الاثنين، 28 ديسمبر 2020

الواقعيّة العقلانيّة في رواية سمراويت للروائي الأرتيريّ حجي جابر

 الواقعيّة العقلانيّة 

في رواية (سمراويت) للروائي الأرتيريّ (حجي جابر)


بقلم الروائي- محمد فتحي المقداد


بطاقة حجي جابر الأدبية:

   بداية لا بدّ من التوقّف عند الكاتب العربيّ الأرتيريّ (حجّي جابر)، هذه القامة الأدبيّة المُميّزة بفعلها الثقافيّ من خلال أعماله الروائيّة العديدة. 

   يعمل حجي جابر ضمن مشروع روائي يهتم بتسليط الضوء على إرتريا الماضي والحاضر، الإنسان والأشجار وحجارة الطريق، ويحاول مع بقيّة أدباء أرتيريا إخراج هذا البلد من عُزلته الحضاريّة والثقافيّة وإعادة الاعتبار له في على الخارطة، وهو من مواليد مدينة (مصوّع) الساحلية 1976. 


إصدراته الروائيّة:

- "سمراويت" 2012، حازت جائزة الشارقة للإبداع العربي.

- "مرسى فاطمة" 2013، تُرجمت إلى الإيطاليّة.

- "لعبة المغزل" 2015، بلغت القائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد للكتاب.

- "رغوة سوداء" 2018، حصلت على جائزة كتارا للرواية العربية 2019، وبلغت القائمة الطويلة للجائزة العالميّة للرواية العربيّة. 

- رامبو الحبشيّ 2021


هويّة الرواية (سمراويت): 

   

   لا يزال الواقع هو المنجم الأساسي للأدباء ليجتهدوا في استخراج موادّهم، وتشييدها بتقنيّات السّرد الروائيّ، ورواية سمراويت هي من وليدة المدرسة الواقعيّة بكلّ تفاصيلها وجُزئيّاتها، وكانت خير عمل أدبيّ صادق للتعبير عن الوطن الحلم (أرتيريا) في ذهن الروائيّ (حجّي جابر)، وهي وثيقة تأريخيّة شاهدة على مرحلة هامّة من حياة الأرتيريّين، ما بين الاحتلال الإيطاليّ والأثيوبيّ، ونشوء (جبهة التحرير الأرتيريّة) التي اجتمع تحت رايتها المقاتلون، ووقف خلفها الشّعب الأرتيريّ بفئاته المُختفة خلفها بكافّة إمكاناته الماديّة والمعنويّة. 

   الصّراع الحضاريّ بين عرب وأحباش، وهو ما عبرت عنه الرواية: 

-(إنّ الثقافة العربيّة والإسلاميّة في أرتيريا، والقرن الأفريقيّ، هي ثقافة مؤسّسة منذ أكثر من ألف عام في هذه المنطقة، وليست جديدة، بل عميقة الجذور) ص١٧٢. 

-(أنّ الدول الكبرى لا تريدنا، لأنّ الصّراع يدور حول مسألة العروبة، وخاصّة عروبة البحر الأحمر) ص١٧٢. 

-(عروبتنا في أرتيريا هي مصيبتنا، ولكنّنا قابلون بها، ولا نرضى عنها بديلًا، نعتقد أنّ مسألة العروبة في أرتيريا هي الأساس، لأنّه لولاها، لمل كانت حاجة للثورة أصلًا) ص١٧٠.

-(أنّ أرتيريا المُستقلّة في ذلك الموقع الاستراتيجيّ الهامّ، وهي مع العرب اليوم، وغدًا وبعد غد، وسوف يكون لها دورها في الشدّ على عنق العدوّ الصهيونيّ) ص١٧٢. 


العنوان:

من الرّائع لمن يطالع أيّ عملٍ أدبيٍّ، أن تتطابق دلالات العنوان وفلسفته البعيدة والقريبة بالتعبير عن المحتوى، وهذا ما لمستُه في رواية (سمراويت).  وهو اسم للبنت سمراويت التي التقاها بطل الرواية (عمر)، وهو السّارد والبطل المُوازي  للكاتب (حجي جابر)، في أوّل زيارة إلى بلده قادمًا من مدينة (جدّة) في المملكة العربيّة السّعوديّة، وهي بلد اللّجوء عند فرار أسرته من الحرب الطّاحنة أثناء حرب التحرير، في بداية هذا الفصل اقتباس من الشاعر السّعوديّ (محمد الثّبيتي): (يا وارد الماء علِّ المطايا.. وصبّ لنا وطنًا في عيون الصّبايا؛ فما زال في الغيب مُنتجع للشّقاء، وفي الرّيح من تعب الرّاحلين بقايا) ص15.

