حوار مع .أ.د. مصطفى عطية جمعة. مصر
بطاقة تعريفية بالضيف:
في مثل حواريّتي هذه.. كأنّني أقف على أبواب الحيْرة،
تكاد تلجِمُني، وتُكبِّلُني؛ لتمنعي عن متابعة مشواري. مُجدَّدًا استعدتُ شجاعتي
لخوض غمار لُجّة الحوار المُختلِف تمامًا، نحن أمام أحد أساطين الثقافة العربيّة
والإسلاميّة، وناشط دؤوب لا أظنُّ أنّ الوهن يتسرَّب إلى عزيمته، صامد قائم بإصرار
على المُضيِّ لوضع بصمته الأصيلة في سجلّ الخالدين.
نحن وجهًا لوجه مع أستاذ للأدب العربي والبلاغة
والنَّقد الأدبيِّ، وباحث في الإسلاميَّات والحضارة، وقاصٍّ وروائيِّ ومسرحيٍّ. إنه أ.
د. مصطفى عطية جمعة. من جمهورية مصر العربيّة. ويحمل
دكتوراه في البلاغة والنقد الأدبيِّ، من دار العلوم، جامعة الفيوم، 2006 م.
بتقدير : مرتبة الشَّرف الأولى.
وهو أستاذ (بروفيسور) في الجامعة الإسلامية مينيسوتا،
الولايات المتحدة الأمريكية. وهو أستاذ محاضر بكلية التربية الأساسية (قسم اللغة
العربية)، بالهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب، وخبير مناهج في وزارة
التربية الكويتية، ومدرب معتمد من البنك الدولي، ومحاضر معتمد في العديد من
المراكز التابعة لوزارة التربية الكويتيّة وغيرها من المراكز الفكرية والبحثية.
وأيضا كثير المناقب.. غزير العلم.. مُتدفٌّق كالنّيل.. قَلَّ أمثاله في عصرنا..
إذا جاز لي أن أضيف بدعة ربَّما أُلام عليها، ولكنَّها لن تُخرجني من المِلّة،
سأجعل من ذكره الهرم الرَّابع، وكأبي الهول حارس الثقافة الأصيلة. إذا لم يحسده
أحدٌ قَبْلِي، سأكونُ حاسدَهُ الأوَّل.. بالطَّبْع حسد الغِبطة.
وسأدع أعماله المنشورة تحكي سيرته العطرة، فهي الهدف
المنشود، والقول الأصدق والأفصح والأوضح:
أولا: الدراسات الأدبية والنقدية :
1) دلالة الزمن في السرد الروائي، نقد، جائزة النقد الأدبي، الشارقة، 2001
2) أشكال السرد في القرن الرابع الهجري، نقد، مركز الحضارة العربية،
القاهرة، 2006
3) ما بعد الحداثة في الرواية العربية الجديدة (الذات، الوطن، الهوية)،
عمان، الأردن، 2010.
4) اللحمة والسداة، نقد أدبي، القاهرة، 2010
5) شعرية الفضاء الإلكتروني في ضوء ما بعد الحداثة، نقد أدبي، القاهرة،
2016.
6) الظلال والأصداء، نقد أدبي، القاهرة، 2015م
7) الوعي والسرد، القاهرة، 2016م.
8) السرد في التراث العربي (رؤية معرفية جمالية)، دائرة الثقافة والإعلام،
الشارقة، 2017م.
9) القرن المحلق (الرواية الإفريقية وأدب ما بعد الاستعمار)، منشورات جائزة
الطيب صالح العالمية، الخرطوم، 2017م.
10) عضو فريق التأليف في كتاب : التأريخ واشتغال الذاكرة في الرواية
العربية، ببحث عنوانه : تمثيل التاريخ
العربي وإشكالات التأريخ في الرواية التاريخية، جائزة كتارا للرواية العربية،
العام 2019م.
11) التحيز في المسرح العربي: قراءة في الجذور والنشأة والنصوص والتجارب،
في كتاب محكم جماعي بالاشتراك : تلغيم الفن: المسرح بوصفه ساحة للتحيزات، سورية،
إبريل 2019م.
12) الفصحى والعامية والإبداع الشعبي، القاهرة، 2019م.
