الجمعة، 22 نوفمبر 2024

حوارات سورية في المنفى

 

 

حوارات

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 


حوارات سورية في المنفى

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

حوارات

سورية في المنفى

 

أجراها وأعدَّها

محمد فتحي المقداد

 

 

 

2023

 

التصنيف

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تقديم

بقلم المحامية عفاف الرّشيد

 

إن الأديب الناجح؛ يناضل من أجل تحقيق أهدافه النبيلة المرتبطة برسالته في الحياة، ويسعى مخلصاً لتوثيق الحقائق الفكرية التي تناغمت مع أهدافه بأسلوبه الخاص، وها هو الروائي والباحث السوري محمد فتحي المقداد، يواظب  في أعماله الروائية على مواكبة معاناة شعبه وقد صدر له  دوامة الأوغاد - الطريق إلى الزعتريِّ- فوق الأرض - خلف الباب إضافة إلى العديد من القراءات والإصدارات لسنا بصددها الآن

إضافة لاهتمامه  بالنقد الأدبي والدراسات المقارنة، ومتابعته  الحركة الأدبية على الصعيد العربي، و له علاقات وثيقة مع الأدباء من مختلف أنحاء الوطن العربي، إضافة إلى اهتمامه بالأدب الغربي، رسالته الأدبية ثرية، لا يكل ولا يمل من المتابعة والتواصل في نطاق الساحة الأدبية الفكرية المعاصرة، وهو  يؤكد على ارتباط الكاتب بواقعه، وتأثير ذلك على نتاجه الفكري من خلال أعماله، أراد أن يسلط الضوء على الحركة الفكرية لأدباء المنفى في كتابه: (حوارات سورية في المنفى).

تطرق لقضية الشعوب العربية في صراعها مع السلطة، وثوراتها الغاضبة ضد أنظمة الاستبداد والطغيان، وتأثير ذلك على عملية الإبداع، واحتمالات التغيير أو التطوير في النتاج الأدبي، طرح مسألة العلاقة بين السلطة السياسية والأدب طرحاً  غير مباشر، من خلال بحثه حول أدباء المنفى، ورغم أن مسألة الإبداع الأدبي؛ تستوجب مساحة واسعة من  حرية التعبير؛ فهو يقدم كتابه  الأدبي بوصفه نوعاً من المقاومة تجاه انتهاكات السلطة.

في كتابه إشارات استفهام، وتساؤلات مدروسة، منسجمة مع مسيرة كل أديب وظروفه، مفاتيح أشرعت بوابة الحوار، تستقرئ ما بين السطور، تطرح قضايا مؤثرة على صعيد الأدب العربي بشكل عام، وأدب المنافي بشكل خاص، فهل يكون الربيع العربي سبباً في الاختلاف والخلاف بين الأدباء العرب؟.

وما هو مستقبل الانتاج الأدبي العربي بعد ثورات الربيع العربي؟.

وما هي التأثيرات النفسية التي تترك بصماتها على حياة الأديب الخاصة والمهنية والإبداعية؟.

متابعة مضنية ودقيقة لنتاجات الأدباء  الذين  انخرطوا  في الحراك الثوري الوطني بقلمهم وفكرهم ومشاعرهم، شعروا بمرارة أوجاع المقهورين، فشحذوا هممهم، وساندوهم في مسيرتهم النضالية، وقد احتفى الكاتب  بالحالة الوجدانية المتفاعلة المندمجة بالواقع، والتي تفرض على الأديب اتخاذ مسار مختلف،  مرتبط بمعاناة الناس ونضالهم من أجل الحرية والكرامة، نعتقد أن الكاتب سار في طريق حرجة مُسوّرة بالمخاطر، السبب هو انقسام الشعب إلى معارضٍ ومُوالٍ، مما دفعه لاختيار مُحاوريه بانحياز يليق بالحراك الشعبي العظيم الرافض للاستبداد على محمل ثقافي بأبعاده الفكريّة، التوّاق لعبير الحرية وآفاقها الواسعة، بعد اندلاع  الثورات  المطالبة بالحرية الثائرة على استبداد السلطة في الوطن العربي. 

لاحظنا كقراءٍ مدى تفاعل الأدباء مع ظروف بلادهم من خلال كتاباتهم المنحازة إلى جانب حق الشعب بتقرير المصير؛ فجميع الأجناس الأدبية عبّرت عن مواقفها بأساليب متنوعة، وأفصحت بجلاء عن تطلّعاتها، وتفاعلاتها مع المجتمع والسياسة، وبجميع مفاصل الحياة.

ثمة مرحلة تغيير لاحت ملامحها في الأفق، تناولها "المقداد" بأسلوب مختلف من خلال حواراته العميقة، وكأن  أحداث الثورات باتت مرجعية خصبة للتعبير وإثراء الساحة الأدبية كرؤية نحو المستقبل، لتقييم مرحلة جديدة بعد ثورات الربيع العربي.

نعلم  أن أدب أيّة أمة هو انعكاس لواقعها، ونعلم جيداً أن الفوضى التي خلفتها القوة المُرتدة على وعن الثورات في بلدان هذا الربيع الطويل؛ ألقت بحمل ثقيل على عاتق جميع الكتاب، ونعلم جيداً أن الإبداع لا ينضج إلا في مساحات واسعة من حرية التعبير!!!

الكتاب يأخذ القارئ إلى عدة أزمنة، وأمكنة، ويعرض عدة أوجه لوجع  المنافي، يتطرق للاغتراب  كحالة وجدانية تؤثر في المشاعر، والحنين الذي يكسر أجنحة الروح، وتمكن المؤلف من شد القارئ لقصص متعدد،  لأدباء يراغمون ويجعلون من المراغمة إنجازًا.

إنها رحلة إنسانية أدبية بامتياز، أوصلت لنا فكراً يستقرئ قضايا هامة، أهمها تأثير الثورات على حالة الإبداع الأدبي، وتصورات لمستقبل أفضل، فمن وجهة نظرٍ أدبية نقول إنه دور الأدب في تعميق الثقافة حقًّا، وفي استنهاض الشعوب من كبوتها، ورسم رؤًى واضحة وجعلها منارات على الطريق.

أدب  يبث بين سطوره  تاريخ الشعوب، ليصبح روحاً ذلك التاريخ ونبضه.

وحيث أن الشعب العربي له  خصائص تميزه و تمنحه هويته الخاصة، كغيره من الشعوب، ورغم أنَّ الشخصيَّات المُستَضافة ذات صفات متنوعة في تخصصاتها العلمية والأدبية؛  فكانت روح المضمون بصفائه، وواقعيته، وصدقيته المُؤثّرة والمُتأثّرة  بالحدث الجلل الذي أصاب الشعب العربي على العموم والسوريّ على الخصوص من  جراء استبداد الحكام، وقهرهم للشعوب، وانتهاك جميع حقوقهم الإنسانية.

لاحظنا اشتراك جميع الضيوف بالوجع ذاته بالحنين، وبالإنجاز، والتطلع نحو المستقبل بضياء العين والروح.

(حوارات سورية في المنفى) عنوان اختاره المؤلف لحفاوته البالغة كعادته في اختيار عناوين كتبه، لذا نراه قد حدّد الهوية والانتماء، وحدد المكان بصفة المنفى، ثم أطلق أشرعة الحالة الوجدانية  لأدباء  ومفكرين في المنفى، منهم الشاعر ومنهم: القاص، والإعلامي، والمفكر، وبعضهم يكتب في عدة أصناف أدبية.

ومن بينهم المُتابع للأدب العالمي، والترجمة، وغيرها من المزج الأدبي الإبداعي، المخطوط  يوثق حراكًا أدبيًّا  لمرحلة معينة،  يُفترَض بأن المؤلف  يدرك بأن ضيوفه  يجمعهم  رابط  مشترك، فهم يواكبون الحركة الفكرية الأدبية قبل  مرحلة الثورات، وبعضهم واظب على متابعة المرحلة بعد الثورات، وهم حالياً في المنفى، نتمنى في هذا السياق أن يستعيد النقد الأدبي دوره الفاعل؛ لدفع الحركة الأدبية نحو أفاق أفضل، لأن الحراك العفوي للأدب يتطلب حراكًا نقديًّا متلازمًا؛ لتحفيز وتشجيع الأدباء بمتابعة الكتابة والقراءة والانتاج الفكري والأدبي، في ظل ظروفهم القاسية في بلاد المنافي الاغتراب.

طالما أن للكلمة دور في بناء المجتمعات، فصانع هذه الكلمة أديب مؤمن بقضية شعبه، وثيق في اتصاله بتراثه، "

ينقل عراقة هذا التراث للمتلقي، وهو يدرك دوره  النبيل بالحفاظ على  القيم الخلقية والاجتماعية التي تلائم حضارة شعبه 

(حوارات سورية في المنفى)كتاب توثيقي  يتطرّق إلى  التغييرات التي  طرأت على أدب المنفى، وكذلك هو بطاقة تعريفية بالأدباء والمفكرين، بتسليط الضوء على نتاجاتهم ومسيرتهم.

 يصلح كمرجعٍ أدبيٍ للمهتمين، بصياغة مختلفة تجمع بين فن الصحافة والإعلام إضافة إلى رؤية أدبية عميقة ناضجة حول تأثر الحركة الأدبية بثورات الربيع العربي.

 إنه أدب المتابعة، اجتهد المؤلف لجعل الحوارات مرجعاً لمن يهتم بالأدب، وبدوره الحضاري والإنساني، الكاتب متفاعل مع قضايا أمته وشعبه، يحترم رسالته، ويوثق بأمانة مرحلة حاسمة من تاريخ سورية، ليطلع عليها الأجيال القادمة، الأسلوب المتميز المختلف في  توثيق الكتاب بانتهاج مبدأ السؤال والجواب، ولم يقيد المؤلف، ولم يثقل على  الضيف الذي قدم المحتوى بسلاسة دونما تصنعّ، وبلون توثيقي جديد جمع بين الطابع الإعلامي والصحافي، بإدارة حكيمة من المحاوِر الذي اهتم بجوانيات ضيوفه، ومنح الجانب الروحي والنفسي مساحة كبيرة من الحفاوة، نُثمّن للمؤلف جهوده في البحث الدؤوب لانتقاء محاوريه وقراءة أبحاثهم، وسيرة حياتهم وجعلهم شهودًا على مرحلة، واتبع أسلوب الشد والجذب بمهارة، وعرض لنا قضايا أدبية محورية في مرحلة الصراع بين الشعب والسلطة، ومدى ارتباط الأديب بمحيطه، وتناول قضية الاغتراب ومراغمة الأدباء في المنافي، وتأثير ذلك على إبداعاتهم، ورؤاهم المستقبلية لوطنهم. نتمنى للمؤلف مزيداً من التوفيق في مسيرته الأدبية المتميزة.

 

 

 

 

 

 

 

 


حوار مع الأديب والروائي

عبدالسلام بن أحمد المطر الفريج

 

 

تقديم:

ضيف مُعتّقٌ زَاهٍ بعراقة تاريخ مدينة "الرّقّة"، تعمّد بفُراتها الأزليّ، من هناك جوار صحابة رسول الله "عمار بن ياسر" و"أويس القرني"، فطن ليكتب مجموعته الشعريّة الأولى "أنا والفرات" وكأنه يستميح الفرات بضخّ مياهه ليُطفئ بها لظى "صُفّين" الذي اشتعل على ضفاف فُراته ليُطفئ جمرة تحت الرّماد منذ أيام التحكيم، فُراته الذي كان هادئًا ينعم بالسّلام، عامرة دياره بالحب، ومن هناك جاء "عبد السلام الفريج" ليكتب روايتيْن مُعتبَرتيْن مُعبّرتيْن عن عقد أسود من حياة السُّوريِّين، كما مواطنه الروائي "عبدالسلام العجيلي" حينما كتب روايته الأشهر "المقموعون"، ليحارب بقلمه نهج الدكتاتورية الغاشمة، وفاضحًا لأساليبها القمعيّة. ولسانه لا يزال نديًا برطوبة فراتية عذبة وهو يشدو أشعاره بلهجة حزينة.

 

أسئلة الحوار:

**س1- كيف سيقدم نفسه عبدالسلام الفريج نفسه لقرائه ومُتابعيه؟.

*چ1- مجرد إنسان حمل الوطن في قلبه عبر الزمن ، أحب كل البشر بلا تمييز مهما اختلفت مشاربهم لأن الجميع ينتمون انتماء واحد فالكل إخوة مع تمايز الأهواء

 

**س2- توزّعت موهبتكَ الأدبيّة ما بين الشّعر الشعبيّ بداية، ومن ثمّ انتقلت لميدان الفصيح. لأيّ من المجالين أنت أقرب، ولماذا؟

*ج2- الشعر الفصيح عابر للمناطق والأقاليم تستطيع من خلاله التواصل مع العرب في كل مكان من المغرب إلى اقاصي المشرق بينما الشعر الشعبي يكون مرتبطاً بموطنه وبيئته الحاضنة فمن يكتب الشعر الشعبي في وَجْده على الاطلسي لن يفهمه ابن القلمون أو ابن حماه أو ابن الإسكندرية وكذلك الشعر الفراتي الذي أجد نفسي فيه كثيراً لن يكون مفهوماً لدى من هم خارج اللهجة ولكن مع كل هذا أجد نفسي اقرب للهجتي الفراتية مع اعتزازي بالشعر الفصيح

 

 

** س3- البَوْن شاسع ما الشعر والرواية تقنيًّا، من الملاحظ ومن خلال إصداراتك المطبوعة؛ جاءت مناصفة ديوانان وروايتان. فهما يتنازعانكَ، وكلّ منهما يريدكَ في صفّة، لو خُيّرت بينهما، فما هو خيارك الحاسم الذي لا رجعة عنه، وعُدول للتحول إلى مقام أدبيّ آخر، ولماذا؟.

*ج3- لا أخفيك أنني أتمتع بالشعر وأبحر في قوافيه إبحار عاشق لكنني أميل الى الرواية لأنها تعطيني مساحة كبيرة للتحليق في آفاق متنوعة ومتقاطعة كما تعطيني مداً وحرية للحركة لا يقيدها وزن أو قافية وهناك أيضاً مسألة البحث العلمي أو إذا شئت أن تسميه الخيال العلمي الذي لا أستطيع تناوله شعراً بينما في الرواية يمكن التوغّل فيه بشكل واسع وكبير وهذا ما تجده في روايتي التيه في زمن النبوءات التي تناولت أبحاث الضوء والطاقة.

 

**س4- رغم أنّ المقام الأوّل للشّعر، ولقب شاعر سعى له الكثيرون، وحفيت أقدامهم سعيًا حثيثًا للحصول عليه، والاعتراف بهم، وهو المرغوب وما زال منذ عهد إمرئ القيس إلى لحظتنا هذه. ألا ترى أنّك جازفت بمستقبلك الأدبي بهذه الخطوة؟.

*چ4- مطلقاً، كما أن مسمى شاعر حمله أشخاص كثر، لكن لم يخلد التاريخ إلا من كتب بتميز، وكذلك الرواية لها أسماء خلدها التاريخ خذ ابن خلدون مثالاً مؤسس علم الاجتماع لازال الناس يذكرونه ويذكرون مقدمته وكثر غيره منذ العهد الكلداني إلى الإغريق وهوميروس إلى البطالمة في مصر إلى العصر الحديث حيث طه حسين والعقاد وغوستاف لوبون ونيتشه، أسماء كثيرة ولها ما لها من اعتبار وتقدير كبيرين .

 

** س5- الكاتب والأديب الشامل "عبد السلام الفريج"، هل يرى من ضرورة لتحديد الهويّة الأدبيّة لأيّ كاتب عُمومًا؟.

*ج5- لا مبرر لتحديد الكاتب بهوية وتقييده بها ، دعه ينطلق بشمولية واسعة تسمح للابداع بالظهور، ابن رشد كان عالماً فيلسوفاً باحثاً حكيماً والخوارزمي ودافنشي الرسام والمهندس والمخترع أيضاً .

 

** س6- ما بين "بوح الزنازين"، و"أنا والفرات"، مساحة وطن جريح، وهما عنوانان لمجموعتيْك الشّعريّتيْن، بتوقّف بسيط يحكيان سيرة كلّ منهما المُختلفة ظاهرًا، والمُتوالفة باطنًا، التي توازعها الحنين والشّوق إلى وطن جريح. فما هو الوطن بعين شاعر وروائيّ ومفكّرٍ وفنّان وناقد فنيّ؟.

*ج6-  الوطن هو الدفء ، هو شعلة أو قل جذوة متقدة في القلب , الوطن ليس كما علمونا ،أسلاك شائكة وحدود مصطنعة واهية شكلت سجناً لمجموعة بشرية وجعلت منهم عبيداً، الوطن هو سماء تزهو بالحرية وارض تحتضن كل القلوب بلا قيد ولا شرط الوطن هو المكان الذي لا تفقد فيه إنسانيتك ولا كرامتك ، باختصار الوطن هو المكان الذي لا تختصر فيه صوتك حتى الموت .

 

 

 **س7- (ساجدة/ الموت عشقًا) روايتك الأولى 2016م، جسّرت المسافة كل بين بغداد ودمشق، وما يلتفّ تحت عباءتهما من مشاعر الأخوة والمحبة، وقصة عشق بين بطلي الرواية. هل لك أن تحكي للقرّاء المزيد الكاشف لثلاثيّة إشكاليّة (العشق والوطن والحرب)؟.

*ج7- في ساجدة كما أسلفت لك في السؤال السابق يتجلى الوطن في الدفء ، العشق لم ينتصر ولم يتحقق في ظل الضياع الذي يعيشه الوطن وتتنازعه الحرب وقوى الظلام والاستبداد ، هذه اشكالية نعيشها منذ الف عام ولم نستطيع وأدها لكن ربما الجيل القادم سيكون أكثر جرأة من الاجيال السابقة وسيحقق الانتصار كما حققته غيرنا من شعوب العالم .

**س8- (التّيهُ في زمن النُبوءات) عنوانٌ انزياحيٌّ بطرحه المُثير، لقضيّة قديمة مُتجدّدة هجرة العقول: (إدارة الوطن النّاجحة والعسكر)، فكيف تُفسّر لنا تناقض فكرة (التّيه) مع (زمن النُبوءات)؟.

*ج8- لا يوجد تناقض أبداً ، بل هو توافق مطرد ، زمن النبوءات العلمية التي تعطي افاقاً مفتوحة للعلماء الذين لا ينفك قادة الاستبداد بجعلهم يهيمون تائهين في صحارى الجهل بعد العلم ليبقى المجتمع يرضخ تحت مظلة العبودية ، من هنا جاء التوافق في هذين المسميين

 

**س9- الإنسان "عبدالسلام الفريج" من سوريّا وطن المُتناقضات والمُتضادّات، كيف يُمكن تبرير قرارك القاسي على النفس البشريّة بعدم إنجاب الأطفال، بعد زواجك المُتأخّر نوعًا ما، لا شكّ أنه قرار صادم للقارئ والمُتابع؛ فعلى أيّ أساسٍ اتّخذت قرارك الشُّجاع بكامل قناعتك عم سابق إصرار وتخطيط؟.

*ج9- نعم هو قرار عن سابق اصرار وتصميم ، يجب على العبيد ان لا يتوالدون لكي لا تستمر العبودية، وانا في وطن العبودية لن يكون لي ابن يتمتع بالحرية، بل سيكون عبداً أخر يتجرع القهر ويحلم بالحرية مثلي ، لذلك عندما أتحرر سوف أنجب طفلاً حراً ليس فوقه مظلة الاستبداد والعبودية.

**س10- الأديب والفنان مُحاربٌ في مجالاته، ومن هواياتك الرّسم والحفر على الخشب، هذا الهواية فتحت لكَ آفاقًا رحبة، ومن شُرفتها وأنت تنظر إلى الوطن، وأشواق الحنين تتنازعك للدّفاع عنه، فكيف يُدافع الفنّان عن وطنه؟. وهل الفنّ برأيك يمكن أن يخدم قضيتنا السوريّة؟.

*ج10- نعم ، الفنان والاديب يستطيعان أيصال الصوت الحر الى أبعد مدى عبر كل الوسائل وبشكل أقوى من الرصاص الذي مر الوطن وقتل الابرياء بشكل وحشي ، اللوحة وريشة الرسام لها وقع كبير وكذلك الفنان على المسرح والاديب في يراعه تهتز عروش.

**س11- القصّة السوريّة بمقدماتها (الثورة السورية)، ومُخرجاتها من الدمار والقتل والسجون والتشريد واللجوء والتغيير الديموغرافيّ ، أين هو موقع النّخب لا أعني السياسيّة السوريّة إنّما الثقافيّة ؟ وهل باستطاعتهم تشكيل رأي معتبر يكون له كلمة في مستقبل سوريا؟.

*ج11- لا أعتقد أنه سيكون للنخب الثقافية موقع أو رأي بعدما حصل كل هذا الدمار للوطن وساكنيه ، لقد استحوذ أمراء الحرب على القرار في ظل تخاذل النخب السياسية التي لم تكن إلا هياكل تابعة لغير الوطن، وهذا أمر أطال امد الحرب والمعاناة، وفتح المجال لنظام الاستبداد باستجلاب قوى الاستعمار إلى الوطن وتغيير تركيبته السكانية.

**س12- بعد إثني عشر عامًا من الحرب والمعاناة، كيف ترى مستقبل سوريّا؟. وماذا تقول بكلمة أخيرة؟.

يجب علينا أن نكون منطقيين في رؤيتنا المستقبلية، فالتفاؤل والعفوية لن تحقق أيّ تقدم، المعاناة لن تنتهي إلا إذا تغير النظام بشكل كامل ونهائي، وتكاتف الجميع سنين طويلة قادمة؛ لتنتهي المعاناة؛ ثم نتحدث حينها عن مستقبل سورية الجديد.

 

 

***

عبدالسلام الفريج - نبذة تعريفية

أمضيت في التدريس أربعة عقود من الزمن ، درست فيها آلاف الطلاب والطالبات ، نسيني الكثير منهم ، وهذه طبيعة النفس البشرية ، وبقيت في ذاكرة القليل منهم ، لكني لم أجد أوفى من هذا الطالب ، فمن هو هذا الطالب الوفي  ؟   _عبدالسلام بن أحمد المطر الفريج .

_ من عشيرة الجبور الذين هاجروا إلى السخنة ومنها إلى الرقة  .

- مواليد  ٢٢/ ١١/ ١٩٥٥م.

ولد في حلب  باكورة أولاد الحاج أحمد الذي كان قد ارتحل إلى الرقة عام 1947 وقد كان يتنقل بين الجزيرة وحلب إلى أن أقام بشكل نهائي في الرقة بعد أن تزوج من السيدة مهدية إبراهيم بك  ، 

- بعد انتقاله إلى الرقة احتضنه جده الحاج ابراهيم بك الذي كان مقيما في ناحية السبخة فدرس نصف المرحلة الابتدائية هناك ثم استرجعه والده ليكمل في مدرسة عدنان المالكي الابتدائية  والإعدادية والثانوية في ثانوية الرشيد

-كانت البداية في البيت من خلال والدته التي كانت من محبي الشعر حيث كانت تعلمه القرآن وتتابعه .

- لكن البداية كانت حين التحاقه بالإعدادية ففي الأول الإعدادي كان يستمع بشغف إلى مدرس التربية الدينية الأستاذ الفاضل حمصي فرحان الحمادة وخصوصا في دروس التجويد وأحكامه، وبدأ يكتب الشعر الشعبي، وأول ما كتب وكانت له قصيدة  (ردتك حبيبي بليلة كمر نسهر).

_ بعد حصوله على الثانوية لم يكمل دراسته نتيجة تدهور الوضع الاقتصادي للعائلة فعمل في مديرية مالية الرقة سنتين ثم استقال .

-غادر إلى السعودية للعمل، تابع دراسة الكيمياء عبر المراسلة مع الجامعة الأمريكية في "أنقرة"، وتابع دروس ومحاضرات في جامعة الملك سعود بشكل شخصي،  ثم عمل في المجال الكيميائي بمعالجة الخرسانة وإصلاح التربة، ونفذ مشاريع عديدة في قطاعات الحرس الوطني، ووزارة الدفاع، ثم عمل في الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض لمدة ثلاث سنوات كمستشار للمواد العازلة ومعالجة التسرب .

-أقام عدة أمسيات شعرية في القاهرة وفي استانبول، وعنتاب، والرياض على مدى السنوات العشر الأخيرة، ونشر قصائد وقصص قصيرة في جريدة الرياض.

-صدر له رواية (ساجدة/ الموت عشقا) عام 2016 عن دار قلم الخيال في الرياض تتحدث عن مرحلة سقوط بغداد والهجرة السورية نتيجة الحروب . 

-عرضت في معرض الكتاب الدولي في الرياض بمكتبة جرير، وفي قسم الناشرين السعوديين كما طرحت في معرض القاهرة الدولي للكتاب عام 2017

-له رواية جديدة بعنوان (التيه في زمن النبوءات) صدرت ٢٠٢٠

-له أيضا ديوان شعر بعنوان (بوح الزنازين) وديوان شعر (أنا والفرات)

-له خمسة عشر حلقة محققة على "اليوتيوب" حول النقوش العربية ولغة المُسند ويعد سلسلة عن معتقدات العالم والأديان قريباً.

-عضو العديد من المنتديات الأدبية في الرياض.

 

حوار مع

الشاعر ياسر الأقرع

تقديم:

الشاعر "ياسر الأقرع" من الشعراء السوريين المثابرين، القائمين على صنعة الشعر، والمحافظين على روحه الأصيلة، وبتجديد يواكب روح الحداثة، وعلى الرغم من المسافة غير البعيدة، وإلى زمن هذا الحديث لم أتشرف بلقائه؛ فهو ابن محافظة حمص، مُشبَع بفنون الشعر، راسخ في علومها من خلال دراساته الأكاديمية العليا المُتخصّصة.

