الثلاثاء، 2 يونيو 2020

إضاءة على مجموعة (همس الشّبابيك – للأديب سمير أحمد الشّريف)

إضاءة على مجموعة

(همس الشّبابيك – للأديب سمير أحمد الشّريف)

 

بقلم الروائي – محمد فتحي المقداد

 

بتاريخ ـــا 25 \ 9\ 2019 التقيتُ بالصديق الأديب سمير الشّريف خلال زيارة له إلى مدينة إربد. وأهداني مجموعته (همس الشّبابيك) بطبعتها الثانية.

وصف (سمير الشّريف) مجموعته بأنّها نصّ سرديّ, والعنوان بكلمتيّه السّاحرتيْن موحٍ بفضاءات من الذكريات والخيالات، وإطلالات الشّبابيك على فضاء خارجيّ، بمغادرة الداخليّ المُغلق على الكثير من الأسرار والخصوصيّات، والإبحار في عوالم جديدة مُتحركّة بتفاعلاتها إيجابًا أو سلبًا.

و(الهمس) الكلام المُغَمغم الخفيّ الذي لا يبين، ومنه صوت مضغ الطّعام وهو الهمس، والهمس ربّما لا يسمعه إلّا صاحبه، أو لأذن تلتصق الشّفاه بها، و(الشّبابيك) هنا جاءت بمعنى النّافذة، ولكن باختلافها عن النوافذ، بأنها نافذة لها شَبَك أو شِباك تغلفها من الخارج كدِرءٍ وحماية من خطر مُحتمل في ساعة غفلة. والحماية (الشِّباك) أعتقد أنّها حدّ من حُريّة النّافذة المُنفتحة.

القارئ لم يُترك لتأويلاته وتخميناته بشأن تحديد هويّة المجموعة، فقد أخبرنا المؤلّف أنّها عبارة عن نصوص سرديّة؛ ففيها تتجلّى الصّنعة الأدبيّة الماهرة برشاقة تنقّلاتها وقفزاتها، ما بين الخاطرة، والقصّة القصيرة، مع ملاحظتي لنَفَسٍ روائيّ يعلو ويهبط، يظهر ويختفي.

بطبيعة أيّ قارئ لا بدّ من تكوين فكرة عمّا بين يديه من مادّة للقراءة, ومسار هذه المادّة اتّجاهها، ومن خلال مطالعتي لمجموعة (همس الشّبابيك) رأيت أنّها طافحة بالمشاعر الإنسانيّة المُتأججة بين ثنايا الصّفحات، وصفحة تلو صفحة، تتبدّى الرمزيّة العالية للإشارات السياسيّة المحيطة وتفاعلاتها، فالأديب (سمير الشّريف) بنظرته الدقيقة لكافّة شؤون الحياة، أثبت أنّه من الصّعوبة بمكان فصل جانب عن بقيّة الجوانب الأخرى< فروابط المجتمع متعالقة مع السياسة والاقتصاد والدّين والعادات والتقاليد.

ومتعة القراءة في مجموعة همس الشبابيك، أحالتني توقّفًا أمام مجموعة من الجمل ذات الدلالات البعيدة، منبئة عن ثقافة الكاتب، وسعة اطّلاعه بشكل عام، ومن ذلك:

-         (هل تمحو الكتابة آثارنا التي تُذكّرنا بذواتنا؟).

-         (لا تجعلنّ التّفكير يأخذك للبعيد، عِش لحظتك).

-         يغسلني رحيق جسدها، وتُعجزني كتابتها).

-         أستحلُّ رحيق اللّغة، وأقطف مذاق تبرعم الأزهار).

-         (وحدي بين الأوراق أعاقر دفء الذكرى)

-         (تغيّروا وقايضوا الشّعارات بالمال والكرامة بالخيانة).

-         (المرء مهما كبُر يظلّ بحاجة لمن يسمع له).

-         (الهزيمة التي لحقت بالعالم العربيّ تبعها صوت جذب، واستقطاب للجماهير بخطب حماسية للقادة).

-         (توقّفت الحنجرة التي ألهبت مشاعر الملايين، وحشدتهم ضد الغرب؛ لتسجيل كارثة وهزيمة). "إشارة لحقبة جمال عبدالنّاصر".

-         (الانغماس في لعبة الجسد؛ يظلّ مُتنّفسًا لإرادة  القوّة فينا).

-         النّساء رومانسيّات واقعيّات، الرّجل يميلُ إلى التّجريد والتعميم والقسوة).

-         (لعبة الجسد قيمة لا واعية، فلماذا نتقبّلها بوعي..!!؟).

-         (الرّكود يُساوي الموت، والانتظار محرقة العُمْر).

-         (خُلقنا لنعيش الحياة رغم مرارتها).