13) أصداء ما بعد الحداثة: في الشعرية والفن والتاريخ، القاهرة، 2019م.
14) شرنقة التحيز الفكري: أنماط وتجليات ودراسات، القاهرة، 2019م.
15) البنية والأسلوب: دراسات نقدية، القاهرة، 2020
ثانيا: الإسلاميات والحضارة:
16) هيكل سليمان (المسجد الأقصى وأكذوبة الهيكل)، القاهرة، 2008م.
17) الرحمة المهداة، خلق الرحمة في شخصية الرسول (ص)، إسلاميات، مركز
الإعلام العربي، القاهرة، 2011 م.
18) الحوار في السيرة النبوية، إسلاميات، القاهرة، 2015م
19) الإسلام والتنمية المستدامة، القاهرة، 2016م
20) منهج الرسول (صلى الله عليه وسلم) في إدارة الأزمات، إسلاميات،
القاهرة، 2018م.
21) وسطية الإسلام في حياتنا الفكرية: قضايا التجديد والثقافة والمعاصرة،
إسلاميات، القاهرة، 2020.
22) الحكم الراشد: رؤية إسلامية حضارية، إسلاميات، القاهرة، 2020
23) صورة الرسول (صلى الله عليه وسلم) في الوجدان الغربي: أبعاد التجني،
براهين التفنيد، الكتاب الفائز بالجائزة الأولى في المسابقة الدولية بمنصة أريد
البحثية الدولية ARID Platform، ماليزيا،
ديسمبر 2020.
ثالثا: الإبداعات الأدبية:
24) وجوه للحياة، مجموعة قصصية، نصوص 90، القاهرة، 1997م
25) نثيرات الذاكرة، الجائزة الأولى في الرواية، القاهرة / الكويت، 1999م.
26) شرنقة الحلم الأصفر، رواية، جائزة الرواية عن نادي القصة بالقاهرة،
2002، نشر : مركز الحضارة العربية،2003م.
27) طفح القيح، مجموعة قصصية،
القاهرة، 2005م.
28) أمطار رمادية، مسرحية،
القاهرة، 2007م.
29) نتوءات قوس قزح، رواية، القاهرة، 2010.
31) مقيم شعائر النظام، مسرحيات، القاهرة، 2012م.
32) قطر الندى، مجموعة قصصية، القاهرة، 2013م.
33) على متن محطة فضائية، رواية للأطفال، الرياض، 2012م.
33) سفينة العطش، مسرحية للأطفال، الرياض، 2012م.
34) رواد فضاء الغد، قصص أطفال، الكويت، 2014م.
36) لكل جواب قصة، مسرحيات للأطفال، الكويت، 2014م.
37) سوق الكلام، مسرحيات، القاهرة، 2017م.
38) مغامرات داخل المنزل، مجموعة قصصية للأطفال.
تحت الطبع (كتب جاهزة للنشر) :
-أوقاف المخطوطات في الحضارة الإسلامية: تأصيل وتأريخ
واستشراف.
-القصص القرآني: يقينية
الخطاب، قضايا التلقي، التفسير والبناء.
-الرواية العربية: الخصوصية والقضايا الإنسانية:
إشكالات الريف والمدينة نموذجا.
- فقه الهجرة ودلالاتها: تأصيل في ضوء السيرة العطرة
والواقع المعاصر
- الإسلام والمستقبل: قضايا النهضة وإشكاليات الواقع.
(إسلاميات).
-اليسار والإسلام السياسي. (دراسة فكرية وسياسية)
- التاريخ بين الواقع والتمثيل الإبداعي: التخييل
والإيديولوجيا والهيمنة.
- التاريخ والأنساق والتأويل: أبحاث في التاريخ
والتراث والحضارة.
- الموجة الرابعة للتحول الديمقراطي :نماذج ومقارنات
لتجارب عربية وإسلامية
- الإنبات الحسن: قضايا الطفولة والتربية من منظور
إسلامي.
- أجنحة الخيرية : من حوار الذات إلى حوار الحضارات.
- روافد بلاغية: بلاغة الجمهور والبلاغة الجديدة.
-قصص الأطفال البوليسية: تنظير ونماذج تطبيقية.
-السجن، السلطة، الإبداع : أدب السجون وسرديات
الاعتقال السياسي.
