مثلي بعض ما أرادت أن يصل لي، وخفي عن إدراكي لما استعصى فيما وراء فكرتها، أدركتُ بعضًا من فضاء، وضاعت منّي عقدت فضاءات.
ملاحظة : (لوحة النجمة قدمها الفنان عماد المقداد للروائيّة عنان محروس في حفل إشهار روايتها خُلق إنسانًا في مركز الحسن الثقافي في مدينة عمّان ــا 30/3/ 2019)

بين أدب المهجر.. واللجوء

بين أدب المهجر.. واللجوء

بقلم – محمد فتحي المقداد
#الأديب المهاجر بإرادته. ابتغاء حاجاته المعاشية يكون خياره هو.
* أدب المهجر نشأ من حالة تجمع العديد من الأدباء في بلاد هجرتهم.. وكانت نتاجاتهم مليئة بالحنين والأشواق لأوطانهم. وهم على أمل بالعودة يوما ما. بعدما تتحسن أن ظروفهم المعاشية.
* وهناك أدباء ومثقفون هجرتهم كانت قسرية بسبب آرائهم ومعتقداتهم.  أغلبيتهم حصلوا على لجوء سياسي أو إنساني. مثلهم مثل من فرّ من الحروب والتهجير القسري.. هؤلاء آنتجوا نوعًا جديدً يمكن آن نطلق عليه أدب اللجوء.. باختلافه عن أدب المهجر في كثير من جوانبه، رغم احتوائه على العديد من أغراض الأدب المهجريّ.
مع هذا التشارك والتشابه بين الأدبين في أشياء. فيكون أدب اللجوء أوسع كثيرا بمعطياته ومخرجاته.
* ملامح أدب اللجوء بدأت تتبلور وتتخذ أشكالا عديدة، لتأسيس مصطلح أدب اللجوء.
وبالعودة إلى المعجم اللغوي يتبيّن بجلاء حقيقة ما ذهبتُ إليه:
* تعريف اللاجئ: لاجئون اسم فاعل من لجَأَ إلى هاربٌ من بَلَدِه إلى بلدٍ آخر فرارًا من اضطهاد سياسيّ أو ظلم أو حرب أو مجاعة
واللاّجِئُ : مَن لاذ بغير وطنه فِرارًا من اضطهاد أَو حرب أَو مجاعة.
والمَلاجِئُ هي الملاذات الآمنة. هي الأماكن التي يقصدها أيّ لاجئ في الكون. طلبًا للأمان وممارسة الحياة باطمئنان بعيدًا عن الخوف من القتل أو الاعتقال وتقييد حرياته الشخصية.
المَلْجَأُ: اسم مكان من لجَأَ إلى: مَعْقل، حِصْن، مَلاذ؛ مكانٌ يُحْتَمى به.
المَلْجَأُ : مكانٌ يأْوِي إليه العَجَزَةُ ونحوُهُم، ترعاهُ الدولة أو تُقِيمه المؤسساتُ الاجتماعية والجمع: مَلاجئُ.
بينما المهاجر من كلمة هجر للشيء آو الشخص هجرًا وهجرانًا: تركه وأعرض عنه.