هذه الطّائفة التي وقفت عليها من الاقتباسات للكاتب (سمير الشّريف) من مجموعته (همس الشّبابيك) أثبّتًها هنا للتدليل على ما ذهبت إليه من تحليل لبعض من الأفكار، وفي كلّ قراءة يظهر فهمٌ جديد، لمسألة أو فكرة، وللكتاب مذاهب تأويلات مُتعدّدة الرّؤى، ولكن استقرّى رؤيتي وفهمي لما قرأت وعاينت من (همس الشّبابيك)

 

عمّان – الأردنّ

1\ 6\ 2020


البصارة (قصة قصيرة)

البصّارة

قصة قصيرة

بقلم الروائي – محمد فتحي المقداد
رشاقة حركة يديْها المدروسة في كلّ مرّة تُفرغ فيها خليط الحصى وقطع العظم والوَدَعِ من كيسها القماشيّ الأسود المعقود بقطعة خيط عتيق. 
   وجهها الموشوم بخطوط متشابكة على ذقنها تحت شفتيها الرّقيقتيّن، موحٍ بطمأنينة تولّدت للتوّ، ابتسامتها تفسح المجال لِلِألاء نابها الذهبّي إبهار عينيّ، لتنقلا اكتمال اللّوحة بكامل بهائها للمخّ.
   محاكمةٌ صوريّة مُسبقة الحُكم: "كَذَبَ المُنجّمُون، ولو صدقوا". لم يمنعني من مُقاطعاتها، والإفلات من رجائها المُتوسّل بسماعها، ولو لمرّة واحدة..!!. قُبيل مُغادرتي لقهوتي، قرعت باب البيت المفتوح على مصراعيْه في مثل هذا الوقت من كلّ يوم.
   لذّة لَكْنَتها الغجريّة بطعم قهوتنا العربيّة، عندما ألقت التحيّة.
   هَمَمْتُ بالمغادرة، أجلستني بطلب التمهّل، بعد أن غرزت عينها في فنجاني تركيزًا باحثة عن مجهول. تُدوّره بين أصابعها، وتزمّ شفتيْها؛ لتكميل خارطة خطوط الفنجان الممتّدة إليها مَسحًا. قالت: 
- "بالله عليك امنحني دقيقة واحدة فقط".
اهتزاز رأسي ترافق مع عدم ردّي، الدقائق تنفدُ مُخلّفة وراءها حسرة ضياعها. 
رفعت عينيْها لتشتبكا بنظراتي الزّائغة بنيّة افتراسها. تحفّز داخليّ كأنّما اهتزّت الأرض زلزلةً تحت قدميّ، ارتعاشات لا إراديّة أطاحت بآخر حصون الدّفاع. داهمتني أمنية لو أنّي تسوّرت حصونها للإطاحة بها، وأطبق على شفتيْها في غارة خاطفة.
-"فرسٌ أصيل يسير بسرعة البرق، خلفه غبار كثيف لمسافة طويلة، خيّاله يحثّ السّير بلا استراحة تحدوه الأشواق. أنتَ تقف في بداية طريق ممتّدة من مكان بعيد، ولو قُيّض لك أن تركب الفرس القادم لتتابع به، فربّما تصل مُبكّرًا". قالت كلامها. أتفقّد السّاعة، اطمأننتّ إلى أنّي ما زلتُ ضمن الدقيقة. همَمتُ بالنهوض، بينما نثرت كيسها على بلاط الأرض. 
تابعت: 
-"إذا تطابقت  قراءتي للفنجان، مع الأحجار؛ فأنت من أصحاب السّعد هذا اليوم". 
أدعو الله في سرّي أن يُخيّب مسعاها عندي، وأنا مُقيم على حكم اليقين فيها وبفعلها. رقّ قلبي لرجائها. اعتقدتُ أنّني فاتحة سعدها في الرّزق هذا اليوم، طموحها أن تحصل على إكراميّة العشر ليرات سوريّة. 
يا إلهي كم تتحمّل هذه المرأة المُتشبّثة بالحياة..!!؟ 
وهي تحتال على لقمة العيش، ببيع الأوهام لي ولأمثالي. 
وكيف تُراق كرامتها في أحيان كثيرة على يد الأشقياء!!؟. 
ابتسامتها عريضة مُنبئة عن تطابقات في ذهنها، لا علم لي بما ستقول، ارتسمت بشائر فرِحةٍ على وجهها، تألّقت في عينيّ مُجدّدًا، حاولت إزاحة وجه الجيوكندا من مُخيّلتي، وكدتُ أصرخُ على دافنشي، كيف  خانته فطنته عن هذا الوجه القمريّ المتلألئ نورًا يتغلغل في قلوب مُحيطيه؟.
ابتسامتي طيلة يومي لم تبرحني، على غير العادة تساؤلات الزّملاء والزّميلات تنهال عليّ.    

عمّان – الأردنّ
2\ 6\ 2020