-التطبيع الصهيوني: فك شفرات الخداع والتدليس.
- العقرب والبندول: في قضايا الحداثة والنقد الثقافي
والتلقي. (بحوث أدبية ونقدية)
-صخب على صخب: مقالات في التاريخ والسياسة والحياة.
- سينما الواقع.. سينما المرآة (دراسات سينمائية في
التأويل والجماليات والثقافة).
- المحكي والحكاء : في خارطة الرواية العربية الجديدة
(دراسات نقدية، جزءان).
- الإبداع الموازي (في نقد النقد وتساؤلاته).
- نهر وأمواج ورمال (مقالات في الثقافة والفنون
والفكر).
-النسيم والهجير، رواية.
- نفحات ولطمات ولثمات. (قصص قصيرة جدا).
-كنت ملحدا: قصة العالم الأمريكي جيفري لانغ.
- جامع الأمة الحسن بن علي، (رواية للأطفال)
- الزهرات الثلاث. (مسرحية للأطفال).
- البرتقالة في الزجاجة (قصص لليافعة).
-أبوبكر الرازي وبيمارستان بغداد (قصص للأطفال).
-الكشاف الصغير (رواية للأطفال).
-لمحات من حياة العناكب. (قصص للأطفال).
-عالم بلا أسلاك. (قصة للأطفال).
-يوميات طفل المستقبل. (أطفال)
جوائز دولية :
-الجائزة الأولى عن كتاب "صورة الرسول (صلى الله
عليه وسلم) في الوجدان الغربي: أبعاد التجني، براهين التفنيد" في المسابقة
الدولية منصة أريد البحثية الدولية ARID Platform
ماليزيا، ديسمبر 2020.
- الجائزة الأولى في مسابقة مؤسسة الأصالة للدراسات
الإسلامية، الجزائر، عن كتاب : الفكر الإسلامي المعاصر: استراتيجيات التجديد
والخطاب والمستجدات. وقد صدر الكتاب في ديسمبر 2020.
- جائزة مسابقة الألوكة الدولية في البحوث الإسلامية
والفكرية(الثالثة)، الرياض، 2017م. عن كتاب وسطية الإسلام والقضايا الفكرية
المعاصرة.
- جائزة الاستحقاق ضمن جوائز ناجي نعمان الأدبية، عن
بحث " ما بعد الحداثة في السينما العالمية "، بيروت، 2017م.
- جائزة الطيب صالح في النقد الأدبي، العام
2017م،(الثانية) عن كتاب " القرن المحلّق: الرواية الإفريقية وأدب ما بعد
الاستعمار.
- جائزة مركز جيل للدراسات والبحوث عن بحث : النقد
العربي والنقد الغربي (نهج التلقي والتفاعل والتقييم)، 2015 م.
- جائزة مختبر السرديات بالإسكندرية (2011)، عن بحث
" اختراق الوعي في سرد محمد حافظ رجب.
- جائزة اتحاد كتاب مصر في النقد الأدبي، عن كتاب
اللحمة والسداة، 2011.
- جائزة مكتب التربية العربي لدول الخليج العربية، في
أدب الطفل، 2011 م عن رواية " على متن محطة فضائية "، ومسرحية "
سفينة العطش ".
- جائزة المركز الأول في النقد الأدبي، مسابقة إحسان
عبد القدوس، القاهرة 2009 م.
- جائزة عن كتاب " ما بعد الحداثة في الرواية
العربية الجديدة "، ضمن المسابقة الدولية للنقد الأدبي، لمؤسسة الوراق للنشر
والتوزيع، الأردن، وتم نشر الكتاب.
- الجائزة الأولى في الرواية، دار سعاد الصباح،
الكويت، 1999م.
- جائزة النقد الأدبي، عن دائرة الثقافة والإعلام
بالشارقة، عن كتاب " دلالة الزمن في السرد " ، 2000م.
- الجائزة الثانية في الرواية، نادي القصة، القاهرة،
2001. عن رواية " شرنقة الحلم الأصفر ".
- الجائزة الثانية، لجنة العلوم السياسية، المجلس
الأعلى للثقافة، مصر، 1999م، عن بحث مصر والعولمة.