18/6/2019

أدب اللجوء والذاكرة المصورة في شاهد على العتمة ل محمد فتحي المقداد

أدب اللجوء والذاكرة المصورة في  شاهد على العتمة ل محمد فتحي المقداد  -

بقلم محمد طكو


تمهيد العنوان : عنوان الكتاب ( شاهد على العتمة ) ولو أخذنا مفردة ( شاهد) فنقول أن الشاهد يكون شاهداً على خير ( بيع ، زواج ، شراء ...) أو شاهد على مصيبة ( موت ، جريمة قتل أو سرقة ،..... ) ولكن المقداد أتبعها بكلمة العتمة والعتمة هنا تعطي في لغة التمثيل أو التصوير الظلام والظلام لا يكون في فرح أو خير . ولعل القارئ  سيدرك ذلك من خلال ما سيقرأ . غير أن الشاهد كان يرى فيما يرى ( حسب قول المقداد ) والله أعلم .
ولو ولجنا إلى النصوص :
تعريف ومفهوم :
اللاجئ هو الشخص الذي يهرب من بلده إلى بلد آخر خوفًا على حياته ، أو خوفا من السجن أو التعذيب ، وبتعدد أسباب اللجوء تتشكل أنواع اللجوء الحرب، الإرهاب والفقر.
واللاجئ لديه مجتمعه الذي يعيش فيه و يختلف  بمكوناته عن مجتمع المواطن  العادي . حيث تعتبر  أهمها الذاكرة البعيدة القريبة ، وما حمل معه من الوطن ( من أغراض ومفاتيح ،،، ) والمخيم ( بكل ما يمكن أن يقدمه له أو يحرمه منه وكل ما فيه) ، مفوضية الأمم المتحدة وما تفعله ، بلد اللجوء ، الحلم والأمل.
إن كانت هذه مكونات مجتمع اللاجئ فهل نجح المقداد في تصويرها أو الإدلاء بها من خلال شاهده ؟!
بالعودة إلى الذاكرة وذاكرة اللاجئ هي التي لا تتركه لنومه وحتى وإن نام زارته فأعادته إلى ماضيه ومن خلال نصوص المقداد نلمس وندرك أن الذاكرة والحنين إلى الوطن لعبا كثيراً وصوراً مشاهد عديدة في سلسلة أحلامه .
والذاكرة تكون كلها مبكية بعيداً عن الوطن بالرغم من اختلاف أدواتها أو مواقفها .
كأن يقول ( رأى فيما يرى النائم خيراً ، صديقاً له وه يتحدث عن دعاء الدبابات ، فقال لقد سمعت شيخاً يدعو في الركعة الأخيرة من صلاة المغرب في أول يوم دخلت فيه الدبابات قريتهم : اللهم إنا نشكو إليك هذه الدبابات التي لم تطلق طلقة واحدة على إسرائيل ، فإنها تطلق علينا وقد آذتنا ، فهدمت بيوتنا وقتلت نساءنا وأطفالنا ، اللهم أفشل رميها وعطل آلتها ، واجعلها برداً وسلاماً .....اللهم آمين )
هذه القصة هنا أو هذا الحلم يوحي بحجم الحزن والأسى أيام كان الشاهد في الوطن ( قبل لجوئه ) وهذه كانت مصيبة عامة ، فبمجرد أن تحمل هذه الذاكرة المشهد فستبقى تكرره ولن يغيب عنها ولو طال زمن اللجوء.  قسوة المشهد من جميع النواحي فالدبابات يقابلها الدعاء فقط ، لكنها لم تآبه به بل دمرت وقتلت ووو . وهو مشهد لا يمكن للاجئ نسيانه .
في الحلم التالي تماماً في نفس الصفحة يقول ( رأى فيما يرى النائم خيراً، أن أول دقيقة صمت على أول شهيد في الثورة السورية قد دخلت موسوعة جينيس للأرقام القياسية ، حيث اعتبرت الأطول ..... )
وهنا تلقي ذاكرة الشاهد أو شهادته في جعبتنا المشاهد الأولى للثورة السورية وأول الشهداء الذين سقطوا في سورية كما أنه يصور لنا العالم رجلاً يقف صامتاً وقد خذل الشعب السوري .
ثم لتأتي شهادة بالغة ودقيقة الوصف بتصوير متقن لحظة دخول عناصر الأمن إلى بيت أحدهم والعبث بما فيه أمام أعين من فيه من أم وأطفال ومن ثم جره واعتقاله في سيارة الأمن المعروفة : ( رأى فيما يرى النائم خيراً ............ فتحت الأبواب ... دخل الزائرون ....
تلوح عليهم صرامة الموقف وفوهات مصوبة صوب الصدر المسكين .. ارفع يديك .. تفتيش الخزائن ... أين تخبئ أدوات إجرامك ؟!
خائن .. عميل.. جاسوس إسرائيلي .. ......
دموع الأم الزوجة الأطفال شقت سكون الفجر كأنها نداء غير مسموع .... يتلقى الأمر ... أنزل يديك ... وراء ظهرك .... يضعون القيد في معصميه ... عصابة سوداء تلتف على رأسه ... تختفي عيناه .. يساق إلى سيارة البيجو 504 ... يحشر في الصندوق الخلفي ويغلق الباب ... ويغيب في الغياهب .)
تصوير المشهد بهذه البساطة والبراعة جاء من ذاكرة لا يمكن أن يغيب عنها هذه الذاكرة رسمت أنواعاً من الظلم والذل الذي كان يعيشه اللاجئ ، وهذه الصور من ذاكرة السوريين أو من ذاكرة أي شعب يعيش تحت بطش الدكتاتوريات والأنظمة القمعية .
والحديث يطول أيضاً عن الذاكرة المليئة جداً بما تحمله مما مرّ بها . وحتى أن الذاكرة كانت تذهب بعيداً في عمق الوجدان العربي والموروث الثقافي ليصل إلى أبطال العرب ورموزهم أمثال عنترة وصلاح الدين وكأن الشاهد يبحث في المجتمع عن شبيه بهم في محاولة منه لبث روح التحرر في نفسه أولاً وفي من يقرأ أو يسمع شهادة الشاهد ثانياً .
