رواية
فوضى
العطر
محمد فتحي المقداد
كأنّ نارًا تتلظى بين أضلعي تلتهب، إحساس عميق لشيء يطفئ اللهيب، أتقلّب يمنة ويسرة في سريري، فتحتُ عينيّ ظلام الغرفة مشوب بخيوط بيضاء من ضوء القمر تسرّبت من جوانب الستارة الحاسرة عن جانبيّ الشبّاك.
تململتُ محاولًا النهوض، متاعب العمل خلال يوم طويل من أيّام الصيف، أنهكت جميع قواي، عضلات جسمي في حالة استرخاء لاستعادة لياقتها، بتبديد ما لحق بها، مطالب الحياة لا ترحم، تتوالد بغزارة نبع ماء متجدّد لا ينضب، الكسل مرفوض بكل المعايير، من لا يعمل.. لا يأكل.. قيمة حياتي تتشكّل وفق احترامي لذاتي القائم على الانضباط بعملي الذي يكفيني حوائجي ومتطلبات أسرتي والإيفاء بكافة التزاماتي المطلوبة من ربّ أسرة مثلي.
نشوى انبثّت في جوانحي على غير العادة، رائحة نادرة لا يبوح الكون عن سرّها إلّا أيّامًا معدودات من كلّ صيف.
- " يا إلهي..!!".
وعببتُ بنهٓم مختلف ملء رئتيّ، "هذه المفاجأة هي الأولى لي في هذا الموسم".
لم أتمالك نفسي، ضربتُ بعرض الحائط أنين أعضائي التّعبى. وقبل البحث عن كأس الماء. كانت وقفتي على الشبّاك، أخذتني بعيدًا لأيّام الحصاد العزيزة على قلبي بلياليها المحببّة إلى نفسي، كلّما عاودتني ذكراها.
محالة هستيريّة استحوذتني في حُلُمي الطويل غير آبهة بأنفاس زوجتي الغاطتة في عميق نومها مثلي، ولم تفلح هذه المرّة في الإحساس بحركتي المفاجئة على غير إرادتي، وسؤالي عمّا حدث لي، أو كما تفعل في كلّ عن سبب قيامي وصحوي في هذه الفترة فيما قبيل الفجر.
***
المضيق يضيق بالسّفن العابرة بين المتوسط والأطلسي، طنجة لا تغفو آبدًا.. متوفّزة الحواس دائمًا.. لم تعلن يومًا تعبها.
البحر يعزف سمفونيّته الخالدة من الجهة الغربيّة، والمضيق محكوم بحالة من الهدوء المُتعكّر مع كلّ عبور لناقلة عابرة، عنفاتها تثير قلق الماء، لتُفزع قلب حمامة كانت قاصدة سفينة نبي الله نوح عندما ضلًت طريقها، ركّابُها انتشى أمل الحياة في نفوسهم مستبشرين ببقايا طين عالق في رجليْها.
(هرقل) الغاضب لم يفتأ من ضرب الصخر بسيفه ليقسم العالم القديم بين شمال وجنوب، بين فقر وغنى، بين قراصنة متعشطّين للمال واستخلاصه بالقوّة، فالقتل ديدنهم والنهب والسّلب سبيلهم.
وأين ذلك (أنتي بن بوسيدون) القرصان الإغريقي وهو يقتل المسافرين الحالمين والآمنين، ويبني قصره من جماجم أحلام ضحايا..؟
- يا لها من مفارقة، بعد كل هذا التباعد التاريخي، مازال المكان(طنجة) يحتفظ بطزاجة الحدث، ولم يدر (أنتي) أنه استدَرّ لعنة وقد أراد الخلود إرضاء لزوجته، وقد أطلق اسمها على المدينة المستباحة. قال دهشان لنفسه.
***
طارق.. يا طارق
أقفُ عاجزًا على مرتفع جميل الإطلالة من خلال شرفة متنفّس للشّقّة التي أستأجرها خلال إجازتي السنويّة، أجلس ساعات طويلة متأمّلًا المضيق الضيّق أصلًا، وأتنقل ببصري إلى ما خلف المضيق إلى ذلك الجبل الرابض على الجهة المقابلة لي..
عقلي يتوقف عندما أشرعت سيفك ردًّا على سيف هرقل، وأنت تصيح بالجنود الانتظام في ركوب القوارب والبواخر لبلوغ الضفّة الأخرى التي حمل جبلها اسمك مع المضيق.. وصنعت الانتصارات ذات الصدى المُشرّف في زمن انكسارنا العربي، فمن نكبة إلى نكسة إلى ضياع كثير من ديار العرب ومحيت من خارطة بلادنا.
- باطل..! ما الذي أسمعه منك يا دهشان..
