الاثنين، 3 أبريل 2023

نصوص (ق ق. ج)

مراجعة.. (ق. ق. ج)

بقلم. محمد فتحي المقداد.

‏"خَلوةٌ في مِحْبَرة".

كتبها، وكان يهذي سابحًا في ظلام الغرفة:

-"خَلوةٌ في مَقْبرة".

المُدقّق اللّغوي استغرب انحراف السّياق عن الخطّ العامّ للمقطع الذي يُراجعه. ثبّتها:

-"خلوة في محبرة".

ليُخرج الكاتب بحكمة معقولة. من فوره أزاح السّتائر، وسمح للهواء والضوء بالعبور.


29/3/2023

******

 كتابة 

(ق. ق. ج)


بقلم. محمد فتحي المقداد 



"لَكْتُبْ اسمك يا بلادي.. ع الشّمس إلّلي ما بتغيب"

 وقف على الشّاطئ عند حافّة جُرفٍ عميق. رَجْع صدى صوته يُصدِّعُ السُّكون، إلَّا من أصوات الأمواج  المُرتَطِمة بالصُّخور في الأسفل.

يده  تُلاحق قُرص الشَّمس الذي يتباعد عنه بعنادٍ. 

هَوَى.  اهتزّت قدماه، ولم يُفلح باستعادة توازنه. مازال لسانه يعاند صوت البحر بترداد الأغنية، ويُصِرُّ على كتابتها على طين قاع البحر بخطّ الرُّقعة.

2/4/2023

ساعة متأخرة. قصة قصيرة

ساعة متأخرة.

(قصة قصيرة)

 

بقلم. محمد فتحي المقداد

 

دائم التأخّر منذ أن تجاوزت أمّه عند ولادتها وقتها الذي حدّدته الطّبيبة وفق الذكاء الصّناعيّ للأجهزة المُتقدْمة تقنيًّا.

 لسوء الحظ لم يلحظ تقصير ساعة الحائط تراجعها ساعة بسبب ضعف بطّاريّتها. وصل متأخرًا ساعتين كاملتيْن عن موعد عقد قرانه على الزوجة الثانية بعد الأولى. لم يأبه للاحتجاجات التي جابهوه بها، بكل هدوء، حاول الاعتذار، وشرح أسباب التأخُّر غير المقصود، وإلقاء اللَّوْم على السَّاعة اللَّعينة التي أخَلَّت بالتوقيت. تأجَّلت حفلة العقد؛ لأخذ موعدٍ جديدٍ من المأذون الشرعيِّ، الذي غادر لارتباطه بمواعيد دقيقة، وكتب على غلاف الإضبارة الخارجيِّ بالقلم الأحمر:

-        "تُؤجَّل إلى الشَّهر القادم في مثل هذا اليوم، ويتحمَّل العريس كافّة الرُّسوم الغرامات، والنفقات الإضافيَّة؛ لعدم حضوره في الوقت المُناسب".

وفي اليوم الثاني وصل الجامع لأداء صلاة الجمعة؛ فوجئ بالأبواب المُغلقة. حينها ظنَّ أنَّه جاء مُبكِّرًا؛ رفع يديْه وعينيه إلى السَّماء، وقال بصوت مسموع:

-        "الحمد لله أنَّني وصلتُ قبل الموعد، وسأكونُ أوَّل القادمين. مؤكَّدٌ. هذه المرّة سأنالُ الجائزة الأعظم عند الله".

قيل له من أحدهم:

-        "الصلاة اِنْتهت منذ ساعتين".

عاد يُجرجر أذيال الخيْبة. لسانُه لم يتوقَّف عن شَتْم ساعته تلك، وقرَّر تحطيمها إذا وصل البيت. قادته رغبته بتَسوُّق بعض من الموادِّ للغداء، لكنَّه لم يشتر إلّا عُبوة كُرتونيَّة شفَّافة الوجه، بحجم عُلبة الكبريت تحتوي بطاريَّتين صغيرتيْن بحجم الإصبع فقط.

رنينُ الهاتف النقَّال أجبره للنُّزول عن الكُرسيِّ، وبيده السَّاعة. جاءه صوت أخ خطيبته، وهو وَلِيُّ أمرها بعد وفاة والدهما، والمسؤول عنها:

-        "يا أحمد.. لقد اِتَّخذنا قرارنا الأخير الذي لا رجعة عنه تحت ضغط أيِّ ظرف كان، وبإجماع العائلة، فَسْخ خطوبتكَ، واِعْتبرْ أنَّ نصيبكَ انقطعَ من عندنا".

اِنْقطاعُ المُكالمة الفوريِّ، لم يترك له مجالًا للردِّ أبدًا. السّاعة وقعت من يده، وتناثرت أجزاؤها على كامل بلاط الصّالة. بينما قَذَف زَوْج البطاريّات نحو النّافذة المُطلَّة على حديقة البيت الخارجيَّة بغضبٍ، دخلت موجة هواء باردة؛ أوقفت تعرُّقه المُفاجئ، ورطَّبت الموقف.

تذكّر هذا الزَّمن المديد المُتخَم بالخيبات والمآسي، وهو يُعاين وجهه بنظَّارتها الشمسيَّة السَّوداء، وهما يحتسيان قهوة المساء على الشّاطئ، بينما تمتدُّ يدها مُتجاوزةً نصف الطَّاولة من جانبها إلى جانبه، فأمسكت بيده قبل إمساكها فُنجان قهوته. وقالت:

-        "حبيبي.. رغم تأخّركَ عُمريْن، يبقى أنّكَ جئتَ في موعدكَ".

اِسْتغراقه بتأمُّل ملامح وجهه الذي يراه للمرّة الأولى في حياته بهذا الإشراق، ولم تستطع بل عجزت مرايا الشَّاليه، وغرفة نومه إيضاح ذلك له. ضغط بيده الأُخرى على يدها بقوَّة؛ سالت حرارة التعرُّق بينهما كدموع الفرح. غادرا المكان بهدوء.

 

3/4/2023