وبالعودة إلى المكونات نجد المخيم الحاضر بقوة أيضاً . والشاهد هنا أرّخ للحظات ومشاهد حقيقية حدثت بالفعل في مخيم الزعتري ليكون بذلك شاهد صدقٍ فعندما يروي عن الحريق في مخيم الزعتري ويقارنه في الحرائق التي كانت تزهق الأرواح في وطنه الأم ، وكيف فرّ طالباً الأمان ليشهد الحريق في مخيمه .
( رأى فيما يرى النائم خيراً أن حرائق وطن قد ألقت بظلالها على الحياة التي هجرته إلى مخيمات اللجوء خارج حدود الوطن ، طلباً للأمان ...... طالبين النجاة بأرواحهم التي حرقتها نار التدفئة التي يعاقرونها ليشعروا بدفء أجسادهم المنهكة ، والتي احترقت ثانية داخل الخيمة ، المأوى التي أصبحت الحلم )
وفي الجهة الأخرى والعالم يحتفل برأس السنة والرياح اقتلعت الخيام وأغرقت أرض المخيم لينام الأطفال على الطين وقد اصطكت أسنانهم برداً . حتى أن اللاجئ في المخيم صوّر مشهد عبور الطائرة فوق المخيم ليظهر خوف الطفل إلا أنه برر له بأن لا أحد يقصف مكاناً للأمم المتحدة .
(رأى فيما يرى النائم خيراً أن الخيم في مخيم الزعتري تطير في السماء ن بفعل الرياح الشديدة، المصحوبة بالأمطار والثلوج بينما سكانها يغرقون في طين ومستنقعات المخيم )
ثم تأتي مشاكل المفوضية ومعاناة اللاجئ في كثير من الأحداث ، أول شيء تحويل اللاجئ إلى رقم وكأنه يقارنه بالمعتقلات في وطنه ومن ثم طوابير المعونة والازدحام الشديد والمكوث لساعات طويلة ، وايضاً الحالات المرضية التي تتطلب عناية فائقة في حلم وشهادة أخرى .
(رأى فيما يرى النائم خيراً أن طفلاً يلعب بجانب الخيمة في مخيم الزعتري فوجئ بمرور طائرة عابرة فوق المخيم . فقال لوالده : يا بابا هل تستطيع هذه الطائرة قصفنا ؟
- لا يا أبي
- ولماذا ؟!
- لا يستطيع أحد في العالم أن يعتدي علينا أبداً ، خوفاً من حرفين هما UN   باللون الأزرق مطبوعين على سطح الخيمة .
استغرب الصبي كلام أبيه لأنه لم يفهم الكثير من المعنى ، وتابع اللعب دون اكتراث .)
المقداد برع جداً في تصوير ملامح المخيم بشكل كبير ليؤرخ لمرحلة مهمة جداً في رحلة اللجوء قبل أن يغادر المخيم كما كثيرون أمثاله ليبدأ رحلة جديدة في اللجوء بعيداً عن وطنه ويبدأ يؤرخ ما قد يراه ويعانيه ويصور أحداثاً من الوطن الذي لجأ إليه .
(رأى فيما يرى النائم خيراً أن نسمات الهواء اللذيذة على القلب خارج أسواء مخيم الزعتري تختلف مئة وثمانين درجة عن النسمات داخل المخيم )
وهنا يعطي الإشارة الواضحة بالدخول إلى عالم جديد خارج أسوار المخيم بعيداً عن كل ما لاقاه وقد حمّل في شهاداته العديدة العالم كله وبالأخص المفوضية والدول العربية مأساة السوريين في وطنهم وفي المخيمات .
غير أن هناك سمة حقيقية للشاهد وردت في شهادات عديدة وهي عروبته انتماؤه لوطنه الكبير وولاؤه للقضية الأولى (فلسطين ) وكأنه يقول بملء الفم بالرغم مما يجري كله فإن قضيتنا الأولى فلسطين أو أن البوصلة الحقيقية فلسطينية وبحلها تحل قضايانا كلها .
}رأى فيما يرى النائم خيراً ، أن المسجد الأقصى قد انهار ووقعت صخرته في الأنفاق المحفورة تحته وهو ينادي ويصيح : ( وا إسلاماه ) وما من مجيب .. ( وا عرباه ) والعرب قد باعوا آذانهم بثمن بخس . {
والأمل لا بد منه أمل بالعودة فاللاجئ مهما طال به الأمد لا بد أن يعود إلى وطنه
(رأى فيما يرى النائم خيراً ، أن رنين الأجراس التي قرعت في عيد الميلاد لازال يسمع صداه، ويتمنى ألا يزول حتى تقرع أجراس العودة لأرض الوطن ، لإنهاء مرحلة سوداء في حياته عندما أصبح لاجئاً إلى جوار وطنه )
وهنا ما يكن مقارنته بالعنوان ( مرحلة سوداء ، شاهد على العتمة )
لنكون بذلك قد وصلنا إلى ما أراد قوله المقداد من خلال شاهده فحياة اللاجئة سوداء أو عاتمة المهم أنها لا تحمل إلا الأسى في كل ما فيها.
والمقداد قد صوّر ببراعة فائقة حياة اللاجئ ولعله بذلك قد وضع أولى لبنات أدب اللجوء السوري خلال هذه المرحلة المهمة جداً .
فعندما تصدر الأمم المتحدة إحصاءً بأن عدد اللاجئين السوريين تجاوز ستة ملايين في عام 2015  ( خارج سوريا ) يجعل من الضروري جداً وجود أدب خاص بهم أدبٍ يصوّر كل مرحلة وكل مشهد من مشاهد حياتهم قبل الخروج من الوطن وبعده .
ولعل محمد المقداد وفق إلى درجة عالية في توثيق شيء من هذه المرحلة وفترة مهمة من فتراتها ليترك الباب مفتوحاً على مصراعيه .
وهذا الكتاب ( شاهدٌ على العتمة ) لا يملّ القارئ قراءته مطلقاً .
والله أعلم
محمد طكو

