مجتمع الرُّوليت
مظهر
المجتمع الأرستقراطيّ
في رواية المقامر
بقلم
الروائي: محمد فتحي المقداد
مقدمة:
لذّة
قراءة الأدب الرّوسيّ بما يأخذ القارئ في دروب الوصف الدّقيق لأبسط الأشياء، وهو
ما يبتعد عن المباشرة في طروحاته للفكرة والحدث. الوصف عمومًا تأثيث للفكرة
المُجرّدة، وإكساء يضفي البهاء والجمال أيضًا. كما أنّه يعتبر وسيلة إقناع وإغراق
للقارئ في لُجّة النصّ، بحيث يستجيب لتداعيات الكاتب، وبالتالي امتداح النص،
ومناقشة دروبه ومآلاته بكثير من الحماس والانحياز بداية للنص، ومن ثمّ لكاتبه. وهو
ما يساهم في ترسيخ اسم الكاتب في ذاكرة القراء، ممّا يفتح له الساحة لزيادة
الانتشار، والبحث عن كتاباته الروائيّة، ليصبح اسمه في المقدمة ويكتب عنه الآخرون
الأبحاث والدّراسات الأدبيّة والنقديّة.
كان
"ديستويفسكي" ينشر رواياته على شكل حلقات في المجلَّات
السيَّارة. كتب فيما بعد، قائلاً: (ما أكثر ما حدث في حياتي الأدبية، أن بداية
فصل في رواية، أو بداية قصة، تكون قد أرسلت بالفعل إلى آلات الطباعة، بينما البقية
كانت لا تزال في رأسي، ولا يزال عليها أن تكتب في اليوم التالي).
بين
يدي رواية المقامر:
رغم
أنّ رواية "المقامر" كتبها "ديستويفسكي" العام
1866أي بمعنى قد مضى عليها أكثر من ما يزيد على مئة وستّين عامًا. لكنّها ما زالت
طازجة كأنها كتبت في حاضرنا. الرواية ترجمة للعربيَّة "سامي الدُّروبي"
فالعنوان
هو الرواية التي تفسّره بطريقة سرد أحداثها المنتمية إلى المدرسة الواقعية في
الأدب، وتعتبر وثيقة تاريخية أمينة نقلت إلينا طبائع وعادات وتقاليد المجتمع
البرجوازي في تلك الفترة الغابرة.
للقارئ
الباحث والهاوي، فإنّ رواية "المقامر" فسّرت وشرحت دقائق الحياة
الداخليّة التي يعيشها المجتمع البرجوازي المتنوع ما بين الجنرال والكونت والباشا،
وطبيعة البروتوكول الذي يحكم علاقاتهم الاجتماعية، والتراتُبات في المكانة
والمنصب.
بالطبع
هذه الفئة الأرستقراطيَّة والبرجوازيَّة جزء بسيط من مجتمعاتها ذات الأكثريَّة
بمستواها الأقرب للفقر والبؤس. طبقة العامَّة تتضادُّ بأفكارها، ومعطيات الحياة
اليوميَّة مع طبقة الأسياد المتمتعة بالمناصب والوظائف العامة.
تدور
أحداث الرواية حول أستاذ روسي مثقف ليس ميسور الحال اقتصادياً, يقع في حب امرأة
أرستقراطية لا تعيره أي اهتمام, بل إنها تحتقره حسب رأيه وهمسته المذكورة في
القصة، تهينه بشكل يثير قلق القارئ من صحة أو واقعية القصة, تدور القصة في فرنسا,
بالنسبة للقمار والمقامرة فان الأستاذ يؤمن في داخله باستطاعته كسب الكثير من
المال إن حاول لعب القمار في الكازينو. وتصف القصة حال المقامرين في الكازينو
ويشرح لعبة الكازينو ونفسية الناس المقامرين هناك.
(إن
فكرة تأليف رواية «المقامر، قد خطرت لدوستويفسكي سنة 1863، أثناء رحلته إلى الخارج
مع باولين سوسلوفا، فبينما كان "دوستويفسكي" في طريقه إلى باريس للحاق
بحبيبته التي تلبث بمدينة فسبادن الألمانية ليقامر على الروليت. وقد ألهبه هوى هذه
المقامرة، وربح، وظنَّ أنَّه أدرك القواعد التي يجب اتِّباعها لضمان الربح.