- لا أستطيع أن أكذب عليك يا طارق بن زياد، فقد صدقتك القول. وأكثر ما حزّ في نفسي، أنّ صديقي شهوان، الموصوف رسميًّا بالفصام، وفي نوبة بكاء هستيريٍّة، أعتقد أنّ سببها الرئيسي متابعته للقنوات الفضائيّة الإخباريّة حصرًا، دموعه تبلل ذقنه وتتساقط على الأرض، وهو يصرخ بأعلى صوته:
(بلاد العُرب أوطاني // من الشام لبغدان
ومن نجد إلى يمنٍ // إلى مصر فتطوان)
في الحقيقة انهيار داخلي أصابني وأنا أستمع، وكادت كلمات الشتيمة تُحرْك لساني لذاك الشاعر المأفون (فخري البارودي)، من ذاك الحيّ الدمشقي الذي شهد على نهاية مؤلمة غير متوقّعة لقائد مثلك يا طارق.. وأنت تموت فقيرًا بعد أن شوهدت تتسوّل رغيف خبز عند باب توما، بثياب وأسمال بالية لا تليق بسائس خيل في اسطبلات مساعد أدنى قائد صانع للهزائم في زماننا، ولا تليق كذلك بعامل نظافة في شوارع دمشق التي عرفتها.
- يا شهوان.. أنا جنديّ في خدمة أمّتي أينما كنت، ولم أصنع شيئًا مما سمعتَ وقرأت، من أجل تسمية المضيق والجبل باسمي، ولستُ آسفًا أو نادمًا على النهاية غير السّعيدة من منظورك. وداعًا أنا في عجلة من أمري.
- يالها من مفارقة محيّرة.. أناس لا يستطيعون قيادة قطيع صغير من الماعز.. قادوا جيوشًا وحققّوا حروبًا خاسرة.. والنياشين تتلألأ على صدورهم، يعيشون في حمّى غفلتهم وغرورهم، وقادة حقيقيّون صنعوا أمجادًا؛ فعوقبوا بإذلال..!!
***
على وقع صفير ناقلة عظيمة الحجم.. استعاد شهوان نفسه من مجاهل التاريخ.. مسح وجهه، عرَك عينيه ليرتاح من حكّة خفيفة في جفنيه من جحيم الدخان والأبخرة المنطقة، روائح مختلطة من الديزل والنشادر المُخرّشة تزكم الأنوف بلا استئذان، سحب منديلًا مطويًّا من جيبة البيجاما.
اعتدل في مكانه بعد انحناء على حافة الدرابزين، شعر بوخزة في ظهره، دلّكها بيده، تلكْأ بخطوته الأولى باتجاه الصالون، بعد آن أسرته نسمة أطلسيْة باردة، أعادت له شيئًا من توازنه، وحملت معها رائحة البحر المحمّلة برائحة أسماك الشاطئ النّافقة جرْاء قنابل الصيّادين لجمعها فيما بعد، وحملت معها روائح طبخ مختلفة بتشابكاتها كان من الصعب عليه تحليلها.
تلمّس بطنه المُستثار بقرقعة مصارينه، توقيت الإفطار فاته منذ ساعات قضاها في سهوة عن نفسه.
***
نظراتي تذهب بعيدًا في لجّة الظلام على غير هدى، شيء غامض يسحب إحساسي المذهول بيسر وسهولة، نسمة من جهة الشرق لامست خدّي الأيسر، وخزت شرودي نبّهتني، انتشلتني من سُكري المفرط، رائحة الزرع الأصفر المُندّى برطوبة ينتظرها الفلاحون أيّام الحصاد. أدركت الآن أن الأرض تبوح برائحتها، باستطاعتي تمييز هذه البقعة عن تلك، المطر عند ملامسته التراب مختلف عن
+اولى الروائح المختزنة في ذاكرة اللاوعي رائحة حليب الأم ورائحة صدرها..
+ الأرض كالأم تبوح لعطرها لابنائها..
#((رائحة الأرض الندية أو رائحة المطر أو ما يدعى بالبتريكور رائحة أرضية تنتج عند سقوط المطر على تربة جافة . بتريكور كلمة إغريقية تنقسم لـ بيترا بمعنى الحجر و ايكور بمعنى السائل الذي يتدفق في عروق الآلهة في الأساطير اليونانية.