أسئلة الحوار

*س1- كلمة شاعر تكفي للإشارة على شخص لأن يكون في الصف الأول اجتماعيًّا لينال احترام الآخرين، ولكن لا يكفي نَهَمَ القارئ إلّا بتقديم نفسك بنفسك توازيًا مع كونكَ شاعرًا، ياسر الأقرع. ماهي الطريقة المناسبة التي تراها لتحكي سيرة الحد الفاصل بين الشاعر والإنسان؟.

ولدت في حيّ (دير بعلبة) من أحياء محافظة حمص، لأبوين سكبا حنان الكون في قلبي، فتعلمت منهما الحب، وأغدقا عليَّ من أخلاقهما؛ فتعلمت منهما أن الأخلاق هي التعريف المختصر للإنسانية.

كنت ثالث تسعةٍ من إخوتي، عائلة كبيرة لكنها جميلة ودافئة.

أما عن الحد الفاصل، وما هو كذلك، فإن ثمة أمورًا مشتركة بين إنسانيتي وشاعريتي، وعلى رأسها: الصدق، فالصدق الذي يخلق حالة انسجام بين الإنسان ونفسه، هو ذاته الذي يخلق حالة التماهي بين الشاعر وقصائده.

منذ طفولتي المبكرة كنت تلقائيًا في تصرفاتي، انفعاليًا في ردود أفعالي، وقد شكل ذلك الخامة الأولية لشاعريتي التي مازالت تعتمد التلقائية والعفوية في التعبير، ولا أقبل أن أتحوّل نظَّامًا في التعامل مع القصيدة فأخالف بذلك طبيعتي التي جبلت عليها، وتسربت إلى شاعريّتي، فاكتسبت القصائد مصداقيّتها من عدم إقحام العقل في إنتاج النص الشعري.

الإنسان في ياسر الأقرع هو جوهر شاعريته، ولا يمكن أن أفقد شيئًا من هذا الجوهر ثم أظلَّ أنا... أنا.

*س2- تخصّصك ودراساتكَ الأكاديميّة العُليا باللّغة العربيَّة، يقود  لمناقشة إشكاليّة حقيقة، حيث أنّه من الصُّعوبة بمكان أن يُصبح المرء شاعرًا، فهل برأيك هي موهبة خُلقت ونَمَت حتّى وجدت الفُرصة لتنفلت من أسرها في الصدر والقلب، أم أنّ اللّغة، ومعرفة ضُروبها، وحفظ الأشعار وأدواته؟

قالت العرب: ثلاثة أشياء لا يتعلمها المرء تعلمًا: الكرم والشجاعة والشعر.

الشاعرية تكوين نفسيّ بالدرجة الأول، أو لنقل هو طبيعة نفسية يخلق الإنسان عليها، وطاقة مختزنة تنتظر أن تتفجر تفجر البركان بعد اختناق الأرض بالحمم، ثم تأتي الشرارة الأولى التي تتدفق عبر لمحة شعرية كتابية، وهنا يمسك الشاعر بهذه الشرارة، والتي تنبئ بما يمكن له أن يكون عليه المرء من الإبداع إن هو اهتم بالأمر اهتمامًا يليق به, ثم تأتي الدراسة التي تعمل على تنمية الموهبة وتصقلها وتمنحها تشكيلها الفني الناضج.

وأما عن قراءة الشعر فهذا دون شك كان له دور كبير في إثراء تجربتي الشعرية، أما الحفظ فلستُ ممّن يحفظ الشعر لا أستثني من ذلك قصائدي نفسها، وأرى أن مقاييس صناعة الشاعر قديمًا لا تنطبق على الشاعر في هذا العصر، فقد يوقِع حفظ الشعر القديم الشاعرَ في أسر التقليد؛ فيتحوّل إلى نسخة أو إلى نظّام يكتب قصيدة لا روح فيها.

*س3- صدرت مجموعتكَ الشعريَّة الأولى "غدًا تمحوكَ ذاكرتي" عام ١٩٩٨، وقلت في المقدمة: "واسمح لي أن أخبرك - أنا العالم بتاريخ العشق - بأن رحيل الحب يأتي غالبا في خريف أيامك". بينما العنوان الرّئيس كان عنوانًا لنص مُتوهّج بدلالته داخل المجموعة، ينثّ بالعذل والعتاب والأسى على خصلة الغدر، من الحبيبة وهي تنعي حظّها مع حبيب لا مُبالي. كيف تستطيع تجسير الهُوّة بين ضفّتيْن مُتباينتين؟.

الشعر في شرارته الأولى يمثل لحظة انفعال آنية، ففي لحظة ما من لحظات اتقاد الإحساس بالحب أكتب قصيدة بملء الإحساس الذي أعيشه؛ فأصور المرأة وكأنها مركز عالمي، وكل ما فيَّ يدور في فلكه.

وفي لحظة غضب يمكن أن أكتب ما أدعي من خلاله أن الاستغناء عنها أمر سهل لن يؤثر في انسجامي مع الحياة قيد شعرة.

والسؤال هنا: أي الحالتين تمثل الصدق؟ وهل ثمة تناقض؟

لا طبعًا، لا يوجد تناقض، والصدق موجود في الحالتين رغم التباين الشديد بينهما.

الشاعر الحقيقي هو الذ يعبر - بعد التمكن من أدواته عن لحظة الانفعال كما يحس بها تمامًا، أيًا يكن نوع الانفعال هذا، ذلك أن الانفعال يحد من هيمنة العقل ويلغي فاعليته في ضبط القول والفعل، والشاعر الذي لا ينظم الشعر نظمًا هو ابن انفعاله، وقصيدته وليدة هذه الحالة، فهي تمتلك من الصدق أقصاه، ومن التلقائية غايتها.

أما الصورة الحقيقية لمكانة المرأة عنده فتتجلى في كون الشاعر يحب أنثاه ويمضي عمره في حبها، وهو الذي يترك للحظات تناقضه أن تلوِّن قصائده وتنوعها.

*س4- عيناك كلّ لغات العشق، عبارة جامعة مانعة أوجزت اِنْزياحيّة الصّمت والضّجيج لهذه اللّغة الفريدة، والتي ليست بحاجة لتعلمها، وهذا ما تشابه مع بيت من الشعر للشاعر "إيليّا أبو ماضي": "سكتنا ولكنَّ العيونَ نواطق

أرقُّ حديث ما العُيون به تشدو". فهل لغة العيون لا يفهما إلّا الشّعراء، أم هي مُتاحة للجميع بلا استثناء؟، فلو حدّثتنا حول هذه اللّغة بلسان شاعر.

العيون نافذة القلب، ومرآة الروح، ولغتها هي اللغة الأكثر انتشارًا في العالم، يشترك في فهمها الشاعر مع غيره من الناس، وفهمها لا يحتاج شاعرًا بقدر ما يحتاج إنسانًا يتدفق الإحساس في شرايينه.

قد تعجز اللغة أحيانًا عن تصوير دقائق الإحساس وجزئيات المشاعر التي لا يجد اللسان من الكلمات ما يستطيع الإحاطة بها، لكنَّ العيون قادرة على ما هو أكثر من ذلك، ولذا فإن أول رسالة يرسلها العاشق لمحبوبته هي النظرة.

لغة العيون هي همس في أذن القلب، تفشي الأسرار وتبوح بالمسكوت عنه، وتصف القلق والتردد والخوف أو السكينة والإقدام والجرأة.

من هنا ستجد في مجموعاتي الشعرية حضورًا مكثفًا للعيون والإحساس بها، لا بوصفها آية من آيات الأنوثة في المرأة وحسب، بل بوصفها اختصارً لعالم المرأة بكل تفاصيله.

س5- قلتَ إنّ: "الحبّ في هذا الزمن تحدّ؛ نريد من خلاله أن نثبت أنه يمكن للماء أن ينبثق من داخل الحرائق، وأن الموت الذي يقف على عتبات منازلنا لسنا مضطرين دائماً لاستقباله.."، ونحن على مدار عقد من العمر ويزيد، ووطننا سوريا يسبح بل يغرق في بحار الدماء، والدمار. فمن وجهة نظرك كيف ندفع الموت عن أبواب منازلنا، التي لم يبق لها أي أثر على الواقع إلّا في مُخيّلتنا؟. فهل نعيش على الوهم أو نُحاول إقناع أنفسنا به؟.

 هو الأمل وليس الوهم.. والحديث عن الموت يستدعي بالضرورة الحديث عن الإيمان، فالموت هو الحقيقة التي لا يناقش في وجودها أحد أيًا كان معتقده، لأنها حاضرة أمام أعيننا.

لكل منا فلسفته في التعامل مع الموت، لكن ثمة اعتقاد مشترك بيننا نحن المؤمنين بالموت هو أن لكل نفس أجلًا لا يتقدم لا يتأخر، وانطلاقًا من هذا الإيمان المطلق بحتمية الموت وأنه في أجل محدد كتبه الله تعالى عنده، نتعامل مع الموت وكأنه زائر منتظَر يأتي دون سابق إنذار.

نحن السوريين صرنا ننظر إلى الموت على أنه خبزنا اليومي، وأبجديتنا التي نصوغ منها حياتنا، ومع ذلك فإننا شعب مؤمن بقدره، راضٍ بحكم ربه، موقن أن ما أصابه إنما هو لحكمة أرادها الله والله لا يأتي إلا بخير.

نحن علَّمنا العالم بأسره معنى الإيمان والصبر.. علمناه أيضًا كيف تكون الكرامة اغلى من الروح.

*س6- "ياسر الأقرع" كشاعر قائم على حرِفتكَ الشعريَّة بثبات واقتدار وانتقاء أفضل الأفضل عندك. في الواقع كثرت التلاوين  الشّعريّة منها ما هو منسوب للحداثة، ولما بعد حداثة الحداثة، معظمها جاءت على محمل المنثور، والهايكو العربي، والومضة الشعرية، والقصّة الشاعرة، أو القصيدة القصّة. فهل لشاعرنا القول الفصل في هذه القضايا الشّائكة الواقعة ما بين الرفض والتأييد؟

الشعر أرقى الفنون الأدبية، وأكثرها عمقًا تاريخيًا، وأبعدها أثرًا في نفوس العرب؛ لذا تجد النص الأدبي الذي ليس له انتماء إلى جنس أدبي بعينه يحاول أن يوجد لنفسه مكانًا في دائرة الشعر.

ومعلوم أن القصيدة العربية مرت بمراحل من التجديد كما في فن الموشحات قديمًا، أو شعر التفعيلة في منتصف القرن الماضي، وهي أثناء ذلك حافظت على العناصر الأصيلة للشعر، أعني الوزن وحرف الرويّ.

ثم جاءت موجة شديدة لتحاول نسف هذه العناصر فتضرب بها عرض الحائط مع إصرارها على الانتماء إلى جنس الشعر، وأعني بذلك: الشعر الحرّ، معللًا ذلك بأن الصورة المستحدثة والتكثيف اللغوي والدلالات الرمزية في النص هي عناصر بديلة تمنح النص صفة الشعر وإن تخلى عن الوزن والروي.

لكن هذا النوع لم يصمد طويلًا وبقيت القصيدة العربية تحافظ على لبنتها الموسيقية الأساسية (التفعيلة) وتحافظ أيضًا على حرف الروي، لكنها غيرت شكل البناء فتركت للشاعر الحرية في أن يبني قصيدة بالشكل الذي يريد.

ودون أن أوجه الانتقاد إلى نوع معين مما ينسب إلى الشعر اليوم، أقول: إن المادة الأساسية للشعر هي الحد الفاصل في انتساب النص إلى هذا الجنس الأدبي، وهي الهيكل الذي يبنى عليه النص الشعري، ثم يأتي بعد ذلك ما يستطيع الشاعر أن يضفيه على هذا الهيكل من جماليات القصيدة، وبذا يتفاوت الشعراء في كل زمن.

ما عدا ذلك فليسمِّ صاحب النص نصه ما شاء، لكن لا يحاول أن يلصقه بالقصيدة فذلك يضيع هوية الاثنين معًا.

 

*س7- هل لا يزال الشعر هو ديوان العرب، في ظلّ الانتشار الواسع للأعمال الروائيِّة، حتّى قيل: "الرواية ديوان العرب". ولوحظ أن كثير من الشعراء هجروا الشعر أو تحولوا عنه قليلًا إلى كتابة الرواية، فما هي وجهة نظرك في هذه النّقطة؟ وهل هي علامة صحيّة أو مرضيّة ستقوّض أركان وعرش الشّعر؟.

لا شكَّ أن الرواية فن أدبي عظيم، له طبيعته، وخصائصه، ومقومات جماله، لكن من وجهة نظري يظل الشعر هو سيد الأدب، وتاجه، وذروة اتقاده، إن توفرت له عناصر الجمال والدهشة والإبهار.

الرواية عمل له امتداد زماني ومكاني، بينما القصيدة ابنة الموقف واللحظة الحاضرة، وهي الأقرب تناولًا للتعبير عن أية حالة شعورية تجتاحنا.

من هنا فإن الشعر لم ولن يفقد مكانته على الساحة، لا موضوعيًا ولا فنيًّا، وكم من دراسة نقدية تناولت شعرية الرواية، وفي هذا تأكيد على أن الشعر هو المثل الأعلى لبقية الأجناس الأدبية.

*س8- شاعر، وناقد، وقاصّ، وروائيّ. ألقاب تتجمّع على سبيل المثال حول شخص ما. هل يُعدّ هذا الخليط علامة صحيّة؟ أم أنّه لا بدّ من تحديد الهويّة الأدبيّة لإبراز الموهبة في أقوى تجليّاتها؟.

عرف تراثنا الأدبي القديم تلك الشخصيات الموسوعية، متعددة الثقافة، متنوعة النتاج، وكان هذا ملائمًا لطبيعة ذلك العصر، ولم يقتصر هذا الأمر على الأدب، وإنما كان سمة عامة في كل العلوم، فأنت تجد عالمًا في الطب مثلًا له نظريات في الرياضيات والفيزياء وهو مع ذلك أديب له في ذلك مؤلفات معروفة.

لكن تطور حركة الحياة، واتساع دائرة العلوم، دفع الناس إلى التخصص، فاكتفى الطبيب بأن يكون طبيبًا، وفي مرحلة زمنية لاحقة صار الطبيب متخصصًا أكثر فأكثر .. وهكذا.

والأدب لا يخرج عن بقية العلوم في ذلك، ولذلك أرى أن هذا التنوع ليس في صالح الأديب، فليجمع الجداول المتفرقة لتكوِّنَ نهرًا قويًا متدفقًا.

س9- في ظل الانفتاح العالمي على وسائل التواصل، وسهولة تداول المعلومات. من الملاحظ كثرة الشّعراء أو ممّن أطلقوا على أنفسهم لقب شعراء، بينما هم يجهلون أبجديّة الفعل والفاعل، ويتصدّرون المنابر برطانة أعجميّة بعيدة عن روح الشعر العربيّ. فمن المسؤول عن هذه المهزلة؟، وكيف الخروج والتخلّص من هذه الظاهرة؟.

هذه واحدة من آفات مواقع التواصل الاجتماعي وانعكاساتها على الحياة الثقافية، فالمجال مفتوح للجميع، وكلٌّ يدلي بدلوه.

وليت الأمر توقف عند هذا الحد، بل تجاوز ذلك إلى المنابر الثقافية، والمنتديات الأدبية، وهذا ناتج عن عدة عوامل، منها: ضعف القائمين على هذه النشاطات من الناحية الأدبية، ومن الطبيعي ألا يميِّز هؤلاء بين الشاعر الحق ومن يدَّعي الشاعرية.

ومن الأسباب أيضًا طغيان المجاملة على حساب القيمة الأدبية، وهذا محكوم بالعلاقات الشخصية، التي يتم بناءً عليها انتقاء الشعراء للمشاركة في النشاطات الأدبية، حتى فقدت المنابر هيبتها ومكانتها وقيمتها مع الأسف.

التخلص من هذه الظاهرة يحتاج إلى أن يتصف القائمون على هذه الفعاليات بالحيادية، والبعد عن الشخصنة، وتجنب المجاملة، وأن يكون المقياس جودة النتاج الشعري للشاعر دون أي اعتبار آخر.

علمًا أن انتقاء الأفضل هو ما يرفع من قيمة الفعاليات الثقافية ويمنحها القيمة وهذا ينعكس بطبيعة الحال على القائمين عليها.

س10- حينما يكون الشاعر مُهجّرًا أومنفيًّا تتأجّج فيه نيران الشوق والحنين إلى الدّيار والوطن. بعينيّ شاعر ما هو الوطن عند ياسر الأقرع، وهل يستحقّ الوطن كلّ هذه التضحيات؟.

الوطن.. هو الكرامة

وإن لم يكن كذلك فهو ليس إلا قطعة أرض مسيَّجَة بحدود، نمارس فيها حياتنا دون معنى، ونعيشها دون قيمة.

والإنسان أمام خيارين: إما أن تتحقق له الكرامة في مكان ولادته ونشأته وعندها يسمى ذلك المكان وطنًا، أو يغادر إلى مكان يحترم كرامته فيتخذه وطنًا له.

والسوريون اختاروا الخيار الأول، وأرادوا أن يتمسكوا بأرضهم على أن يجعلوها (وطنًا) يحفظ لهم كرامتهم، فبذلوا في سبيل ذلك أرواحهم ودماءهم، وما زالوا يدفعون ثمن اختيارهم تشتتًا وتهجيرًا وتشريدًا.. وما زالوا أيضًا مصرين على أن يستعيدوا كرامتهم.. أعني (وطنهم).

والحقيقة أن حجم التضحيات تجاوز المعقول، حتى صار اسم سورية مقترنً في ذاكرتنا نحن السوريين بالموت والدمار والقهر، لذا كتبت:

 لا تسألوا السُّوريَّ بعد اليومِ...

ما معنى الوطنْ؟

سيضيع في صمتِ المكانِ

يموتُ في نبضِ الزَّمنْ

وسيخنقُ اللغةَ العقيمةَ باكياً

ويشير - من خذلانهِ - نحو الكفنْ

س11- هل يجوز أن نُطلقَ أو نصِفَ الشعر الذي تغنّى بالثورة السّوريّة، بأدب الثّورة؟. وهل يشمل ذلك نتاج الشُّعراء المُؤيّدين للنّظام؟.

وهل يقبل هؤلاء حتى لو كانوا على النقيض من مبادئ الثورة وأهدافها أن يُنسب شعرهم إلى الثورة؟

علينا أن ندرك أن نسبة الأدب إلى الثورة يعني خروجه عن كونه فنَّاً خالصًا إلى كونه فنًّا يحمل رسالة أخلاقية، ولا يمكن لنص لا يحمل أخلاقيات الثورة أن يقال عنه أدب الثورة، ولا هو يرضى لنفسه ذلك.

ولنا أن نتساءل: هل كان يقبل شاعر جاهلي أن تنسب قصيدة له يهجو بها الإسلام والمسلمين إلى الأدب الإسلامي؟

أنت هنا لا تنسب قصيدة شعرية إلى مذهب أدبي، بل إلى رؤية  فكرية وقيمة أخلاقية..!!؟

س12- كشاعر ومُعارض. كيف ترى مستقبل سوريّا؟، وما هي أمنيكَ الأخيرة، شاعرنا الجميل ياسر الأقرع. دمت شامخًا.

لم يعرف التاريخ شعبًا ثار من أجل كرامته وحريته ولم يكن له ما أراد.. لكن للحرية ثمنها، وعندما ثرنا على الظلم والطغيان كنا نعرف مسبقًا أننا أمام أعتى استبداد في العصر الحديث.. لكنها الحرية، جنة الله في الأرض التي تستحق أن نضحي من أجلها.

أرى سورية المستقبل كما كانت قبل أن يحكمها الطغاة درة هذا العالم، وتاج وجوده.. كيف لا وقد طهرنا أرضها بدماء الملايين منا، حتى نراها كما نتمناها.. (سوريتنا) لا ملكًا لمستبد، ولا مزرعةً لطاغية.

***

بطاقة تعريفية:

(( الشاعر ياسر الأقرع ))

** من مواليد حيّ (دير بعلبة) في محافظة حمص السورية 5 3 1972م

** إجازة في اللغة العربية - عام 1998م

** دبلوم دراسات عليا - عام 1999م

** ماجستير بدرجة امتياز -  عام 2003م / عنوان الرسالة ( الحبّ عند شعراء الشام في العصر الأموي)

** شرع لاحقاً في التحضير لنيل شهادة الدكتوراه، ولكن ما أصيب به بلده سورية من قتل وتدمير وتهجير حال دون إتمامها ومناقشتها.

** أصدر حتى الآن ستة دواوين شعرية، هي:

1 غداً تمحوكَ ذاكرتي (1998م) دار التوحيدي/ حمص

2 عيناكِ كلّ لغات العشق (1999م) دار التوحيدي/ حمص

3 الشعر بين قنديلين.. وجهك والقمر (2001م) دار التوحيدي/ حمص

4 أنتِ.. ويبتدئ العمر (2003م) دار التوحيدي/ حمص

5 لا.. أحبك (2005م) دار التوحيدي/ حمص

6 إذا قيلَ.. أنتِ (2018م) دار فضاءات/ عمّان

** أصدر كتابين في الدراسات النقدية:

1 الحب عند شعراء الشام في العصر الأموي دار الإرشاد 2008م

2 أحسن القصص(رؤية بيانية جديدة في قصة يوسف(ع)) دار الإرشاد 2008م

** اضطر لمغادرة وطنه أوائل عام 2014م، واستقر في العاصمة الأردنية (عمّان) ..واستقطب الأنظار بنشاطه الأدبي والشعري، فتوالت أمسياته الشعرية ولقاءاته الإذاعية والتلفزيونية.. وما زالت.

** تم اختياره واحداً من أفضل 100 شاعر معاصر في بلاد الشام، في كتاب (نخبة الشعراء العرب) الذي طبع في القاهرة عام 2017م.

** تم اختياره في نخبة شعراء سورية، ضمن سلسلة الشعراء الألف في الوطن العربي/ الصادرة عن دار النخبة في مصر عام 2018م.

** نال الكثير من الجوائز وشهادات التكريم خلال مسيرته الثقافية الأدبية.

 

حوار مع

الفنان والكاتب "عماد عبدالله المقداد"

 

 

التقديم:

كيف لحوار أن يتمَّ مع "عماد عبدالله المقداد"، و أن يمضي بعيدًا عن روح المكان وجاذبيته، دون الانطلاق من جوار الرَّاهب، وموطِئ قدم النبيِّ محمد صلى الله عليه وسلم؟.  مضى ومضيتُ معه فرارًا من جحيم الحرب، وكيف الحنين يتأجَّج فيه شوقًا لذرّة من ترابها؟.

عماد ابن السنابل. أحد ابناء مدينة بُصرى الشام أقصى جنوب سوريا. حمل إرثه العابق بالحضارة، المُثقَل بصخب التّاريخ. يليقُ بابن هذا كلّه؛ أن يكون واجهة ثقافيَّة عالميَّة طافحة بالحبِّ، والعطاء للإنسانيَّة جمعاء.

تفرَّد من جيل كادح خارج السِّرْبِ. يعمل ليبقى شامخًا بشموخ سنابل حوران؛ فكان هو الجيل بأكمله، حمل بقلبه هموم وطن جريح؛ فوقف واستوقف معه، ليعلنها شعرًا، ولوحات فنيَّة، وكُتُبا تعليميَّة، وألحانًا بالصَّوت والصُّورة.

بلا شكًّ. أنَّ ضيْفي على منصَّة حوارات سورية في المنفى "عماد عبدالله المقداد". هو حالة فريدة بمواهبه المُتعدّدة، وما زال في قمّة النمَّاء والعطاء، وبإصرار على تجاوز العقبات، وتمهيد الطَّريق من أجل المستقبل.

 

 

أسئلة الحوار:

*س1* عماد المقداد الفنان والكاتب المُتعدّد المواهب الفنيّة والأدبيّة. شخصيَّة مُتشابكة بتعالقاتها ذات الأبعاد والامتدادات، تتعدّى حُدود مألوف الموهبة. جمهورك وقراؤك يريدون التعرُّف إليكَ عن قُربٍ. كيف ستُقدِّم نفسكَ لهم، وعلى طريقتك.

عماد المقداد هو الإنسان الباحث عن الحقيقة والجمال بكل الصور وبكل الأشكال، وربما تعدد المواهب جاء من الطفولة مبكراً، واستمر اخلاصي لهذه المهارات وشغفي بها على مدار سنوات حياتي، وتطورت مع الوقت ومع الحدث الذي يسيطر على حياتي من غربة وهجرة وما بينهما، لذلك عندما جاءت لحظات الاحتراف والتصدر كنت بفضل الله على قدر حمل المسؤولية .

 

*س2* تعدديّة المواهب المُتفجّرة في صدر شخص واحد، مثل عماد المقداد. فمن الرّسم إلى الغناء والإنشاد والتلحين، إلى الكتابة الأدبية والتعليمية. لا شكّ بأنّنا أمام حالة فريدة في ظروف استثنائية. كيف استطعتَ الجمع بين هذه المسارات المختلفة المُتباينة؟. مع ضيق مساحة الوقت المُتاحة لكلّ هذا، ومع تقدّمك بالعمر، والعمل لاكتساب لقمة العيش. لو سمحتَ أضِئْ هذه الزاوية المهمّة في شخصيّتك بالطريقة المُحبّبة إلى نفسك.

أحب التغيير والتجديد دائماً، وتطوير المهارة كي لا أشعر بالملل من حدود معينة، لذا أبحث عن تقنيات جديدة باستمرار، حتى إذا أتقنتها خرجت لمهارة أخرى، وكله يسبح في ملكوت واحد، وهي أساليب وتعابير متداخلة .

وقضية الحالة الفريدة ربما لأنني منذ صغري لدي فرط نشاط ذهني (ADHD)، حتى أثناء النوم، وكون عملي في الحقل الفني الشامل يتطلب التمرين المستمر على هذه المهارات وأحيانا الحاجة للاكتفاء الذاتي تدفعني لذلك، مع العلم أنني أحب العمل الجماعي.