-(لا يصحّ أن أقطعَ مُتعة الاكتشاف من الموقف الأوّل) ص18.

-الكرسي الثالث تجلس عليه فتاة في منتصف العشرين تقريبًا، وبيدها كتاب، بينما ضاعت بعض ملامحها خلف خصلات شعرها المُنسدلة، وتسريحة شعرها يقولان إنّها زائرة.. مثلي) ص19.

-(رفعت رأسها قليلًا والتفتت إليّ، ثمّ عادت لكتابها من جديد، كان ذلك كافيًا كي ألمح العنوان، يا للصدفة، للتوّ انتهيتُ منها، طعمها في فمي، وأحداثها طازجة  في رأسي) ص20.

-(الغيرة وحدها تثير فُضول هذه الفتاة التي بدت آسرة حين اكتملت ملامحها أمامي؛ فزادت رغبتي في إزالة ما تبقّى من الغربة التي تفصل بيننا. فقلتُ: "عفوًا هل هذه رواية رحلة الشّتاء للعظيم ناود؟ أنت محظوظة بكمّ المُتعة التي تنتظركِ بيْن دفّتيْها. قبل هذا أنا عمر. -: "أهلًا بكَ تشرّفنا.. أنا سمراويت، أرتيريّة مُقيمة في باريس) ص21. جاء ردّها بلكنةٍ لُبنانيّة، عاد بي وجهها من جديد إلى طراز الآرت ديكو.

-(نصف النّساء يعشقن الرّجل الحالم، بينما النّصف الآخر يُقدّرنه، وإن لم يُعلنّ ذلك بصراحة) ص22.

-(صحيح أّني أعيشُ في باريس، لكنّي نشأتُ في بيتٍ يتنّفسُ العربيّة؛ فأبي هو الروائي الأرتيريّ إبراهام ولدا ماريام، وأمّي هي الشّاعرة اللّبنانيّة كاتيا حدّاد، لكن جينات الأدب لم تنتقل إليّ؛ فأنا للأسف لستُ روائيّة ولا شاعرة.. أنا فقط سمراويت) ص23.

يبدو لي من الاسم أنّه يتكوّن من مقطعيْن (سمرا) الأول عربيّ، والثاني (وايتْ) من الإنجليزيّة بمعنى البيضاء؛ فتكوينها مزيج ما بين الأفريقي والأسيوي؛ فأنتج هذا الوجه المختلف بجماله الباهر. 

-(ناشدتُ قلبي أن يستريح.. هل يعودُ الصّبا مُشرعًا للغناء المُعطّر .. أو للبكاء الفصيح؟\ م. الثّبيتي) ص173.


وصف الرّواية:

أ‌- قامت الرّواية بنقل الواقع بعين خبيرة استجمعت الوصف ما بين الحنين إلى كلّ ما بين في الوطن القائم على محمل الذّاكرة على الدّوام عند من هاجر منه، وأصبح لاجِئًا في بلد آخر.


ب‌-  في الحقيقة أن فصولها جاءت متناوبة السّرد بوضوح تامّ، بانتقالات لطيفة، ما إن تنتهي من فصل حتّى يُسلّمك إلى الآخر بسلاسة وسهولة بلا تشتّت للذهن.


ت‌- من خلال إحصائيّة قمتُ بها بتعداد هذه الفصول؛ فكانت بلا الخاتمة ثلاثين فصلًا، وهي إن جاءت بقصد من الكاتب، أو غير ذلك؛ فلو عرفنا أنّ الثورة الأرتيريّة استمّرت على مساحة ثلاثين عامًا، فكانت دلالة الفصول ذات معنى عميق.


ث‌- الفصول الثلاثون لم تكن تحمل أيّه عناوين أو أرقام تفصل بينها، بينما جاءت اقتباسات من أشعار الشّاعريْن السّعوديّيْن (محمد الثّبيتي) و (محمد الشّيخ)، بالتناوب في كلّ فصل لشاعر مختلف عن الذي يليه، توظيف جميل وموفّق باختيارات الكاتب الذكيّة، وهي كانت تُعبّر على روح الفصل المُتصدّرة له.


ج‌- الرواية عرضت الكثير جزءًا وافرًا من أسماء قادة الفكر والفنّ والثّقافة والثورة ومؤسّسيها، وتسليط الضّوء على مُنجزاتهم باقتضاب شديد، لاتّسع الموقف للمزيد، بل هو دافع للقارئ للبحث والتنبيش عن المزيد من المعلومات للاستزادة معرفيًّا. 