تقديم الشاعر محمد الحراكي لكتاب بتوقيت بُصرى


 ( من أيّ ضياء يستقي ثقافته ) الروائي محمد فتحي المقداد
بقلم - الشاعر محمد الحراكي


الثقافة هي الوجه  اللاماديّ للحضارة، وكلّ ما يُصوّر تجارب الإنسان (من الشكل- إلى الصورة  -الشعر -  النثر-  النغمة - القصّة -  الرواية ..)   والأصحّ أنّ  كلّ تعبير  أيًّا كان  شكله  ونمطه  ونوعه، وكلّ ما من شأنه ان يأخذ  القارئ إلى  مساحات التذوّق، والفاعليّة، والإدراك.

حين  نتوقّف عند الأديب والروائيّ (محمد فتحي المقداد) وأعماله الأدبية المطبوعة والمخطوطة؛ فقد تخطّت العشرين كتابًا. نتساءل بدهشة عن هذا الكاتب الروائي المُتعدّد المواهب من اي ضياء  ينهل.  وبأيّ مداد يخط كلماته، ويرسم جمالها، أمن علاقته مع الطبيعة؟. الام الحنون التي ولدنا منها.  والتي هي في الوقت نفسه.  عدّو لدود يُهدّد حياتنا إذا ما جرت الصّراعات على نهب مواردها، واستعباد إنسانها...وهي نادرا ما تقدم الخير جاهزا. ولابد من السعي والتعب في معرفة دقائق أمورها بجدّ ونشاط.

