الكتابة كمعجزة والمجد في الشارع الخلفي: قراءة في برقية الغزالي وفوز " الروائي محمد فتحي المقداد بجائزة ناجي نعمان
حين يكتب إبراهيم علي الغزالي، فهو لا يُرسل برقية، بل يُطلق تعويذة.
لا يهنئ فحسب، بل يُلبس صاحبه تاج المجد من شوك التجربة، وحبر المعاناة، ورماد المدن التي احترقت على مهل.
يكتب كما يكتب الأنبياء على جدران المدن الآيلة للسقوط: لا تستسلم.
كل كلمة في نصّه أشبه بنداء صفّارة إنذار في مدينة بلا سقف، وكل صورة فيه رصاصة ضد الصمت.
"أطلق سهامك يا فتى"
بهذه الجملة، يرسم الغزالي معالم معركة لا تخاض بالبندقية، بل بالقلم.
وكأن الكاتب هنا يستحضر بطلاً حورانيًا خرج من رماد التاريخ، لا ليحارب الماضي، بل ليكتب المستقبل.
"سهامك" ليست أدوات قتل، بل أدوات كشف. هي إبرة الجراح التي تُنقّي الجرح لا لتؤلمه، بل لتطهّره.
يريد منه أن يكتب كل "نبح" و"شبح" و"نطح"، لا ليصنع مشهداً درامياً، بل ليُسجل للتاريخ نُتف الحقيقة في زمن التزييف.
من التهاني إلى البيان الثوري
ما يفعله الغزالي يتجاوز التهنئة. هو يُطلق بيانًا أدبيًا مقاوِمًا، ينقل فيه الأدب من فسحة التأمل إلى ميدان الفعل.
هو يخلع عن صديقه لقب "الروائي" ويمنحه رتبة "الفارس"، ويزفّه لا إلى مسرح الجوائز، بل إلى معركة التحرير الرمزي.
هو لا يقول "مبروك"، بل يقول:
"سر بدربك... وادخل دمشق من أبوابها السبعة أنى شئت"
وكأن النص يتماهى مع الأسطورة، حيث البطل يعبر بوابات المدينة التي لا تُؤخذ عنوة، بل تُفتح لحاملي الصدق، لحفدة الجرحى، لأبناء الذاكرة.
"بنسيون الشارع الخلفي": الرواية التي خرجت من عتمة المصباح
أما الرواية، فهي ليست نصاً بل جرحاً نابضاً، لا يُقرأ بل يُحسّ، لا يُحلّل بل يُلمَس كحائط خرساني تركت عليه الحرب بصماتها.
أن تكتب عن المُساكنات في سوريا، يعني أن تمسك العدسة وتوجهها إلى الزوايا التي اعتاد الجميع تجاهلها.
أن تُمسك بـ"الثالوث القذر" (العسكر + الجنس + المخدرات) هو أن ترفع الغطاء عن مرجل يغلي في باطن المجتمع، وتجرؤ على النبش في الخزان الأسود للنظام، لا عبر الشعارات، بل عبر حكاية، شخصيات، نبض إنساني.
وهنا تتجلى عبقرية الرواية:
أنها لا تكتفي بالتوثيق، بل تُعرّي، لا تُدين فقط، بل تُفسر كيف صرنا كما صرنا.
الشارع الخلفي لم يعد هامشياً في الرواية، بل صار هو المتن، هو الحقيقة المُهملة التي لا يراها أحد.
من الجوائز إلى الجراح المفتوحة