وها
هو ذا يكتب إلى فرفارا كونستان، أخت زوجته الأولى، قائلًا «لقد أصبحت أعرف السر
حقاً : إنه سر بسيط غاية البساطة، وهو أن يمتنع المرء من حين إلى حين، دون أن يهتم
أي اهتمام بمراحل اللعب، ودون أن يفلت منه زمام سيطرته على أعصابه) ص5.
مما تقدم في الاقتباس تبين النظرة السريعة على موضوع اللعب وإتقان قواعد
اللعبة التي لها طرقها الخفية ولها أساطينها العُتاة الخبراء الأذكياء أكثر من
غيرهم.
وبفضل
الرّوليت تجاوز "ديستويفكسي" الجدار. جدار المنطق
الذي لطى عنده البطل الموازي للكاتب. إنه ينتقل هنا إلى ميدان المصادفة واللامنطق.
القمار هو التجربة الأولى للحريَّة في العالم الماديِّ، الرُّوليت خُلقت للرُّوس
الشَّرهين المٍتلافين لأموالهم، المسعورة أهواؤهم.
"هنري
تروبا" يقول عن "ديستو
يفسكي": (لقد أتاحت له الرُّوليت أن يعبث بالقدر كما كان القدر يعبث
به"
وفي
الفصل الأخير من الرواية (السابع عشر) تتضح أن الرواية جزء من مذكرات الكاتب
"ديستو يفيسكي"، وجاءت نتيجة تجربة شخصية. كما أنها جزء من سيرة ذاتية
للكاتب.
(منذ
عشرين شهراً لم أنظر في هذه المذكرات؛ ولم يخطر ببالي أن أعيد قراءتها إلا في هذا
اليوم، عسى أن تنسيني قلقي وتخفف من حزني وشجني. لقد وصلت من حديثي السابق إلى
اليوم الذي قصدت فيه هومبورج. رباه! ما كان أشد طيشي وأخف عقلي حين كتبت تلك
الأسطر الأخيرة؛ فإن لم يكن الأمر أمر طيش شديد وعقل خفيف، فلا أقل من أن يوصف
بأنه ثقة بالنفس ، وأمل لا يتزعزع! هل كنت أشك في نفسي أي شك؟ وها قد انقضى على
ذلك الآن ثمانية عشر شهراً، فإذا أنا أعيش في وضع خير منه وضع أي شحاذ متسول في
رأيي! بل أين أنا من أي شحاذ متسول؟ أنا امرؤ ضاع وكفى! إن وضعي لا يمكن أن يشبه
بأي وضع البتة) ص221. وبهذه التجربة فقد كانت دليلًا صادقًا على فعل المقامرة،
وهي تجربة تنفتح بالقارئ على نافذة اجتماعية جديدة غير متاحة للعموم، بل للخصوص من
فئة قليلة من الناس ذات منابت برجوازية واقطاعية تتمتع بالغنى والثراء.
كتب
"فيودر دوستويفسكي" روايته «المقامر»، لأنه كان نفسه مقامراً، ولم يكن
بحاجة لأن يقرأ كثيرًا عن سُلوكيَّات المقامرين، ولا أن يلجأ إلى علم النفس ليتعرف
إلى ما الذي يفعله إدمان المقامرة في صاحبها، وإلى درجة من الدرجات يمكن القول، إن
في هذه الرواية الكثير من السيرة الذاتية للكاتب، ليس فقط في تناوله لشخصية
المقامر، وإنما في عرضه لقصة الحب التي جمعته بامرأة هجر زوجته المريضة من أجلها،
قبل أن تهجره هذه المرأة نفسها.
بعض الجمل المفتاحية في رواية المُقامر:
-
(عادة فإن أهل موسكو دائمًا متى ما حصلوا على. دعوا النَّاس إلى عشاء). ص10
-
(لا بدَّ أن يملك المرء مالًا حتّى يخسره في القمار) ص11.