 

*س3* قُربي وقرابتي منكَ بمسافة سمحت لي بمعرفة الكثير عنكَ. ولكننا في حوار أدبي، من المُفترض بي سؤالك: عن معلمك وملهمك الأول في الفن والموسيقى والرسم؟. وما أثر ذلك وانعكاسه على مسيرة حياتك؟.

أفهم ما ترمي إليه، لأن من تقصده لنا ذكريات جميلة معه وهو (الخال) ابن عم والدتي. الفنان الشامل الراحل أبو السعود المقداد.  أول حالة فريدة أعايشها شخصياً، وتتتفح عيوني في مدينتي على أعماله المبهرة في شوارع المدينة وألوانه الجذابة، وخياله الرصين، والذي زرع بي اللمعان الأول والإعجاب بهذه اللوحات الإعلانية منذ فترة الصبا الأولى، والتي كانت تملأ مدن حوران في فترة الثمانينيات بالذات، ولأنه استفرد على الساحة في تلك الحقبة، فكان السند الفني الأول، علميّاً وتقنياً، ومعلم وموجه، ولا أنكر أيضا أستاذنا ومعلمنا أيضا في فترة الإعدادي الفنان والخطاط الراحل. علي الحليم المقداد. رحمهما الله تعالى وغفر لهما .

مما لا شك فيه أن هذه الشخصية الفريدة المتعددة المشارب الفنية والأدبية والمسرحية، والتي عايشتها عن قرب كان لها أثر محوري في حياتي العملية وربما الشخصية وربما اليوم نحمل الكثير من سماته .

 

*س4* أستطيع وصفك الفنان الملتزم. الملتصق بقضايا أمته وشعبه. فما هو نصيب الثورة السوريّة المجيدة (ثورة الحرية والكرامة 2011) من فن عماد المقداد المسموع والمشاهَد والمقروء؟.

(الثورة السورية) وهو المصطلح المتداول لحالة الهيجان الشعبي والمظاهرات ضد الظلم والفساد، بدأ التفاعل الفطري معها منذ اللحظات الأولى، فقد كنت أمتلك في دمشق استديو للتسجيل الصوتي، وخلال نزول أولى قطرات الدماء في حوران كنت أؤلف وألحن عمل موسيقي بعنوان (جرحك يا حوران)، وبعدها أرسل لي من البلد أخي أبو عبدالله المقدادي  الباحث المعروف. وعبر الإيميل عدد من القصائد باللهجة الدارجة وأنجزتها بوقت سريع، وتم تداولها على نطاق ما، وطبعاً أدركت بعد سنوات أن هذا كان عملاً انتحاريًّا، ونحن نقيم بقلب دمشق، وأتنقل بينها وبين مدينتنا (بصرى الشام) عدة مرات، وأشكر الله كثيراً أنني لم أتعرض للاعتقال بسببها، والآن أتساءل كيف قمت بهذا العمل حقاًّ، ولكن الله قدر ولطف.

وطبعا كنا نخرج بمظاهرات في حي الميدان مع أصدقائنا المتحمسين، وبعدها الجميع يعلم ما حصل تعرضت كل البيوت لنكبة وشهيد وهدم ووووو أشياء كثيرة أنتم أكثر من أرخ لها، وحين خرجت من حوران باتجاه الأردن وجلست في مخيم الزعتري قمت بإنشاء موقع للرسم الكاريكاتوري والذي كنت أتفاعل فيه مع الأحداث اليومية ولاقى قبول لدى جمهور الثورة .

ثم لاحقاً توقفت، لأن سقفي كان أعلى من سقف الثورة، فقد كنت أنتقد الأخطاء والممارسات المحسوبة على الثورة نفسها، ثم صنعت موقعًا آخر لرسم شهداء مدينتي لحظة استشهادهم، كنا نرسمهم بالدموع والألم .

ثم انتقلت لعمان وبدأت أطور من مدرسة التجريد الفني وأجري تجارب متطورة بحكم خبرتي الطويلة بالرسم والجداريات، فأقمت عدة معارض مشتركة وفردية ربما أهمها معرض (قارئة الفنجان) في محافظة الزرقاء، والذي لخصت من خلال لوحاته الكثير من قضايا الثورة مثل لوحة (الظل الأبيض) اللوحة الأشهر والتي أصبحت غلاف لإحدى رواياتك ، ولوحة الديكتاتور، ولوحة وجوه رمادية وكثير من الأعمال أرخت لهذه المرحلة .

ثم أدركت بعقل متزن أن الأمور أعظم بكثير من إمكانياتنا وصراخنا فاتجهت ثورتي للبناء الذاتي وتأليف الكتب في الإبداع و أدب الطفل، وطبعا تربية الأولاد وبناء نشء جديد متغير، (إنَّ الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)، وربما مع الإطالة بدأت تحدث سُنّة الاستبدال ونخسر الكثير من الناس، فكان يتوجب عليّ أن أحرف بوصلتي اتجاه البناء، بعيدا عن زعيق ونعيق وصراخ المتسلقين بدون جدوى، ناهيك عن الفساد الذي استشرى في جسم الثورة وأوقفها عند حدود معينة.

ولاحظ اليوم: ولهذه اللحظات التي أكتب بها ما زلنا نُراوح، وتُراوح الثورة معنا لم تنته الأمور كما يشتهي الشعب ويحبُّ، وقد تحولت الثورة إلى فتنة (وهو المصطلح الشرعي) .

 

*س5* سننتقل في حوارنا هذا إلى ساحة ورحاب الكتابة. فقد صدر في مجال الشعر ديوان نثري بعنوان (نغيمات الرحيل2020)، وآخر بعنوان(ابن الشتاء) ما زال مخطوطًا. هلّا حدّثتنا عن محاورهما الرّئيسة والمواضيع التي من خلال تريد إيصال رسائلك للمُتلقّي؟.

ديوان نغيمات الرحيل هو انعكاس للسنوات السبع الأولى من الثورة السورية جمعت به كل ذكرياتي ويومياتي الشعرية الموزونة وبعض الكتابات النثرية وبعض من الشعر العمودي، وربما تنحصر قيمته في تأريخه وتوثيقه لهذه المرحلة.

الديوان يتكون من (150) صفحة من القطع الصغير، وموجود على بعض المواقع العربية، وموقعي الشخصي، أما الديواني الثاني (ابن الشتاء) ربما يكون أكثر حرفة ونضوج وعمق ورؤية، وقد انتهى منذ فترة ولكن فضلت أن أحتفظ به كمخطوط حتى أستنفذ مقدرتي الشعرية، والتي لا أنوي أن تأخذ وقت أطول، لأن الشعر بوجهة نظري حاجة فطرية وتأريخية ولست على نسق دائم معه، وقد قلت كل ما أريد وأنتظر قضايا قليلة وأختمه وأطرحه.

 

*س6* عملت في تدريس فنون الخط العربيّ والرّسم وورشات عمل خاصّة للأطفال الهُواة والموهوبين. ما الذي أضفته لهم؟. وما الذي أضافوه لك من خلال تعاملك مع جيل مختلف عن جيلكَ بمسافة زمنية واسعة، واختلاف طرائق التفكير بين جيلين على طرفي نقيض؟.

صحيح بالأمس ختمت دورة وخرجت طلاب جدد لدي، وقد شعر الطلاب بمشاعر الحزن لانتهاء الدورة، كما شعرت أنا بنفس الشعور لتعلقي بطلابي، فأنا ولله الحمد ما زلت أحمل الكثير في شخصيتي من نزعات الطفولة، وربما يكون هذا ما أضافوه إليّ ( الاحتفاظ بروح الطفولة ) .

ورغم سيرتي الحياتية المريرة والتي تحمل الاغتراب واللجوء والكد والتعب وغيره، إلا أنني ما زلت أعيش بذات النفس البريئة التي حملتها طفلاً، لا تحمل الخبث في التفكير أو المواقف وردّات الفعل كما يفعل البعض، وتعتمد العفوية والصدق، نعم كسبت منهم الاحتفاظ بالفطرة ولكن بحذر وخبرة .

واقترابي من الأطفال ونجاحي في التعامل معهم، لأنني عملت في جداريات المدارس منذ ثلاثين عاما وكنت أتعامل معهم باستمرار وبشكل يومي، وربما فعلا زادت عاطفتي عندما أصبحت بهذا السن والخبرة وتوقي الفطري للأحفاد.

 

*س7* من المُلاحظ توجُّهك لأدب الأطفال فقد أنتجتَ سلسلة (يوميات نانا للصغار. ستّة أجزاء. عبارة قصص   ٢٠٢٠) وكتاب (الفنان الصغير2021). كتابَي(حروفنا العربية) و (English letters) منهاجي تعليم الحروف العربية و الإنكليزية للأطفال.

 ففي رأيك أيّهما الأجدى والأهم: الكتابة للصغار أم للكبار؟، وهل كان الشاعر السّوريّ "سليمان العيسى" مُصيبًا في قراره؛ حينما تحول لشاعر الأطفال الأهمّ عربيًّا بعد هزيمة حزيران 1967؟.

طبعا مصيباً 100 % لأنه حفر اسمه في وجداننا منذ الصغر، وقد ذكرتُ في الإجابة على السؤال الأول ربما أنني اتجهت في ثورتي للبناء الداخلي وتكوين الثورة البنائية الخاصة، وتوافقا مع سني وخبرتي، آليت على نفسي أن أتجه للكتابة لأفرغ هذه الخبرة لتستفيد منها الأجيال القادمة.

ورأيت أن البناء مع الصفحة البيضاء للطفولة أهون وأكثر دواماً وفائدة زمنية، وأكثر عمقاً، فأنت تحفر بالصخر (أليس يقولون العلم في الصغر كالنقش في الحجر)، و في جلسة مع كبار الشعراء صرَّحوا بأن الكتابة للصغار أصعب من الكتابة للكبار، لأنه مطلوب منك أن تصيغ لهم السهل الممتنع البسيط والأسلوب الميسر والعمق بنفس الوقت، هذه رسالتي باختصار مع الصغار وأدبهم .

*س8* صدر لك مؤخرًا كتاب (أسس العمل الإبداعي 2022)، وكتاب (اللغة البصرية) في تعليم مبادئ الرسم. هل تعتبر نفسك مُعلّمًا أم فنّانًا أم كاتبًا؟، وأين يجد "عماد المقداد" حقيقته بين هذا كلّه؟.

(الباحث عن الحقيقة والجمال ) بكل أشكالها هو الأقرب لنفسي، فأنا فنان أولاً، وأصبحت كاتباً بعد أن اكتسبت خبرة حياتية من خلال الفن الذي تعلمت أن يكون انعكاس لمضامين ثقافية وحياتية متنوعة، ثم أصبحت معلماً بعد أن أصبح لدي مضمون نفعي أقدمه.

والفن أتاح لي الخيال والمراقبة أيضاً والقدرة على التأمل بعمق شديد، وكأنني أرسم لوحة دقيقة التفاصيل ولكن بالوصف الكتابي، لذلك أجد حقيقتي بالبحث المستمر عن الحقيقة ولا أتوانى أن أصدح بها.

لدي برنامج أسبوعي كل يوم جمعة الساعة العاشرة مساء اسمه (برنامج منارات مستقبلية)، أستضيف به أخي الباحث (أبوعبدالله المقدادي) على قناته في حوار حول قضايا عديدة، وكانت لدينا بالأمس حلقة امتدت لثلاث ساعات، وجدت حقيقتي أيضا وحقيقة خلق الله تعالى لنا، وذلك من خلال البحث العلمي والشرعي وإسقاطاته على واقعنا المعاصر، وتعلم قد ورثنا هذا الحب من والدي رحمه الله، وجدي العالم  (عثمان المقداد) ، ولا شك أنني استفدت طبعا من خبرة أخي الباحث وعلمه الغزير، وكل هذا أشعر به بالاطمئنان وأجد به ذاتي .

 

 

*س9* هذه الأيّام نحن في الذكرى الثانية عشرة من انطلاق ثورتنا السورية (15/3/2011)، في ظل الاختلافات والاختلاطات والمؤامرات والانكسارات، والأوحال الماديّة، والنفسيّة، والروحيّة للسوريين في الداخل والخارج. فهل برأيك هذه هنا نهاية المطاف، والعودة للمُربّع الأول الذي انطلقنا منه؟، وهل هذه نتيجة منطقيّة لحجم التضحيات الضخمة التي قدّمناها من أجل حريّتنا؟.

كما يقولون بالدارج (تعلمنا من كيس أنفسنا) ومن تضحياتنا الكبيرة واكتشفنا حجم الخداع في هذا العالم، وحجم المؤامرات أنك يجب أن تبقى تحت مسمى (العالم الثالث) وليس الثاني حتى، وهذا التصنيف وحده يحمل الكثير من الاحتقار للشعوب الذين كانوا هم المسؤولين عن توصيلهم لهذه الحالة بالأوحال المصطنعة.

مؤكد ليس هذا نهاية المطاف، بل أؤكد من خلال الدراسات أننا على شفا مرحلة انتقالية كبيرة تنتهي بها سلطة الحكم الجبري العالمية وسلطة قرن الشيطان الإقليمي والذي تحالف على إهلاك الأمة بتزوير الدين، وتصدير حياة استهلاكية تامة تجعلنا نعيش في جحر الضب النجدي مدد طويلة، نأكل بعضنا ونجاهد بعضنا ونقتل بعضنا البعض.

قد يكون ما حصل نتيجة طبيعية لحجم الفساد والإفساد وليس لحجم التضحيات، فبالتضحيات تقوم الأمم وتُبنى من جديد، وكلما طال أمد التضحيات كبرت التربية.

 

 

*س10* ما هي رؤيتك لمنتج الأدباء والكتاب السوريين في المنافي بمختلف تجنيساته؟. وهل نستطيع وصفه أو تسميته بأدب الثورة السورية؟. وهل لك توصيفه برؤيتك الشخصية؟.

مؤكد أن الناتج ربما تعرض للغربلة والتحولات توازياً مع ما حصل، ويحدث خلال الـ 12 عاما المنصرمة، وكنتيجة ستفرز الظروف الجيد من الهزيل، ويبقى الأكثر صدقاً والأكثر نقاءً، والأوسع رؤية،

الأدب هو أدبنا وهو نتاجنا ويوسم بأدب الثورة السورية لأنه نتاج لهذه المرحلة الزمنية من الفتنة ووضوح الرؤية، وطبعا كلمة الفتنة لها مدلول واسع وأستعملها بهذا الغرض، أي تمحيص الناس وافتتانهم ليخرج منهم زيافهم، ويبقى صفوة الصفوة الذين سيقيمون الدولة القادمة والتي مؤكَّد ستتغير معه خارطة المنطقة وتعود بلاد الشام كتلة واحدة، بعد أن تتفكك وتتشرذم إلى قبائل (وهذه سمتنا التاريخية) وليست غريبة علينا، حتى يلتئم شمل لأمتنا العربيَّة الموَحَّدة.

 

*س11* حدث تغيير ديمغرافي داخل الوطن. بينما خارج الوطن، اللاجئون لا خيارات أمامهم إلا بانتظار العودة، أو إعادة التوطين في بلاد مختلفة الثقافة والأديان والعادات والتقاليد. فهلّا بوقفة للتأمّل: نحن أمام معضلة وجودنا أو عدم وجودنا، وقضية انتمائنا لسوريا وللعروبة والإسلام. فماذا لو أدليتَ بدلوكَ في هذه القضايا السّاخنة؟ وماهي أمنيتك لسوريا المستقبل؟.

وجودنا باقٍ بشهادة القرآن والسيرة النبوية ووعد الآخرة، وهذه الأمة التي تعرضت للتمحيص هي من سيحمل الراية غداً، ونحن اليوم لنا من النبوة قدوة وأسوة حسنة في هجرته وإعادة بنائه مدة لا تقل عما نحن به اليوم، ثم عاد فاتحاً، وكل الأنبياء الكرام تجد في سيرتهم شيء من هذا الذي نحن به اليوم، لذلك أنا اليوم غير قانط وغير يائس، بل أؤكد على السنن الكونية التي وضعها الله في الأرض في تعامله مع أنبيائه وشعوبهم.. سوريا المستقبل لن تكون كما هي اليوم مؤكد ذلك.

 

*س12* عماد المقداد. بكلمة أخيرة ما مشاريعك المستقبلية؟. وأين تريد الوصول؟.

مشاريعي الحالية واستكمالاً لفكرة الفنان الشامل الذي لا ييأس عن اقتحام كل جديد، وتعلم أنني درست الموسيقى صغيراً وأعشق التلحين منذ فترة صباي الأولى ولم أتوقف عن هذه الهواية وكان لدي استديو في الشام والكويت كما أسلفت، وانقطعت عن ذلك بسبب الحالة التي وصلنا لها في الهجرة وأيام الضنك.

اليوم أفتتح استديو جديد من خلال عملي، وأعود لتسمعوا أعمالاً موسيقية احترافية بإذنه تعالى تحمل القيم والمضمون الجيد، لعلها تساهم في طرد القبيح وإن بنسبة 1 بالألف، كل أذن تقومها بلحن أصيل تطرد تلقائيا النشاز السمعي الذي تعودته الأذن العربية اليوم . وللزمن دورات يدورها وبإذنه تعالى نحن مع دورة الأصالة الفكرية والثقافية والأدبية والفنية، نقوم على القطعة التي نستطيع تأديتها بواجبنا اتجاه هذه الأجيال التي هي أمانة في أعناقنا، أن نقدم لها كل ما هو أصيل وينتمي لتراثنا وحضارتنا حتى وإن كانت قطعة موسيقية . وأختم .. وأريد تقديم عميق شكري الجزيل لهذه اللحظات التي استدرجتني بها لأتكلم بصدق مع صديقنا وحبيبنا وقدوتنا في العمل والكد والبناء .

بوركت والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

..*..

 

** بطاقة تعريفية "عماد المقداد"

- عماد عبدالله المقداد/ تولد دمشق/١٩٧٠

- خريج جامعة دمشق/دبلوم كهرباء/١٩٩٣

-  *العمل الأساسي* : رسام جداريات متفرغ منذ ١٩٩٣ حتى اليوم .. رسم الآلاف من الجداريات التعليمية المدرسية ولوحات الطبيعة في عدة دول الكويت والشام والأردن .

- فنان تشكيلي مشارك بمعارض عديدة تجاوزت 25 معرض نال عنها التكريمات .. أهمها المعرض الشخصي الثالث بعنوان ( قارئة الفنجان ) في البيت الأدبي للثقافة والفنون/أحمد أبو حليوة/ والذي قدمت فيه دراسة مفصلة من الناقد الأردني/ عبدالرحيم الجداية وكان أشبه باحتفالية امتدت لست ساعات ..

- كُتب في أعماله التشكيلية مقالات ودراسات في عدة صحف عربية ومحلية .. جمعت في إصدارين من 350 صفحة ..

- معلم  مادة الرسم بمركز الأمل للتعليم التأهيلي/ ٢٠١٨ - ٢٠٢٠

- تولى تحكيم مسابقة منتدى الجياد السنوية للفن التشكيلي ٢٠٢٠

- أديب ومؤلف في الفكر الإبداعي وباحث في علم الاسكاتولوجي وقضايا الساعة ..

- رئيس تحرير مجلة نورك الثقافية  الالكترونية المتنوعة (صدر منها 11 عدد ) ..

*أهم تكريماته* :

- أوسكار جمعية نجم العربية الدولية عن مرور 30 سنة على احترافه العمل الإبداعي وتم بحفل إشهار آخر إصداراته ( أسس العمل الإبداعي) في المكتبة الوطنية/ عمّان / 2022

- وثيقة اتحاد شركاء النجاح الدولي / المكز الثقافي الملكي/ 2021

- درع الثقافة والفن / مقدم من الفريق الإبداعي الأردني /2022

 

  * *إصداراته من الكتب*  : 

 

في *الأدب والشعر* :

- ديوان (نغيمات الرحيل)2020

- ديوان ( ابن الشتاء ) مخطوط جاهز

*في مجال أدب الطفل*:

- سلسلة (يوميات نانا للصغار) ٦ اجزاء قصص ورقية ملونة ٢٠٢٠

- كتاب ( الفنان الصغير) ٢٠٢١

- عدة مخطوطات تحت التحضير مجموعة للأطفال ( ديوان براعم النور - كتاب تغاريد صامدة ( نظرة في أدب عبدالكريم نعسان) - تنمية مهارات الطفل الإبداعية)

و *صدر إلكترونياً للأطفال* :

- كتابَي(حروفنا العربية) و (English letters) منهاجي تعليم الحروف العربية و الإنكليزية للأطفال ملون ..

*في الدراسات الإبداعية والفنية* :

 - كتاب (دراسات وقراءات تشكيلية )دار الصايل/٢٠٢١

- كتاب (أسس العمل الإبداعي)/٢٠٢٢

- كتاب ( اللغة البصرية) في تعليم مبادئ الرسم /٢٠٢٢

- *صدر إلكترونيا* :

- كتاب أمثال وأشكال( تراث حوران الشعبي) 2022

- كتاب (ملامح النسيج التشكيلي) 2022

*جميع الكتب وإصدارات أعداد مجلة نورك متوفرة إلكترونيا (pdf) على موقع الفنان وبعضها مجاني* https://emadworld.com/

*  *لقاءاته* :

- ( الرافدين - أوريينت - الجسر - أبو ظبي - الشارقة - الغد - التلفزيون الأردني- التلفزيون العربي ) ولقائين إذاعيين مع (الإذاعة الأردنية - وإذاعة مجمع اللغة العربية ) ..

* *دراساته الخاصة* :

- دراسات شرعية في الفقه والعقيدة ودورة سنة في الأوقاف ٢٠١٠

- دراسة الهندسة الصوتية وإدارة الاستديو ٤ سنوات كورسات على النت / ٢٠٠٢م والمقامات الموسيقية و له عدد من التجارب والإصدارات في مجال الإنشاد للأطفال وأوبريت بمناسبة المئوية الأردنية ..

*لقبه* : يلقبه أصدقاؤه ( الفنان الشامل )

..*..

 

 

 

 

 

 

حوار مع

الكاتب والأديب محمد زعل السَّلُّوم

 

 

تقديم:

ضيفي نمط سوريٌّ مختلف، فهو مُترَع بخصوبة تُربة الجولان السُّوريِّ المُحتلّ،  معجون بالعطاء بلا حُدود، دراسته للغات والترجمة في جامعة دمشق. واسع المعرفة، حالة نادرة مُدهشة، تواضعه آسِرٌ. دؤوبٌ حادبٌ بالاشتغال على مشروعه الفكريِّ ذي الأبعاد الثقافيَّة المُتشعبَّة، فيما بين دروب الشعر الحُر النَّثري، والرواية، وكتابة المقالة بمختلف اِنتماءاتها الأدبيَّة والفكريَّة والسياسيَّة والنّاقدة، والدِّراسات المُقارَنَة، والتاريخيَّة والتوثيقيَّة. 

"محمد زعل السَّلوم" رقمٌ ثقافيٌّ سوريٌّ صعب، يحارُ من يُدير حوارًا، من أين سيبدأ؟. وفي عُجالة الفُسحة المُتاحة للحوار، لاشكَّ أنَّها لن تستوعب إلَّا النَّزر اليسير من شخصيَّته المُثقَّفة، وبحاجة لجلسات عديدةـ للإتيان على الجوانب الكثيرة، ولإيفائه حقَّه، وتعريف القُرَّاء به. فلنبدأ على بركة الله.

أسئلة الحوار:

1- محمد زعل السَّلوم رقم ثقافيٌّ صعب التَّهجئة، فكيف تستطيع تفسير هذا الرأي، فكيف يستطيع القارئ قراءتك إذا لم تفسر لنا ذلك بعرض مناسب كما ترى نفسك؟.

في الحقيقة أعتبر نفسي بأنني لازلت أحبو في عالم الثقافة، ربما لأن مشروعي الثقافي لم يكتمل بعد، أو ربما لأنني لم أصل بعد لهدفي المنشود، فعندما بدأت الكتابة قبل ثلاثة عقود بتفريغ ما أسمعه من إذاعات العالم عبر تسجيلها على كاسيتات، ورغم المجلات والكتب التي أستعيرها من مكتبة المدرسة والصحف والكتب التي أحصل عليها أو أشتريها من أقرب مكتبة أراها خلال زياراتنا العائلية لمنزل جدي بمخيم اليرموك بدمشق أو من مكتبة الربيع في "جديدة عرطوز البلد"، أو ما أحصل عليه من والدي وأخوالي وأهلي من مجلات وكتب، كل هذا النهم للقراءة بل وتوثيق ما أقرأه بدفاتر أخصصها لأقص وألصق وأكتب بخطي من المجلات ما يعجبني من المعلومات، كنت نوعاً ما لا أجد في المدرسة ما يكفي للإجابة على تساؤلاتي الكثيرة والتي تبدو كالطوفان في أحيان كثيرة، سؤالك صديقي العزيز كاتبنا وأديبنا الكبير "محمد فتحي المقداد"، حرك سيل من الذكريات في بالي، لأن الثقافة بحد ذاتها مفهوم كبير جداً وشديد الاتساع بل هو مفهوم غير واضح المعالم فهل المثقف هو القارئ فقط أم خريج الكليات والجامعات أم المتفرغ للكتابة على أنواعها، في الماضي كانت الصحف العربية تخصص صفحات مطولة للمثقفين إذا اتفقنا على الكتابة الإبداعية للدلالة على الثقافة والمثقفين واليوم لا نجد إلا ما نسميه في عالم التواصل الاجتماعي وللأسف التريندات، وهو تسخيف المجتمع والإبداع والانحدار نحو عالم التفاهة، وهذا التسطيح في المفاهيم ربما صَعَّب على الكثيرين قراءتي، وفهم محتوى ما أرمي إليه، وكل ما أتمناه أن تساهم الصحف والدوريات العربية والمجلات المحكمة بأن تأخذ دورها في تعميم الثقافة بمعناها العميق والمتزن وأن نأخذ زمام المبادرة كمثقفين، إذا اعتبرنا أنفسنا ذلك، لرفع سوية الذائقة العامة بين الناس وأن نبتعد عن سفاسف الظاهرة الحالية وما نسميه ثقافة التريند والفاشينيستا وصانعي المحتوى البسيط، وأن ننهض بمحتوى جاذب وأكثر مسؤولية، وهناك تجارب على قلتها لكنها نجحت مثل الجهبذ والدحيح وغيرهما.