ح‌- عرض توثيقي للأماكن في أرتيريا من خلال رحلة البطل (عمر)، فكان الوصف موفّقًا للأماكن العامّة في أسمرا والمُصوّع، أسماء الشوارع والفنادق والحدائق وحركة النّاس، وطرائق عيشهم. 


خ‌- سلّطت الرّواية الضّوء على كثير من التراث الماديّ والمعنويّ الأرتيريّ. 


د‌- من هنا تأتي أهميّة الرّواية (سمراويت) على أنّها وثيقة خاصّة أثناء العرض الشيّق المُتوازن لمرحلة ما بعد الثورة، وهي مرحلة الحكم جبهة التحرير الأرتيريّة، ما بين مُؤيّدي الحكم والمُعارضة، بحيث أنّ ديمقراطيّة الكاتب (حجي جابر)، عندما وقف على مسافة واحدة من الطّرفيْن؛ عندما أفسح المجال للرأي والرأي الآخر بالظّهور، وهو ما يعني حياديّة الكاتب، وخروجه من العمل كروائيّ مُسيّر للحدث، وترك الحديث والصّراع ما بين أبطاله، كلّ يُدلي برأيه دون خشية أو مُواربة في الدّاخل أو الخارج. 


ذ‌- الأمر المُهمّ تسليط الضوء على الفساد وترهّل الأنظمة الفاسدة في القيادات الحاكمة، وفي المُعارضة، بعين ناقدة ناصحة ترتجي الخير من هذا، ولم ذلك بقصد التّشهير بأيّ طرف على حساب الطّرف الآخر. وهناك مقولة في هذا المجال: (ثوريّو الأمس هم رجعيّوا اليوم)، وفي هذا المجال تتساوق الرّواية (سمراويت) مع رواية (ذاكرة الجّسد) للروائيّة الجزائريّة (أحلام مُستغانمي)، حينما انتقدت مُخرجات الثورة الجزائريّة، والنّخب التي حكمت مرحلة ما بعد انتهاء الثورة، والعودة إلى الحياة المدنيّة وبناء الدّولة المُفترضة بنهج العدالة وتكافؤ الفُرَص.


ر‌- قضيّة تتشاركها جميع البلاد التي عانت من الحروب التحريريّة أو الأهليّة والطائفيّة،  وهي قضيّة اللّجوء والفرار للنجاة، هؤلاء لم يندمجوا في الأماكن التي ذهبوا إليها؛ إلّا لأنّ الحنين والأشواق تتجاذب قلوبهم بالعودة إلى الوطن، ولكن الوطن بقي حُلمًا جميلًا في مخيالهم، وهو ما عبّر عنه الشّاعر (محمود درويش):  (الطريق إلى الوطن.. أجمل من الوطن).


ز‌- سمراويت رواية مُثّقفة قدّمت جُرعة عالية الجودة، تحثّ على البحث والتوسّع للاستزادة عن مناطق الأطراف العربيّة التي نجهل الكثير من تاريخها القديم والحديث، وجغرافيّتها، وطرائق العيش انتقالًا ما بين حياة الأمس واليوم.


س‌- نقطة أخيرة تحسب للروائي (حجي جابر) بتوجيه بوصلته باتّجاهها الحقيقي الأصليّ نحو فلسطين، القضيّة المركزيّة ووضعها عاى سُلّم الأولويات. 

 

   رُؤيتي هذه لجوانب من الرّواية، مُؤكّد أنّ هُناك الكثر ليُقال عنها، لعلّي صنعتُ مُقاربة مع روح الرّواية كنصٍّ أدبيٍّ، تذوّقتُ جماليّاته، واستمتعتُ ارتياضًا في دوحتها، وعشعشت في روحي جاذبيّة المكان الأرتيريّ، بإغرائي لو تُتح لي الذّهاب إليه، وأفعل بانتقالاتي كما فعل (عمر) بطل الرّواية، لأرى سمراويت هناك في أيّ من مقاهي أسمرا أو مُصوّع، وأجلس معها على طاولة واحدة، وأحتسي فنجان قهوتي، وعينيّ مغروستيْن في عينيْها؛ لأتملّى منهما ارتواء، وأجبرها على الثرثرة بلغة التّغري بما تعرف من كلمات أو عبارات، لأستمتع بلكنتها جميلة كما حكاها البطل.


