انتقالات اجتماعيّة
1- الرّاديو - (خاطرة)
بقلم الروائي - محمد فتحي المقداد
المرحلة الأولى: دخول الرّاديو إلى البيوت كان في مرحلة ما بعد الحرب العالميّة الثانية، وهي الخطوة الأولى في استقلال بعضًا من الدّول العربيّة من براثن الاستعمار الأوروبيِّ، وحلول أمريكا كقوّة عظمى تُريد السّيطرة على العالم، وتعاظم الشّعور القوميّ خاصّة بعد ثورة يوليو 1952 في مصر، وانتقالها من السّمة الملكيّة إلى الجمهوريّة، وبُروز شخصيّة الرّئيس جمال عبدالنّاصر.
ومن خلال إذاعة صوت العرب، وإذاعة لندن الـ BBC، وإذاعة مونت كارلو؛ استمعت الجماهير العربيّة لخطابات الزّعيم الذي ألهب الحماس لأقصى درجاته، وكان الدّور الدّاعم بتحليل خطابات الرّئيس، والتّعليق عليها؛ بلسان المذيع الأشهر عربيًّا آنذاك (أحمد سعيد).
في هذه الفترة كانت أجهزة (الرّاديو) قليلة نسبيًّا، لكنّ النّاس كانت تتجمهر عند من يمتلكون هذا الجهاز السّحريّ؛ لمعرفة ما يدور في العالم، وعمل الرّاديو على تغيير مهمٍّ في حياة الجماهير العربيَّة من المحيط الهادر، حتّى الخليج الثائر.
وكان من يمتلك هذا الجهاز فهو من المحظوظين، ورُبّما تتوجّه إليه عيون الحسد، ويُشار له بالبَنَان على أنّه من ذوي النّعمة. عمل الرّاديو نقلة نوعيّة في تعبئة الجماهير شعوريًّا، وتثقيفها بمعارف ومعلومات جديدة وافدة، أتاحت لهم معارف جديدة، وإعادة تشكيل الوعي المُجتمعي بتفاعلٍ غير معهود مع يدور ما في العالم ومحيطهم.
وأشهر أجهزة الراديو في مدينتي بُصرى الشام على الإطلاق بصوته المُرتفع المجلجل من محله التجاريّ في السّوق: هو راديو خالي مصطفى الفاضل، الذي كان دائم الاستماع لإذاعة صوت العرب ولندن.
وجرت الأمثلة على لسان النّاس حول حالة الرّاديو: لمن يتكلّم كثيرًا (فلان بالع راديو)، ولمن يُعلّق كثيرًا على أيّ موضوع: (علّق أحمد سعيد)، و(اِفْتح ع لندن تَنْشُوف شو في عندنا)، لأن الاعتقاد السّائد أنّ إذاعة لندن، تأتي بالأخبار الصّحيحة التي لا تأتي عليها نشرات الأخبار العربيّة آنذاك.
من كتابي (كيف.. وكاف.. ياء.. فاء)