--أم إنّ ( محمد فتحي المقداد ) ينهل من الطبيعة الانسانية التي صبغت موضوعاته وتعابيره  الفنية بمسحتها،  وتداخلت  مع عوامل التأثير الأخرى، كالتراث التاريخي  والتراث  الشعبي هذا الارث الكبير الذي حضي به، خاصّة  أنه  رأت عيناه النّور في العام 1964ولد عند صخب التّاريخ وعبق الحضارة، بحوار الرّاهب بحيرا، ومبرك النّاقة في (بصرى الشام) وعيناه تتأمّلان سرير ابنة ملك بصرى وخياله يتتبع خطوات وخيال الأميرة المقيمة هناك. المدينة الرّابضة في جنوب سوريّة من سهول حوران الشمّاء.
---أم استقى ثقافته من العلاقة بين الجنسين لتمتدّ ثقافته إلى نصفيْ البشريّة. حيث تداخلت مع ينبوع الطبيعة الإنسانيّة باعتبار أن كليهما  يتضمن  الغريزة للتمكن والبقاء.

---أم نهل ثقافته من تلك الصراعات الاجتماعية، والطبقيّة التي تسود مجتمعاتنا، ومن هنا اشتقّ منبع ثقافة مؤثّرة لمواضيعه في روايته الشهيرة (الطريق الى الزعتري) وسابقتها رواية (دوّامة الأوغاد)، وما ترافق من استبداد الطبقات الحاكمة، وقد أرّخ لهذه الفترة الزمنيّة الحاضرة في أغلب رواياته ومقالاته وكتبه، من العصبيّات القوميةّ والطائفيّة والعنصريّة. وما إلى ذلك من الصراعات بين مختلف أطياف المجتمع. موضحا ازدياد نصيب العنصر الطبقي في هذا الخليط من الصراعات الاجتماعية المنبثقة عن علاقات  الاستغلال والاضطهاد على كلّ المستويات.

مؤكّد أن  الكاتب الروائي( محمد فتحي مقداد ) نهلَ من كل هذه الينابيع، التي شكلت ثقافته  العالية، والعالمية من مقاومة للطبيعة،  والاستفادة منها في التعاون مع أبناء الطبيعة نفسها، حتى  في تعامله مع طبيعته الداخليّة، والعلاقة الازدواجية بين الجنسين ، وتلك الطبقات  الاجتماعية،  ولن استطيع الإحاطة بالكثير عن هذا الروائي الكبير.
---ولكني  أسجل  شهادتي  بما  أراه ُ وألمسهُ  وأشهدهُ  عن هذا  الأديب الروائي المتواضع المعطاء الذي يعيش حياته  بين الأهل والاصدقاء دون تكلّف، وما يُكنُّ له الأصدقاء من محبة. وكلّ من يلتقي به من احترام ومحبة وتقدير.

يناير 25, 2019

إضاءة على ديوان كلمات مبتورة للشاعر محمد صوالحة

إضاءة على ديوان (كلمات مبتورة) للشاعر محمد صوالحة
قدمت في حفل إشهاره في المكتبة الوطنية ٢٦/١١/٢٠١٩