عمّان – الأردنّ

ـــــــــا 25\12\2020

التراث الشّفاهي عند الغجر في كتاب (ديوان الغجر)

 التراث الشّفاهي عند الغجر

قراءة في كتاب (ديوان الغجر) للروائي هاشم غرايبة


بقلم الروائي/ محمد فتحي المقداد


من المعلوم أنّ معظم تراث الشّعوب قاطبة ما زال شفاهيًّا، تتناقله الألسنة جيلًا بعد جيل، عبر القصص والرُّموز والاعتقادات والعادات والتقاليد، ولم يُدوّن ويُسجّل إلّا القليل منها، لعدم نشاط حركة التأريخ عند المهتمين بالدراسات التّاريخية، التي دأبت منذ القديم التَمّحور حول السُّلطان وانتصاراته وإنجازاته، وما تمّ في عهده، هذه الأعمال قام بها الجُنود والعمّال والصُّناع المهرة، هو لم يشتغل في حياته شيئًا إلا في قُصوره مع نسائه وجواريه ومحظيّاته، وقلاعه الحصينة خلف الأسوار.

والغجر طائفة بشريّة قائمة على هامش الحياة في جميع الأماكن التي يتواجدون فيها، اتّخذوا من الخيام بيوتًا لهم، يقومون بالأعمال البسيطة خِدمة لديمومة حياتهم أوَّلًا؛ للحصول على مقابل ذلك من أموال تساعدهم في معاشهم. هذه الطّائفة لم ينتبه لها بالقدر الكافي، لأسباب كثيرة: منها ترحالهم الدَّائم؛ فهم لا يتمسكون بموطن لهم؛ ليتركوا أثرًا لهم فيه، استمراريّة التِّرحال سمتهم وعلى طريقتهم؛ فكلّ البلاد وطنًا لهم.

وفي هذا الصّدد صدر قبل سنة تقريبًا، كتاب (ديوان الغجر) للروائي الأردنيّ (هاشم غرايبة)، طرافة العنوان لافتة للانتباه، وللبحث عن هذا الكتاب لمطالعته، التوجّه لفئة الغجر قليل جدًّا فيما بين الكُتّاب والمؤرّخين، لأسباب عديدة، منها على سبيل المثال النظرة الدّونيّة لهذه الفئة الاجتماعيّة المُترحلة طوال عمرها، لا يمكن إدماجها في أيّ من التجمّعات البشريّة الأخرى، لاختلاف التكوين النفسي للغجر النّازعين للحريّة، والتفلّت من كافّة الحواجز والقيود جميعها، كما أنّ الغموض الذي يلفّ حياتهم، وطبيعة اعتقاداتهم وعاداتهم ذات المنحى البسيط، وإقبال نسائهم على الشّحادة والتسوّل، واشتغالهم بأعمال بسيطة كصناعة الأسنان والخناجر والغرابيل وتبييض الأواني النحاسيّة، هذه المهن التي انقرض معظمها ولم تعُد ممارستها ذات جدوى للمعيشة، واشتغال بعض منهم بدقّ الطّبل والرّقص، مما يأباه كثير من النّاس الآخرين من غير الغجر، كما أن الغيْرة والحميّة على نسائهم هو ما رسّخ عنهم النّظرة الدّونيّة لدى مجتمعات الفلّاحين وأهل المُدُن وأطرافها. هذا ما عبّر عنه المثل الذي ورد في كتاب ديوان الغجر: (النّوريّة ما تسأل بِنتَها وَيْن كُنتِ.. تسألها شو جِبْتِ)، السّؤال الدّائم عن النتيجة وما حصّلت، ليس المهمّ كيف حصل. وفي مثل آخر يحكي هذا المنحى: (العزُّ للنّوَر بهدّلة) أي لا يليق بهم العزّ في المسكن والملبس والجاه؛ فيقول: (لقد سمعتُ بعض هذه الأفكار تصدُر مباشرة من غجريّات في أماكن مختلفة ومُخيّمات متباعدة، وصُغتُ بعضها اعتمادًا على الملاحظة والمُقارنة والمُقاربة) ص46.

أما الدّوافع الحقيقيّة وراء تجشّمه للصّعاب والبحث الاستقصائي الميدانيّ، ورصد الجوانب الخفيّة وغير المعروفة، كونها من الخصوصيّات عند الغجر، وما يلحق الشّخص المُتردّد على مضارب النّوَر، من إشارات استفهام وكلام بالغمز واللّمز؛ فقد تجاوز هذا الحاجز الدكتور هاشم غرايبة، ليُدوّن هذا السّفر العظيم، (داخل كل كاتب هناك راوٍ ومستمع، مبدع وناقد، مجتهد وناقل، ممثل ومُتفرج.. ويحدث أن تختلط الأوراق) ص47.