2- محمد زعل السَّلوم يمتلك ثقافة موسوعيَّة مُتنقِّلًا ما بين الشعر والرواية والخاطرة والترجمة والمقالات الفكرية والسياسيَّة. أين تجد نفسك ضمن هذا الخضمِّ؟. وقد ناهزَتْ مؤلفاتك المئة كتاب بمختلف فنون الكتابة، فما الذي سيروي غروركَ أو فلنقُلْ طُموحاتكَ؟.

أنا قارئ متنوع لدرجة أنني أقرأ كل ما يقع بيدي وما تراه عيني، تنقلت في الشعر بين الشعبي النبطي المناسب للهجتي البدوية الجولانية والنثر وكان لي محاولات في القصيدة العمودية، وربما كتاباتي الأولى كانت بدائية وبسيطة وتعبر عن عقلية طفل، ولكن كلما تقدمت بالعمر وتجولت في عالم الثقافة أكثر تتغير لغة قصيدتي وتتحول، لكنني عندما جربت القصيدة الجذامية التي اخترعتها على أسلوب الكولاج والدادائية والسريالية والرمزية عام 2003 وأعتقد أنها اللحظة الفارقة في حياتي في الكتابة الشعرية، فلم أتمكن من تجاوزها، أحياناً أشعر بأن علي إعادة صياغة ما كتبت، لكنني أجدها مادة خام ولغة جديدة في كل مرة أعيد قراءتي لكل قصيدة كتبتها، خاصة مجموعاتي ألفية بغداد وألفية الجنون والحب والتكوين والنبش والهذيان وصولاً إلى عُرمة قمح والخوارج على الحب.

وفي الرواية كانت تجربتي المنشورة مشرد البوسفور محاولة أخرى على طريق الذاتوية والرواية القصيرة، وبالنسبة للترجمة فهي عالمي ومنبعي الرئيسي ومن خلالها أتجول بين وجهات النظر المختلفة في هذا العالم بين يمين ويسار وبين وسط وليبراليين، ومن خلال هذا التنوع الفكري الهائل ووجهات النظر المختلفة أخرج بمقالاتي السياسية والفكرية واستنتاجاتي الخاصة التي ربما تختلف مع المصادر التي أستقيها منها، وحتى أحياناً بشكل جذري، فما أراه من منطقتي وبشكل طبيعي يختلف عما يراني الآخر، وحتى عندما أريد النظر للآخر فأراه من وجهة نظري لا وجهة نظره مع عرضها على القارئ وإن اختلفت معها.

بالنسبة للشق الخاص بسؤالك صديقي الكريم عن طموحاتي، فلا أعتقد أنني أتوقف عند سقف بعينه، فمن يقرأ السياسة والواقع السياسي يجد أنه عالم متغير على الدوام، وبالتالي علينا ملاحقة الأحداث، فعندما أعمل كمحرر أحياناً لا ألحق على أخبار سوريا لوحدها فما بالك بالعالم، ولكن علي وعلى الدوام الاطلاع على ما يجري حولنا. ومجاراة تحولات العالم، وبالنسبة للفكر فهنا قضية أخرى، فالفكر بالنسبة لي نظرة استشرافية لما يجري وسيجري على الأرض ومقارنة الماضي بالحاضر، وهناك الكثير من الأمور في الماضي التي يمكننا استخدامها لإسقاطها على واقعنا اليوم، ولسبب النضج السياسي في أوروبا التي عاشت نهضة فكرية عظيمة قبل وبعد الحربين العالميتين، فيمكننا الأخذ عن تلك التجارب النهضوية للإفادة منها في عالمنا الديستوبي العربي البائس اليوم مع الأسف.

3- هل تتذكّر ذلك الظّرف، وتلك اللّحظة من العمر، عندما قُلتَ لنفسكَ: "أريدُ أن أكون شاعرًا؟"، وهل مرّت بكَ لحظة من العمر لنفسكَ فيها: "ليتني لم أكُنْهُ أي الشّاعر؟". خاصَّة عندما مُنع ديوانك (ألفيَّة بغداد) من النشر في دمشق قبل 2011.

لم أعتبر نفسي شاعراً في يوم من الأيام ولكن محيطي اعتبرني شاعر، فمنذ أول قصيدة بسيطة كتبتها في طفولتي ومحاولة تقفية شعريتي، لاقيت التشجيع الكبير من عائلتي والمعلمين في المدرسة واعتبروني شاعراً، بل وفي كل اجتماع عائلي كانوا يطلبون مني أن أقرأ لهم، بل وكنت أسجل كاسيتات شعرية بصوتي، خاصة الشعر النبطي، وكانت بيئتي مرحبة وبقوة لمحاولاتي التي اعتبرها اليوم ساذجة أو بالأحرى مناسبة لتلك المرحلة من حياتي وسني، لكنهم، وأقصد أهلي، كانوا يتقبلون تنويعاتي على إيقاع الشعر ويشجعوني على الدوام لأتطور، بل ومن حبي للاستمرار كنت أستمع يومياً لإذاعة دمشق حيث تقدم الإذاعة كل يوم قصيدة عربية من روائع الشعر العربي، وكنت أقرأ القصائد في الصحف والمجلات التي تقع بين يدي وخاصة مجلة العربي بين قصيدة حديثة وكلاسيكية، وما تنشره مجلة المعرفة لوزارة الثقافة السورية، عدا استماعي لإذاعتي الكويت والرياض من السعودية وقصائد النبط وكنت أحاكي تلك القصائد وأقلد وزنها وأبحث عن ذاتي معها. أما اللحظة التي أعتبرها لحظة الشعر فكانت عام 2003 كما ذكرت، عندما كتبت ألفية الجنون وألفية بغداد وكان نمط مختلف جذرياً عن الأوزان والقوافي وأكثر نضجاً ووعياً، وهنا تفجرت كتاباتي النثرية وهناك من اعتبرها ممن حضروا أمسياتي الشعرية بدمشق بزمن طويل، فكر لا شعر، والغريب أنها كانت سوداوية ليس فقط بسقوط بغداد وإنما برؤية استشراف لمستقبل مظلم لبلادي سوريا وهذا ما حصل بالفعل. ومع ذلك ستجد في طياتها روح أمل ما بعد الدمار المتوقع.

وفي عام 2010 قررت الحصول على تراخيص لستة دواوين شعرية في اتحاد الكتاب العرب بدمشق، هي الحب والتكوين وألفية بغداد وألفية الجنون والنبش والهذيان وعُرمة قمح وأوبوا أو الريم والحب عندما قدمتها كمسودة للاتحاد، وانشغلت بعد ذلك رغم أنهم ذكروا لي أن أعود بعد شهرين للتقييم والترخيص في الطباعة، ولم أعد إليهم إلا في عام 2014، ويومها اكتشفت منعهم لألفية بغداد وألفية الجنون والنبش والهذيان، بحجة المفردات الصعبة فيها، ولكن معظم مواضيعها كانت سياسية سوداوية فكيف لهم أن وافقوا على عُرمة قمح السياسية أيضاً، والتي تتناسب مع فكرهم بشكل أو بآخر وتفاؤلية نوعاً ما، فيما رفضوا البقية بحجة واهية. فقط لأنها تكشف حقيقة الكرسي وبشاعة الأنظمة العربية وعالم الديستوبيا المظلم الذي نعيشه في عالمنا.

وبالنسبة للحظة "ليتني لم أكن شاعراً" في الحقيقة كما ذكرت فأنا لا أعتبر ذاتي شاعراً وإنما أحب أن أعبر عن مكنوني على طريقتي، ليس من باب الإنكار والتخلي عن شعريتي أو ما أنثر بقدر ما هو نوع من الإحباط من بين آلاف الإحباطات التركية التي أعيشها في هذه البلاد الغريبة التي أعيش فيها والمماحكات والمضايقات التي أتعرض لها فيها.

4-ماذا تقصد بعبارة آلاف الإحباطات في تركيا، هل بسببها ستعتزل الشعر مع أنني أرى المزيد من كتاباتك الشعرية وغزارة تلك الكتابات، ولكن سؤالي هل تعرضت للتهميش في تركيا قبل أو بعد اعتقالك، رغم نشاطك الكبير فيها، أم تقصد مهرجانات الشعر التي أقيمت في اسطنبول وتم استبعادك عنها رغم أنك طبعت ورقياً في تركيا لوحدها 13 ديوان شعري من أعمالك التي منعت في سوريا وأعمالك الحديثة مثل هانا واساكو وأيتام محمد وغيرها؟

في الحقيقة قدمت في تركيا عدة أمسيات على قلتها، آخرها في مركز الدار في تقسيم قبل أربعة أعوام، وقبلها مرتين أمام جمهور من مختلف أنحاء العالم، وكانت ضمن مايك مفتوح بمعنى ليست امسيات بقدر ما هي محاولة بائسة للتعبير عن ذاتك أمام جمهور لا يفهم ما تتفوه به، وبالنسبة لمركز الدار كان بمبادرة مني ومن صديق وهو شاعر أيضاً مع عدة شعراء من سوريا وفلسطين والعراق، وحضرت ذات مرة عن طريق الصدفة اجتماع للكتاب العرب والأتراك بدعوة من اتحاد كتاب الأناضول، وللمفارقة كان إسمي بين المدعوين، ولكنني لا أعلم بالدعوة لو لم تسألني الكاتبة السورية ابتسام شاكوش، لأنها لا تعرف مكان الاجتماع بسبب خبرتي باسطنبول، وأعطتني رقم كاتبة وصحفية تركية ناطقة بالعربية لأكتشف أن اسمي موجود وأنا لا أعلم، هل هو بسبب تغييري لرقمي القديم؟ أم بسبب إهمال متعمد فلا أعلم، وبالفعل حضرت اللقاء الثقافي وأخذنا صورة جماعية. وكتبي موجودة رسمياً في مكتبة جامعة إسطنبول المركزية وفي وزارة الثقافة التركية.

بالنسبة لموضوع التهميش في الوسط الثقافي العربي في تركيا، فهذا نصيب معظم كتابنا العرب، وبالنسبة للمهرجانات الثقافية التي لم تتم دعوتي لها، كما ذكرت فقد غيرت رقمي الذي يعلمه الجميع، وربما تمت دعوتي وربما لا، فلا أعلم إن كان ذلك من باب التهميش، وعندما طبعت كتبي فقد عرضتها في معرض اسطنبول السادس للكتاب العربي عام 2021، ومعرض غازي عنتاب عام 2022، وربما من سوء حظي أنني غير معروف في الأوساط الثقافية التركية لعدم ترجمة أعمالي للتركية، واليوم تطوع أحد الأصدقاء والكتاب الأتراك بترجمة ثلاثة من أعمالي للتركية من اختياري وقد اخترت ألفية بغداد والنبش والهذيان وروايتي اليتيمة المطبوعة مشرد البوسفور. وسيساعد آخر يملك دار نشر في روما وأمستردام في ترجمتها للإيطالية والإنكليزية والهولندية.

ربما بسبب عدم نشاطي الكبير جماهيرياً بمعنى الشعر هو سبب اعتبار ذاتي أنني لست بشاعر لكثرة الانتقادات والخلافات حول ماهية الشعر الحديث والتنمر وهذا الجبل الهائل المتراكم من صدماتنا كسوريين، أو ربما لأنني وبكل بساطة نخلة غريبة في أرض غريبة، وهو شعور مرير أحياناً، بأنك مستبعد ومهمش، ومع ذلك فهذا لم يمنعني من استكمال بعض أعمالي وطباعتها.

 

5- ماذا يعني لك الانتقال من عالم الشِّعر إلى عالم الرواية، عندما أصدرت روايتك "مُشرَّد البوسفور"؛ فهل كان ذلك لتُتثبت للعالم أنَّك لاجئ صاحب قضيَّة؟. أم هو الرَّفاه الأدبي واستعراض مهاراتك في الكتابة؟.

كانت مشرد البوسفور أقرب ما تكون لليوميات المتقطعة منها للرواية، وأحببت من خلال تلك اليوميات على قلتها أن أوثق بعض لحظاتي الاسطنبولية، ففي اسطنبول وجدت عالم حداثة مختلف عن دمشق وبنية تحتية مختلفة عن دمشق، وبحرين هما مرمرة والأسود ومضيق البوسفور والخليج، كل هذه البيئة المذهلة أخذت من لباب قلبي وكنت أحاول مجاراتها مع عالمي الجديد، بعد سنوات طويلة من الحرب في بلادي فقدت فيها الكثير من احساسي كمواطن مدني يعيش بحرية "تنقل ثقافي" كما كنت أعيش بعمق الحياة الثقافية في دمشق من عام 1999-2011، حيث كنت أحضر مهرجانات الجاز والسينما وأتعرف على موسيقات العالم بدار الأوبرا والمسرح السوري وحتى العالمي وأنهل من معين الثقافة الكثيف وخاصة التي تأتي عبر المركز الثقافي الفرنسي والإسباني والألماني والهولندي والدنماركي والفنلندي والروسي وحتى البريطاني والأمريكي على قلة نشاطات الأخيرين وكنت متلقي جيد لمختلف تلك الثقافات، وقد وثقت بعضها على غزارتها وغطيت الكثير منها عبر برنامج كنت متطوع فيه كمراسل في راديو مونت كارلو، ثم تحل الثورة ويتم إغلاق تلك المراكز وأعيش نوع من الحبس الذاتي بعد الثورة السورية وشلل الحياة الثقافية، لأجد نفسي مجددا في إسطنبول محاولاً إعادة تركيب بنيتي الثقافية ومجاراتها من معارض كتب ومعارض فن تشكيلي وحفلات لمختلف أنماط وموسيقات العالم، بل والبحث عن المسرح والسينما في هذه العاصمة الكونية والميغا سيتي والتي تقف على أربع حضارات هي الرومانية والبيزنطية والعثمانية وعالمنا الحالي، ففيها ركبت أول مترو وأول ترام والذي حرمت منه دمشق منتصف القرن الماضي، وأول عَبّارة بمياه البوسفور بين جانبي آسيا وأوروبا والعكس في اسطنبول، هذه المدينة التي أسكرتني في حبها لدرجة نسيت نفسي بها، وانغمست أكثر فأكثر في عوالمها المتناقضة بشدة، فأحببت تكريمها وإظهار جزء من عالميها النهاري والليلي، والعلوي والسفلي، ولا أعتقد أنني أنهيت تلك الرواية، وفي اسطنبول أيضاً كتبت المزيد والمزيد من الشعر والدواوين، وفيها طبعت 15 كتاب دون رقابة هذه المرة، بل وشاركت كتبي في معرض كتابها العربي، فشعرت بأن لدي أجنحة أحلق فيها أخيراً، ففي البداية استغربت حجمها وأنا المعتاد على حارات الشام الضيقة، واعتقدت في البداية أنها مارد سيبتلعني، ولكن شيئاً فشيئاً بدأت بترويضها، وخاصة أنني تنقلت فيها بين أكثر من ثلاثين منزل وسكن خلال ست سنوات فقط.

 

6- كمُبادر ومُتطوّع للعمل الإغاثي والتعليمي، ومن خلال هذا المجال،  كيف تكوّنت لديك فكرة تشكيل نادي "أوتاكو" وما هو الدور المُرتجى الذي تطمح إليه من "أوتاكو"؟، وفيما بعد ذلك حصلت على جائزة أدبية يابانيَّة رفيعة المستوى في مجال إرساء السلام العالمي، لمخاطبتك الشعريَّة للعالم باللغة اليابانيَّة، وببعض اللَّوحات التي مثُّلت شخصيَّة يابانيّة معروفة؟.

التعليم والتطوع والعمل الإغاثي والإنساني هي أكثر الأشياء التي تنعش روحي وتمنحني نوع من الرضا عن النفس تجاه شعبي وتجاه هويتي كإنسان، فبعد الزلزال الكبير في تركيا يوم 6 شباط 2023 وهو فجر مشؤوم بالنسبة لي، عشت أيام عصيبة وأنا أتواصل مع فرق الإنقاذ الشبابية السورية في هاتاي وجنديريس وغازي عينتاب وأورفا والعثمانية، وبذات الوقت أتواصل مع الأصدقاء في برلين وباريس وطوكيو وكيوتو وكوماموتو والجولان المحتل، ولم أكن لأنام الليل لمجرد البحث عن أمل بنجاة عائلة أو خدمة مشرد، فأنا بالأساس مشرد وأعرف ما تعني تلك الكلمة بالذات، وكنت في الجنوب السوري قد عملت بمجال الإسعاف والإغاثة وعندما كنت بدمشق كنت المعلم، وكان لدي نادي والهدف منه إحياء نفوس تلامذتي على موتها بعد القمع الشديد والدمار الشديد لمدن جنوب دمشق وخاصة مخيمي اليرموك وفلسطين ومدينة الحجر الأسود وخان الشيح وكان معظم طلبتي من تلك المناطق، وأحببت أن أصنع في قلوبهم الأمل وأن أتطلع معهم لدولة تزامنت مع الثورة السورية بكوارث الزلزال والتسونامي والكارثة النووية، وأحببت أن أشجعهم من خلال نهضة اليابان وعودتها لتقف على قدميها رغم الكوارث الثلاث وإن كانت في جزء منها طبيعي وجزء من صنع الإنسان أي محطة فوكوشيما النووية، وأن يقارنوا ذلك مع ما يحدث بوطنهم سوريا وهم اللاجئين الفلسطينيين، كل ذلك جعلني أعيد النظر وأغير طريقة تفكيرهم، بالتعايش مع كوارثهم بأن يطلبوا الحياة ويعيشوا الأمل رغم القوة الطاغية التي تقول العكس وتصنع الموت، كنا معاً، أنا وطلبتي جيل ثورة وأزمة بذات الوقت، وكان علي وواجبي كمعلم أن أستمر، فقد هدم النظام معظم مدارس الأونروا، المنظمة التي كنت أعمل بها، وأمام هذا الهدم علينا البناء، في داخل قلوب طلبتنا، وقد نجحت لو جزئياً بذلك، وكان اهتمام راديو اليابان الدولي بنا مبعث أمل وشاركنا بمسابقة "أغنيتنا من كلماتكم" وكانت أغنية إينوري أي دعاء باليابانية، وتكريم الأونروا لي، كل ذلك فجر حريتي بالمبادرة والإبداع في البحث عن بدائل تعليمية، وتحولت من متلقي للثقافة ل12 عام إلى صانع لها، فكان مشروعي في التعلم الذاتي والتعليم البديل والمناهج والمواد الدراسية خارج المنهاج قد أتت أكلها وقدمنا مسرح وشعر وغناء وزرعنا حديقة مدرسية وأسسنا نادي بيئي ومعرض للكتاب التبادلي ومهرجان لحقوق الإنسان. بل وحضر طلبتي توقيعي لثلاثة دواوين شعر وأمسياتي الشعرية ومعارض مدرسية، وصنعنا بيئة متقدمة بخطوات على صناعة الدمار والخراب، نحو صناعة البناء والحضارة والحياة.

وبعد رفضي للخدمة العسكرية وتوجهي للجنوب السوري وجدت منظمة فرنسية لإغاثة الجنوب السوري وتطوعت بها كإعلامي ناطق بالفرنسية وكمعلم وكمرافق للعيادات المتنقلة وموزع للإغاثة الإنسانية، بل وعلمت في خيمة، وإغاثة العائلات الهاربة من المعارك وتغطية المخيمات في الجنوب، ولم نكن نهدأ للحظة، وكنت أشعر بالحياة بمعنى الحياة رغم اقترابنا من الموت لأكثر من مرة. وبالنسبة لجائزة كواساكي كانت بمثابة التكريم الياباني الخاص بي ليس فقط عن نص السعادة وكأول أجنبي يحصل عليها منذ تأسيسها عام 1986، إلى جانب شاعرة من هيروشيما، وتلك الرمزية العظيمة بالنسبة لي، وإنما عن مجمل أعمالي أنا واليابان لمصلحة الطفل السوري، وحتى عندما رسمت أنا وصديقي عدي نور لوحة الدب كومامون الشهيرة وبمشاركة أطفال سوريين كانت تلك اللوحة مصدر أمل لضحايا زلزال كوماموتو من الناجين عام 2016 ولشهرين كاملين عندما كان هناك عشرات اليابانيين بلا مأوى، واليوم أنفذ مع اليابان عدة مشاريع إغاثية في الشمال السوري في عفرين وجنديريس وأطمة وجرابلس والفوعة وسلقين بعد زلزال تركيا وسوريا الكبير في 6 شباط 2023، بل ونفذت مشروعين من تبرعات أهلنا في الجولان المحتل وقمنا بمساعدة حوالي 100 عائلة، وغيرها من المشاريع الإنسانية، في ذلك كله أجد نفسي وأعتقد بهويتي، وحتى نفذت لمنظمة أمريكية مشروع إغاثي في الجنوب السوري قبل وصولي لتركيا، هي منظمة جسور من أجل السلام في سوريا.

 

7- لغتك الشعريَّة المـتأجِّجة انفجارًا على صفحاتك ومجموعاتك الشعريَّة ذات المنحى النثري التي ناهزت العشرين مجموعة، لوحظ أنّ طريقتك بالكتابة المُتشظّية بانفجارات على محامل الدَّادائيَّة والسرياليَّة؛ فهل مبعث ذلك وتولَّده في أشعارك هو: تأثَّرك بالشعراء الفرنسيّين الحداثييّن، وهو مجال دراساتك للغويَّات والترجمة في جامعة دمشق؟.

 

كانت القصيدة الفرنسية بالنسبة لي بمدارسها المتنوعة مصدر إلهام ومعين أغرف منه بلا نهاية، ولا أخفي تأثري بها فقد جاءت نتيجة دراستي للأدب الفرنسي بجامعة دمشق، بالطبع لا يمكن ترجمة الشعر الفرنسي، فهو موزون ومقفى ودقيق وبالتالي فعندما أترجمه إنما أترجم معناه، وأكثر من تأثرت بهم كان جاك بريفير بقصيدة الحياة اليومية على سهولة الكلمات والعمق الإنساني، وقصائد بودلير المتأججة والغاضبة والثورية على المجتمع بذلك العصر، وحتى قصائد ايلوار وأشهرها الحرية التي علمتها لطلبتي ضمن منهاج البكلوريا والغريب وجود مثل تلك القصائد المتمردة والإنسانية التي تعلمناها في أجواء نظام قمعي مثل سوريا؟!!، وهي مفارقات غريبة، أن تقرأ لأبولينير وقصيدته تحت جسر ميرابو أو إلى بربارة لبريفير والتي تدين القصف النازي للمدينة، وغيرها من قصائد الحياة العارمة في الشعر الفرنسي، وكذلك شاركت بورشة شعر بالإسبانية بالتعاون بين جامعة مدريد وجامعة دمشق ومعهد سرفانتس بدمشق وطبعت قصائدنا ضمن ديوان صغير في عدد لمعهد ثربانتس الثقافي الإسباني بدمشق، وكانت إحدى قصائدي مستلهمة عن مسرحية الخرتيت أو الكركدن لسيد المسرح العبثي يوجين يونيسكو، وكانت سياسية بامتياز وبسيطة بامتياز بل وعميقة بامتياز. وكنت أنا نفسي أستغرب دراسة وكتابة مثل تلك القصائد الاستشرافية وأستغرب أنه لم يتم اعتقالي قبل الثورة السورية المباركة عام 2011، بل وكنت أستعير بل واحتفلنا بميلاد الشاعر الكبير بابلو نيرودا سيد قصائد الحرية والإنسان وكنت حتى أستعير من المكتبة المركزية لجامعة دمشق روايات غابرييل غارسيا ماركيز مثل خريف البطريرك وغيرها من الروايات حتى إحدى رواياته عن النظام القمعي والوحشي للجنرال بينوشيه في تشيلي؟!، كل هذا ونحن بدمشق؟!!. كل هذا الأدب الإنساني تأثرت به ففجرت لدي الرغبة بالشعرية أكثر فأكثر، ولا أنسى الماغوط ونزار قباني وقصيدته الشهيرة عنترة وعن نكسة حزيران خاصة وأنا النازح المتأثر المباشر من عواقبها ليومنا هذا.

وكما ذكرت كان للأدب العالمي عامة والفرنسي خاصة تأثير مباشر علي ليس من باب التحرر من المستعمرين بل من باب الحرية ذاتها في ظل أنظمة قمعية مخيفة.

8- وقالت الصَّفحات، كتابك الأوَّل في مجال المقالات المؤطِّرة لفكر الثَّورة السوريَّة 2011، وما أحاط بها من إشكالات وعوائق والنّهج القمعي للنظام كثورة مُضادَّة للاندفاع الشعبيّ بنهجه السّلمي، المُطالب آنذاك بإطلاق الحريَّات العامَّة، وإنهاء حالة الطّوارئ والأحكام العُرفيّة ذلك النّفق المُظلم الذي دخلت فيه سوريَّا منذ أيّام الوحدة مع مصر 1958. هل لكَ أن تُحدِّثنا عن هذا الكتاب الأهمّ برأيي في كتاباتك عن الثورة، وأيضًا ممّن كتب في هذا المجال؟.

