#صالون أدبي
بعدَ أن قمتُ بإغلاقِ مكتبي تيَّقنتُ بعدمِ قدرَتي ان أتخلى عن الثقافةِ والأدب، وأن ليسَ شرطًا أن تكونَ الثقافةُ مرهونةً بشهاداتٍ جامعية، أو حتى بمكتبٍ ومنصةٍ ومسرحٍ مرموقٍ، فكلّما ملَأني الشغفُ نحوَ محاورةِ صديقٍ مثقفٍ، أو أن أجتمِعَ ببعضِ أصدقائيَ من المثقفينَ، او أن أتجَرَّعَ شربةً من أدبٍ سائغٌ منبَعهُ، صافٍ أسلوبهُ ومجراهُ ذهبتُ إلى صالونِ فتحي، هو في الحقيقةِ يمتهنُ الحلاقةَ فيقصُ لكَ شعركَ فيُهذِّبهُ ويجملهُ، ويقصُّ عليكَ آخرَ ما قرأهُ من رواياتٍ أو جزءًا مما كَتبَهُ لنتدارَسهُ، فهوَ دائمًا ما يُشعرُني بقدرَتي على التحليلِ الأدبيِّ والنَّقديِّ، ويُجَهِِّزُ لي كعادتهِ فنجانًا من القهوةِ ونصًّا نتداولَ مقاصِدَ كاتبِهِ فنُحَلِّلُهُ ونبحرُ فيهِ، صالونُ فتحي هذا مليءٌ بالكتبِ الأدبيَّةِ التي مرَّت عليهِ، وقاسمَت زبائنهُ والمثقفينَ من روادهِ وقتَهُ، وما إن خلوَنا في جِلسَةٍ أدبيةٍ خاصةٍ لنتصارحَ فيها دونَ مجاملاتٍ في واقعِ الثقافةِ والمثقفينَ، وآخرَ الإصداراتِ وخاصةً المتعلّقةَ بالأصدقاءِ، نضحَكُ ونتسامَرُ في جَديَّةِ النصوصِ من عفويتها، ونتبادلُ الرأيَ، ولأعترفَ وأكونَ أكثرَ صِدقًا في نقليَ للواقعِ فإنَّ جِلستنا هذهِ لم تخلُ من بعضِ النميمةِ الأدبيةِ في بعضِ أصدقائنا المقربينَ الذينَ يعرِفونَ ذلكَ جِدا، فنحنُ نتسامحُ ونتصافَحُ بحبٍّ حقيقيٍّ غيرَ مُصطَنَعٍ إذا التقينا بأحدهم عندَهُ، مباشرةً اليومَ أشارَ لي ببعضِ ما كتَبَهُ مؤخرًا أحدهُم لنتسامرَ فيهِ وبدوري قرأتُ لهُ آخِرَ دراسةٍ نقديةٍ قدمتها لكتابِ لكاتبةٍ اسمها إلهام، وكعادتهِ أثنى عليَّ بهذا النهجِ وشجَّعني في الاسترارِ فيهِ. ضحكتهُ اليومَ في أثناءِ زيارتي لهُ كانت متنوعةً بحجمِ وشكلِ فناجينِ القهوةِ المختلفةِ المتواجدةِ عندَهُ، وكذلكَ طول النصوصِ والدراساتِ التي تبادلنا الحديثَ فيها، اليومَ أخبرني بعدَ أن عرفَ أنني كنتُ بالمرسمِ أنهُ يحبُّ الرسمَ أيضًا ولكنَّهُ مُهجَّرٌ عنهُ كحالهِ تمامًا، ودَْعتُهُ بعدَ أن قصَّ لي وعليَّ وبقيَ فكريَ في آخرِ إصدارٍ تكلمنا فيهِ حتى فرغتُ قبلَ قليلٍ من دراستهِ النقديةِ، ولكنَْ نصفَ دماغي بقيَ مع فتحي..
القيصر رائد العمري