-
(صعدت أبخرة الخردل إلى أنفي آخر الأمر؛ فقرَّرتُ أن أقارف وقاحة من الوقاحات)ص14
-
(إن من يحترم نفسه لا بدَّ أن يتعرَّض للوقاحات وأن تناله الإهانات) ص14
-
( أوشكتُ أن أبصُق في قهوة أحد كبار الكهنة) ص15
-(قرَّرت
أن أقامر، ولكنني لم أتوقَّع أن أقامر لغيري) ص24
-
( من السُّخف أن يتوقَّع المرء من المقامرة أيَّ شيء) ص25
-
(للأرستقراطيِّ الحقّ أن ينفعل، ولو خسر ثروته كلَّها) ص28
-
(المُراهنة على أرقام: إمَّا مزدوج، وإمَّا مفرد أو على ألوان. ص29
-(إذا
كنتُ لا أستطيعُ أن أقامر للآخرين؛ فلأنَّني واثقٌ من الخسارة) ص31
-
(تدعوه إلى مائدتكَ؛ فما يلبثُ أن يضع فوقها قدمه) ص34
-
(يخسرون كما يخسر النَّاس البُسطاء الذين يلعبون دون أن يُكلِّفوا أنفسهم عناء
الحساب) ص40
-
(على المرء أن يكون أقرب إلى التعقُّل والتبصُّر) ص42
-
(مَلَكَة جمع الأموال رؤوس الأموال قد دخلت خلال التَّاريخ في سجلِّ فضائل
الإنسان) ص43
-الرُّوسيِّ
ليس عاجزًا عن جمع رؤوس الأموال فحسب، بل أيضًا يُبعثر هذه الأموال هنا وهناك. دون
أيِّ إحساس بما يُحسن وما لا يُحسِن) ص43
-
(لا أطيق أولئك الشّرفاء الذين يخشى المرء أن يقترب منهم) ص44
-
(الألمان جميعًا يعملون كأبقار، ويكنزون المال كاليهود) ص45
-
(المثل الأعلى حين تغتبط الضحيَّة نفسها باقتيادها إلى التضحية بها) ص45
-
(ها هما ينتظران متمسِّكين بأهداب الفضيلة والإخلاص، ويمضيان إلى التضحية
مبتسمين)ص45
-
(إن الاستهتار على الطريقة الرُّوسيَّة، أو جني الثراء بالرُّوليت، أحَبُّ إلى
نفسي وآثَرُ في قلبي) ص46
-
(إنسان يغرق يتشبَّثُ بقشَّة، أكان يحسب القشَّة جذع شجرة، لولا أنَّه في طريقه
إلى الغرق؟) ص49
-(لا
يستحي المرء من عبده، ولا يشعر بشيء من غضاضة أمامه) ص51
-(في
وسع المرء في أيِّ ظرف أن يتصرَّف تصرُّفًا يحفظ له كرامته) ص53
-(الكفاح
يرفع قدر الإنسان ولا يخفضه) ص53
-(العبقريِّة
شيء نادر على وجه العموم) ص53
-(يُقارف
السَّفاهات تِلْو السَّفاهات بانتظار أن يُحبَس) ص61
-(لا
يُمكن أن يُعتقَل أحد لفضيحة قبل ارتكابه الفضيحة) ص70
-(إنَّ
الرُّوس يُسرفون في الجُبْن أحيانًا حين يكونون في الخارج) ص70
-(إنَّنا
نعقد صِلات بأناس نكرههم، إذا قادتنا الضَّرورة إلى ذلك) ص85
-
(جميع النِّساء سواء، أكثرهنَّ كبرياء، يُصبحن أحطَّهُنَّ عبوديَّة) ص93
-(إنَّهم
يلتقون هناك في هذه السّاعة, يضبطون المواقيت، ويُراعون الأصول، ويضعون القواعد)
ص79
-(الوقوف
يشغل حيِّزًا أضيق من الحيِّز الذي يشغله الجُلوس) ص 117
-(من
طيرانه يُعرَف الطَّيْر) ص 121
-(لا
يذهب إلى الغابة من يخاف الذِّئب)ص123
-(إنَّ
الله يقتصُّ من المُفترين عاجلًا أن آجلًا) ص175
-(الرُّوس
وحدهم قادرون على أن يجمعوا في أنفسهم كلَّ هذه الأضداد) ص227
-(على
الإذلال إنّما تقوم الصَّداقة أكثر الأحيان) ص227
بهذه الطّائفة من الجمل المفتاحيَّة ذات
الدلالات والإيحاءات القابلة للتفسير والتأويل في فضاءات ذات طابع عامٍّ وشخصيٍّ.
من المفيد الاطِّلاع على هذا الجانب المبثوث في كثير من الأعمال الروائيَّة
عُمومًا.