الروائي- محمد فتحي المقداد

فكما  يُقال: (الجُنونُ فنون), لكن فهل الجنون بحاجة إلى إثبات؟ والأنكى أنّ المُتّهم به يكتبُ الإثباتَ بيده. لا أدري مقاصده ولم أكشف عن خفايا قلبه ونواياه، وما يدورُ  في خَلدِه، وهل يرومُ إقناعنا فقط؟. ويقول: (يتيمٌ أنا إلّا من بقايا قلمٍ أكلته المبراة).
يتفّق الجنون والإبداع عند محمد صوالحة في كلماته المبتورة، حدّ الاشتباه أيّهما الأسبق، رغم أنّ ما كتبه يغلب ظاهره على أنّه بوحٌ وغزل، لكنّه موجوع بالكلام الخفيّ: (والوجع يا سيّدتي أوّل الرّبيع، وآخر المطر فلسفة الجنون في هواك، وأمارس بهواك كلّ طقوس الجنون) وإذا صحا  من سكرة الإدمان، يُنادي من جديد: (من يُعيد إليّ جنوني).
ففي مؤلّفه البكر (مذّكرات مجنون في مدن مجنونة)، كانت حيرة المُتلقّي في إصراره على مفردة الجنون، وفي الرّبط تتضح الرّؤية بأنّ محمد صوالحة عاقل واعٍ لما يدور في فلكه من فواجع ومآسي الأمّة، ففي كتابه هذا (كلمات مبتورة)، عنوانٌ لافتٌ للنّظر جديرٌ بالتوقّف عنده، فكيف إذا جاءت الكلمات مبتورة وأوصلت المعنى المُراد ورسالتها؟.
بالتوقّف عند قوله: (أمارسُ طقوسَ جنوني؛ فيغيب عنّي وجه الوطن، وأصير غريبًا). وكذلك: (اضْحك لجنونكَ.. ومن جنونكَ، لا تمدُد يدك لتُصافح أو تُصالح، لا تمدُد يدك لتُساوم أو تُصالح، لا تُفقِد الوطن أغنياته.. فتموتُ وأموتُ ويفقد النهر مجراه).
الجنون والوطن، ومن أجل الوطن، وعلى الوطن خوفًا على ضياعه جزءًا جزءًا، يقضمه العدوّ، ليستحيل حُلمًا وأملًا ومآسٍ مُدمّرة للإنسان لا تنتهي إلّا بموته. وهنا لا بدّ من التنويه إلى التناصّ مع نبوءة الشاعر (أمل دُنقل)، في قصيدته الشّهيرة (لا تُصالح).
وللمتبع لعنوانات نصوص الكتاب (كلمات مبتورة) يجدها تتمحور حول الغربة والاغتراب في الوطن وعن الوطن، والجنون، والرحيل، والهلوسات. لنجد (محمد صوالحة). ينادي متسائلًا عن ذاته: (أغفو على جمر غُربتي.. وأنادي أيْنكَ)، وتأتي الإجابة للقارئ: (واقفٌ كمجنون على المفترقات.. أنتظرُ عودتي لروحي الفقيدة).
الوجعُ والأنين، الحلم والأمل، المرأة والوطن، الغربة والاغتراب، الجنون والهلوسة، الحبّ والكراهة، الذات والذات البديلة، الأب والجدّ، الموت والحياة، أنا وأنت، السُّكْرُ والصحو، البسمة والدمعة، الذكرى والنسيان، الكون والإنسان. ثنائيّات وشّت بخيوطها وتشابكاتها نصوص محمد صوالحة، تراوحت ما بين الخاطرة والقصيدة المنثورة وبعضها الموزون، افتقدت الفرح والمرح والسرور، واستولى عليها الهمّ والحزن على الواقع الضّائع بضياع الوطن والإنسان.
ويقول: (أتعبني البحث عن أوّل الطريق يا سيّدي..!! شيخُك أوصدَ أبوابه بوجهي.. نهرَني. قال: أيها المُثخَن والمُعبّأ بالأنين والذكريات.. هناك بعيدًا عنّي.. أثّث ليلك وذاكرتك.. أعِد ترميم روحك.. رتّب يومك).
أخيرًا يعلن: (تعبتُ وتعبتُ، وما شممتُ رائحة الملح الذي أفرزته خلاياي، وكل الجهات تشابهت، وكلّ الطّرق سراب).

عمّان – الأردن
٢٦/١١ / 2019




شهادة إبداعية عن الروائي توفيق جاد

شهادة إبداعية - عن الروائي والقاص توفيق جاد
قدمت في حفل توقيع روايته (بنش مارك) في ملتقى إربد الثقافي بتاريخ ٢٠/١١/٢٠١٩

