الخميس، 24 يونيو 2021

التجنيس الأدبي (4) أخبار اليوم السودانية

 

 

التجنيس الأدبي

بقلم الروائيّ محمد فتحي المقداد

(صحيفة أخبار اليوم السودانية)

(4)

    كلُّ لُغة قويَّة بقُرّائها وكُتَّابها، وذلك بمدى قُدرتهم على تطويعها؛ لمتابعة مُقتضيات التطوُّر المُتسارع على كافَّة مُستويات في واقع الحياة البشريَّة. الكُتَّاب والمُفكِّرون هم الفئة المُهتمَّة المُشتغلة بقضايا اللّغة أيًّا كانت. يمتلكون الوقت الذي نَذرُوه للبحث والتأليف، وهم قِلَّةُ قليلةٌ لا تتعدّى نِسبَة تِعدادِهم السَّبعة بالمئة حسب نظريّة "نابِّليون" في الإعلام.

  هذه الثُّلة يُشار لها بالبنان، يَحوزُون على احترام الغالبيَّة الاجتماعيَّة التي تسمع ما يقولون، ويقرؤون ما يكتبون، وهم حُرَّاس اللُّغة، وقادة الفكر في مُجتمعاتهم، ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعيِّ السَّريعة، وما لها من تأثيرات سريعة وحادَّة، إيجابًا أو سلبًا، وممَّا يُحسب لها في جانبها المضيء، هو نشر الثقافات والمعارف والآداب الإنسانيّةَ، وسهولة تداولها.

   بالعودة إلى ساحات الأدب بجميع أجناسه وموادِّه؛ فقد اِسْتقطبَ أعدادًا لا يُستهانُ بها من الشّريحة المُتعلِّمة، والمُهمَّشة وغيرها، التي لم تَنَلْ حظًّا وافرًا من التعليم الأكاديميِّ والجامعيِّ؛ فوجدت أبواب الأدب مُشرَعةً لها، بكلِّ يُسرٍ وسُهولة.

   وللتعبير المُناسب برؤيتهم عن أنفسهم، وبرغبةٍ جامحةٍ أجَّجَتْها هوامشُ الحُريَّة الشخصيَّة المُتاحَة بين أيديهم؛ فَفَجَّرَت المشاعر والأحاسيس، والمواهب الجادَّة المكبوتة في دواخلهم؛ لِتُنتج موادًّا أدبيَّةً ملموسة، ممَّا شكَّل حالة واقع راهنٍ، تجاوزت النَّخبة، إلى حدِّ الإطاحة بالأبراج العاجيَّة التي هَنْدَسَها البعضُ لنفسه. والنظر من خلالها للمشهديَّة بنرجسيَّة مُفْرِطَة.

  هذا الوضعُ تمخَّض عن ميلاد أدب جديد، يَتَّسم بقِصَر النَّفَس الأدبيِّ؛ فيميلُ للمختصرات المحُبّبة للنُفوس، والتي تنال حظًّا وافرًا بالمُتابعة والقِراءة، بمسافة تبتعد عن الكتابات المُطوّلة المُقتصرة على زبائنها القُرّاء، وحَصْرًا من الهُواة.

   النتيجة عن هكذا وضع: ازدهرت فيه بضاعة السُّوق المُقلَّدة، والتي غالبًا ما تُوصَف بأنّها "صينيّة"، ومما يُقابله في سوق الأدب: القصص القصيرة جدًّا (ق.ق.ج)، والقصّة الشّاعرة، والهايكو بنسخته المُعرّبة، والتوقيع، والومضة، والشّذرة، والنثر على اِخْتلاف أنواعه، والقصيدة السَرديَّة، والسَرديَّة التعبيريَّة، وقضيَّة التَجَمُّل تحت مُسمَّى "الموسيقى الداخليَّة".

   هذه القضايا الأدبيَّة في الحقيقة أنّ عُمُرها قصير، تسير بسرعة مُتسارعة؛ لثبيت نفسها على السَّاحة، لكنَّ تخلُّف النَّقد الأكاديميّ عن مُسايرة هذه الظَّاهرة،  وتقنينها، وتقعيدها؛ زاد من شُقَّة الخلافات التي تشهدها السَّاحة على نِطاقات واسعة.