 قالت الصفحات هي مجموعة دراسات وأبحاث كتبتها أو ترجمتها من ضمن مجموعة مقالات ودراسات نشرتها على موقع جيرون، فقد نشرت في هذا الموقع حوالي الثمانين مقالة وبحث بين عامي 2018-2020، قبل إقفاله للأسف فيما بعد، مع تغير إدارة مركز حرمون للدراسات. وكنت بغاية السعادة أن يظهر لي كل أسبوع مقالة أو بحث في الشؤون السورية، وكانت فرصة لأقدم كل الأفكار الجديدة والملهمة حول الثورة السورية، وبطريقة مختلفة عن المعتاد، وانتقيت من تلك الأبحاث والمقالات ما اعتقدت أنه أفضل ما كتبت وترجمت، وكان أسلوبي الكتابي من النوع الغير معتاد في الطرح، لذلك أجده جوهرة ما كتبت من ناحية طرح مصطلحات جديدة على العربية مثل فيمينيسايد ويوربيسايد والحروب السيبرانية خلال الثورة وتحولات ودور المجتمع المدني والعقلية الروسية وتحليلها، والعقلية الإيرانية وأطماعها التوسعية في سوريا والوطن العربي وغيرها من القضايا الملحة والجادة في القضية السورية. أحياناً أعتقد أنه كتاب ناجح فكرياً وعميق، وأحياناً أشعر بأنه كتاب مظلوم فلم يتم تسويقه بالشكل الصحيح في الأوساط الفكرية السورية على الأقل، كما كانت الدار مجرد طابعة كتب لا أكثر. وهذا من سوء حظي في اختيار الدار والتوقيت في النشر فقد تمت طباعته في عز أزمة الكورونا فلم يأخذ حقه كما يجب.

9- لك باع طويل في الترجمة من الآداب الأخرى ونقلها عن العربيَّة، مثلًا عندما تترجم لبعض الأشعار عن اللّغة الإيطاليّة أو الإسبانيَّة ونقلًا عن التَّرجمة الفرنسيَّة، فهل هذه الترجمات جاءت بنصوص مختلفة تمامًا عن النصِّ الأصلي بلغته الأساسيَّة، فإذا جاز السُّؤال: فهل هذا النَّوع خيانة للنصِّ الأصلي؟. وما هي المعايير المُتَّبعة عمومًا في هذا المضمار؟،وهل يختلف عن الترجمة المٌباشرة من لغة النص الأمِّ إلى اللُّغة العربيَّة أو إلى لغة أخرى؟.

ذكرت في إجابة سابقة أنه عندما نترجم الشعر فنحتاج لترجمة المعنى لا أكثر، فلا يمكن نقل الوزن الفرنسي أو الإسباني والقافية كما هي، نعم لغتنا العربية كبيرة بمعانيها ويمكننا ملاحقة الوزن ولكن ذلك يتطلب هضم محيط المحيط وغيره من المعاجم اللغوية العربية الكبرى وهذا مستحيل، ونحن أبناء لغة اليوم وبالتالي لسنا مجبرين كمترجمين البحث عن أكثر من إيصال المعنى والجو النفسي للقصيدة، والشعر مجالي بالمقابل، واهتممت أكثر لأشعار من العالم لحوالي الستين شعب عبر العالم، وكذلك الشعر الفرنكفوني وترجمت القصيدة الكيبيكية والبلجيكية والسويسرية عدا الفرنسية وحتى ترجمت عن الشعر الفرنكفوني ما وراء المحيطات، والشعر الياباني القديم وقصائد الطبيعة والفصول الفرنسية وخمريات الشعر الفرنسي وحتى الشعر البارناسي البلجيكي القائم على نظرية الجمال فحسب والقصيدة الانطباعية تماماً كلوحات الفن الانطباعي، هذا من جانب أيضاً أثارني الشعر الملتزم بقضية كأشعار الشعوب الأصلية في أمريكا اللاتينية وأستراليا ونيوزيلندا، وبحثت عن قصائد الهنود الحمر الحديثة وشعراء الأنكا والشعر الماوري وغيرهم. لأتعرف وأعرف القارئ العربي بقضايا تلك الشعوب الأصلية، بل واهتممت للقصائد التحررية الإفريقية، والجيد توفرها أو كتبها شعراءها بلغات المستعمر الحديث مثل الفرنسية والإسبانية والإنكليزية، وبالفعل عبروا عن قضاياهم بروعة وبتعابير على بساطتها لكنها عميقة وهامة وتمس الكثير من جوانبنا نحن اللاجئين اليوم في بقاع الأرض، ونقلوا هويتهم بحرفية عالية وأنيقة.

بالنسبة لموضوع الخيانة الشعرية بكل تأكيد هناك خيانة لكنها من النوع الحميد، بمعنى نقل المعاني بأكبر قدر ممكن من الأمانة. وهذا مافعلته عندما ترجمت قصائد الباستيل عن هوغو وفولتير وغيرهما من عمالقة الأدب الفرنسي.

10- كتبت في النقد الأدبيّ عُمومًا، وعلى الأخصِّ في مجال النَّقد الروائيِّ، لا شكَّ أنّها تجربة أثْرَت، وأضافت لتجربتكَ الشيء الجديد. فما رؤيتك للأدب الروائيِّ العالميَ، وللأدب الروائي العربيِّ، ومنه أدب رواية الثوَّرة السُّوريّة؟.

الأدب الروائي العربي اليوم متقدم كثيراً عن ذي قبل، ربما كُتّاب الرواية النهضويين من العرب كانوا الرواد، لكن الرواية العربية اليوم تحولت شيئاً فشيئاً للعالمية واقتربت أكثر فأكثر من المكنون الإنساني، بل وأصبحت ديوان العرب بعد عصور طويلة على هيمنة الشعر، فنال الروائي العربي في الغرب أرقى الجوائز الأدبية وكان له الأثر الفاعل في نقل روح الحضارة والفكر العربي والإسلامي وكشفوا الكثير من القضايا كمسألة الهوية لدى أمين معلوف وآسيا جبار وغيرهم. وبالنسبة لرواية الثورة السورية فقد نجح الكثير من الروائيين السوريين في نقل الواقع السوري، وأعتقد أنه صدر بعد الثورة السورية أكثر من 500 رواية وهذا عدد مهول يحتاج التأني في الدراسة والتمحيص، ونال العديد من الروائيين السوريين أرفع التكريمات لجرأتهم في الطرح وقدرتهم على الإضاءة على جوانب ربما كانت محرمة في الماضي، لكنها معروفة اليوم بشكل أكبر وأكثر حيوية وفاعلية.

11-اشتغالك على موسوعة الجولان وهو العمل التوثيقي الذي جاء على جغرافيَّة الأرض، والتوزّع السُّكّاني، والموارد الطبيعيَّة، فهل هذا العمل هو الأوَّل من نوعه، أم هو غير مسبوق، أو استكمال لهذا المضمار، فما هي رؤيتكَ لطبيعة هذا العمل الموسوعي، وأين تريد الوصول به؟.

الجولان بالنسبة لي هوية من هويتي السورية والعربية وحتى جزء من شخصيتي، فأنا ولدت بدمشق تحت مسمى نازح من الجولان، ورغم أنني عشت بضواحي دمشق وتجمعات البعث العشوائية، حيث المقهورين ليس فقط من أبناء الجولان وإنما من مختلف المحافظات السورية، وداخل هذه البيئة تطورت شخصيتي الجولانية، ولا ننسى أن الجولان قضية سورية بامتياز وملح سوري في طعام وطنيتنا على مدار قرن من الزمن وإن كانت القضية الفلسطينية قد تقدمت عليها بسبب سياسات مزاعم القومية العربية، وبالتالي فقد تعرضت قضية الجولان أرضاً وشعباً للظلم الشديد والإقصاء والتهميش لعقود، نعم هناك العديد العديد من الكتب التي صدرت حول الجولان ولكن بما يناسب عقلية البعث، ولم تتطرق لأبناء الجولان بمعنى الإنسان ولا كفاحه، خاصة وأنها هضبة غاية في الحساسية لجغرافيتها وسط بلاد الشام ومحور سوري في التعاطي مع القضية الفلسطينية ولها حدود عدا فلسطين مع الأردن ولبنان، ومياهها مطمع صهيوني قبل حتى احتلال الجولان بأكثر من 100 عام، وبالنسبة لأبحاثي عن الجولان فقد بدأت منذ 13 عام وتحديداً عام 2010، وقد جاءت إلينا الصحفية فاتن عساف لتكتب عن أهلي، فكلفني والدي كوني كاتب مساعدتها، قبل ذلك لم أكن بذاك الاهتمام، ربما بسبب ضعف المصادر والتهميش، وبالفعل بدأت البحث في عائلتي في البداية وفردت الوثائق وبدأت أكتشف قيمة الجولان وحجمه التاريخي في الكيان السوري، ربما بسبب لعنة الجغرافية التي حلت عليه وربما بسبب لعنة البعث التي حكمت سوريا لعقود طويلة وضيعته. فتوجهت لمعهد الدراسات الفرنسية الخاصة بالشرق الأدنى بدمشق ومعهد الشرق ضمن مركز غوته الثقافي الألماني بدمشق أيضاً، وجمعت كل ما كتب عن الجولان من المتوفر، وبدأت تتضح الصورة شيئاً فشيئاً وأصبحت أكثر اهتماماً بأحاديث الكبار وأحاول استجماع ذاكرتي مما سمعته منهم، وأعيد البحث في كل كلمة سمعتها عنهم، لقد فوجئت بحجم الظلم الحاصل عليهم، وحجم الاستهداف لأرضهم، فلم تكن المؤامرة صهيونية فحسب وإنما ما زرعوه في بلادنا للتخلي عن الجولان في النهاية، وحتى السلام كان تهديداً لنظام الحكم. وأذكر حديث أحد أبناء الطائفة "الكريمة" في الجامعة : إذا عادت الجولان، لم يعد هناك من عمل لنا؟!! وبالفعل هذه الحقيقة الجوهرية بأن بقاء الجولان تحت الاحتلال استمرار لبقاء ذلك النظام الطائفي الفئوي البشع في السلطة، واستمرار للأحكام العرفية، وإعاقة أية ديمقراطية وتحول ديمقراطي في الأرض السورية، وحتى قيمة وخطورة الجولان أنه تم فيه تخطيط معظم الانقلابات العسكرية حتى قبل حكم البعث، وحتى بعد الثورة عام 2011 كاد الجولان أو المحرر منه أن يكون أهم مسار لإنقاذ الثورة السورية ليتعرض للتهميش مجدداً وعن قصد ثم تسليم وتهجير جديد عدا ما تعرضت له تجمعات نازحي الجولان من مجازر ارتكبها النظام السوري بحقهم. بالمقابل أعدت قراءة جغرافيا الجولان وتاريخه وبعمق عن غير المعتاد والمسموح به، وتجاوزت الكثير من الخطوط الحمراء، كالتواصل مع أبناء الجولان الباقين هناك والتنسيق معهم لتوثيق قرانا ومدننا وآثارنا، وكان التجاوب رائعاً واللهفة موجودة، واستقطبنا المزيد والمزيد من أبناء الجولان حول هويتنا وطبيعة أرضنا وقيمتها وتعرية الجلادين ومن سلموها. ومن يعملون على المساومة عليها. وعدنا لحوار جولاني جولاني راقي بين مختلف طوائفه وإثنياته فكان حوار مصغر عن الهوية السورية ذاتها وكينونتها.

12-وأنت أساطين الثَّقافة على السّاحة العربيَّة والسُوريَّة، فما هي رؤيتكَ للدور المُناط بالكاتب والمُثقَّف السُّوري في مستقبل سوريَّة القادم، في ظلِّ التجاذبات ما بين العسكر والسياسيِّين؟. وهل تتوقَّع أن يكون هناك دورٌ مؤثِّر للمُفكّرين والمُثقّفين في توجيه الرَّأي العام إذا سُمحَ لهم بممارسة دورهم؟.

بكل تأكيد دور المثقفين هائل إذا اتفقنا على معنى المثقف كما ذكرت في البداية، فهم فرسان أي تغيير لأي شعب، ربما هناك إعلام سوري يتراوح بين الوسط والجيد والمتدني، لكنه مع ذلك يحاول مجاراة التطورات العالمية من النواحي الفنية والتقنية، وهو أمر هام لكنه غير كافي مع استبعاد المثقفين وإشغالهم بشؤونهم الحياتية بعيداً عن الساحة السورية، وإظهارهم وكأنهم من كوكب آخر أو يعيشون في برجهم العاجي، بل يجب إقحامهم وبقوة في صناعة القرار السياسي السوري لا إنكارهم وتسطيحهم في ترهات بلا نهاية، ومضايقات هنا وهناك، فأنا عن نفسي تعرضت للاعتقال والمضايقات في تركيا وللتوقيف الإداري وتم رفض طلب لجوئي لفرنسا وحاليا أقوم بمحاكمة الدولتين، سواء عن الأسباب الحقيقية لاعتقالي القسري أو سبب رفض الداخلية الفرنسية لطلبي ولليوم لا أعرفه، لأنني بكل بساطة لا أتبع لمؤسسات بعينها اللهم إلا رابطة الكتاب السوريين ورابطة الصحفيين السوريين، وهما منظمتان تطوعيتان رغم ثقلهما المعنوي والهام على الساحة الغربية والعالمية وحتى العربية والشرق أوسطية، في الوقت الذي يتلقى الدعم الكامل كل من يتبع سياسات الدول الأخرى في سوريا، وبالتالي فهناك نية متعمدة وواضحة كالشمس في تهميش المثقفين السوريين والتمعن في إرساء البؤس في صفوفهم وبالتالي عدم التأثير على القرار السوري المسلوب أصلاً.

13-الحوار معك يحتاج لمساحات كبيرة، لشهيَّة الأسئلة الكثيرة المُتوالدة والمُتواردة على الذِّهن واللّسان، وربّما تضيق مساحة الصّفحات عن استيعاب جميع محاوركَ ومَدَاراتِكَ، فما هي رؤيتك للوطن الجريح؟. وما هو المُستقبل لسوريَّة برأيكَ؟. وماهي أمنيك الأخيرة.

سوريا وطني ليس اليوم وليس الغد، فقدري السوري يجعلني أرى أن هذا الوطن الجريح قادر إذا ما تحرر من المساومات الدولية والنظام الشمولي فيه، أن يكون كيان مختلف عن ذي قبل وبشكل جذري، اليوم السوريون انتشروا في كل بقاع الأرض وشهدوا تطور العالم الآخر الذي كنا ممنوعين عن معرفته عن قرب، بل واندمجنا بمجتمعاتنا الجديدة وبقوة وخاصة أوروبا ولمسنا معاني الحرية والديمقراطية، فإذا تسنى لهذا الجيل اللاجئ أن يعود لسوريا الديمقراطية الآمنة المستقرة فسيصنع المعجزات لهذا الوطن السليب اليوم، وهذا مستقبل سوريا بالنهاية وأمنيتي لهذا الوطن الذي أنتمي إليه قلباً وروحاً بأن يصبح مشرقاً كما تاريخه العريق.

 

 

حوار مع

الأديب الطبيب. حسَّان أحمد قمحيَّة

 

 

تقديم:

الأديب والطَّبيب "حسّان قمحيَّة" قامة أدبيَّة وعلميّة سوريَّة سامقة تُناطح نجوم السَّماء؛ ليُصبح كوكبًا دُريًّا مُتفرِّدًا بخصائصه ومواهبه، هِمَّة وثَّابة تكاد تُحيط بالكون أجمع، لِتَلُمَّه بين يديْها، وتجعل منه مادَّة خير للبشريَّة جمعاء، باقتدار امتلكَ ناصية الطبِّ بتخصُّصه الباطنيِّ، والعُلوم الطبيَّة. قام بترجمة العديد من الكتب في مجاليْ الطبِّ والصحَّة العامَّة، ويحقُّ له التفاخُر باكتسابه مفردة مُترجم كمهنة، بجهوده الجبَّارة وقهر كلَّ الصُّعوبات، ليُصبح أحد أساطين هذا العلم.

ومن أروع ما قدَّم للمكتبة العربيَّة، تلك الإضافة المُهمَّة للأدب المهجريِّ، بإصراره ومُتابعاته الحثيثة على مدار سنوات من المُكابدة بلا يأس، استطاع إبراز أكثر من سبعين اسم شاعر سوريٍّ مهجريٍّ، فمن أين وجد ووفَّر الوقت اللَّازم، لممارسة مهنته واشتغاله بترجمات شعراء المهجر، وليس هذا فحسب، بل توّجها بدواوينه الشعريَّة العديدة المطبوعة والمخطوطة، وبعضها خصَّصه للأطفال، إضافة لدراسة معمّقة نشرها في كتاب حول وسائل التواصل الاجتماعيَّ.

أسئلة الحوار:

*س1* الطبيب الشاعر المترجم "حسان قمحيّة"، ومن خلال نافذة "حوارات سورية في المنفى". كيف ستُقدّم نفسكَ للأحباب، والقرّاء والمتابعين، وبطريقتكَ التي تُحب؟.

*بداية، شكرًا جزيلًا على الاستضافة والاهتمام. والآن أعرّفكم على نفسي: حسّان أحمد قمحية، طبيب من مدينة حمص، نشأتُ فيها ودرست، ثمّ انتقلتُ إلى دمشق لدراسة الطبّ البشري والتخصّص في الأمراض الباطنة. كان منزلنا في حمص ساحةَ أدب ولغة وعلم، إذ وُلد لدى معظم أشقّائي حبّ غامر للغة العربية وآدابها منذ الصِّغَر واحترام بالغ للعلم، فكنّا نعقد الجلساتِ الطِّوال في السِّجال الشعري وتدارُس بعض فنون الأدب، وكانت لدينا مكتبة عامرة بالكتب الأدبية، لاسيّما دواوين الشعر. وقد ظهر لديّ، خلال دراستي للطبّ، ميل كبير إلى الكتابة في الأدب الطبّي، فأصدرتُ أوّل كتاب فيه قبلَ تخرّجي من الطبّ العام بسنة. وخلال التخصُّص، أصدرتُ بضعة كتب، مثل الأمراض الرثوية والطبّ النفسي والطبّ الوقائي، وكانت ترجمة عن كتب مشهورة، كما شرعتُ بوضع كتاب عن أزمة المصطلح العربي، ولكن بقيَ مخطوطًا.

لقد وجدتُ نفسي ميّالًا إلى الترجمة، مستأنسًا بها، فاجتهدتُ في زيادة رصيدي من هذا العمل، وأخذتُ في اقتناء عدد من القواميس في العلوم الطبّية والعامّة.

كان هدفي من ذلك أن أجمع بين الطبّ الذي أحببت خوضَ غماره والكتابة التي تمثّل مهدَ أيّ أدب. ورغم ولعي بالشعر العربي منذ الطفولة، لكنني لم أنظم شيئًا منه ذا بال إلّا في السنة الخامسة من دراستي الطبّية. وأذكر أنه في تلك السنة، 1991 م، نشبت حربٌ ظالمة في البوسنة والهرسك، وآلمني جدًّا ما تعرَض له المسلمون هناك من ظلم واضطهاد، فنظمتُ بعض الأبيات أعبّر فيها عن ذلك. كما نظمتُ بعض القصائد في المدّة نفسها في حبّ دمشق والتعلّق بها، ولم يَفُت تلك القصائد شيءٌ من شعر الغزل أحيانًا. واستمرّ نظمي للشعر متباعدًا بين الفينة الأخرى بحسب ما يتيح لي الوقت وما تفرزه الأحداث.

 

*س2* ما بين دراستك للطبّ، وممارسة الترجمة مسافات مُتباعِدَة المسارات. كيف استطاع د. حسان تجسير هذه الهوّة؟.

 

*بدأت علاقتي الفعلية بالترجمة منذ أن كنت في السنة الثالثة من دراسة الطبّ، حيث كان علينا أن نجتهد في قراءة اللغة الطبية بالإنكليزية لمواكبة المستجدّات في عالم الطبّ، فما يتوفّر من كتب طبّية باللغة العربية لا يلبّي حاجتنا لمعرفة كلّ جديد في هذا العلم. كانت الرحلة شاقّة، فلم تكن هناك وسائل للإبحار في عالم الطبّ مثل ما هو متاح اليوم، فالكتب الطبّية الأجنبية كما هو معروف باهظة الثمن، والمعاجم الطبية قليلة، ولا يوجد إنترنت أو وسائل أخرى ييسّران الحصول على معاني المصطلحات، ويعتمد ذلك على الجهد الشخصي. كنتُ قد اقتنيت كتابًا أجنبيًا في الطبّ الباطني، وأخذت أفكّ طلاسمه بشقّ الأنفس، أجلس على الصفحة الواحدة أيامًا، وأستخرج معاني المصطلحات فيها بصعوبة بالغة، ثم يتعذّر عليّ فهم مقاصد الجُمَل والفقرات. لكن لم يكن يساورني اليأس، فكلما بردت همّتي وشعرتُ بالخيبة، عاودت شحذَها من جديد، وهكذا حتّى صار لدي إلمام جيّد باللغة الطبية الإنكليزية أهّلني لأضع أوّل كتاب لي وأنا في سنتي الخامسة من الدراسة، ثمّ وضعت الكتاب الثاني وأنا على أبواب التخرّج. وواظبتُ على هذه الرحلة إلى أن أصدرتُ مع نهاية 1997 م موسوعة طبّية باللغة العربية بلغت أربعة أجزاء في 4500 صفحة. ولم يمضِ على تخرّجي من الطبّ العامّ سوى سنوات قليلة إلّا وقد أصدرتُ عشرات الكتب المترجمة في مختلف العلوم الطبّية. وحصلت بعضُ كتبي اللّاحقة على جوائز عربية كأفضل كتب مترجمة في العلوم.

ولكنّ هذا الشّغفَ بالترجمة لم يقتصر على الطبّ، فقد خضتُ في مسارات أخرى، فعمدتُ بعد سنة 2000 م إلى ترجمة بعض الكتب الصحّية التثقيفية (غير الأكاديمية) لصالح دار نشر لبنانية ومؤسّسة عربية رسمية. كما ترجمتُ كتبًا جمعت بين الجانب الصحّي والجانب العام، مثل أسوأ السيناريوهات والحمل في القرن الواحد والعشرين، ومعجزة الجنين، وتجديد الشباب، ويوم من الحياة في جسمك.

ولذلك؛ فليس هناك فجوة بين الترجمة الطبيّة ودراسة الطبّ إذا امتلك الشخص ناصية اللّغتين، المصدر والهدف. ومع الممارسة يزداد المِران والتمكّن. وبالنسبة لي، كانت الترجمة الطبيّة الطريق الماهدة للترجمة العامّة. أمّا بالنسبة إلى النمط الأخير من الترجمة فهو كما ذكرتَ لا علاقة مباشرة له بالطبّ، غير أنّ ما مهّد لهذه العلاقة عندي هو الترجمة الطبية ابتداءً.

 

*س3* هل كانت الترجمة هواية تُضاف إلى مواهبكَ المُتعدَّدة، أم هي دراسة أكاديميَّة؟.

 

لم أدرس الترجمة دراسة أكاديمية، بل كانت محضَ ميول واجتهاد.

 

*س4* كمشتغل بقضايا الترجمة عن اللُّغات الأخرى. يُقال أنَّ الترجمة خيانة للنصِّ الأصليِّ، أو إنتاج نصٍّ جديد، بما يُدخله المُترجِم من تعابير؛ لتتوافق الترجمة مع اِسْتقامة التعبير. فماذا يقول الدكتور حسَّان في هذه النقطة المفصليَّة في الموادِّ المنقولة عن لُغات أخرى؟.

*ترى منظّمة اليُونِسْكو أنَّ "الترجمةَ الجامِعَة لشروط الخبرة والـمهارة والأسلوب الصَّحيح يمكن أن تَرْقَى من حيث القيمةُ العلمية إلى مَرْتبَة التأليف". وليس هناك خيانة في نقل النصّ من لغة إلى لغة إذا أحسن المترجم نقلَ النصّ الغائب في العلوم الإنسانية والأدبية، بمعنى أن يكون لديه دراية بثقافة من يترجم عنه، فيفهم ما وراء الكلمات ومقاصد الجمل. أمّا في الترجمات العلمية البحتة، كالطبّ مثلًا، فلا وجودَ لنصٍّ غائب، بل ينبغي أن تكون الترجمة موازية تمامًا للنصّ المصدر.

 

*س5* حركة تعريب العُلوم أين وصلت؟، وأنت خريج جامعة دمشق خلال مراحل دراستكَ. وهي الجامعة التي حملت لواء التعريب وعلى الأخصِّ العلوم الطبيَّة. فهل دراسة العُلوم بغير لُغاتها يؤثِّر على حالتها التي كانت عليها في لغاتها الأمِّ؟.

*لا أظنّ أن أمّة واعية لذاتها متبصّرة ومعتزّة بتاريخها وأهدافها تقبل ان تدرّس العلوم بغير لغتها. وهذا الأمر خيضَ فيها كثيرًا وأُشبع درسًا وحديثًا، وكان مثار جدل واسع لا يزال مستمرًّا، بل هو جزء من واقعنا المهين الذي تعيشه أمّتنا اليوم. والغريب في الأمر أنّ المدافعين عن ضرورة التدريس بلغة أجنبية يمضون أبعدَ من كلّ منطق ويسيرون في كلّ اتجاه إلّا في اتّجاه الهدف؛ فالحلّ واضح بَيّن في امتلاك ناصية اللغة الأجنبية السائدة، وهي الإنكليزية اليوم، ويتجلّى ذلك في الاهتمام بهذه اللغة، وإيجاد السُّبَل الكفيلة باكتساب مهارة الحديث والكتابة بها، وقد عُرضت هذا السُّبُل كثيرًا، ولا حاجة للخوض فيها في هذا المقام، وقد اتّخذتها بعض المجتمعات الواعية ونجحت فيها.

 

*س6* صدر لك كُتبٌ عديدة بشكل دراسات نقديَّة عن الأدب المهجريّ. كما لوحظ أنَّ الأسماء التي تَرجمتَ لها سِيَرها، وجمعت أشعارَهَا، كانت أسماء جديدة غير مطروقة في الدِّراسات التي درسناها من خلال المناهج المدرسيَّة. وهذا الجهد المُكمِّل لما سَبَقه، يعدُّ فتحًا جديدًا. هل لك أن تخبرنا عن الجُهود الدَّؤوبة ومُعاناة التحصُّل على هذه المادَّة الأدبيَّة؟.

