الثلاثاء، 2 أبريل 2024

غرزة. كتب رائد العمري

 غرزة


      كثيرا ما نلتقي لنتعاطى، كم نحنُ مدمنون، كلّما مررتُ بالحيِّ الجنوبي لمحافظةِ إربدَ توجَّبَ عليَّ أن أزورَ تلكَ الغرزة، وكذلكَ أمثالي من متعاطي نفسِ العقارِ، بالأمسِ وبعدَ زيارتي للمشفى لصرف علاجي الشهري _ الذي أتجرعهُ بالحكمِ الإجباري لسلامةِ جسدي المتعب_  قرَّتُ أن أنزاحَ نحوَ تلكَ الغرزةِ؛ فروحي  تشتاق لعلاجها الروحي _إصابتي بالجلطةِ الدماغية قبل ما يقارب الثلاثة أشهر خلَّفتني عن زيارة تلك الغرزةِ ولقاء الأحبةِ كما اعتدنا، ولحسنِ حظي وجدتُ صاحِبَ الغرزةِ كما أعرفهُ جيدا مشتاقٌ للقاء، وقد جَهَّزَ لي جرعةً دسمة، كانت مختلفةً أسلوبا ومضمونا ولو احتَوت بعضَ السقطاتِ والألم، عندما وصلتُ جاء بعديَ مباشرةً زميلي الأشقر _ هو متعاطٍ هادئٌ بطرحهِ وبجرَعهِ وعقاقيرهِ الشعرية، لطيفٌ ومحبوب، ويحسنُ الإصغاء، وبعيدٌ كلَّ البعدِ عن الغيرةِ أو الحقدِ أو النميمةِ_  بفرصةُ تواجدهِ تبادلنا عقارينِ في اللغةِ والنقدِ والبلاغةِ والبيانِ من آيِ القرآن، كثيرا ما مدحني صاحبُ الغرزةِ حتَّى أصابتني نشوةُ الإعجابِ الروحيّ في نفسي _أحيانًا يحتاجُ أحدنا جرعةً للتعزيزِ والنشوة_ ثمَّ غادرنا الأشقرُ بهدوء.. وبقيتُ أنا وصاحبي وحدَنا، وعندما شرعتُ مرةً أخرى للمغادرة، إذ بالخضورِ يطلُّ علينا من علوِّ سيارتهِ مبتسمًا _ رجلٌ محبٌّ لهذا النوعِ من العقارات ويداومُ على جلساتِ التعاطي تلك_ وما إن رأيتهُ حتَّى عدتُ للتعاطي برفقتهِ من جديد، وفور جلوسهِ داعبنا ببعضِ الطُرفِ وهاتفَ السعيدين :

_ أينَ أنتَ؟

_ نعم هل وصلتَ قبلي.

_ منذُ دقائقَ وصلتُ وبدأنا جلستنا فلا تتأخر.

_ نعم، خمسُ دقائقَ وأكونُ بينكم.

 وفعلا وصلَ السعيدين _ وجهُهُ الباسمُ يخفي كثيرا من  الخبايا القلبية التي أفهمها ، وعيناهُ تفيضانِ بالشوقِ لغائبة ما،  الآنَ عُدنا للتعاطي من جديد، ، أخبرني صاحبنا المقدادُ بأنّهُ حَوَّل لي جرعةً لجوالي، لأبدأ بنثرها أمامَ الرفاقِ ونتبادلَ تعاطي جرعاتِ النقدِ، كان لحديثنا في هذه الغرزة الثقافية كبيرَ الأثرِ في نفسِ وروحِ كلّّ مِنَّا، حتّى أصابتنا النشوة الحقيقية التي نبتغيها... صديقنا الصمادي كانَ غائبا جسديًا عن جلستنا هذه ولكنَّهُ حاضرٌ كعادته في حديثنا، وقد تخيلتهُ يكتبُ أقصوصة لاذعةً ينتقدُ بها عادة سيئة.. نعم صالون البرج هذا للروائي المقداد  هو غرزتنا التي ننتشي فيها...


القيصر رائد العمري