يقول الروائيّ (هاشم غرايبة): (لقد سمعتُ بعض الأفكار تصدُر مباشرة من غجريّات في أماكن مختلفة، ومخيمات مُتباعدة، وصُغتُ بعضها اعتمادًا على الملاحظة والمقارنة والمقاربة) ص46.

وقد ارتأى (هاشم غرايبة) أن يخلُص إلى نتيجة بحثه الدائم بدأب واجتهاد ميدانيًّا تارة، وأخرى في التنقيب في المراجع والأبحاث التي كتبت عن الغجر، رغم قلّتها وندرتها، وخلص إلى ابتكار مُدوّنة أسماها (وصايا الغجر)، وتلخّصت على النحو الآتي:

- (لا تتعالى..؛ فالشمس أعلى.

- لا تُعانِدِ الرّيح.. واقْبَل بالمكتوب.

- لا تُتعب نفسك إلّا ليومك؛ فالرزق محسوب.

- لا تتعلّق بمخلوق؛ فالعاشق خانق مخنوق.

- لا تحبس الدّمعة عن سُخونتها، ولا الضِّحكة عن بهجتها.

- لا تسرق.. إذا اسْتطعتَ أن تشحد.

- لا تقبل العَوَض عن خَسارة) ص٤٥-٤٦

وهذه النّصوص المُلتقطة بحسّ الكاتب والأديب الروائيّ؛ فقد صاغ مما سمع ورأى وعايَنَ مقولات ربّما اختصرت جوانب كثيرة من حياتهم، وأضاءت ما خَفِي عنهم، وحسب رؤيته، كتب: (هذه النصوص التائهة بين الشكل السرديّ، والإيقاع الشّعريّ تتفلّت من يقينها، وتُهوّم في فضائها الحُرّ مثل أرواحهم. صور من حياتهم اليومية تخفي في طياتها رؤيتهم البوهيميّة للحياة، وتَوْقِهم للانعتاق من كلّ قيد، والفرار من أي إطار) ص 46.

-(هذه النّصوص التّائهة بين الشّكل السّرديّ والإيقاع الشِّعريّ تتفلّتُ من يقينها، وتُهوّمُ في فضائها الحُرِّ مثل أرواحهم، صور من حياتهم اليوميّة؛ تُخفي في طيّاتها رؤيتهم البوهيميّة للحياة، وتوقهم للانعتاق من كُلّ قيْد، والفرار من أيّ إطار) ص46.

هذه هي فلسفة الكاتب فيما ذهب إليه بعد استقرّ به الفكر على شيء يستطيع كتابته فيما أسماه (ديوان الغجر)، لما لمس من الضياع والتشتّت لدى الغجر (النّوَر)، وما لحق من ظلم اجتماعيّ ماديّ ومعنويّ، فيقول: (البشريّة قدّست مُدوّناتها المثيولوجيّة؛ فلا نجد عند الغجر نصًّا مُقدّسًا، ولا حكاية مركزيّة تُمجّد الأجداد والجدّات) ص9.

كلّ تراث الغجر (النّوَر) هو تراث شفاهيّ لم يُدوّن منه شيئًا، أسوة بباقي المُجتمعات الإنسانيّة؛ للأسباب الآنفة الذّكر، يقول غرايبة في هذه النُّقطة بالذّات: (نجدُ حكايات وأشعارًا وأمثالًا، وسلوكيّات وقِيَم وعادات وتقاليد مُشتركة، تُشكّل نمط عيش مُقدّسًا عندهم، تحرسُه "لعنة مُقدّسة"، أو "نعمة خفيّة" لا نُدرك سِرّها) ص9. و (لهم حكايات شفويّة مُتحرّكة عابرة للزّمان والمكان، لا تُكلّلها هالة من القداسة، لا يُؤبّدها التّدوين، لكنّها تُعبّر عن عواطفهم ومخاوفهم، هواجسهم وآلامهم، أحزانهم وأفراحهم، مراثيهم وفلسفتهم) ص9.

لاشكّ بأنّ كتاب (ديوان الغجر) علامة فارغة في الكتابات الأدبيّة التوثيقيّة في هذا المجال الخصب المليء والزّاخر بالموادّ التي من الممكن أن تكون مُلهمًا للكُتّاب والأدباء للخوض في الجديد غير المطروق سابقًا على الإطلاق، وما زال هذا الميدان بِكرًا يحتاج للكثير من التوثيق الدّقيق من خلال الدّراسات الميدانيّة على أيدي الأكاديميّين المختّصين في مثيولوجيا الإنسان.

عمّان –الأردنّ

ــــــــــــا 27\ 12\ 2020