شهادة إبداعية
قُدّمت للأديبة الواعدة آلاء حسن الشعرات — حفل توقيع كتابها رسائل وتين. في منتدى البيت العربي الثقافي. – عمّان: 28/1/2019
كل إبداع أدبيّ هو محطة للقارئ مثلي.. أتوقّف عنده طويلًا مُتفيئًا ظلال روح الكاتب المُتدلّية كقطوف دانية من روحي.. متاهة تأخذني بعيدًا في مسافات زمنيّة استحوذت على حياة الكاتب، آكلة وقته.. حارقة لدواخله اعتبارًا من ولادة الفكرة في مخاضها العسير إلى صارت في صفحات كتاب رسائل وتين.. للأديبة آلاء الشعرات.
** أرسلت وتين إلي نبض رسالتها الأولى: «كم هو شهيٌّ هذا الصباح. وحكايا المطر تناقضٌ مبعثر.. بك يا نبضُ.. أراكَ وأسمعكَ، وأحملكَ جنينًا في أحشائي.
شكرًا لك أستاذي..!!. أنتَ مطلع الفرحة، وأنا نهايتها. أنا صغيرتُك معك. فلا تختلّ جاذبيّة قمري إلّا لعينيْكَ.. أنتَ ميلادي الأوّل، سرجُكَ العالي تلمسُه أناملي، فيهوي ما تبقّى من رماد الكبرياء.
فصل الشتاء نقطة ضعف العشّاق.. ففي حبّكَ أكون عنيفة لا أقبلُ التّراجع، أراكَ طوق النجاة، الذي أهربُ إليه. غريقةٌ أنا يا نبضُ، لم أعُد أعلمُ كيف النّجاة؟.
تعالَ نُسابقُ الرّيح المتأزّمة ونُركدها أرضًا تحت أقدامنا.
عزيزي: أعيشُ بين تراكيب ذاكرتي، وأنتَ حاضرٌ في تلافيفها، علّمتَني كيف أروّضُ كلماتي لتنساب حروفي بين السّطور. صوتُك الدّافئ يحملُني نحو كوكب بعيد أجهلُ اسمه، لأنه لم يُكتَشف بعد».
** بعدما اسْتمعَ نبض بقلبه لها، وقرأ رسالتها مُحلّقًا في فضائها الروحيّ، أجابها: «أنتِ ساحرةٌ يا وتين».
** من جديد كتبت وتين إليه: «أنا لا أبالي يا سيّدي..!!. فأين المشاعر التي دفنّاها سويّة تحت شجرة الدُّر. تلك السّنون لم تكن جديرة على اكتسائي ثوب النّسيان».
** فردّ نبض عليها: «لم تكتمل قصّتنا بعد، ماردُ الصّباح يُسقط العقلانيّة لينتصر القلب، عندما تنضجين بعد طفولتَكِ البريئة ستكونينَ أعظم حُبّ، فهل تتغيّرُ المرأة بعد سنّ الثلاثين؟. لا تكوني إمّعة تريد الهروب من واقعها.. ستصمدين أمام معتركات تواجهينها، نحن كلّ يا أيتها النّساء. وأنتن تولدن من جديد كشعاع الأمل في فجر كل صباح».
** اختتمت وتين برسالتها له: «هل تساءلتَ يومًا أمام نفسك؟. فأنا علياء في جمالي أعاند انحناء الظهر لك. فتتراقص أنوثتي على وتر الشّقاء. أرفض لعبة الاحتكار، فقلبي خطّ أحمر.. احذر الاقتراب، لا تقُل عنّي مغرورة.. تواضعي بعيدٌ عن الكِبر والغرور، يجعلني أسلكُ منابر الرقيّ والتّسامي. سأبتسم ابتسامتي الشهيّة لحياني، وأمضي نحو حلمي.. وسأكون أنا ..أنا».
وبعد ذلك صمتَتِ الشّفاه ونطقتِ العيون. (رسائل وتين) حملت تفاسير الكلام. لا تفتأ تُعلن للملأ شرح الحالة المُثلى للإنسانية، عندما ترتقي بأحاسيسها ومشاعرها رِفعة، بعيدًا عن الهبوط إلى قذارات الحضيض، لتُنافس الملائكة بفضائلها الروحانيّة. وتتسامى على حمأة الجسد المحمومة برغباتها وشهواتها الهائجة.
جاءت مجموعة الخواطر ممزوجة بروح قصصيّة، لتحاكي واقعًا مُدجّجًا بقسوة العواطف المتكلّسة المنبثقة عن نفوس مريضة. ارتضت مغادرة إنسانيّتها بتوحّش تنهش بضراوة القلوب والأرواح تحت مُسمّيات اختزلت الحياة ضمن دائرة ضيّقة من المصالح الآنيّة.
الأديبة آلاء الشعرات استطاعت تسجيل خواطرها وقصصها على شكل رسائل متبادلة بين قطبي الحياة (المرأة والرجل)، لتُسمع صرختها للعالم أجمع وبجرأة الحق، وهي تنظر بعين خبيرة إلى التشوّهات المجتمعيّة، تروم إزاحة الغيار والصدأ والطحالب عن النفوس، من خلال مؤلفها البكر (رسائل وتين)، الذي شكّلت منه نسقًا صادقا واضحًا في مسارات الأدب النسائيّ العربي.
الفطرة السليمة تنتج عقلًا سليمًا يتوخّى الخير والجمال، وإبراز محاسنه من بين رًكام الإنسانيّة المُحتَضَرة على مذبح الظلم والتظالم، وهذا ما ناقشته وعالجته آلاء الشّعرات في رسائل وتين.
عمّان – الأردن
28 / 1 / 2019
محمد فتحي المقداد
قاص و روائي