*بدايةً، الذي دعاني إلى الاهتمام بالأدب المهجري قصّة تعود إلى عدّة سنوات خلت، فقد استشارني أحد الدارسين في محتوى رسالة أدبية عن ظاهرة من ظواهر هذا الأدب، منقِّحًا ومراجعًا، فلفتَ انتباهي خلال الاطّلاع على أطروحته للدكتوراه قلّة الاستشهاد بشعراء المهجر السّوريّين، حتّى ليظنّ القارئ أنّ الأدب المهجريّ لبنانيٌّ بَحْت. ومع أنّ الأعلام اللّبنانيّين المهجريّين، مثل جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة ورشيد أيّوب وإيليا أبي ماضي، هم من أكثر أدباء المهجر تأثيرًا وانتشارًا، لكن هناك أدباء مهجريّون آخرون لهم نتاج أدبي على قدر كبير من القوّة والبلاغة والسّبك، غير أنّهم مهمَلون وآثارهم مطويّة، وهو من أبناء وطني، ومن حقّهم علينا أن نُعيرَهم انتباهًا ونُوليهم اهتمامًا. لقد أثار فيَّ ما تقدّم رغبة شديدة في تقصّي شعراء المهجر السّوريّين وتعقّب آثارهم. وقد وجدتُ صعوبة بالغة في ذلك، فالمراجع المهجريّة المشهورة تكاد لا تعرف سوى بضعة أدباء منهم، مثل نسيب عريضة وندرة حدّاد؛ وإذا ذكرتْ البقيّة فعلى استحياء، مثل حُسني غُراب، ونصر سمعان.

بدأت العمل بالبحث في المكتبات العربيّة، العامّة والخاصّة؛ ولمّا لم أجد ضالّتي فيها على الوجه الأمثل، حاولت التواصل مع أقارب بعض المهجريّين وأحفادهم، فنجحتُ في بعضهم، ولم أنجح في بعضهم الآخر. وهنا خطر في بالي أن أراسل المكتبات والمواقع الأجنبيّة، ودافعي إلى ذلك أنّ المهجريّين عاشوا، ومات كثير منهم في تلك البلدان التي هاجروا إليها. وقد استجابت بعض الجهات، ولم تستجب جهاتٌ أخرى، ولكن بالمحصّلة استطعتُ الحصول على الكثيرِ الكثير من المصادر المهجريّة الأصلية، وفيها كنزٌ من المعلومات التي لا تجدها في أيّ مرجع مهجريّ شهير، مثل أدب المهجر لعيسى الناعوري وأدبنا وأدباؤنا في المهاجر الأمريكيّة لجورج صيدح، وقصّة الأدب المهجري لمحمد عبد المنعم خفاجي. ولا أخفيك سرًّا إذا قلتُ لك إنّني لم أترك بابًا يمكن أن يفتح عليّ طريقًا للحصول على معلومة من هنا أو هناك إلا طرقتُه، وبإصرار مستمرّ، وبذلك استطعتُ أن أجمع معلومات جديدة وغير مطروقة عن نحو 70 أديبًا مهجريًّا سوريًّا، بعدما كان بعضهم يظنّ أنّ أدباء المهجر السّوريّين لا يتعدّون أصابع اليدين. وقد بلغ عدد الكتب التي أصدرتها عن أولئك الأدباء حتّى الآن نحو 23 كتابًا؛ وأنا في طور الإعداد لنشر كتاب جامع عن أدباء المهجر السّوريّين بعنوان "أعلام الأدب المهجري السوري".

 

*س7* (الفيس بوك تحت المجهر) عنوان لأحد إصداراتك، في الحقيقة: يسترعي، ويستدعي التوقُّف في رحابه، سيَّما وأن يُعالج قضيَّة وسائل التواصل الاجتماعيِّ مُلحَّة، وتُلامس شرائح اجتماعيَّة عديدة. أودُّ منكَ لو تكرَّمت- بإيضاح رؤيتكَ كطبيب وأديب ومُترجم؟.

*بعد مضي سنوات على إطلاق وسائل التواصل الاجتماعيّ وانتشارها بين الناس، كبيرهم وصغيرهم، ذكرهم وأنثاهم، خاصّتهم وعامّتهم، عالمهم وجاهلهم، لفتَ انتباهي ذلك التأثير الكبير الذي أحدثه استخدام تلك الوسائل في السّلوك البشريّ، فضلًا عن بروز ملامح معيّنة لدى أولئك المستخدمين لم نكن لنراها لولا هذه الظاهرة الجديدة على المجتمعات. وقد قرأتُ ولاحظتُ مدى ذلك التأثير، فكان لا بدّ من الوقوف على تلك الوسائل ودراسة إيجابيّاتها وسلبيّاتها، واستشراف ما ستتركه على الأجيال القادمة. وهذا ما دعاني إلى الحديث عنها وتبيان أضرارها ومحاسنها. ولله الحمد، فقد كان صدور الكتاب محطّ اهتمام وإعجاب، وأصبح من مراجع بعض الدراسات الاجتماعية والإنسانية، بل وتُرجِمَتْ مقاطع منه في دراسة ماجستير لإحدى الجامعات الجزائرية، كما راسلني بعض المهتمّين للاستفادة من بعض ما جاء فيه والاستفسار أكثر عن ذلك.

 

*س8* (أَبْلغ من الصَّمْت) مَجْموعة شِعْريَّة لكّ صادرة في العام 2016. اِنزياحيَّة العنوان تُولَّد إشكاليَّة لدى المتلقِّي، فما هو الأبْلَغ من الصَّمت، سيَّما وأنَّ مقولة: (إذا كان الكلام من فضَّة، فالسُّكوتُ أو الصَّمت- من ذَهَب)، وهُناك صمتُ العُبَّاد المُتفكِّرين بعظمة الخالق، وصمت المُفكِّرين المُحتاج للعزلة. شاعرنا الجميل. فما هو الذي أبلغ من الصَّمت، والعبارة ابتدأت بصيغة التفضيل "أبلغ"؟. 

*لا شكّ أن مقولة "الصمت أبلغ من الكلام" عبارة حكيمة في كثير من المواقف والظروف. ولكن في مواقف أخرى تكون خيانةً للعدل والإنصاف وإذعانًا للظلم والجَور؛ فأضعف الإيمان أن تناصر المظلومين والمعذّبين وتحاول تسكين أوجاعهم، أو إشعارهم بأنّك معهم يؤلمك ما يؤلمهم ويحُزّ في قلبك ما يقع عليهم من إجحاف أو يمرّ بهم من مآسٍ وكوارث ومصائب. لقد كان هدفي من ذلك الديوان أن أعبّر عن ذلك، فقد شاركتُ أهلَ الخيام من أبناء وطني المنكوب شيئًا من مأساتهم، وسكبتُ ذلك في قالب شعري، وتحدّثتُ عن التخاذل الذي لاقَوْه (انظر قصيدة "أنين الخيام" من الديوان)، كما أكثرتُ من الكلام عن الجرح الذي ألمّ ببلدي وأرضي وأهلي، وعن شظف العيش الذي يقاسيه الناس فيه (انظر قصيدة "ضعنا سدى")، ولم أنسَ أن أخوض في فجيعة الهجرة الاضطراريّة والنزوح والغربة (انظر قصيدة "ويح النوى"). إذَن، هذا هو الصّمت الذي لا أجد له مكانًا في قاموس المثقّفين، وأهل الأدب والشعر والعدل.

 

*س9* براعم النُّخبة للأطفال (مَجْموعة شِعْريَّة) 2017 م، لاشكَّ بموهبتكَ الشعريَّة الطّاغية بسماتها على شخصيَّتك المُوزَّعة بين مهنتك كطبيب وأديب، المُفارقة التي سأتوقَّف عندها، كيف تستطيع امتلاك عقليْن ولسانيْن أحدهما للكبار والآخر للصغار، وصعوبة ما بينهما من طريقة التَّعاطي. كيف تُبرِّر ذلك؟.

 

*لا يخفى على من هم قريبون مني أنّ لي علاقةً خاصّة وقوية بالأطفال الصّغار، وما زلتُ أحفظ الكثير من القصائد التي نُظمت لهم في كتب المراحل الدراسية الأولى. ولكن، لم أفكّر في أن أكتب لهم قبل أن يصدر كتاب لي عن أناشيدهم. وفي الواقع، كان أخونا الأستاذ "براء الشّامي" على موعد مع إعداد كتاب شعريّ عن الأطفال، وقد حضّر له رسومًا وعناوين معيّنة، ولكنْ لأمرٍ ما تعذّر عليه ذلك، فطلب إليّ أن أفكّر في خوض هذه التجربة، وقد وقع هذا الطّلب منّي موقعَ القبول والاستحسان؛ إلا أنّني لم أشرع بالعمل إلّا بعد أن قرأتُ عن هذا الأدب في بعض الدّراسات الخاصّة بأدب الطفولة، وحاولت أن أستفيدَ ممّا قرأتُ من خلال تبسيط الكلمات، وطَرْق المواضيع الجاذبة للطّفل والمُنطوية على قيَم نبيلة ومُثُل عُليا (كالصداقة وبرّ الوالدين واحترام المدرّسين والاهتمام باللغة ... إلخ)، واختيار الأوزان المجزوءة والخفيفة والعناية بالرّسوم والألوان الزاهية. وقد لاقى العمل بعد صدوره استحسانًا ومؤازرة، وأُجريَتْ على الكتاب دراسة ماجستير في جامعة جزائريّة أيضًا، وهناك اليوم من اختاره لدراسة ثانية.

 

*س10* وأنت تمتلك (دار الإرشاد للنشر والتوزيع. حمص) إحدى أقدم دور النَّشر في سوريَّا، فرصة نادرة للقاء ناشر للحديث حول صناعة الكتاب العربي، والصِّراع بين الكتاب الورقيِّ والإلكترونيِّ. فما هو قولكَ في هذا الموضوع المفصليِّ المهمِّ؟.

* تصحيحًا للمعلومة، مالك دار الإرشاد الأستاذ عبد الجبّار الجندلي - رحمه الله وأبناؤه من بعده؛ وهي من أعرق دور النشر وأقدمها في حمص. ولكن، تربطني بالدار صداقة قديمة، وهذا ما دفعني إلى نشر كثير من كتبي فيها.

أمّا بالنسبة لقضية النشر الورقي والنشر الإلكتروني، فهي قضيّة الساعة؛ وما زلتُ أشجّع على وجود عدد من نسخ الكتب الورقية عندَ صدورها؛ غير أنّ مواكبة العصر الراهن تستوجب التركيزَ على النشر الإلكتروني الذي يضمن سرعة الانتشار والوصول، مع ضمان حقوق المؤلّف والناشر بالأسلوب المناسب مستفيدينَ من التقانة الراهنة. وبالنسبة لي، عملتُ على نشر كتبي، الأدبية وغير الأدبية، التي أمتلك حقوقَها كاملة مجّانًا وبشكل متتابع على المواقع الإلكترونية كي تصل إلى أكبر عدد من المهتمّين، وسأبقى على ذلك إن شاء الله ما لم يمنعني أو يحبسني حابس.

 

*س11* وأنت أحد أبناء الوطن "سوريا" الجريحة، ولأكثر من عقد والحرب الطَّاحنة، تتنازعها الطّائفيَّة، والإثْنيَّات القوميَّة والعرقيَّة والدِّينيَّة والحركات المُتطرِّفة المُؤدلجة على مختلف انتماءاتها. ما هي رؤيتكَ، ليتكَ تُحدِّثنا؟.

*ممّا لاشكّ فيه أنّ المآل الذي وصلت إليه الأمور في سوريّة ترك جرحًا عميقًا في قلب كلّ سوريّ، بل وفي قلب كلّ إنسان حرٍّ وشريف. كان المرجوّ في بداية الأحداث أن تتحقّق بعض المطالب البريئة التي ترتقي بالوطن أكثر فأكثر، لكنّ الأمور سارت بعد ذلك في طريق لا نُحسَد عليه، وخلّفت آلاف الضحايا والمشردّين والنازحين والأرامل والأيتام، فضلًا عن الدمار الكبير الذي لحق بمدننا وقرانا. وقد ولغَ الكثيرون في الدم السّوريّ، وتاجروا فيه تحت مسمّيات عدّة غريبة كلّ الغرابة عن الهدف المنشود الذي سعى إليه الناس.

 

*س12* مُستقبل سوريا موضوع يهمُّ كلَّ السُّوريِّين، كيف ترى مُستقبل سوريا؟ وما هي أمنيتكَ؟.

*قد لا يستطيع أحد أن يتنبّأ - على وجه اليقين - بما سيكون عليه قادمُ الأيّام السّوريّة. ولكنّ الأمل كلّ الأمل أن تعود سورية إلى أهلها وأحبابها، وألّا يبقى في أرضنا غريب حاقد أو دّعِيٌّ مبغِض، وأن نرى بأمّ أعيننا "عمودَ النور" وقد حطّ رحاله في الشام من جديد.

 

***

بطاقة تعريفية للدكتور حسَّان أحمد قمحية:

· مَواليد الجمهورية العربية السوريَّة، مدينة حمص، 1968 م.

· شَهادة الدِّراسَة الثانوية سنة 1986 م.

· شهادَة الدكتوراه فـي الطب البشري بجامعة دمشق (الطبّ العام) سنة 1992 م.

· إقامة للاختصاص فـي الطبِّ الباطني من 1993-1997 م.

· دراسات فـي الصحّة العامّة 1994-1995 (خلال فترة اختصاص الباطنة).

· طَبيبُ طوارئ مع جمعية الهلال الأحمر السعودي من 2000 حتى 2006 م.

· مُشْرِفٌ ومدرِّب فـي برنامج الإسعاف الـمتقدِّم التابع للهلال الأحمر بمنطقة المدينة المنوَّرة، ومُشْرِف على دبلوم الإسعاف والطوارئ بمعهد السباعي الأهلي بالـمدينة الـمنوَّرة خلال فترة العمل مع جمعية الهلال الأحمر السُّعودي.

· مُتَرجِمٌ ومحرِّر طبِّي عن بُعْد ومؤلّف كتب طبّية فـي مركز تَعْريب العُلوم الصحية (أكمل) التابع للجامعَة العربية فـي دولة الكويت منذ سنة 1999 م حتّى 2011 م، ومن 2020 حتّى الآن.

· مديرٌ طبِّي للهِلالِ الأحمر السعودي بمنطقة الـمدينة الـمنوَّرة، ومدير للدِّراسات منذ سنة 2002 وحتى 2006 م.

· كبير الـمحرِّرين الطبِّيين وعضو مجلس الإدارة فـي موسوعة الملك عبد الله العربية للمحتوى الصحِّي بجامعة الـملك سعود للعلوم الصحّية فـي الشؤون الصحية بالحرس الوطني، منذ سنة 2011 م وحتَّى تاريخه.

· يتَعاون مع الـمكتب الإقليمي لشرق الـمتوسط بمنظَّمة الصحَّة العالمية منذ سنة 1997 م، وعضوٌ مؤسِّس فـي شبكةِ تعريب العلوم الصحِّية التابعة له؛ وقد شارك مع فريقٍ من الـمنظَّمة فـي إنجاز مشروع الـمعجم الطبِّي الـموحَّد الـمَشْروح الذي يضمُّ أكثرَ من 130 ألف مُصْطَلح بعدَّة لغات وبوسائط متعدِّدَة.

· أصْدر عددًا من الكتب الطبِّية ترجمةً وتأليفًا والأدبيّة، وقد بَلغَت حتَّى حينه أكثر من تِسْعين كتابًا، مع الحصول على جَوائز عَربيَّة مشتركة، مثل جائزة مؤسَّسة الكويت للتقدُّم العلمي عن كتاب هاربر - الكيمياء الحيويَّة كأفضل كتاب مترجم فـي العلوم لسنة 2000 م، وعن كتاب الأسس الباثولوجية للأمراض سنة 2011 م. وآخر كتاب صدر له فـي الـمجال الطبّي هو «دور الوقت فـي الصحَّة والـمرض» عن دار الإرشاد بحمص، 2021 م. ومن بعض تلك الكتب (مترجمة أو مؤلَّفة):

- الـموسوعة الطبِّية الـميسَّرة (4 أجزاء)، دمشق، 1995-1997 م.

- الفيزيولوجيا الطبِّية والفيزيولوجيا الـمرضيَّة (3 أجزاء)، دمشق، 1997-1998 م.

- طبّ العناية الـمشدَّدة (جُزْآن)، دمشق، 1997.

- أطلس أمراض الجلد، دمشق، 2002 م.

- كتاب القلب، الدار العربية للعلوم - بيروت، 2003 م.

- دليل الـمسعف (مشترك)، الهلال الأحمر السعودي، الرياض، 2005 م.

- بروتوكول العمل الإسعافـي (مشترك)، الهلال الأحمر السعودي، الرياض، 2005 م.

- ثورة إطالة الأعمار، الدار العربية للعلوم - بيروت، 2006 م.

- أسوأ السيناريُوهات، الدار العربية للعلوم - بيروت، 2008 م.

- معجزة الجنين، الدار العربية للعلوم - بيروت، 2012 م.

- يوم من الحياة في جسمك، الدار العربية للعلوم - بيروت، 2011.

- الحمل فـي القرن الواحد والعشرين، الدار العربية للعلوم - بيروت، 2013 م.

- السلامة والصحّة الـمهنيّة، الـمركز العربـي لتأليف وترجمة العلوم الصحّية، الجامعة العربيّة، الكويت، 2022 م.

- الالتهابات، الـمركز العربـي لتأليف وترجمة العلوم الصحّية، الجامعة العربيّة، الكويت، 2022 م.

· نَشْرَ العَديد من الـمقالات الطبِّية والأدبيّة، مثل مجلَّة الـموسوعة العربيّة ومجلَّة جمعية مكافحة السلِّ والأمراض التنفُّسية بدمشق ومجلَّة الإسعاف فـي الهلال الأحمر السُّعودي وعدد من الـمجلّات الأخرى والـمواقع الإلكترونية.

· فـي الـمجال الأدبـي والاجتماعي والترجمة (مع ملاحظة أنّ بعضَ هذه الكتب أُعدّت سابقًا قبلَ تاريخ صُدورها ببضع سنوات):

- دراسات فـي الأدب الـمهجري:

± ديوان الشَّاعِر الـمَهْجري حُسْني غُراب - أَناشيد الحَياة (تَقْديم وضَبْط)، حمص، 2019 م.

± الشَّاعِر الـمَهْجري حُسْني غُراب - حياتُه وشعرُه، حمص، 2018 م.

± ديوان الشَّاعِر الـمَهْجري نَصْر سَمْعان (تَقْديم واستِدْراك وضَبْط)، حمص، 2020 م.

± عَتبات النصّ فـي ديوان الشَّاعِر الـمَهْجري نَصْر سمعان، حمص، 2019 م.

± ديوان الشَّاعِر الـمَهْجري بَدْري فَرْكوح - تَقْديم وجَمْع وضَبْط، حمص، 2020 م..

± ديوان الشَّاعِر الـمَهْجري نَدْرة حَدَّاد - أَوْراق الخَريف وقَصائِد أخرى (تَقْديم واستِدْراك وضَبْط)، حمص، 2020 م.

± ديوان الشاعرة الـمَهْجريَّة سَلْوى سلامَة (تَقْديم وجَمْع وضَبْط)، حمص، 2020 م.

± الأديبة والشاعرة الـمَهْجريَّة سَلْوى سَلامَة - حياتُها وأدبها، حمص، 2020 م.

± ديوان الشاعر الـمهجريّ بِتْرو الطرابلسي (تَقْديم وجَمْع وضَبْط)، حمص، 2020 م.

± ديوان الشاعر الـمَهْجريّ صَبْري أَنْدريا (تَقْديم وجَمْع وضَبْط)، حمص، 2020 م.

± ديوان الشَّاعِر الـمَهْجري مِيشيل مَغْربـي - أَمْواج وصُخُور (تَقْديم واستِدْراك وضَبْط)، حمص، 2021 م.

± ديوان الشَّاعِر الـمَهْجري جميل حلوة (تَقْديم وجَمْع وضَبْط)، حمص، 2021 م.

± ديوان الشَّاعِر الـمَهْجري نسيب عريضة - الأَرْواح الحائرة وقصائد أخرى (تَقْديم واستِدْراك وضَبْط)، حمص، 2021 م.

± ديوان الشَّاعِر الـمَهْجري نبيه سلامة - أَوْتار القلوب وقصائد أخرى (تَقْديم واستِدْراك وضَبْط)،  حمص، 2021 م.

± ديوان الشَّاعِر الـمَهْجري موسى الحدّاد، اللاذقية، 2021 م.

± ديوان الشَّاعِر الـمَهْجري يوسف صارمي، اللاذقية، 2021 م.

± أدباء وشعراء مَهْجريون منسيّون، اللاذقية، 2022 م.

± ديوان الأديب الـمَهْجري عبد الـمسيح حدّاد، اللاذقية، 2022 م.

± ديوان الشاعر الـمَهْجري علي محمّد عيسى، اللاذقية، 2022 م.

± د. عبد اللطيف اليونس حياتُه وأدبه، اللاذقية، 2022 م.

± ديوان الشاعر الـمَهْجري توفيق فخر، اللاذقية، 2022 م.

± ديوان الشاعر الـمَهْجري محمود صارمي، اللاذقية، 2022 م.

- دواوين شعرية وكتب أخرى:

± أَبْلغ من الصَّمْت (مَجْموعة شِعْريَّة)، القاهرة، 2016 م.

± براعم النُّخبة للأطفال (مَجْموعة شِعْريَّة)، القاهرة، 2017 م،

± جرعة حزن (مَجْموعة شِعْريَّة)، القاهرة، 2018 م،

± مرايا الليل (مَجْموعة شِعْريَّة)، إسطنبول، 2019 م.

± وعاد القمر (مَجْموعة شِعْريَّة)، إسطنبول، 2020 م.

± نِثار الغريب، إسطنبول، 2022 م.

± الأقرع بن معاذ القشـيري، ما تبقّى مـن شـعره، الطبعة الأولى، حـمص، 2020 م.

± الفيسبوك تحت الـمجهر، القاهرة، 2017 م.

± مَعالِـم فـي الترجمة الطبِّية - محاولة لوضع القواعد والأسس، حمص، 2019 م.

± الترجمة الطبِّية التطبيقية الـمركز العربـي لتأليف وترجمة العلوم الصحّية، الجامعة العربيّة، الكويت، 2022 م.

 

 

 

 

 

 

 

 

حوار مع

الفنانة التشكيلية سميرة بيراوي


تقديم:

 

 

 

 

 

أسئلة الحوار:

س1. الفنانة التشكيلية السوريّة "سميرة بيرواي" وجهًا لوجه مع عالم القراء المهتمين. توهُّج مرآة شخصيتّك العاكسة لحياتك، منذ أوّل خطوة مع بدء تعلم أو كلمة نطقها لسانكِ. فكيف، وبماذا ستُقدّمين نفسك للعالم؟

 

أقدم نفسي بأني ابنة الزيتون أولاً

وأما ثانياً فأنا ابنة البيئة الشعبية

سميرة بنت إبراهيم وخديجة بيراوي المرأة علمتني كيف ومتى أُشهر أنيابي

وذاك الرجل الذي علمني معنى عزة النفس

لم أعلم أن الأمومة مسؤولية كبيرة إلا بعد أن فقدتُ زوجي، وليس في ولاداتي الأربعة التي أصبحت أماً من خلالها.

عاشقة اللون ورائحة الألوان منذ كنت في الابتدائية في عمر العشر سنوات ومازلت كذلك حتى هذا العمر الذي شارفت فيه على منتصف السابعة والخمسين

 أجاهد لتحقيق طموحي بأن أكون فنانة وأعمل على ذلك

 

س2. من خلال الاطلاع والمتابعة. لوحظ أنّ المكان  حاضر في معظم لوحاتك، فالحارة ومئذنة الجامع  وواجهة الحمّام، الأماكن المُرتَحلة معك، فما تفسير ذلك؟.

إنها خصوصية المكان والذكريات ..

 الإنسان المرتبط بذكريات جميلة تخصّ أمكنته، يأخذها معه أينما حلَّ وارتحل

وفي غالب الأحيان، يبقى المكان فينا ولا يخرج من أرواحنا أو من ذواتنا

 

س3. التشكيليّة "سميرة بيراوي" متعدّدة برُؤاها الذاتيّة لمسيرتها، أيّ المدارس الفنيّة الأقرب إلى نفسك؟.

الأقرب الى ذاتي، بل التي اختارتني وشدتني إليها وما تزال كذلك هي المدرسة الواقعية، وحتى الواقعية التعبيرية إن صح التعبير أو صحت التسمية. فمن خلالها أحرص على أن أخاطب الجمهور بلغة سلسة بسيطة، وهذه الواقعية البسيطة كلما حاولت الخروج منها اقتربت مني أكثر

 

س4. تنقّل الفنّان بين المدارس التشكيليّة. هل هو علامة غنى عند الرسّام، فهل هو مطالب بتحديد هويّته وانتمائه لمدرسة معيّنة؟.

ليست علامة غنى بقدر ما هى تحديد هويته الفنية

يفضل الفنان أن يحدد هويته الفنية من خلال المدرسة التي يختارها..

وأنا ما زلت أعمل على ذاك.

((على تحديد هويتي ))

 

س5. الفنّ والحياة، والريشة رديف القلم. هل من الممكن أن تتجلّى الإبداعات لِتُترجم إلى ظاهرة لافتة تأخذ وضعها إلى جانب القضايا المصيريّة، إذا لم يكن الفنّان يحمل قضيّة في قلبه عقله، فماذا يعني فنّه للآخرين؟.