- الجائزة الثالثة، مركز الخليج للدراسات السياسية
والاستراتيجية، القاهرة / البحرين، 2002، عن بحث مؤشرات التطور الديمقراطي في
البحرين.
- أربع جوائز عن بحوث فكرية في مسابقة الكويت الدولية
الإسلامية للأعوام (1999 –
2004) عن بحوث : الإسلام والعولمة، النظام الوقفي في الإسلام، وسطية الإسلام
والحضارة الإسلامية: الدين والثقافة والجغرافية والإشعاع الحضاري.
- ثلاث جوائز عن قصص قصيرة في مسابقة الكويت الدولية
الإسلامية للأعوام (1999 –
2004).
- جائزة مسابقة الشخصيات الخيرية في الكويت، 2007م،
عن بحث "الشخصية الخيرية في الإسلام : عبد الله المطوع نموذجا".
أسئلة الحوار:
س1: أستاذ الأساتيذ، بعدما قرأتُ هذه
السيرة العطرة، أقفُ بكلّ خُشوع في محراب علمكَ. إلى أين يُريدُ الوصول مصطفى
عطيّة، بعد هذه الفُيوضات؟.
**- تحياتي وتقديري لك مبدعنا الكبير أ. محمد فتحي
المقداد، وغاية شكري وتقديري وامتناني لشخصك الكريم؛ على إتاحة هذه الفرصة للحوار
البنّاء المثمر، حول مسيرتي العلمية والإبداعية والبحثية.
في الحقيقة فإن سؤالك المتقدم يلج بشكل مباشر إلى
هدفي المستقبلي في الحياة، فلاشك أن تعدد إصداراتي وكثرتها ما بين إبداعات سردية
ومسرحية، ونقد ودراسات أدبية، وكتب وبحوث فكرية وإسلامية، يجعل السؤال مشروعا، لأن
الساحة الثقافية العربية تصنّف الكاتب تصنيفا واحدا أو ثنائيا كأن يكون قاصا أو
شاعرا أو ناقدا، ويكون هدفه في الحياة المزيد من الإنجاز والتراكم في مجال تخصصه.
أما أنا
فلا أهتم بالتصنيف، وإنما وجدت نفسي منتجا في حقول إبداعية (القصة القصيرة
والرواية والمسرح وأدب الطفل والمقال)، وفي حقول بحثية (الفكر والإسلاميات
والتاريخ والحضارة)، وفي حقل النقد الأدبي والدراسات الأدبية والفنون مثل السينما
والمسرح وأيضا الفن التشكيلي.
وبذلك تكون
الإجابة عن سؤالك مفادها هو طموحي لإشباع نهمي المعرفي البحثي، في الفكر
والإسلاميات والحضارة، وريّ تعطشي الإبداعي في السرد بكافة أشكاله، وإثراء تجربتي
النقدية في الأدب والفنون بشكل عام، فأنا ببساطة آمل أن أكون مبدعا وناقدا ومفكرا
وباحثا، وبعبارة أخرى: أرى الموسوعية الجامعة بين الإبداع والنقد والفكر، سبيلا
لإثراء ذاتي وتجربتي.
وأضع عيني
-من أجل ذلك- على نماذج من عظماء تاريخنا أمثال الجاحظ وأبي حيان التوحيدي وأبي
حامد الغزالي، وحديثا مثل عباس محمود العقاد، وعبد الوهاب المسيري، على قناعة أن
الموسوعية تفيد وتثمر، وأن الاقتصار على تخصص بعينه قد يعني لونا من الجمود، فلابد
من الانفتاح على كل معرفة وفن.
س2:
ما بين الأكاديمي الجادّ ببحوثه ومؤلّفاته المُتخصّصة في علوم اللّغة
والنقد الأدبي، والأدبيِّ الموهوب أو الهاوي، هناك مسافة تتمايز اختلافًا بين
قُطبي المُعادلة، أين تجد نفسك راحتها في هذه المعمعة المُحيِّرة؟.
**- سؤالك
عميق ودقيق، أحييك عليه، لأنك تتساءل عن أي ميل لي نفسيا نحو المجال الذي أفضّله
في الكتابة بشكل عام.
