الأربعاء، 16 نوفمبر 2022

استطلاع مجلة فرقد العدد90

 

 

(عناية الأديبة حصة البو حيمد. المحترمة).

 

قضية العدد ( ٩٠) لمجلة فرقد الإبداعية والتي تحمل عنوان

(فن الرواية بين الشخصنة والتشخيص)

بقلم الروائي. محمد فتحي المقداد. سوريا

 

أيّ عمل في الحقيقة هو المرآة العاكسة لصاحبه، سواء كان إنسانًا عاديًّا أو كاتبًا، وقضيّة الكاتب أيّ كاتب على الإطلاق تتفرّغ بالكتابة بأصنافها جميعًا، وهي تعبير حقيقيّ وواقعيّ عن الكاتب نفسه أوّلًا، وعن آرائه الفكريّة والأديولوجيّة ثانيًا.

والكاتب الروائيِّ جزء من مجتمع الكُتّاب، ويأتي نصّه الروائيّ على شكل رواية، وهي ساحة بل ساحات تُشكّل وعاءً واسعًا، يتّسع لوجهات النَّظر الفكريّة والسياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة، ومخرجاتها بتفاعلات مليئة بالتوافق والاختلاف والصّراع، والادّعاء بامتلاك الحقيقة، ومن يمتلك الحقيقة، يُجيز لنفسه بطرح نفسه بأن يكون المُخلّص للبشريّة من عذاباتها، بهدف إعادة بناء حياة تستقيم وتتوافق حدّ التطابق مع آرائه المُنتمية لعوالم أيديولوجيّة؛ ليصبغ العالم بصبغته ولونه ويُنصّب نفسه آلهة من دون الله، بتجديد حالة التفرعُن: (يا أيّها النّاسُ ما علمتُ لكم من إلهٍ غيري. أنا ربُّكم الأعلى). وهذا ما يُعبّر عنه بمصطَلح الدكتاتوريَّة. يحصل هذا الاتّجاه في الكتابة الأدبيّة الروائيّة، إذا ما كان الروائيّ مُؤدلجًا يشتغل على تسويق، لمصلحة حزب أو تجمّع، أو مُنتَمٍ لاتّجاه فكريّ مُعيّن، وينتقل الكاتب بهذا المفهوم إلى كونه عرّابًا مأجورًا، أو عن طيب خاطر وحُسن نيّة، وهذا لا ينطبق على كاتب يمتلك "كاريزما" وقضيّة، وما قيمة كاتب من غير قضية مصيريّة يُقاتل من أجلها. هذا في حال كان الكاتب يتحرّك داخل النصّ، ويتدخّل بأدقّ تفاصيله، يُمارس دكتاتوريّته على أبطاله، ويجعل منهم دُمًى وبيادق على رُقعته الروائيّة، وإجبارهم على تنفيذ رؤيته ورسالته المُراد إيصالها لمجتمع قارئ لإقناعه والتّحشيد لمشاعرهم وأحاسيسهم؛ ليكونوا ضمن تيّاره الذي يدعو إليه.

وكمثال فيما ذهبنا إليه تُعتبر رواية (وطن في العينين) للأديبة السوريّة "حميدة نعنع" التي كانت مُنتميَة "للجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين" بقيادة "د. جورج حبش"، فقد كانت روايتها مسرحًا للصراعات الأديولوجيّة عربيًّا، وعربيًّا في مقاومة الغرب المُتسلّط استعماريًّا، والصّراعات الفصائليّة الفلسطينيّة الداخليّة.

وعلى الجهة المُقابلة المُفترضَة أن يكون الكاتب الروائيّ خارج نصّه، بأن يكون ديمقراطيًّا، بإفساح المجال وتوسيعه لحركة أبطاله، وحريّة طرح آرائهم، ومشاركتهم الإيجابيّة في صُنع الحدث الروائيِّ بعيدًا عن توصياته ورقابته الفجّة المُباشرة، بتضييق الخِناق عليهم، وأن يتباعد مُتواريًا خلف أبطاله قدر الإمكان؛ لتكون كتابته مُقنعة بمقاربات الواقع بحياديّة وشفافيّة. ليبقى القارئ مع الرواية وداخلها من أوّل صفحة إلى آخرها.

وبالمحلصّة لا حياديّة مُطلقة إنّما تختلف بدرجات. والرّواية مزيج من التجارب والخبرات المعرفيّة الشخصيّة وللمحيط الاجتماعيّ للكاتب القريب. والبعيد من المجتمعات والتجمّعات البشريّة الأخرى. بمُقاربات تستدعي مهارات وخبرات الكاتب الروائيِّ بأبعاده الفكريّة والثقافيّة التي تستوعب هذا الكمّ الهائل، ومقدرته  بإعادة انتاجه على شكل رواية تستكمل مِشواره المليء الوازن بمادّة حقيقيّة، تُؤطّر لنبوءة اجتماعيّة. كما في رواية (طواحين بيروت) للروائي اللُّبنانيّ "توفيق يوسف عوّاد"، وفي الختام، وعلى رأي القائل: (حين تتسلّل الأيديولوجيا من باب الأدب، يهرب الإبداع من نافذته).

 

عمّان. الأردن

ــــا 16/11/2022