ربيعٌ ورديٌ ومِفْرَق أبيض.
بقلم. مرفت البربري..مصر
مرت سنوات عمري لحظاتٍ بلا شكيمة، تفر من بين أصابع الزمن، من أين جاءت أيام الألم؟ !
إلى أين فرت لحظات الفرح؟!
في أي من ثواني هذا العمر تختبئ شامات الحب
الذي ضاع في البحث عنها؟
أنا
رجلٌ ذو عقل متقد وقلب يرتعد أتنفس الحبرِ
وأتوهّجُ على صفحات الورق، لي حرفة أتقنها لأطعم أطفالي.. ولكن روحي لا تشبع من الكتابة، في مدينة الأقلام أشيد عالمي اختبئ بين سطوره أسرد
عليها أحلامي، أهيم بين النقاط وتحت الحروف
أحتجب من لظى وحدتي، أجل وحدتي فلا تتعجبون، أحيا مع خمسة أطفال وزوجة وحيدا غريبا ، أصحو أذهب
أعمل أعود أفرغ جيوبي، أملأ غرفتي وحدة وتتوالى
الأيام، وكأن تلك الصباحات التي أحياها بلا شموس،
وهذه الليالي خلقت دونما أقمار تؤنس وحشتها، وعندما أستجدي رفيق يفرون إلى حجراتهم متعللون بالنوم
أو الانشغال، يرافقون هواتفهم ويرغبون عن رفقتي، أصحو أحضر فطوري أشرب قهوتي أغادر، أعود متلهفا للقاء لدى الباب يحمل عن كاهلي أوجاع
يومي، أمني نفسي بيد تخلع عني معطف الوحدة
الذي يدثر جسدي المنهك، فلا أجد إلا غربة وشريكة
لا تمل الشجار والطلبات أين ما طلبته؟
أريد زيادة المصروف.
الأولاد يحتاجون...
لي رغبة في.......
ابتلع رغباتي وأرنو إلى وحدتي، أذهب بعيدا إلى حيث كانت رفيقتي تلثم خدي في ذهابي
وتقبلني في إيابي وتغرق جبيني بحنان صدرها عند بأسي،،
ترى هل هي هي... أم بدلتها الأيام بامرأة
لا أعرفها ولا تعرفني؟
سألتها ذات ليلة :
أين الحبيبة التي كنتِها؟
قالت بتهكم : باتت وشْماً متآكلا على كتف تتكاثر عليه الأعباء
كل يوم ألا تشعر؟ ألا ترى ما أعانيه في العمل والبيت لتطالبني بأفعال المراهقين ؟ دعك
من أفكار الخمسيني المتصابي.
قلت بتودد : هل الحب مراهقة؟ هل الود صبيانية؟
الحب كان مزحة ضحكنا لها ومرت... وإن أعيدت
فلن تتكرر ضحكتها الأولى تعقل يا رجل وفكر كيف ستزوج الأولاد.
ومشاعري هل أرثيها اليوم هل ستستحيل رماداً
؟
قالت : بل انقشها على دفاترك التي تقضي معها
لياليك.
نداءي
بات مهيضاً ، وتوسلاتي أضحت كشهقةِ متحشرجة في حلقِ ميت ، لا تمنحه زفرة حياة ولا نبضة
حب.
استيقظت يوم زفافي على حيرة تعبث برأسي.
____________________________
قراءة في
نص
"ربيع
وردي ومفرق أبيض" للقاصة. "مرفت البربري"
بقلم
محمد فتحي المقداد
يندرج
النص تحت الواقعية الاجتماعية، وهو يسلط الضوء على قضايا الأسرة والمجتمع، من خلال
أسرة تمثل السّواد الأعظم، وتتمثل ارتباط الحالة الاجتماعية الاقتصادية المتردية،
التي تشكل لقمة العيش، والفقر والبطالة ثيمتها الأساسيّة، حيث تتجلى مهانة الكرامة
الإنسانية، فتتراجع وتنحسر المشاعر والأحاسيس والعواطف، فلا حياة بلا عواطف في
ظروف الفقر والقهر.
إنما
تنشأ هناك انحرافات وسلوكات غير سوية، تحرف الرؤى والاهتمامات عن وجههتها
الحقيقية، وتصرفها باتجاهات مغايرة.
وتنسحب فكرة العنوان "ربيع وردي
ومفرق أبيض" لتكون عتبة دالّة على النص وحيثياته ومشاهده المنظورة
والخفية. "ربيع وردي" الورود بطيعتها ضرورة الربيع، وسمته البارزة
فلا يمكن أن يأتي الربيع بلا ورود ورياحين، هذا المحنى الطبيعي، وفي الأدب يأخذ
هذا المنحى مجازه التعبيري أدبيا، وللإشارة إلى ربيع العمر في الشباب، وذلك بدلالة
ما بعدها "مفرق أبيض"، وهو مفرق شعر الرأس الذي أصبح
أبيضًا، ولو قرئت على صيغة "اِبيضّ" بدل "أبيض" ربما يكون
أقرب إلى روح النص -من وجهة نظري-.
النص
مثقل بأعباء ضغوطات الحياة وصعوباتها المرهقة والفقر، وهذا تدمير لبنى الأسر على
وجه العموم. وللأسرة موضوع النص خاصة، وذلك بتصحير وتجزير دواخل النفوس، وتجفيف
منابع العواطف وتبلّد المشاعر.
والنص
جاء على مجموعة من القضايا الأساسيّة:
*التففت
الأسري وانزواء أفرادها باتجاهات مختلفة.
*صراع
الأجيال، وفروق طرائق التفكير والسلوكات. مما جعل الفجوة تتّسع بين الأبناء
وآبائهم.
*تقنيات
التواصل ابتداء من الهواتف الذكية ووسائل التواصل، وسهولة الوصول إليها، الأمر
الذي ساهم بتفتيت العلاقات الأسرية.
*الضغوطات
الحياتية ساهمت بتمويت العواطف لدى الأم والأب، نسيا نفسيهما وتحطمت عواطفهما ومشاعرهما
وأحاسيسهما، وهو ما خلق حالات تباعد أواصر المحبة وتآلف الأرواح، والانصراف عن
الحياة والخاصة بين الزوجين.
لغة النص
جميلة، وتراكيبه وجمله متناسقة بترتيب سردي متناغم، وبتسلسل منطقي جاذب للقراءة والمتابعة حتى
النهاية. كما أن النص سلّم مفاتيحه للقارئ
بهدف إيصال رسالته وهدفه. بهذه العجالة استكشُفت بعض محاوره، وإدراك بعض دلالاته.
وهناك الكثير ليُقال ويُكتَب.