الثلاثاء، 11 يوليو 2023

إضاءة أغنيات مالحة

 أغنيات مالحة


بقلم(محمد فتحي المقداد)* 


 أغنيات مالحة عنوان مجموعة شعرية من القياس المتوسط، جاءت القصائد موزعة على (94) صفحة، صدرت حديثاً، عن دار ناشرون الآن في عمّان، للشاعر صيام المواجدة، الذي صدر له سابقاً مجموعة بعنوان (نزفُ القلم)، وله مجموعة تحت الطبع، حملت عنوان (ارتحالاتُ ناي). 

في أمسياتٍ حضرتها سمعتُ بعض قصائد الشاعر صيام المواجدة، فكانت تمر الكلمات سريعة على مسمعي، ولكن لما أهداني أغنياته المالحة تلك، بصراحة، توقفتُ  مدهوشًا بداية من نصّه القصير جدًا، بعنوان (مدخل) صفحة 15، لأجدني متسمِّراً أمام عُمق نظرة الشاعر الثاقبة الواعية  لِمَا هو ذاهبٌ إليه في نصوصه، فأنا لستُ ناقداً، بل مجرد قارئ متذوق، ولا أبالغ إن أطلقتُ على صيام المواجدة (الشاعر الفيلسوف)، خاصة في تجليّاته، فيقول: " بطعم الملح أغنيتي، فقد رشفتْ مِدادَ الحرف من عيني"، كما أن القصائد جاءت بطعم الملح غير المستساغ كثيرُهُ لمن يتذوقه، ولكن الملح لا غنى عنه في الحياة، وهو يحفظها في البر و البحر، وهو ما يعادل الأطعمة، ويُسْبِغ عليها المذاق اللذيذ، وهكذا الحال، جاءت قصائد الشاعر في أغنياته المالحة، فيقول: " بطعم الملح أسكُبُها، بكأس كافُهُ كَبْتٌ بذاكرتي، وكأس من أرَقِ الهوى ألِفٌ، وكأسٍ سينُهُ سهمٌ بخاصرتي، تُحيلُ الليلَ ليليْنِ"، كلمة أسكبها موحية بأنها في بوتقة، سيسكبها بكأس كافُهُ مكبوتةٌ في ذاكرته للوجع الذي تحمله، أو كأس أخرى على شكل أرَقٍ من الهوى، لتكون سين هذه الكأس سهمٌ مغروز في خاصرته، موجع مؤلم، وما عليه إلا أن يصدح بأغنياته المالحة رغم ألمه، مُنَبِّهًا ومُنذرًا كرسول لبني قومه. 

*** 

و بالانتقال من المدخل إلى رحاب المجموعة، واطلاّعي، لأجد تجربة الشاعر الناضجة، متجاوزًا قشرة الواقع المنظور، وهو يغوص بقوة في أعماق مشاعره لِيبثّها فينا، ونحن نقرأها لاهبة تسوطُ أحاسيسنا المتجمدة المُتكلّسة، ترومُ تحرير سماكة الجليد في دواخلنا.

الشاعر مهجوسٌ بهموم كبيرة أرّقته في ليله ونهاره، حمل هموم أمته، و أعلنها صرخة مدويةً مالحة، علّها تخترق الصمم الماثل في آذاننا، ليسهل عليها النفاذ إلى سويداء قلبٍ واعٍ، أطلقها بقصد الإصلاح ليكون في أسباب الرقي من خلال بصمته، وهو في أغنياته تلك كان جرس إنذار، واستشرف الطريق وعوائقها. 

و أمام النص الثاني(من رحم الألم) صفحة 16، لأجد الكلمات تخرج صادقة، صادمة لغفلتنا عن محيطنا، محاولة إخراجنا من قاع رواسب حالتنا إلى رحاب التفكير، و التأمل، لاستكشاف جماليات غفل الذوق عنها، لأنه أدمن رؤيتها، وهذا النص أشبه ما يكون بالهايكو الشكل الجديد للقصيدة، أي أن كل فقرة منها هي قصيدة بذاتها، لأنها استكملت جوانبها في سكب المعاني لقصة مختلفة تمامًا عما سبقها أو جاء بعدها، (العود يطربنا، من بعد ما عملتْ، في قطع أخشُبِه أسنانُ منشار)، (والكأس يُرشفُنا، من فيض لذّته، قد كان أحرقه الخزّاف بالنار)، (واللّحمُ تلقُمُهُ، طيْبًا بمأكله، من قبلُ قطّعَه سكين جزّارِ)، وهكذا جاءت كلمات (العود, الكأس، اللحم، الشّهد، الأرض، الصّخرُ، الأم، الشعر، العلم) في بداية كل مقطع بدلالات مشهديّة، أيقظت في دواخلنا تشغيل المحفزات لرؤيتها بعين يقظة جديدة.

*** 

وعودٌ على بدء، جاءت الخاتمة بنص (وبعد...)، أرى أن هذا النص القصير لو وضع بعد النص الأول (مدخل) لصعب التفريق بينهما، كونهما يتكاملان، هناك جاءت: 

" بطعم الملح أغنيتي، بطعم الملح أسكبها"، وهنا كانت "لعلي أعود قُبيْل الغروب..، بشيء من الأغنيات.." ولعل الملوحة ذابت في نصوص الديوان لتصل إلى الخاتمة حُلْوَة مملوحة باعتدال. 