وفي
الحقيقة أنني بدأت مشوار حياتي كاتبا للقصة والرواية، وهما عشقي الأول، ولكنني
كلما تقدمت وقرأت وبحثت، أكتشف في ذاتي مساحات أخرى للعطاء، فرحلتي مع النقد
الأدبي بدأت على طاولة نادي الأدب في مدينتي الصغيرة في مصر، حيث شرعت في تذوق
النصوص، ثم مناقشتها، ومن ثم غصت في القراءة النقدية، ودعّمت مساري بالدراسات
العليا حيث إنني متخصص أساسا في البلاغة والنقد الأدبي والأدب المقارن.
وقد حرصت
ألا يطغى النقد بمنهجيته الصارمة على حيوية الإبداع وطزاجة تدفقه في نفسي، بل
استفدت من النقد في دعم كتابتي الإبداعية، مثلما استفدت من دراساتي النقدية في
تلافي أخطاء وسلبيات إبداعية، واستفدت من مجالات الفكر والتاريخ والفنون في
استيلاد أفكار إبداعية جديدة.
ولا تزال
هناك عندي مشروعات كثيرة للكتابة الإبداعية والنقدية والفكرية والحضارية، أدعو
الله تعالى أن يعينني على تنفيذ أبرز ما فيها، فهي تحتاج وقتا وجهدا وتفرغا ممتدا،
لإنجازها.
س3: لك العديد من الكتب المُتخصّصة في
النقد الأدبيّ، برأيكَ، وفي ظلَّ التسارع الملحوظ من خلال انتشار وسائل التواصل
الاجتماعي، وسهولة النّشر: هل تساوق النَّقد مع هذه الظّاهرة ليواكب جميع
التطوّرات؟.
**- سؤالك
ينكأ جرحا كبيرا تعاني منه الحياة الثقافية العربية بشكل عام، ألا وهو غياب النقد
المنهجي والموضوعي، وغياب الناقد الحصيف عميق الثقافة المنهجية والذائقة
الإبداعية، فعلى كثرة ما ينشر من إبداعات،
على قلة مواكبة النقد للقلة منها، مما يحرم كثيرا من المبدعين من المتابعة النقدية،
والإرشاد والتوجيه، وتسليط الضوء على تجربتهم، وتلك أزمة كبرى.
أما ما
أشرتَ إليه في سؤالك حول المنشور في وسائل التواصل الاجتماعي وفي منتديات وصفحات
الإنترنت، والتي صارت كثرة كاثرة، فكل من هب ودب صار يكتب إبداعات، أكثرها ضعيف
فنيا ولغويا، والقليل منها جيد، مما يلقي أعباء كبرى على النقاد في المتابعة
والرصد.
على جانب
آخر، فإن الإبداعات في عالم الإنترنت أوجبت ظهور ما يسمى الإبداع الإلكتروني أو
الإبداع الرقمي، وبالفعل هناك حركة نقدية جادة رصدت هذا الإبداع، تحت ما يسمى
"النقد الرقمي"، وأنا بشكل شخصي ولجت هذا التخصص بعدة كتب، أبرزها:
كتابي "شعرية الفضاء الإلكتروني في منظور ما بعد الحداثة"، وعدة بحوث عن
تجربة السرديات الرقمية.
ولا يزال
المجال خصبا وبكرا ويحتاج إلى المزيد من الجهود النقدية، خاصة مع الروايات
والأشعار التي تتخذ من الفضاء الإلكتروني ساحة وموضوعا وفضاء لها.
س4: بصراحة أقول لك: ألمسُ عدم ارتياح من
النقَّاد الأكاديميّين، للهُواة من الأدباء الذين دخلوا إلى ساحة النّقد، التي
تكاد أن تفتقِد النُقَّاد الأكاديميّين لظروف وأسباب. ما تحليلكَ لهذه
الإشكاليّة؟.
**- هذا شعور طبيعي ومتوقع، لأن بغض الأدباء الهواة عندما
دخلوا ساحة النقد، فإنهم لم يفهموا أن النقد علم ومناهج، وله أسس وقواعد، وليس
مجرد كلام عام وإنشائي وخطابي، وإنما يستلزم تحليل النص بعمق، والوقوف على
جمالياته، على مستوى البنية والأسلوب، وقراءة رسائل النص الظاهرة والمبثوثة، فيما
يسمى شفرات النص.