في عام 2015 , قام علماء ام أي تي باستعمال كاميرات ذات سرعة عالية لتسجيل انتشار الرائحة في الهواء.[1]
الاختبار جرب 600 مرة على مختلف السطوح متضمنة28 سطحا ما بين سطوح لمواد هندسية و كذلك عدة عينات للتربة.[2]
عندما تضرب قطرات المطر على السطح المسامي، تتشكل فقاعات صغيرة تطفوا على السطح و تطلق ما يسمى بالضبوب .[1]
هذه الضبوب بمعونة البكتيريا والفيروسات الموجودة في التربة تكون رائحة المطر .[1]
قطرات المطر التي تتحرك بمعدل أبطأ تميل إلى إنتاج المزيد من الضبوب . و هذا بمثابة تفسير لماذا رائحة المطر تكون أكثر شيوعا بعد هطول الأمطار الخفيفة
.[1]
في فترات الجفاف تقوم النباتات بنضح زيوت عطرية حيث تقوم التربة الجافة بامتصاص هذه الزيوت وعندما ينزل المطر تنتشر هذه الزيوت العطرية مع المخلفات البكتيرية التي تسمىجيوسمين التي تنتج عند موت بكتيريا تسمىالاكتينوبكتيريا [3] ويعتقد بعض العلماء أن البشر يقدرون رائحة المطر بسبب أن أسلافنا كانت تعتمد على المطر من أجل البقاء
***
العطر والجنس
+ العطر مثير جنسي
+ زبون نظيف الهندام.. عطر فواح
+ عطر مصدره بيت من غرفة نوم
+ سيارة مسرعة تركت عطر من يركب فيها رغم ابتعاده عن المكان.
+ عطر امرأة مارة من جانب المكان.. طيب العطر لفت الانظار اليها.
+ زبون على كرسي الحلاقة ملابسه عتيقة.. تفوح منه روائح لا تطاق.. وهو يقول: الان عدت من العمل. وفضلت المرور للحلاقة، وبعد ذلك اذهب للبيت والغسيل ورمي ملابس العمل.
+ زيارة الى البتراء.. والتمتع برائحة المدينة الوردية.. الأشخاص الذين يعملون في خدمة السياح.. وروائحهم التي تجعل يبتعد عنهم.. وهناك صنف من السائحات الأجنبيات ينجذبن لمثل هذه الروائح لممارسة الجنس وقسم منهم يتزوجهن ويطيب لهن العيش هناك بشكل دائم.
+ رائحة الفم
+ رائحة الأرجل
+ أطفال ينتظرون دورهم وبين خين وآخر تصدر عنهم روائح الفساء.
+ بالمقابل الحلاق يتعطر بشكل يومي قبل خروجه من بيته للعمل. وحساسيته المفرطة من الروائح الكريهة التي سببت له عقدة نفسيه. جعلته يفكر بشكل جدي بترك العمل وتغيير المهنة.. بعد جلسات علاجية عند طبيب نفسي لا يجيد تنظيف نفسه بشكل يومي وجيد. والتحليل الذاتي للزبون والطبيب وصولا الى حالة لا اخلاقية من التخمينات.
+ زبون رائحته طيبة. عطره فاخر ماركة فرنسية مشهورة.. تأويلات الحلاق حالته والبحث مع نفسه عن خلفيات الزبون بشكل دقيق وصولا اللاأخلاقية.
***
رائحة الموت :
+ رائحة منبعثة من قبر. رغم العطورات التي رشوها على الميت عند تكفينه وتجهيز الجثه للدفن. ورائحة رطوبة منبعثة من التراب المحفور. كأن الأرض تتنفس
+ رائحة المومياءات المحنطة.. ومواد التحنبط
+ عطر يرشونه على الميت.
+ رائحة موت الأسماك. البطل يحب أكل السردين.. ويتذر قصة الأسماك الميتة وزنختها المقززة، والمنظر الذي يجعل المرء يتقيأ..
+ رائحة الفطائس
+ رائحة البارود في القنابل والقذائف من الصواريخ والبراميل. وجدلية الموت.
///////////////********/////////////////
((تسبيحة الفجر.. تباشير الندى.. أكف الغيم.. تناهيد السنابل.. أغاني الحصا.. أرجوحة الخير.. تروج بالحكايات.. والضحكات.. تحكي رواية تراب وطن)) فتحي
***من مجموعة بعد منتصف الحب/ عبدالله صالح الجبوري
((للأرض رائحة، بحيث تميز بقعة عن أخرى إما برائحة الورد والود أو المطر والطين أو الدم والتراب. كما للمرأة رائحة تسبق خطواتها تميزها عن الأخريات رائحة العطر والسحر، آو الشهوة والحسد، أو الفكر والقلب. من أجل ذلك ربما جمع بطل رواية العطر- لباتريك زوكند)).
((للأطعمة روائح تميزها عن بعضها، وحده الجائع تغلب على معدته ذات الحاجة الماسّة للطعام حتى ولو كانت جيفة))
((لروحة تلك المرأة رائحة غريبة نتنة، الغريب أنها لم تكلفها سوى حمّام كذب ساخن لتفوح منها العطور /عبدالله صالح الجبوري – بعد منتصف الحب))