تناظُرٌ ذكي من الشاعر سواء كان مقصودَا، أو غير ذلك، و الحديث ذو شجون ويطول ويطول، هذه الإطلالة استنفذت طاقتي عن متابعة الكتابة، وتتبع كل مداخلها ومخارجها، أرجو أن أكون قد وضعت نقطة مصاحبة لجماليات سِفْرِ الشاعر، وأستميحُهُ عذرًا إن أخطأت في فهمي، أو إن لم أستطع أن أوُفِيَهُ حقه. 


عمّان \ الأردن

11 - 7 - 2016

كتب فؤاد قناية

 كتب فؤاد قناية/ سورية


====================


(محمد فتحي المقداد)

(أديب ألمعي وقاص ذكي وشاعر ومبدع)

في البدء كانت الكلمة فكانت السمة الرئيسة التي يتعالى بها شموخ البشرية وتصعد من خلالها إلى منابر الشرف لتبلغ بذلك أعلى درجات العلو والرفعة، فالكلمة ليست مجرد رسالة تصك في دقائق إنما هي من يحرر الإنسان من سجن العقول إلى فضاء الإبداع ومن المعروف لنا أن العلم لا تثمر أزهاره إلا إذا اقترن بالعمل وحسن الأخلاق وأديبنا جمع بين الحسنيين فهو مدرسة إبداع

وأدب وعلم وأخلاق، آتاه الله من الموهبة أجملها ومن الأخلاق أعلاها فهو كنسمة هواء رقيقة ومثال للباقة واللطافة وحسن المعاشرة، استمد ذلك من بيئته العريقة (بصرى الشام) التي تتوسطها قلعتها الشامخة بكل جلال ووقار

محمد فتحي المقداد صاحب كلمات لها فعل كفعل السحر كما أنه يمتلك بلاغة متميزة مما يجعل اللغة خاضعة في بنائها ووظيفتها لمكونات الجنس أما شعره الذي يجمع بين اللغة والأدب والحكمة وجزالة اللفظ lمما يجعل القارئ حائراً غارقاً بين سحر الكلمة والإبداع البلاغي فيزداد شوقاً للمتابعة وعند بلوغه النهاية يجد نفسه لا يستطيع أن يصف روعة ما قرأ، كما أن كلماته تعبر عن صدقه ورقة مشاعره وذلك من خلال مخاطباته الوجدانية وإشاراته الروحية وكشف القبح في المجتمعات ووضع الصورة أمام مقابلاتها فينتج في نفوس متلقييه الرغبة في الترقي للأجمل التي يمس بها النواحي والنواصي العليا التي تبدأ من الضمير وتنتهي إليه وكأنه يمسك بخناق الإنسانية لكي لا تتردى .

أما فيما يتعلق بموضوعاته فهو الرجل الجديد المتجدد من دون منازع فكل يوم يظهر لنا بحلةٍ جديدة مختلفةً عن سابقتها فهو يعُنى بتنويع المعاني الشيء الذي لا يجعل القارئ يصاب بالملل فهو يقوم بانتقاء الألفاظ السهلة والعبارات السلسة ذات المعنى والمغنى إضافة إلى الموهبة الساحرة التي يمتلكها والتي تعد بمثابة وقود توهجه وتكشف لنا عن أصالته التي حظيت بمرتبة الشرف بامتياز فيكون بذلك قد حقق شخصية الأديب فالأديب هو ضمير أمته ومرآة عصره

أما عن شخصيته فهو إنسان بكل معاني الإنسانية ودليل ذلك موضوعاته التي نقرأها كل يوم فلو اختل في شخصيته معنى من معاني الإنسانية لانعكس ذلك الخلل على فنه وكان بذلك غير مقنع لقرائه، وتجلى لي ذلك عند حديثي معه للمرة الأولى فوجدته إنساناً متواضع يعتنق فكرة عزة النفس والكرامة والإيثار وإنكار الذات وليس بعيداً عنه ذلك فالنظرة في عين المرء تريك مدى علاقته بالفكر ولو نظر أحد إلى وجهه لوجد القراءة والكتابة تحفر لها أخاديد على بشرته وتضيف إلى عينيه عمقا آخر .

وبذلك فإن تلك الصفات والخصوصيات التي تحدثت عنها ليست مطروحة على قارعة الطريق كما يظن البعض ، بل هي وهب من الله وأصحاب تلك الخصوصية قلة قليلون

وفي النهاية لا يسعني إلا القول بأن ومن بين كل النماذج الإنسانية الرائدة والطليعية يبقى الأديب متميزاً بالخيال الحر الطليق والتصور المكتمل لكل وجوه الحياة ، كيف هي كائنة وكيف يجب أن تكون تحية معطرة بأسمى آيات المحبة والتقدير لأديبنا محمد فتحي المقداد مع خالص الود والمحبة

.....................................................................

fouad kanaya