وقد دعوتُ
مرارا الأدباء إلى ولوج ساحة النقد، شريطة أن يتسلحوا بالثقافة النقدية، ويستفيدوا من قراءتهم المستمرة في الإبداعات
قديما وحديثا.
ولكن
الحادث أن هناك أدباء هواة، بعضهم لديهم شهوة الكلام، وحب الظهور، يتصدرون
المنصات، مدعين أنهم نقاد، ويصدرون أحكاما نقدية عامة، جلّها خطأ، وغير علمي ولا
منهجي، ومن هنا لابد من الوقوف أمام هذه الظاهرة.
ونستحضر
هنا كثيرا من الأدباء الذين برعوا في النقد والإبداع معا، مثل ت إس إليوت، والعقَّاد.
س5: من المعلوم أدبيًّا بالضرورة، أنّ
النّقد إذا ارتقى، أفسح الطريق ومهدّها للارتقاء بكافّة مسارات الأدب عمومًا. هل
لكَ أن تضيء هذه النُّقطة؟
**- لاشك
أن ارتقاء النقد يفيد مسارات الأدب والحياة الأدبية عامة، لأن النقد هو سنام
الفنون الإبداعية، بل إن النقد عملية إبداعية في حد ذاتها، فهناك ناقد مبدع، وهناك
ناقد مقلد.
أما كيف
يرتقي النقد، فيكون بالمتابعة الجادة والرصينة -من قبل النقاد- لما ينشر في الحياة
الأدبية والفنية، أي الإبداعات المقروءة والمسموعة والمرئية، من أجل فرز المبدع
الحقيقي من أنصاف المبدعين، ومن مدعي الإبداع، فالإبداع الحقيقي قاطرة النقد،
مثلما أن النقد كاشف عن المبدع الحقيقي. إنها عملية تبادلية؛ الإبداع الجاد يولد
النقد الجاد، والنقد الجاد يكشف عن المبدع الحقيقي المتميز.
ولابد أن
نشدد في هذا الصدد على أن الممارسة النقدية الصحيحة والجادة تثمر مذهبية نقدية
عربية راسخة، لأن النقد يتأسس على الإبداع، أي يقرأ الناقد الخريطة الإبداعية ومن
ثم ينظّر لها.
ومن هنا،
تأتي أهمية الدعوة إلى تعزيز آفاق التجربة النقدية بالنقاش والحوار
والتفاعل بين النقاد والمبدعين من جهة، وبين النقاد أنفسهم من جهة أخرى.
س6: ما هو تعليلكَ لغياب جمعيّات النّقد
الأدبيِّ، والأساتذة النُقَّاد عن ساحتنا الأدبيّة العربيّة، لمتابعة الجديد،
وإبراز الأعمال الأدبية الجيّدة أو المُميّزة بجودتها الفائقة، لوقف مهزلة
الانحدار المُريع فيما يُنشر من أعمال، ربّما لا تستحق ثمن الورق و الحبر الذي
كُتبت عليه، ووضع ضوابط للنشر، علمًا أن كثيرًا من الكتب فيها من الأخطاء اللغويَة
والنحويَّة بأبسط قواعدها، ابتداء من الفعل والفاعل؟.
**- إن
غياب النقاد والحركة النقدية الموضوعية الرصينة، أحد وجوه أزمة الساحة الثقافية
العربية، حيث لا يوجد دعم للمبدع، وكثير من المبدعين ينشرون على نفقتهم الخاصة،
وهناك ناشرون يروجون للإبداعات السهلة، مثل الروايات الرومانسية والبوليسية
وسرديات العلاقات الحميمة وغير ذلك. وهذا ما نسميه النشر التجاري، الذي يلعب على
التشويق وإثارة الغرائز، ولا يقدم فكرا وإبداعا ساميا، فعين الأديب وعين الناشر
كلاهما على
نسبة المبيعات، بغض النظر عن القيم والقيمة.
فالحل في رأيي هو وجود حركة داعمة صحافيا وإعلاميا
وأكاديميا وماليا، فالناقد الذي يخصص وقته لقراءة الإبداعات يحتاج لدعم مادي،
كمكافأة لجهده، وأيضا من أجل نشر دراساته النقدية، وهذا يقتضي دعم مختلف الفعاليات
النقدية من جمعيات ومؤتمرات وصحف.
