السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الأستاذ /ة
نسعد بمشاركتكم بالرأي في قضيتنا المطروحة للنقاش في مجلة فرقد الإبداعية
العدد ٩٦
بعنوان (الأماكن والثقافة .. بين الشواهد والمشاهد )
من خلال المحاور التالية :
- كيف حضرت الأماكن في المشهد الثقافي وما أكثر الفنون الأدبية اهتماماً
بها ؟
- كيف وظف الادباء والمثقفون الاماكن داخل النصوص الأدبية وما مدى انعكاسها على جودة
المنتج ؟
- هل ترى أن توازن الاديب في توظيف الأماكن بالإنتاج مطلب وضرورة أم ان
العبرة بانعكاسات المكان على الاحداث ؟
مع خالص التقدير لتجاوبكم منتظرين مشاركتكم في خلال خمسة أيام ولكم التحية
المحررة في مجلة فرقد
هيا العتيبي
........
الأماكن
والثقافة.. بين الشواهد والمشاهد
بقلم.
الروائي محمد فتحي المقداد. سوريا
المكان
هو القشرة المُغلِّفة لنا ولوجودنا كاملًا، نتمسَّك بها لأمانتها، ولمحافظتها على
ودائعنا، وتُصرُّ بعنادٍ صامتٍ على خُصوصيَّة أيِّ شيءٍ بأمانة. كما أنَّها العُنصرُ
الأساسيُّ كساحة للصِّراعات، ومَراحٍ للآمال والأحلام، والرَّغبات.
ولا
قيمة للحياة بلا مكانٍ - أيِّ مكان على االإطلاق- والمكان لا قيمة له ولا خُصوصيَّة
بلا وجود فعل بشريٍّ، على حدّ سواء الخيِّر والشرِّير، البنَّاء والمُدمِّر.
الأماكن
مثل البشر منها الحيويّ والجذّاب الممتلئ بضجيج الحياة، ومنها الميِّت المُميت
القاتل لكلِّ أسباب الحياة، وبينهما من الأماكن الوسط والدّنيا اكتسبت أهميّتها من
صراعات البشر واحترابهم في ساحاتها في سبيل السَّيطرة والهيمنة.
المنطقُ
مُلتزمٌ باستحضار المكان في أيِّ فعلٍ إنسانيٍّ صغيرًا كان أم كبيرًا، دنيئًا أم
عظيمًا؛ فالمكان هو ساحة ومساحة للحركة والفعل بكافَّة الأشكال الفعليَّة والقَوْليَّة،
ولا يمكن أن يشذَّ عن هذه القاعدة التي أصبحت بمثابة بديهيَّةٍ رياضيَّةٍ، لتَنتُج
المُعادَلة الزمكانيَّة (معادلة الزَّمان والمكان) ، إضافة للفعل البشريِّ المُعادل
المنطقيِّ للزّمان والمكان؛ وليُضفي عليهما أهميَّة ذات أبعاد شخصيَّة ونفسيَّة مُقدَّسة
وتاريخيَّة.
وبديهي
استجرار المكان للفعل الكتابيِّ والثقافيِّ، المُتَمثِّل في ذهن الكاتب ليُقنع به
القارئ، أيضًا مُعادَلة توفيقيَّة لمقاربة الواقع بدرجات مُتفاوتة.
من
هناك نستطيع الموافقة على تقسيم المكان إلى فضاءات عديدة، صغيرة وكبيرة، ولكنَّها
جميعًا مُفتَرضَة في ذهن الكاتب أوَّلًا، وهو ضرورة مُكمِّلة لأركان القصَّة والرِّواية
والحكاية، المصطلح على تسميته بفضاءات المكان. ويجب الانتباه أن قضية المكان في
الكتابة معنويّة، اقتطع الكاتب مُستلزَمهُ منها، لتحريك الحدث وفق رؤاه وتصوّراته،
وإيهاماته وتخييله الأدبيّ؛ لاستيفاء أركان النصّ الأدبيّ أيًّا كان.
والمكان
اتّخذ بُعدًا إنسانيًّا ومُؤنسنًا مليئًا بضجيج المشاعر والأحاسيس، منذ زمن "امرئ
القيس" وما قبله، حينما وقف واستوقف؛ لتصبح "الأُبابة"
قضيَّة الحنين والشَّوق للديار مُؤرّقة
حرّاقة، تشدّ بحبالها على قلوب مُحبّيها بالعودة إليها، وهذا المصطلَحُ العربيُّ
هو المُعادل الأصيل "للنوستولوجيا"، والأماكن مُرتَحِلة فينا
ومعنا، إن حللنا فيها أو ابتعدنا عنها.
عمّان.
الأردن
12/ 6/
2023