إن لم يكن يحمل  قضية ما في قلبه وعقله يصبح الفن تسلية وتمضية الوقت الذي يملأ فراغه في يومه لا أكثر .. كمن يمضي نهاره بملأ الفراغات في الكلمات المتقاطعة.

ولاشك أن الفن رسالة... ولغة عالمية تتجلى بأشكال مختلفة وأعمال متنوعة.. ويجب أن نخلص في إرسالها للعالم أجمع وخاصة في ظرفنا هذا؛ ظرف (الحرب).

 

س6. سيّدة سميرة، برأيك هل ارتباط الفنان بقضيّة ما أيًّا كانت، هل هي حدٌّ وتقنين من فوران الحالة الإبداعيّة، وتوهّجها؟.

 هو أمن بقضيته التي يعمل لأجلها، ومن وجهة نظره هو على صواب.

 

الإيمان بقضية ما -طبعاً القضايا الإنسانية خاصة- لاتحد من توهج وقدرات الفنان مهما كانت الظروف.

كثير من التشكيلين أبدعوا في إظهار مواهبهم في ظل ظرف الحرب الحالية التي نمر بها ويمر بها بلدي..

 وحتى أقدم العصور كان السبيل لمعرفة ما يدور في تلك الحقب على مر التاريخ من خلال إما الرقيم أو إبداعات تجلت على شكل رسوم وأشكال زخرفية على الجدران وصلت ليومنا هذا.

 

س7. أين موقع الفنانة التشكيليّة "سميرة بيراوي" من الثورة السوريّة، ومن القضايا العربيّة، وعلى الأخصّ القضيّة الفلسطينيّة؟.

أنا حاضرة من أول صرخة نادوا بها أهل بلدي (حرية)، حتى من أول صرخة صرختها مع أبناء بلدي حرية حرية، وحاضرة من أول طلقة أطلقت على ابن بلدي ومن ثم راح ضحيتها آلاف من الشهداء...

أنا حاضرة بلوحاتي وأعمالي..

كنت وأهل بيتي مع العراق مع اليمن مع السودان ...مع لبنان ... مع كل شبر من الوطن العربي

أما فلسطين فقد تربّينا ونشأنا على "فلسطين داري وعزي وانتصاري"، رسمتُ لفلسطين إنَّا لعائدون...

ومازلنا ننادي بأعلى صوت: "فلسطين عربية".. أقول كما قال الكبير التشكيلي لؤي كيالي في مقولته الشهيرة: (إنها مأساةٌ ضخمة، مأساة اللاجئين النازحين عن الأرض المحتلة، مأساةٌ حاولت قدر استطاعتي وإمكانياتي الفنية أن أعطي أبعادها في اللوحة).

 

س8. يُلاحظ أنّ كثيرًا من الفنّانين التشكيليّين، ذهبوا إلى السّاحة الأدبيّة شعرًا وقصّة ورواية.. إلخ. هل هو هروب من عجز ريشة الفنّان من ترجمة أفكاره إلى رُؤًى وقضايا في لوحاته؛ ليستطيع الإنسان العاديّ استنباط شيء ما من اللّوحة؟.

 

ربما أجاد ذاك الفنان التعبيرَ عن قضيته من خلال الكلمة بعد عزوفه عن اللوحة التشكيلة في التعبير عنها.

 

س9. سميرة بيراوي سنذهب باتّجاه خاصّ لو سمحت إلى حياتك الشخصيّة، وأنت زوجة المُترجِم المرحوم "عبد القادر عبد للي"، الذي ترجم أكثر من ستّين عملًا أدبيًّا من اللّغة التُّركيّة إلى العربيّة، ويُعتبر من أشهر مُترجمي اللغة التركية، ومعروف أنّه أوّل من عرّف قُرّاء العربية ب"عزيز نيسيّن". لو تفضلت بالحديث عن "عبد القادر عبد للي"، في البيت وأثناء واشتغاله على مشاريع الترجمة التي رهن حياته لها. وهمومه، ومشاكل الترجمة؟.

لا شك أن الحديث يطول ويطول عن الانسان عبد القادر الفنان التشكيلي قبلاً والكاتب والمترجم فيما بعد

((وصاحب الحس المرهف في كل الأوقات)) ولكن باختصار شديد.. عبد القادر كان فناناً تشكيلياً من الطراز الرفيع

كان ثائراً منذ بداياته.. وبعض الذين عايشوه عن قرب يقولون عنه إنه (ثورجي من وقت كان ببطن أمه)

عبداللي في البيت أثناء اشتغاله على أعماله الترجمة يعمل ليلاً نهاراً، كلما كبرت العائلة كبر عمله أو كلما ازدادت متطلبات البيت يزداد عمله.

 السؤال هنا كيف؟

 من خلال هجره الرسم .. نعم، لقد هجر الفن التشكيلي

عمله بالفن يتطلب رسم ساعاتٍ طوال في البيت.. حيث مرسمه ومكتبه في غرفة خاصة لعمله.. ((نجلس كلنا معه أنا وأولادي، كلٌّ مشغول بعمل ما. عوّدتُ أولادي منذ الصغر على أن يفعلوا ما أفعل، فأقرأ وهم يقرأون، وأعمل بالأشغال اليدوية وهم بجانبي يعملون بأشغال بسيطة.. أرسم ويرسمون...

 

حين أقوم بتحضير الدرس الذي سأعطيه لطلابي -وكنت مدرّسة في معهد وثانوية  الفنون النسوية- كان أولادي يقومون بتحضير واجباتهم المدرسية أيضاً.. بمعنى أني أخلق جواً يناسب أطفالي أولاً. وإلى جانب عمل عبد القادر مترجماً كان يعمل مدرّساً في معهد الفنون النسوية، ثم في معهد الأعمال اليدوية بدمشق، وعمل أيضاً في نفس الوقت بمكتب للدراسات الاستراتيجية،

كما عمل مترجماً في القصر الجمهوري.

وموجهاً وزارياً في وزارة التربية،

يعني... موظفاً حكومياً. وبطبيعة الحال، باتت الترجمة والرسم والأعمال الأخرى حملاً ثقيلاً عليه..

فترك الرسم، طبعاً كما تعرفون (الرسم ما بطعمي خبز)

اتجه إلى الترجمة؛ لأنها تأتي بمردود مالي أكبر على العائلة.. وأنتم تعرفون أن راتب الموظف الحكومي في سوريتنا الغنية،  نخجل أن نذكره أمام تلك الدول المتقدمة، ولدينا تلك الثروات المدفونة في باطن الأرض..

ترك الرسم، وتمسك بالترجمة مرغماً من أجل المعيشة بشكل أفضل.

ترجم أكثر من ستين كتاباً من اللغة التركية الى اللغة العربية.. قال ذات مرة إني لحزين على الرسم الذي ابتعدت عنه .. آخر لوحة لم يتمكن من إتمامها بقيت في منتصفها وهي في المرسم في بيت النزوح معي...

 

كان همه من الترجمة أن يربط بين هذه الجارين من خلال الثقافة وهي أفضل الطرق لمعرفة الجار الذي يفصله خط الحدود، وهمه أن يصحح النظرة القديمة التي كانت بين البلدين؛ نظرة العداوة تلك التي رُسِّخت بأسلوب خاطئ في نفوس الكثيرين في جميع طبقات المجتمع...

 

أما مشاكل الترجمة التي تفضلت بالسؤال عنها

كانت كثيرة وخاصة بداياته ... إذ لم يكن يجد دار نشر تنشر له أعماله إلا بعد عذاب مرير... وهناك بعض دور النشر (أكلت ) عليه حقوقه المالية، فتركها وخرج .. إحدى المرات كنت أرافقه قلت له ارجع بلكي لعلَّ وعسى يعطيك حقك،  قال لي: مارح اتنازل لهيك دار وسخة.

 ترك كتابه الذي تم طبعه عندهم وخرج، وكثير من المرات كان يترك حقوقه ويخرج..

 

س10. زوجان مُثقّفان باتّجاهيْن مختلفين. ما الكتابة والقلم، واللوحة والألوان. ومتى كانت ممارسة هواياتك الفنية؟ هل كان ذلك يتعارض مع الواجبات الأسرية والاجتماعيّة، ووقتك الموزع بين وظيفة التدريس والبيت والزوج؟.

 

 لم نكن باتجاهين مختلفين هو كان أستاذي لمادة الرسم والتصوير والتربية الفنية ... ووجه لي البوصلة من خلال مفاهيم وأصول التربية الفنية، وما جمع بيننا هو اللون، فقد كنا عاشقَين للألوان، والرسم، والتصوير، والزخرفة...

 

لم يتعارض عملي كمُدرّسةً مع واجبات البيت يوماً، حيث كنتُ أنظم وقتي ووقت أولادي.. كنا ملازمين لغرفة العبداللي في مكتبه ومرسمه، وقد وضع كل شيء تحت تصرفي أنا وأولادي، من أدوات الرسم وكتب للقراءة وكتب الأطفال إلى كتب الكبار.. فقد كنا نملك مكتبة عامرة..

بالنسبة للواجبات الاجتماعية فقد كنا نقوم بها معاً ولم نقصّر أبداً، زوجي متعاون غير متطلب وغير ((نقاق)).. إذاً بتنظيم الوقت تحصل على أفضل النتائج للأسرة، فحصدنا أفضل استثمار في الحياة وهم أولادنا.

 

س11. سميرة بيراوي الإنسانة والفنانة، أين موقعك من الثورة السوريّة، وكيف استطعت تحويل خوف الأعين والأحزان والموت والدمار إلى عمل فني مُعتبر؟.

 

مكاني في قلب الثورة السورية أني لم أخرج منها ولم تخرج مني يوماً، فبعد عزوفي عن الرسم ما يقارب الخمسة وعشرين عاماً أتت الثورة الثورية بكل براءة وسِلم تحمل بين أيدي ثوارها ورداً وزهراً وياسميناً. كنا فرحين بها، لكن عندما أصبحت الدماء تجري فيها والعالم صامت متفرج أخرس أبكم، أتيت بما يلزم من أدوات الرسم لأرسل للعالم ما يجري في بلدي علَّ وعسى تكون رسالة تحرك شي في ضمائرهم النائمة.. توالت أعمالي التي عبّرتُ فيها عما يجري في بلدي.

رسمت أيضاً جماليات بلدنا سوريتنا ليرى العالم جمالها..

 

س12. رؤيتك كفنانة تشيكلية، لمستقبل سوريا في ظل أوضاع رديئة وانعكاس مآلاتها على حياة الشعب السوري؟.

 

أرى سورية جديدة من خلال بناة أجيالها القادمين من مختلف المشارب، الذين عاشوا الظلم والقهر، وذلك سينعكس إيجاباً على البلد. أبناؤنا أبدعوا بشتى المجالات خارج البلد.. وسينقلون إبداعاتهم لبلدهم إن شاء الله.

..*..

سيرة فنية:

سميرة بيراوي مواليد إدلب. بدأت الرسم منذ الصغر مشاركة بمعارض مدرسية إلى أن درست قسم الفنون النسوية وتخرجت لألتحق مباشرة بالتعليم كمدرسة مساعدة في المعهد المتوسط قسم الفنون النسوية لمادتي الرسم والزخرفة، ثم في الثانوية قسم الفنون النسوية لمادة (الرسم والزخرفة وتصميم الأزياء والخياطة والتطريز )

واشتركت بعدة معارض جماعية على مستوى المدينة، ثم على مستوى القطر العربي السوري ومن خلال مشاركاتي مع نقابة المعلمبن نلت جائزة تقديرية

شاركت بعدة معارض في دمشق من خلال نقابة الفنون التشكيلية

مع متابعة عملي كمدرسة فنون في ثانوية دمشق ..

بعام /2017/ انجزت لوحات عديدة بألوان زيتية على القماش، تم عرضها في تركيا في صالة بلدية (انطاكية )

ومؤخراً كان لي مشاركة بمهرجان دولي في اسطنبول ونلت عدة شهادات شكر وتقدير مع درع الإبداع والتميز

 

 

 

......  

[6/‏3 12:43 م] سميرة بيراوي/تركيا: كتب الفنان التشكيلي الأستاذ محمد الركوعي

(الفلسطيني الدمشقي)

حول لوحات الفنانة سميرة بيراوي

🌻

بالنسبة لاعمال الفنانة سميرة بيراوي

 

 تأخد بالإجمال  شقين

الشق الأول الذكريات التسجيلية

 رسمت لوحات تسجيل من خلالها الواقع كأعمالها التي تتضمن البيوت والحارات والساحات وحتى لبعض المهن اليدوية

 وأرى بأعمالها التسجيلية ميول الفنانة سميرة لرسم الأشياء التراثية

ممكن ان تكون قد حفظتها بصرياً أو استعانت  ببعض الصور الفوتغرافية

 لكنها تصرفت بطريقة الرسم واللون حيث وضعت بصمتها الخاصة.

 

واعمالها التسجيلية رصدت فيها الأحوال التي عايشتها والتي هي تتذكرها، وهذه من الأعمال القوية التي لاتلمس الوضع الاجتماعي والسياسي، فقط تلمس الذكريات والاحلام التي كانت موجودة فيها اثناء وجودها ببلدها

 

سميرة  لم ترسم عن مجتمع أو بيئة أخرى

رسمت بيئتها، رسمت ولونت الذكريات ((كونها لاجئة وخارج ادلب

(لانها هي من اهل ادلب))) لما خرجت من بلدها بقيت بذاكرتها كما الاحلام وبقيت صور مدينتها وبيئتها معها،

فهي اعادت للذاكرة هذه الاعمال بجماليتها وجسدتها في أعمال ممتعة وجميلة جداً. إذاً هي أعمال تسجيلية بكل معنى الكلمة لكن أيضاً ليست حرفية

 سميرة تصرفت في بعض الاشياء لم تكن فقط صورة وتم نقلها على قماش لوحتها

بل وضعت فيها روح البلد.

من هذه الزاوية كانت رؤيتي حسب دراستي عن اعمالها التسجيلية.

 

النوع التاني أو الشق الثاني من الرسم والأعمال التي نفذتها سميرة

هي للحالات الاجتماعية والسياسية التي تدور في المنطقة

سجلت حالات كثيرة بريشتها وألوانها منها الطفل الميت على الشاطىء

رسمت  الحرائق

رسمت الحالات الانسانية.

 هي كالاجئة سجلت الأشياء التي تحصل بواقعها والانسان يرفضها، وهذه الأعمال غير الاعمال التي سجلتها كالبيوت والذكريات هذا شي مختلف.

رسمت رسم سياسي رسم تسجيل وضع اللاجئين الذين خرجو خارج سوريا وداخل سوريا حتى، دون ماتلمس أحد.

 سميرة في هذه اللوحات فقط تدين الأعمال العنيفة التي تدور في المنطقة وهذا الملاحظ والمختلف عن أعمالها الأخرى التي نفذتها من الذاكرة

انا أرى هذه الاعمال هي الاقوى يكون فيها الابتكار وفيها الفطرية والابداع أكثر من الرسم عن التسجيل المباشر أو الذكريات المباشرة.

 

 بالإجمال الأعمال المرسومة التسجيلية ومن الخيال هي تعبر عن الاشتياق والعودة للبلد الذي كانت تعيش فيه والبيت الذي عاشت فيه

((يعني الانسان لما بكون خارج بلده وفي حالة لجوء هيك بصير احساسه يحب الذكريات القديمة)) فهي انغمسمت بهذين الصنفين من الفن

الرسم التسجيلي والرسم الانفعالي الرسم التلقائي الفطري الذي قدمته لنا

[6/‏3 12:44 م] سميرة بيراوي/تركيا: الفنان محمد تشكيلي فلسطيني كان معتقل لدى الاحتلال

الأن مقيم في دمشق

[6/‏3 12:51 م] سميرة بيراوي/تركيا: الاعلامي عدنان عبد الرزاق

كان مدير سابق لاحدى الجرائد في دمشق

الان مقيم في اسطنبول

وغني عن التعريف على مااظن

كتب يقول

عن اعمال الفنانة سميرة بيراوي

..

أعتقد أن الفنانة، سمسرة بيراوي، من قلة هذه الفترة، تلاحق توثيق تفاصيل الحالة السورية، بتقلباتها وتطوراتها، وكأنها توثق المرحلة، عبر اللون والريشة..

ولا تعرف الفنانة بيراوي، الهروب من همها الوطني العام، فحتى بلوحاتها التصويرية، نرى الانكسار حينا وملامح التعب و تلمس خطوط الوجع..كما بلوحة المسن المتكئ برأسه على عصاه"عكاز "

وان تحدثنا عن هذه اللوحة، لما حملته من تفاصيل مدهشة، إذ لم طفت بيراوي، حتى ما تركته السنون على خطوط اليد وانهاك حتى بحمل الرأس

لكن توثيق الفنانة السورية التي تأخرت برسمها وطرحها منتجاتها، لم يقف عند الخيبة والانكسار وروايتها الحسرات، عبر قمر الخبز أو تصاوير الغرق

بل ذهبت وبعديد من اللوحات، لتوّلد الأمل من رحم المعاناة، إذ أرى كمراقب، انفراجا وملامح ضوء وآمال، حتى بلوحات، يظن قارؤها، انها محبطة، ففي المشهد الاخير على سبيل المثال، آثرت بيراوي ترك نافذة الامل مشرعة، عبر خطوطها ولونها وتهويمات شخوصها، وكأنها تقول: انتظروا لم تنته اللعبة بعد، فثمة مستويات وألاعيب اخرى، وإن بعض انتهاء هذا العرض، لتؤكد ثنائية هواجس الفنان، التي يعكس بركنها الاول وساوسه ومخاوفه بتصوير الواقع. ، من نظر حساس يلتقط ما يعجز سواه عن رؤيته

والركن الآخر بالهواجس التي تتركها كفنانة عبر اللوحة، هو أن الهزيمة ممنوعة.. لطالما هناك ابتسامة وتصميم على العلم، لدى اطفال الشتات والمخيمات

وألفت ان للفنانة بيراوي، ربما من اكثر من أفرد لحياة اللجوء والمخيمات والجوع، من اهتمام ولوحات ووجع.

*عدنان عبد الرزاق*

اعلامي سوري

[6/‏3 12:55 م] سميرة بيراوي/تركيا: وهذا كان رأي الأستاذة ميادة سيد عيسى من خلال لوحات ازقة إدلب أخذتني بنت بلدنا الأصيلة سميرة بيراوي إلى العوالم الماضية الجميلة التي أصبحت حلماً بعيداً ... لا أفهم بالرسم ومراميه لكنني رأيت الواقع مع الجمال والبساطة وتناسق الألوان في مشهد شكل لي هيبة حقيقية ....

أحببت لوحة (الساحة التحتانية) وفيها خيرات إدلب المميز لقد عبرت اللوحات عن واقع ادلب وجمال أحيائها الشعبية التي تنبض بالحياة  بحرفية مميزة لم تغفل أي جزء مهما كان صغيرا، وبرعت في المنظور   وأضافت الكثير من احساسها ومحبتها لتلك المواقع

حتى شعرت أنني اتمشى فيها لكن بالمقابل لم تغفل عن تسجيل واقع البلد وحاله المؤلم سجلت المآسي التي ألت إليه البلد خلال الحرب المدمرة وحال الهجرة بكل أشكالها.

 وأخر عمل كان لها وثقته على صفحتها بالفيس بوك رايته عن الزلزال المدمر الذي حصل في تركيا وسوريا، جسدت بلوحتها الدمار مع بقاء الأمل لحياة افضل وكان عنوان عملها سوف نحيا

[6/‏3 12:56 م] سميرة بيراوي/تركيا: الاستاذة ميادة سيد عيسى مجازة في الادب العربي ..حلب مقيمة في عنتاب

[6/‏3 1:00 م] سميرة بيراوي/تركيا: فقرة "لوحة و فنان (ة)"

تطل عليكم من جديد، و  تستضيف الفنانة التشكيلية السورية الأستاذة سميرة بيراوي

هذه الفقرة بعنوان: "هذا من تراب بلدي"

سيلاحظ قرائي الأعزاء أن كل لوحة من لوحات الفنانة سميرة بيراوي تحتاج بم فردها لقراءة نقدية فنية و تقنية لتسليط الأضواء على ثنائية الدال و المدلول، من خلال جدلية الشكل و المضمون لاستجلاء مكامن الجمالية، و "كواليس الحكاية"، و أبعاد الرسالة... لذا تضرب لكم "فقرة لوحة و فنان(ة)" موعدا آخر عما قريب تحت عنوان: قراءة في لوحة...

مع تحيات "فقرة لوحة و فنان(ة)" و الأستاذ خالد بوزيان موساوي وجدة المغرب.

[6/‏3 1:02 م] سميرة بيراوي/تركيا: وكان هذا اللقاء عبر نافدة الابداع والنقد للأستاذ خالد بوزيان المغرب

[6/‏3 1:03 م] سميرة بيراوي/تركيا: الشاعر المغربي حسن المزوني على مجموعة نافذة الابداع و النقد للأستاذ خالد بوزيان يكرم الفنانة التشكيلية سميرة بيراوي بهذا النص/ التحفة: "

إلى الفنّانة التشكيلية السّوريّة سميرة براوي

 

دم وتراب

 

دمشقية الأصل

سورية الهوى

سقط البيت

بوابل سم زعاف

للشوارع قد روى

فأنَّتْ لِهَوْلِ الدّمارِ

وَ انْفَطَرَ الْقَلْبُ

لِفَرْطِ الْحُزْنِ قَدِ انْكَوى.

 

فَزَعَتْ إلى الْبَياضِ

زَرَعَتْ فيه دَمَ الشَّهيدِ

وَ تُراباً مُضَمَّخاً بِالْجَوى

وَ عَزَفَتْ بِاللَّوْنِ الْبَهِيِّ

نشيدَ الْأَمَلِ وَالْحَياةِ،

وَ التَّحَدّي في عُمْقِها قَدْ عَوى

[6/‏3 1:05 م] سميرة بيراوي/تركيا: حين  نقارب لوحة الفنانة التشكيلية السورية  Samera Birawi سميرة البوراوي من زاوية الرؤية والمكان داخل جدارية محاطة باربع جدران فذاك جزء من المتدارك جماليا وفلسفيا  في مفهوم البنية الإبداعية بالنوعي الكمي بل هي  واحدة من أجمل الأعمال الفنية التشكيلية التي عالجت إشكالية السلطة والمجتمع والحرية . إن الامكانيات التفاعلية داخل اللوحة كانت بعمق مطروحة وفق نسق الاسشكالي بعناصره ودلالاته السيميائية التحليلية  و الى طبيعة ومرجعية الابعاد السياسية للحضور و للغياب لتناظر الذي يمكن التعايش في ظله كل  المناخات السياسية والاجتماعية والنفسية المتصادمة للشكل الانثروبولوجي والسوسيولوجيا الثقافي لمكونات المجتمع السوري  .

تحيلنا اللوحة بتقاسيم لونيه معبرة عن طبيعة الافكار وطبيعة العلامات التي تترجم في عناصرها شكلية العنف الرمزي  والمادي ومستوياته في الإفصاح عن مدى وجوده الكيفي.

kamal Mustapha

جنسية مغربية

باحث في سوسيولوجيا الفن

مدير صحيفة اوكر للفن التشكيلي العربي.

فنان تشكيلي

ماجستير علم الاجتماع السياسي

تكوين  فني بايطاليا.

####

كتب بواسطة محمد منصور الهدوي

عبد القادر عبد اللي … عرّاب الترجمة التركية إلى العربية

عبد القادر عبد اللي.. كاتب ومترجم سوري، نافذة  من النوافذ التي أطلَّ بها القارئ العربي على الأدب التركي، من خلال ترجماته لمختارات من الأدب التركي لكبار كتّابه. يعد عبد اللي بمثابة شيخ مترجمي الأدب التركي إلى لغة الضاد، فقد أغنى المكتبات العربية بنحو ثمانين كتابا، لأعمدة الأدباء الأتراك الحديثين والمعاصرين، كالحائز على جائزة نوبل للآداب 2003 أورهان باموق الذي اعتبره مترجما حصريا لمؤلفاته إلى العربية، وعزيز نيسين وناظم حكمت، ويشار كمال وإليف شفق وغيرهم.

والراحل من مواليد إدلب، درس في جامعة المعمار سنان” في مدينة إسطنبول، وتعلمه في تركيا أتاح له معرفة باللغة والأدب التركيين، مما جعله أحد أهم المترجمين العرب من هذه اللغة إلى لغة الضاد. وتنوّعت اهتماماته فيها بين القصة القصيرة والرواية والمؤّلفات التاريخية والسياسية والسينما والدراما.  ولم يكتفِ عبد اللي بترجمة الكتب فحسب، فلديه كتاب في النقد التشكيلي الساخر بعنوان فرشاة وكتاب عن الأمثال المشتركة بين التركية والعربية، حاول من خلاله مدّ مزيد من الجسور بين الشعبين العربي والتركي، بالإضافة للعديد من المقالات السياسية والتحليلات نشرت في العديد من المواقع العربية.

ومن أبرز الكتب التي ترجمها عبد اللي للمكتبة العربية للكاتب التركي أورهان باموق: أسمي أحمر وغرابة في عقلي وإسطنبول الذكريات والمدينة والبيت الصامت.  والأعمال الكاملة للكاتب أورهان ، وكتاب سلطان حكم العالم: القانوني، رحلة شيقة في تاريخ الدولة العثمانية للكاتب طلحة أوغولو.

ترجم مختارات من القصة القصيرة التركية مطلع الثمانينات، ونشرها في جريدة إدلب الخضراء عام 1985، وحين انتبه إلى اهتمام القرّاء وإقبالهم على ترجماته، قام بنقل رواية زوبك لـ عزيز نيسين، وقد صدرت الطبعة العربية الأولى في 15 ألف نسخة.

عملٌ دؤوب وصامت، هكذا وزّع عبد اللي وقته بين التدريس والكتاية الصحافية والترجمة، متفرّغاً في مرحلة أولى إلى ترجمة أعمال نيسين، ثم توالت الترجمات لكتّاب آخرين؛ من بينهم: يشار كمال، وايلبر أوطايلي، وأورهان يشار، وفقير بايقورت، وأورهان باموق، وخلدون تتر.