أما ما تفضلت بالإشارة إليه من الأخطاء
اللغوية التي يقع فيها المبدعون، فهذا يعود لأسباب عديدة، أبرزها عدم صبر المبدع
على التعلّم والتمكن في علوم اللغة (النحو والصرف والهجاء والمعاجم)، واستعجاله
للكتابة والنشر، مع قلة القراءة المتعمقة، وتأتي المصيبة من قبل الناشر الذي لا
يوفر مراجعة لغوية دقيقة، ناهيك عن أهمية وجود لجان قراءة تفرز الإبداع الحقيقي،
فالناشر لا يريد مزيدا من التكلفة المادية عليه، والمبدع يمول الكتاب غالبا،
وبالتالي تصبح عملية النشر تجارية مادية وليست رسالة إبداعية ثقافية.
س7: مسار الإسلاميّات كُتبًا وأبحاثًا
أخذ مساحة من مسيرتك، يعني ذلك للمتابع أنّك تبحثُ عن الأصالة والمُعاصَرة. لكن
هناك الموجة المُعادية التي تتَّخذ من الحرب الفكريّة والترهيب، ونشوء مصطلحات
"الإسلام فوبيا"، و"صراع الحضارات" من جانب، وبين تيّار
مُعاكس تمامًا له صوت من خلال فكرة "حوار الأديان". الذي لم يستطع بلجم
آلات الحروب والدّمار لأوطاننا، واتًباع سياسة الأرض المحروقة. ما المخرج من هذا
المستنقع القذر برأيك كخبير حصيف؟.
**- إن
الكتابة والبحث والتأليف في مجال الإسلاميات أحد روافد تجربتي، وهذا ناتج عن عشقي
القديم للإسلاميات بكافة علومها (الفقه والحديث والسيرة والحضارة والتاريخ)، وقد
دعمت هذا التوجه بالعديد من الشهادات في الدراسات العليا، حتى أقف على أرض معرفية
وعلمية صلبة، قبل الولوج في الكتابة الإسلامية التي تستلزم التمكن العلمي والتكوين
القوي.
وأرى أنه
لا يمكن فهم خصوصيتنا الثقافية العربية الإسلامية إلا بالعودة إلى التراث دراسة
وفهما وتمحيصا واستفادةً، فلا يمكن أن نحاور الآخر الحضاري (الغرب مثلا)، دون أن
نقف على أرضية صلبة جذورها الإسلام والعروبة والتراث، نقول ذلك، ونجد في عالمنا
العربي مثقفين تغريبيّين يهاجمون الإسلام ذاته، وليس الأفكار المنحرفة، أو العقائد
الفاسدة، ويتحصنون في ذلك بالإرث الاستشراقي الاستعماري، بكل مقولاته التي تحتقر
الإسلام والتاريخ والحضارة الإسلامية، ويدّعون أننا لن نتقدم إلا إذا تخندقنا في
خنادق الغرب، ونبذنا الإسلام الدين والحضارة.
هذا في بلادنا
العربية، أما في الغرب ذاته، فإن موجة "الإسلامو فوبيا" متصاعدة منذ
أكثر من عقدين، وبعضهم يعلنها حربا دينية ضد الإسلام، على نحو ما نجد في اليمين
الأوروبي المتطرف، وفرنسا خير مثال على ذلك.
ولذا، يكون
السؤال: ماذا عن حوار الأديان وحوار الحضارات؟ حيث إنني أجد أن مثل هكذا حوار هو
أشبه بالترف الفكري، والسفسطة، لأنه يدور في أجواء أقرب إلى العداء منها إلى
السلام، فكيف نتحاور من يرى الإسلام خطرا عليه، ولا يعترف بالإسلام دينا في
الأساس، وإنما هو شريعة محمد التي أخذها من الديانات السابقة؟
نعم هناك
في الغرب مفكرون صادقون، وعلماء دين جادون، ولكن أصواتهم غائبة وسط شعارات اليمين
المتطرف، خاصة أن مخرجات حوار الأديان والحضارات حتى الآن- وفق الدراسات والأبحاث
عنها- لا تزيد عن عبارات عامة، دون إيجاد أرضية حوارية جادة، يمكن أن نبني عليها
قواعد منهجية في عملية التثاقف الحضاري بيننا وبين الغرب.