بقلم- الروائي محمد فتحي المقداد

ليس غريبًا أن تكون الموهبة قدَرًا، تبقى كامنةً كبصيص نارٍ تحت الرّماد زمانًا بانتظار فرصتها المُواتية بالظّهور علنًا جليّة كالشّمس في ضُحاها.
تتملّكني الحيرة عندما يُطلب منّي الكتابة عن صديق. خوفًا من عدم إيفائه تمام حقّه أو جزء منه. ولكن لابدّ من المجازفة.
المشهد يتّسع بمساحة الرؤية الواضحة أمام موهبة أدبية تأخّرت إلى جاءت في موعدها، وأن تصل مُتأخرًا خير من عدم المجيء، وصديقنا المُحتفى به (توفيق أحمد جاد)، لم يتركه اسمه نهبًا لأعنّة الرّياح تأخذه في اتّجاهات شتّى، بل منحه النصيب الأقوى والأسمى من اسمه بمعانيه، فهو مُوفّق، محمودُ الصّفات، جادٌّ باجتهاده ومثابرته اشتغالًا على نفسه.
جاءت تجربته الأولى(الصّرير) تتهادى على مسارات خطوط القصّة القصيرة النّابعة من واقع الحياة المُعاش، بأسلوبها المُبسّط المفهوم بيُسر وسهولة مُبتعدة عن التعقيدات المُرمّزة التي تحتاج لكثير من التأويل والتفسير.
وبعد اجتياز الدرجة الأولى من السُّلّم، لم يتوقف (توفيق جاد) عندها، بل ارتقى درجة أخرى، حاملًا معه روايته الأولى (الغداء الأخير) من وحي الشّتات الفلسطينيّ بتفصيلات وحوادث أصبحت في ذمّة التاريخ، لتنمو الرواية بحدثها السّرديّ مع الجيل الأوّل من أبناء المُهجّرين والنّازحين من ديارهم، من خلال تشابكات الحياة الاجتماعيّة في الأردنّ موطنهم الجديد.
ومزاوجة ما بين تعالقات ومُخرجات ما حدث للشعب الفلسطينيّ. بمقاربات واقعيّة أضفت مصداقيّة في سرد الحدث الروائيّ.
وتابع (توفيق جاد) مُخربشًا خواطره على جدار قلبه، وخلاصة مُصفّاة لتجربته الحياتيّة، جاءت على شكل خواطر ومقولات مُثقلة بحمولات الحكمة والنصيحةِ مُوحيةٍ بوعيه العميق، ودرايته في إدارة مفردات كتابه (خربشات).
ومن صميم عمله على مدار سنوات كمسّاح، ودراسته المساحيّة أيّام شبابه، انتبه لموضوع مهنته؛ لتكون نقطة مرجعيّة رافدة للمشهد الثقافيّ بأبعاده المُتعدّدة، بمنجزه الروائيّ الأنضج تحت عنوان (بنش مارك) وإن كنتُ تمنيّتُ عليه استبدال العنوان باسم عربيّ دالّ على الحدث السرديّ، مثلًا ليكون (حجر مسّاح) أو أي شيء آخر بلسان عربيٍّ مبين.
و(بنش مارك) هو مصطلح مساحيّ عبارة عن نقطة مركزيّة مرجعيّة للمسّاح يرجع إليه،  كلّما احتاج العمل في محيطها وجوارها. وألقى الضوء على معدّات المساحة وأدواتِها ومصطلحاتِها.
كما أجاد بنقل المكان وخصوصيّة من مدينة عمّان إلى صفحات مقروءة. الرواية اجتماعيّة  بمفردات أحداثها ما بين الطموحات والآمال، وما تحقّق منها، ومليئة بالوقائع والأحداث المُكتسية بزمانها ومكانها.
توفيق جاد لم يتوقّف عند حدود نفسه، بل انطلق إلى جواره من خلال العمل التطوّعي العامّ مع منتدى الجياد الثقافي أوّلا،  من ثمّ مع الجمعيّة العربيّة للفكر والثقافة في الرمثا.
من خلال هذين الصّرحيْن مدّ يده للمواهب الشّابّة، بمحاولة دفعها إلى ميدان الثقافة، وأهم إنجازاته كان كتاب (عتبات صغيرة) أشرف عليه طباعة، بعد ان عمل مسابقتان للهواة، وكان له شرف توثيق الحدث وإخراجه للجمهور بكتاب جميل.
تتبدّى لنا قفلة الرؤى كما الأرض، باختتام شهادتي هذه عن صديقٍ وفيٍّ مُثابرٍ مُحبٍّ.
رؤيتي بما عرفتُه، كما السماء الكاشفة لكلّ تفاصيل الجانبِ المضيءِ عند توفيق جاد، ولم تكن ملفّقة هذه المرّة كما شهدتُ سابقًا على العتمة، وهو الذي اهتممتُ به، بعيدًا عن الشخصنة والخصوصيّات.
تحياتي لكم أحبّتي على كرم المتابعة. دام فضلكم

إربد ٢٠١٩/١١/٢٠