اتجه بعد ذلك إلى تقديم الواقع السياسي والاجتماعي التركي عبر الأعمال التلفزيونية والسينما، حيث ترجم أكثر من عشرين عملاً درامياً، وعشرات الأفلام الوثائقية والسينمائية، وإلى جانب ذلك عمل في مركز الدراسات الاستراتيجية في دمشق لسنوات، قدّم خلالها أبحاثاً عن الشأن التركي وآلية القرار، لم يُؤخذ بها من قبل نظام الأسد رغم أن الأخير كان يتمتّع وقتها بعلاقة جيدة مع أنقرة، إذ طُلب من عبد اللي في عام 2005 أن يُقدّم مسودّة دستور على غرار الدستور التركي، لكن مشروعه بقي حبيس الأدراج.

لذا لم يكن غريبًا أن يقترن اسم عبد القادر عبداللي بأسماء كتاب أتراك كثر من بينهم أورهان باموك، الذي عمل على ترجمة أعماله الروائية منذ تسعينيات القرن الماضي مع دار المدى، أي قبل فترة طويلة من حصوله على جائزة نوبل للآداب، أو حتى أسماء ثانية مثل يشار كمال، وأورهان يشار، وفقير بايقورت، لينتقل مع مطلع الألفية الجديدة للعمل على ترجمة الأعمال الدرامية التركية، وذلك ليقينه بأهمية نقل ثقافة دول الجوار للقارئ العربي.

وعن السبب الذي دفع بـ عبد اللي إلى الترجمة من اللغة التركية إلى العربية منذ سبعينيات القرن الماضي، على الرغم من كون اهتمام القارئ العربي ضعيفا بالأدب التركي أنذاك، قال في لقاء أجراه مع العربي الجديد: بسبب دراستي في تركيا واطّلاعي على التاريخ العثماني والأدب والفن التركي، شعرت بضرورة نقل أدب هذا الجار الذي ظلمته السياسة كما ظلمتنا. أردت التفريق بين الإمبراطورية العثمانية والدولة التركية، بقصد تعريف القارئ العربي على واقع تركيا الاقتصادي والسياسي والأهم الإبداعي، فبدأت بالكاتب الساخر عزيز نيسين، الذي اقترن اسمي باسمه لفترة طويلة، منذ أن ترجمت له رواية زوبك.

ما بين التشكيل والترجمة ..كانت المعادلة أصعب ممّا تصوّره عبد القادر ،فكلما غرق في دهاليز التجمة ..ابتعد عن شغفه بالرسم.  مع ذلك.. فإن عبد القادر عبد اللّي إلى جانبِ ترجماته التي تعدَت ستين كتابا من العربيّة إلى التركيّة وبالعكس؛ قد ترك ثروة فنيّة تشكيلية لا تُضَاهَى، كان نسيج وَحدِهِ فيها، لم يتجرأ أحد من التشكيليين السوريين حتى على مقارَبَة مناخاتها السورياليّة.

لذا، يعود الفضل إلى عبد اللي أنه عرّف القارئ العربي على جانب مهم من هذه الثقافة التركية التي بقيت، رغم الجوار الجغرافي والتاريخ المشترك المديد، مجهولة كلياً حتى فترة التسعينيات من القرن الماضي، وفتح الطريق واسعاً للترجمة منها، وتقديراً لجهده الكبير حاز تكريماً من جائزة الشيخ حمد للترجمة في الدوحة العام 2015.

وكانت مهمة عبد اللي صعبة جداً، نظراً إلى صعوبة اللغة التركية ذاتها، سواء على مستوى قاموسها أو بنائها، لكن إتقان عبد اللي لها جعله ينال اعترافاً وتقديراً من المتخصصين في هذا الميدان. حتى أن الكاتب التركي صاحب نوبل (2006)، أورهان باموك، تواصل مع دار الشروق المصرية، وطلب منها اعتماد عبد اللي حصرياً لترجمة أعماله إلى العربية. وما كان باموك ليتخذ هذا القرار لولا دراسة دقيقة لترجمات أعماله الكثيرة إلى العربية. كما تواصل مع عبد اللي واستقبله العام 2015، واحتفى به تقديراً لجهده في هذا المجال.

 ومن أصعب أعمال باموك التي نقلها عبد اللي إلى العربية، رواية إسمي أحمر الصادرة بالتركية العام 1998، وبالعربية العام 2000، وهذا زمن قياسي بالنسبة إلى رواية من الحجم الكبير، معقدة على مستوى العوالم وبناء الشخصيات والموضوع الذي يحتاج إلى إحاطة كافية بفنون الخط والنقش ، كون الرواية تدور في فترة من عمر الإمبراطورية العثمانية. وبالتالي فهي تتضمن قدراً كبيراً من المعلومات التاريخية والأدبية عن النقش والناقشين وفكرة الشعوب في ذلك الزمن، وجدلاً حول الموقف الإسلامي من التصوير والرسم، وصراعاً بين فن النقش الإسلامي المتمثل في المُنَمْنَمَات وبين أسلوب الغرب المتمثل في التشخيص والأسلوب،

ويشكل نجاح عبد اللي في ترجمة هذا العمل، عملية متعددة الأبعاد، تتجاوز نقل عمل من لغة إلى لغة، إلى نقل عالم الرواية المعقد واختيار عربية تناسب لغة العمل، وهذا يفسر الإقبال الشديد على عبد اللي من قبل مدبلجي المسلسلات التركية إلى العربية، والتي عرفت ازدهاراً كبيراً خلال العقود الثلاثة الأخيرة.

وعبد اللي ترجم بنجاح، من التركية إلى العربية مباشرة، وليس عبر لغة وسيطة، رغم أنه لم يدرس الترجمة، وهذا يدل على حبه للغة والثقافة التركيتين، وبالتالي فإن درجة الأمانة عالية، وهذه نقطة تسجل لصالحه، وفي فائدة الأعمال التي ترجمها، وأما المتابع لأعمال عبدالقادر المترجمة يلاحظ أنه ترجَم لأسماء تُمثّل جميع أطياف الأدب التركي؛ من أدبٍ ساخر، وواقعية اشتراكية وواقعية سحرية، وأدب بوليسي وسرد تاريخي وكذلك أعمال تاريخية غير أدبية.

وفي إشارة إلى دوره في الترجمة أن عبدالقادر قدّم توازنا ممتازا في استخدام استراتيجيات: التدجين والتغريب، وهو في كل الحالات يحترمُ ثقافة المصدر، وينقلها بطرق حكيمة وبأسلوب سلسل إلى اللغة العربية، فلا نجد تشويها للنص المصدر من خلال التدجين لاعتبارات أيديولوجية وسوقية.

 

حوار

الكاتب والأديب. نجم الدين سَمّان

 

 

أسئلة الحوار:

 

س1. أستاذ نجم الدين. كيف ستقدّم نفسك للقراء والمُتابعين؟.


ج 1: مجرد كاتب وإعلاميّ.. سلاحُه قلمُه؛ ويرفض أن يكون شاهدَ زُورٍ على العصر الذي يُعايشه؛ وبخاصةٍ في بلده: سوريا؛ وفي المنطقة العربية؛ كما في بلدان تغريبته الأربع التي تنقل بينها مُهَجَراً بالرَغم عنه؛ حتى استقرّ أخيراً في فرنسا.

س2. من خلال مُتابعة مسيرتك الكتابيَّة. وقد صدر لك سبع مسرحيَّات، بلا شكٍّ هذا مُؤشِّر على حُبِّك للمسرح، ومن هذا المنطلق. كتبت ومثًّلتَ وأخرجْتَ، فما هي القضايا الأساسيَّة التي طرقتها في أعمالك المسرحيَّة؟.

ج2 يقال: المكتوب.. يُعرف من عنوانه؛ ولا مجال لشرح محتويات نصوصي المسرحية؛ ولهذا أكتفي بعناوينها.. مفتاحاً لها: ميم يبحث عن مدينة؛ أحلام على الرصيف؛ درب الأحلام؛ حكاية تل الحنطة؛ العشاء السوري الأخير؛ القناص قابيل؛ كواليس 50 .. الخ.

س3. وأنت من خلال إقامتك منذ سنوات في فرنسا، والمُضيِّ قُدُما بمسيرتك المسرحيَّة. فما رؤيتكَ للمسرح والمسرحيِّين بين بلادنا وفرنسا والغرب عُمومًا؟. وهل تستطيع تجربتنا العربيَّة والسُّوريَّة على وجه الخُصوص على مُواكبة المسرح الغربيَّ؟.

ج3- مسرحنا العربي ما زال مُنشغلاً بأسئلة الهُوية والوجود؛ وبثنائيات: التراث والمُعاصرة؛ الفكر والسياسة.. الخ؛ وبإشكاليات: الراهن والتاريخ والمستقبل؛ وبالقضايا الإنسانية الكبرى؛ بينما المسرح الغربي.. تخطى كلّ هذا؛ وتوجه نحو إشكاليات الفرد.. وبخاصةٍ نموذجَ الإنسان العادي؛ وبحالاته النفسية؛ وبعُزلته عن مجتمعه؛ وبرزت في السنوات العشرين الماضيات موضة "المونودراما الساخرة" لمُمثلٍ واحد.. ونادراً ما تتناول الساسة والسياسيين؛ أو تفضح الرأسمالية المُتوحشه؛ بل.. تُركز على المُفارقات اليومية البسيطة التي لا أجِدُها غالباً مُضحِكة؛ أنا القادم من شرقٍ مُضرجٍ بالدم؛ منذورٍ للخراب: خرابِ الأرواح والأمكنة؛ واليباب في كلّ شيء؛ ينتهك الاستبدادُ كرامتَه وينهش الفسادُ لقمةَ عيشهِ اليومي؛ وأيضاً.. مُستقبلَ أطفاله؛ بينما الفرنسيون.. يضحكون لأية مُفارقةٍ ساخرة.. حتى لو كانت لعباً لغويا بالكلمات؛ أو.. مًجردَ تهريج. يسألني الفرنسيون من جيلٍ على أعتابِ رحيله الفيزيولوجي؛ فتعرف نسبة منهم: أين تقع سوريا؟!!؛ أما الجيل الحالي في كل الغرب: جيل الزومبي.. المُعلَق بشاسة موبايله؛ فلا يعرف ماذا يحدث في الحيّ المًجاورة لسُكناه؛ فكيف سيعرف.. أين تقعُ سوريا!!. ولاحظتُ أن أغلبَ رواد بقايا المسرح الجاد.. يتجاوزون الأربعين من العمر؛ مع قليل جداً.. من الجيل الشاب.

 

4. في أيٍّ حقل أدبيٍّ يَجِدُ نجم الدين نفسه، ويراه ميدانه الفسيح؟.

ج 4 في القصة القصيرة؛ وفي المسرح.. وبالطبع في أدب المقالة الساخرة؛ ولم أنعطِف نحو الرواية؛ ولن أفعل؛ وحين يتساءل أحدُ؛ لماذا.. فالروايةُ ديوان العصر؟!؛ أجيبه بسخريتي في كل ما أكتبه: الرواية طويله.. وأنا قصير؛ هل رأيت قصيراً تزوج بامرأةٍ أطول منه؟!؛ وجمعتُ في كتاب وحيدٍ قصائدَ مُنتقاةً من مسيرة طويلة؛ لكني أشرت إليها في غلافه الأول بالتوصيف التالي: "ما يُشبِه القصائد" لأني لا أطمح أن يكون شاعراً؛ لكن مشاعري تتجلّى بلا قرارٍ مُسبق: نثراً أو شعراً؛ ونصا قصصياً أو مسرحياً؛ أو مقالة ساخرة. وفي استراحةٍ ما بين نصين.. أتناول ورقة بيضاء لأخربش عليها رسوماً؛ أو.. أحمل كاميرتي.. لألتقط بعيني الثالثة.. ما لم ترَهُ عيناي من ظاهر الوجوه والأشياء أو في الطبيعة؛ وفي الظلال بين حارات حلب ودمشق؛ وفي الدول والمدن التي زرتها. ولا أزعم بأني فوتوغرافي أو رسام؛ فتلك هوايات فرعية لم أتفرغ لها؛ وتتعثر بي عن قصدٍ.. لتُذكرني بأنها في داخلي وما تزال تنبض بالحياة.

 

س5. وقد كُنت عضوًا مُؤسِّسًا إلى جانب فنّان الكاريكاتير "علي فرزات"، وآخرين، لجريدة "الدُّومري" الانتقادية الساخرة, وكان ذلك بعد ربيع دمشق في العام 2000م. وحيث أنَّها للمرَّة الأولى التي سُمِح فيها بصدور جريدة مُستقلَّة في سوريا، منذ وصول حزب البعث إلى السلطة في 1963، وحلَّقتُم عاليًا في النَّقد السياسيِّ والاجتماعي السَّاخر، وللأسف الشَّديد لم تستمر إلَّا فترة، وأُجهِض مشروع الدُّومري في مهده. هل لك من الحديث حول هذا المشروع النهضوي بداياته والآمال والطّموح والمُعوِّقات، وسبب اختياركم لكلمة "الدُّومري" اسمًاً للجريدة؟.

ج 5-  سبق صدورها ربيع دمشق القصير 2001 2003 حيث أصدرنا مثقفين وفنانين وصحفيين: "بيان ال 99" مثقف سوري.. طالبنا فيه بما نادت به ثورة الشعب السوري بعد عشر سنوات وكنت احد الموقعين عليه؛ وعلى بيان : "الألف مثقف سوري" بعده؛ وخلال نلك الفترة ولدت "جريدة الدومري".. كمن يعبر الحدود بلا جواز سفر؛ وشاركت في تأسيسها وانطلاق عدد ها الأول؛ ولم أتوقع شخصياً.. أن تستمر؛ حتى كدت أقترح ترقيم أعدادها من 50 تحت الصفر وصعوداً؛ بينما كان الابن وريث عرش أبيه حافظ الأسد يقول بالتحديث والتطوير والشفافية؛ فألهمني بمقالة ساخرة عنوانها " رحلة إلى جزيرة شفافستان" فأزالتها الرقابة الأمنية والعدد الأول يطبع؛ وبدأت مرحلة التضييق على الجريدة وعلى كوادرها حتى إيقافها بقرار همايوني شفاف!.

 أما بالنسبة لاسمها" الدومري" فكان خروجاً عن إعادة استخدام أسماء الجرائد والمجلات السورية الساخرة وقد سطعت منذ معاهدة 1936 التي أفضت للاستقلال وحتى 1959 مع قيام الوجدة بين مصر وسوريا التي منعها مع كل الصحف والمجلات نظام الفرد الواحد الناصري؛ ثم.. الانقلاب العسكري البعثي.

وكلمة "الدومري" تعني الرجل الذي كان يضيء ليلاُ قناديل الزيت في حارات دمشق وحلب وبعض المدن السورية.. لينير الدرب للناس.

 

س6. بعد توقُّف جريدة الدُّومري، قُمت بتأسيس جريدة "شرفات سوريا" الثقافيه في دمشق، وكنتَ رئيسًا لتحريرها، واستمرَّت من العام 2006 إلى بداية 2012. أي أنَّها عاصرت بدايات الحراك السِّلمي للثورة السُّوريَّة في (15.3.2011). نريد أن تُحدِّثنا عن تجربتك الجديدة التي واكبت الحدث الأهمّ في حياة سوريا والسُّوريِّين على الإطلاق؟.

 ج 6 لطالما أؤمن منذ أول مقالة ثقافية نشرتها عام 1978 وحتى الآن بأن الحديث في السياسة محكوم بلوائح الاستبداد؛ وبأن للثقافة نوافذ تمرّ من خلالها؛ برغم هامشيتها وتهميشها في النظم الشمولية؛ لكن هامشيتها تتيح لها هامشاً نسبياً من الحرية وعلينا نحن المثقفون.. توسيع الملعب الذي رسمه النظام لها؛ بما نستطيعه؛ وكما قال برتولد بريخت الذي نجا بنفسه من النظام النازي في ألمانيا: هناك ألف طريقة.. لقول الحقيقة؛ ولأن قول الحقيقة بلغة السياسة في كلّ شرقستان.. يؤدي غاليا للتغييب في سجون المُستبِد؛ نستطيع تمرير الحقيقة بلغة الثقافة؛ وأيضاً بلغة السخرية؛ فلطالما كانت السخرية أقدم مضاد حيوي للقهر والاستبداد ولتوأمهما: الفساد؛ وقصيدة حبٍ.. قد تضيء الدرب نحو الحرية الفردية والاجتماعية وكذا السياسية؛ كما فعل بالضبط: نزار قباني؛ وبالطبع.. هي لا تصنع ثورة؛ لكنها تزيل من النفوس رواسب الاستبداد.

ولهذا لم أعمل سوى في الحقل الثقافي/ الفني؛ بل نذرت عمري له؛ وكان تأسيسي جريدة شرفات الشام الثقافية/الفنية ثمرة كلّ هذا الإصرار؛ وشارك فيها أبرز المثقفين السوريين المخضرمين؛ وكذا.. الأصوات الشابة بكثافة؛ وتخرج من مدرستها كثير منهم؛ وهذا.. مكسبها المستقبلي.

وحين بدأت الثورة وتصاعد قمع النظام الأسديّ لها من ضرب المتظاهرين بالعِصِيِ الغليظة إلى ضربٍ بسلاسل الحديد؛ ثم بإطلاق الرصاص عليهم؛ بل.. وترك أسلحة في طريق تجمعهم لتحويل التظاهر السلمي إلى عصيانٍ مسلحٍ يُبرر سحقهم بالمدافع والدبابات والقصف الجوي وبالسلاح الكيماوي.. أوقفتُ الجريدة طالما لا تستطيع زهرة الثقافة أن تُواجِهَ البنادق الدموية؛ وغادرت دمشق قبل صدور قرارٍ بمنع سفري مع كثير من زملاء المهنة؛ ثمّ صدر اسمي في أول قرارٍ بمُصادرة أملاك من اعتبرهم النظام معارضين له؛ وبجانب اسمي.. صفة: الأديب الخائن؛ فألهمني قراره بشعر حلمنتشي ساخر:

"جاءني قراركم / وأنا في أضرط  أوقاتي؛ لا مالَ لي في بنكٍ / ولا بيتاً عند الطابوياتي؛ فتشوا.. بحبشوا جيداً / ليس في الكيس إلا بيضاتي".

 

س 7. منذ بداياتك شاركتَ مع فِرَق الهُواة المسرحيَّة في محافظة إدلب 1974، وبعد الانتقال للدراسة في جامعة حلب تابعت نشاطك مع فرقة المسرح الجامعيِّ في حلي (1980. 1984), وأخرجتَ مسرحيَّات لكُتَّاب مسرحيين سوريين وأيضاً (في انتظار غودو. لصموئيل بيكيت)، وشاركت بتأسيس تجمُّع "آداد" المسرحي مع (عابد فهد. سامر المصري. ميلاد يوسف) في دمشق 2001- 2002.

ج 7- ما زلت أعتقد بأن بيتي الأول هو بيت العائلة في الحارة الشعبية؛ برغم البيوت التي تنقلت بينها كما بين المدن: سوريةً في إدلب وحلب واللاذقية وحمص ودمشق؛ وفي سواها: ما بين الجزائر العاصمة والقاهرة واستنبول.. وأخيرًا إلى بيزانسون الفرنسية مسقط رأس فيكتور هيغو.

أما بيتي الثاني.. فهو المسرح؛ مُذ كنت أختلس شرشفين بيضاوين في غفلةٍ عن أمي؛ لأصنع منها ستارةً في مدرستي الابتدائية؛ ونشدهما بحبلين من كل طرف؛ فيما يُشبه فتح الستارة؛ فتتكشف مصطبة حجرية يسمونها مجازاً "خشبة المسرح / الركح" بينما هي مُخصصة لخطابات المدير في الأعياد الوطنية. تلك كانت أول بيوتي المسرحية؛ وتنقلت للعيش فيها وخلف كواليسها أيضاً؛ فلطالما قلت بأن الحقيقة ليست فقط.. تلك الموجودة فوق الخشبة؛ وإنما قد تكون خلف الكواليس خائفة من أعدائها؛ ونحن أبناؤها وحراسها؛ ومن ينقلها من العتمة إلى الضوء لتنير أرواح المشاهدين.

وفي تغريبتي الرابعة؛ هنا في فرنسا.. كتبت ثلاثة نصوص مسرحية؛ وأسست فرقة مسرحية في بيزانسون باسم: "دو بردى تياتر" مشتق من اسم نهر "الدو" في المدينة ومن النهر الدمشقي "بردى"؛ وقمنا بالتعاون مع فرقة هواة فرنسية بتقديم نص لي: "القناص قابيل" ونحضر لنصِّيَ الثاني "كواليس 50" عن كواليس فرقة مسرحية فرنسية تحتفل بيوبيل تأسيسها الذهبي؛ فتنكشف كواليسها.. للجمهور.

 

س 8. في ظلِّ التراجيديا الدموية السُّوريَّة، وما حدث من الانقلاب الاجتماعيّ والقِيَميّ في ظلِّ الموت والدَّمار النفسيِّ والرُّوحيِّ. هل يُمكن إعادة بناء الإنسان السُّوريِّ من جديد؟.

ج 8 للأسف.. يسبق الخراب الروحي كل خراب مادي بعده؛ منذ أول انقلاب عسكري في سوريا إلى انقلاب خافظ الأسد؛ ثم تجدد الخراب مع توريث ابنه بشار؛ وبخاصة.. مع اندلاع شرارة الثورة السورية ضد الاستبداد وتوأمه الفساد؛ وقد رأيت بينما كنت في السابعة عشر من عمري.. هذا الخراب سيمتد من مجزرة تل الزعتر في لبنان إلى مجزرة مخيم اليرموك في دمشق إلى غزة؛ وأنا قد تخطيت الخمسين عاماً؛ وما بينهما كان الاستبداد يسجن أرواح السوريين في سجن كبير اسمه سوريا الأسد؛ وأجسادهم.. في سجون أصغر؛ وبخاصةٍ.. في سجن تدمر الرهيب على أطراف البادية السورية وفي سجن صيدنايا المسمى بالأحمر لدمويته.

المفارقة.. أن سؤالك قد أرسلته لي قبل هروب بشار الأسد؛ وسقوط نظام عائلته المافيوية؛ وشغلتني الأحداث المتلاحقة في بلدي عن الإجابة.. ولو إلى حين؛ وكنت منذ 2012 قد كتبت بعد مغادرتي دمشق مُرغماً: لا ينجح ربيع عربي.. إئا لم ينتصر في سوريا؛ وكتبت بعد تأكيد خبر سقوط النظام الأسدي مستكملاً تلك الجملة الأولى بجملة ثانية؛ كما في شطري بيت الشعر العربي؛ وكما في قرار الموسيقى العربية وجوابها: ولن يعود ربيع عربي.. إذا أخفق السوريين في صنع مستقبلهم بأيديهم.

ومن البديهي أن الخراب أسهل من البناء؛ وأن الأصعب.. إعادة بناء ما تخرب في نفوس السوريين ومن بيوتهم المدمرة.

لكن السوريين الذين خسروا كلّ شيء؛ لن يقبلوا بأيّ شيء؛ وتلك جملة المتشائل المشاغب في داخلي.

 

بطاقة تعريفية

للأديب والكاتب. نجم الدين سَمَّان.. كاتب قصة ومسرح وناقد مسرحي سوري. صحفي - رئيس تحرير.

*- من مسرحيّاته:

ميم يبحث عن مدينة؛ حلم على الرصيف؛ درب الأحلام؛ حكاية تلّ الحِنطة؛ العشاء السوري الأخير؛ القنَّاص؛ كواليس 50.

*- من كتبه:

الأنفاس الأخيرة لعتريس؛ ساعة باب الفرج؛ نون النساء؛ 6 قصص 7 كواليس؛ عزمي أفندي؛ بورتريه؛ إضاءات مسرحية؛ المُدن النساء؛ حرش هابيل.

- شارك كممثل ومؤلف ومخرج مع فرق الهواة المسرحية في مدينة إدلب منذ عام 1974؛ وفي فرقة كلية الآداب وفرقة المسرح الجامعي بحلب 1980 - 1984.

- أخرج لمسرح الهواة في سوريا: "الرجال لهم رؤوس" لمحمود دياب؛ "مقام إبراهيم وصفيّة" لوليد إخلاصي؛ "في انتظار غودو" لصموئيل بيكيت.

- عضو لجان تحكيم في عدة مهرجانات للهواة المسرحيين السوريين منذ 1995.

- شارك في تأسيس تجمُّع "آداد" المسرحي مع عابد فهد وسامر المصري وميلاد يوسف؛ دمشق 2001- 2002.

- شارك في تأسيس جريدة "الدومري" الانتقادية الساخرة - دمشق 2001.

- عضو هيئة تحرير مجلة "الحياة المسرحية" سوريا 2003 - 2005.

- أسّس جريدة "شرفات سوريا" ورئيس تحريرها دمشق 2006 - 2012.

- أسّس مجلة "تواصل" الالكترونية وأدار تحريرها 2013 - 2014.

- مُقيم حالياً في فرنسا - وأسّس في مدينة بيزانسون "فرقة دو/ بردى المسرحيّة" السورية/ الفرنسية التي قدمت عام 2024 بالتعاون مع فرقة مسرحية فرنسية نَصِّه المسرحيّ "القنّاص" باللغة الفرنسية.

 

 

الفهرس

تقديم. 5

عبدالسلام بن أحمد المطر الفريج.. 12

الشاعر ياسر الأقرع.. 26

الفنان والكاتب "عماد عبدالله المقداد". 49

الكاتب والأديب محمد زعل السَّلُّوم. 78

الأديب الطبيب. حسَّان أحمد قمحيَّة. 122

الفنانة التشكيلية سميرة بيراوي.. 153

الكاتب والأديب. نجم الدين سَمّان. 195