الأمرُ جَدِيٌّ.. لا يحتمل النَّظر إليه على أنّه ظاهرة زائلة. الحقيقة أنّه واقع فرض نفسه. يستحقُّ النّظر إليه؛ لاستيعابه في المنظومة الأدبيَّة المُتجدَّدة.  

عمّان – الأردن

28\ 6\ 2021

 

 

 


أنصار الأدب (3) أخبار اليوم السودانية

 

أنصار الأدب

بقلم الروائي محمد فتحي المقداد

 

   هناك تشكيكٌ على نطاقات واسعة بقيمة الكتابة الأدبيّة والفكريّة، وجدواها في الظرف الحالي، وقد أصبح العالم قريةً عالميَّةً صغيرة، مع تسارع رِتْمُ الحياة بشكلٍ فظيعٍ غير مُتوقَّع، مع الانتشار الواسع لوسائل التواصل، التي زادت من وتيرة التشابكات التواصليّة على كافّة المُستويات والأصعدة الاجتماعيّة والاقتصاديّة والسياسيّة والفكريّة، وذلك من خلال الدردشات والكتابات الجادَّة والهادفة، وأخرى مُثقلة بأجنداتٍ مختلفة في أهدافها، وكلٌّ يسعى لتحقيق أهدافه.

   فالحركة الأدبيَّةُ مُبشّرة بزخَمٍ إبداعيٍّ بسبب تلاقُح الأفكار، وسهولة تناول وتداول المعلومات على جميع المُستويات، بالطبع هناكَ العالي بمستواه تقنيًّا وأدبيًا بحرفة الأديب الخبير الحاذق، والعادي والمُتوسّط والسيّء.

   علمًا أنَّ السَّاحة تتَّسع للجميع. لكنّ التساؤل المُلحُّ، من الذي سيبقى، ويتقدَّم؟.          

   بلا شكٍّ أنّه الأقوى؛ يترسّخ مع مرور الزمان عليه. من المُلاحظ أنّ الأدب اكتسب أنصارًا جُدُدًا؛ فقد وجد الكثير منهم سُهولة في استخدام الشَّابكة ووسائلها، وعلى الأخصّ الأجيال الذكيّة من الهواتف النّقالة.

فكانت فُرصة لهم للتعبير عن أنفسهم، وعواطفهم، وأفراحهم، وأحزانهم، وجاءت هذه الكتابات على محمل الخواطر والشّعر والنثر والمقالة. بهذا المفهوم يكون الأدب قد اكتسب إلى ساحته أنصارًا مُدافعين ومُنافحين عن كتاباتهم وآرائهم، وهُناك من ضاقت آفاقهم عن الاستماع للرأي المُخالف والرأي الآخر، القائم على مبدأ الحوار والتفهُّم.

لا شكّ أنّنا في عصر ثورة حقيقة؛ فالسنوات العشر الأخيرة تعادل آلاف السنين من عمر البشريّة، وذلك لعمق التأثير في طرق الحياة والتفكير، وإدخال مصطلحات جديدة، من المُتوقّع أنّ السنوات القادمة، ستكشف عن لغة عالميَّة مُتداولة، ومفهومة من جميع سكان الأرض، وهذا الوضع  فتح شهيّة التفكير لدى الكثيرين أيضًا، للتعبير عن أنفسهم بطريقة أدبية، تتساوقُ تسارعًا انتشارًا على بساط أنواعٍ أدبيَّةٍ جديدةْ، كما في: (الــ ق.ق.ج، والومضة، والشذرة، والتوقيع، والقصة الشاعرة، والهايكو). وطرق التعبير الأخرى، وجميعها تحظى بشعبيَّة واسعة، رغم أنّه ما تزال مثار اختلاف بين التيارات المحافظة والتجديديَّة.

كل جديد وافدٍ له زهوةٌ جاذبة للمبادرين الأوائل للصُّعود في رِكَابه، مُقابل اللّاهثين للّحاق بالرّكْب، أمّا المُتمرسون خلْفَ سواتِر أوهامهم بالحفاظ على الأصالة، ولا يقبلون الجديد والتجديد، مُؤكّدٌ بأنّ قطار الأدب لن يتوقّف لينتظرهم في المحطّة طويلًا.

 

عمّان الأردنّ

ــــــا22\ 6\ 2021