لابد أن نكون
صرحاء؛ إن الغرب يريد الشرق وفقا لنموذجه الحضاري هو، وهناك مفكرون في العالم
العربي يتبعون هذا النهج، ويرون أن لا طريق أمامنا إلا طريق الغرب: خطوة بخطوة،
وإلا لن نتقدم، وعلينا أن ننقد تراثنا نقدا هادما، فنبقي منه ما يتفق مع طروحات
الاستشراق الغربي، ورؤاه نحو الإسلام وحضارته.
س8: أستاذ مصطفى، بالانتقال إلى عالم
السياسة لقد أبحرت فيها، بتأليفك للعديد من الكتب والأبحاث السياسيّة. من المعروف
أنّ السياسة بتعريفاتها المُختلفة، وأخفّها وطأة على نفس القارئ، "هي فنّ
الممكن". كيف وجدت عالمها، وأنت الباحثّ والأديب؟.
**- علاقتي بالسياسة لا تزيد عن كتابتي عدد من
الأبحاث في مجال الفكر السياسي، لأننا أرى السياسة مجالا لا يمكن الانفصال عنه،
لأي مشتغل بالقضايا الفكرية، وبالمناهج النقدية، والمذاهب الأدبية. وبعبارة أخرى:
فإن السياسة وجه من وجوه حياتنا، لن نفهم الحياة إلا بفهم السياسة.
ومن هنا،
فلم أنشغل بالأحداث السياسة ومشاكلها وصراعاتها بشكل مباشر على نحو ما يفعل كتّاب
الصحافة، وإنما انشغلت بالموضوعات السياسية وقضاياها وجذورها الفكرية، فلا أتعامل
مع الأحداث السياسية اليومية، التي أتركها للباحثين والمحللين السياسيين، والصحافة
اليومية، فهي في رأيي طوفان لا ينتهي، ومن ولج فيه، فهو يغرق في مستنقع لا نهاية
له من الأخبار المتلاحقة، التي تحتاج إلى تحليل ومتابعة، يضيق وقتي عنها، وليست من
أولوياتي البحثية والكتابية.
أما مقولة
"السياسة فن الممكن" فهي صحيحة،
ولكنها تخص المشتغلين بالعمل السياسي في الأحزاب والنشطاء ورجال الحكم.
أما من هم
على شاكلتنا، من المشتغلين بالكتابات الفكرية والأدبية، فإن السياسة بالنسبة إليهم
؛ هي المذاهب السياسية والأحداث الكبرى، التي تكون تفسيرا لما نجده من آراء سياسية
في الإبداعات الأدبية، وفي التحديات الثقافية.
س9: ما بين الكتابات الفكريّة والأبحاث
الأكاديميّة، والكتابة للأطفال المختلفة تمامًا بأفكارها وألفاظها تناقض بَيّن،
ومسافة تُباعِد بين المسارات الأخرى. كيف استطعتَ تجسير الهُوّة على الأقلّ في
تفكيركَ؟.
**- أشكرك على هذا السؤال الذي استخدمتَ فيه مصطلح
"تجسير الهوة"، وفي الحقيقة لا أرى في ذاتي هوة بين المجالات الأكاديمية
والإبداعية والكتابة للطفل، لأنني ببساطة، وكما ذكرت من قبل، فإني مبدع قصصي
ومسرحي في الأساس، والكتابة للطفل هي عشق لي منذ بداياتي الأدبية.
أما فكرة
التجسير، فهي قائمة على الاستفادة من تجربتي في النقد والسرد والفكر، من أجل تقديم
كتابة للطفل حول قضايا العصر والمستقبل، وأيضا أنجزت كتابات للأطفال حول التاريخ
والحضارة الإسلامية وغير ذلك. والمسألة ببساطة، أنني عندما أكتب للطفل فإنني أعايش
روح الكتابة للطفل، فتخرج من نفسي روح الناقد والباحث، وتبقى روح الإبداع للطفل.
وصدقني إن
الكتابة للطفل فيها متعة كبيرة، لأنني أجد نفسي مبتعدا عن عالم الكبار، ومنغمسا في
عالم الأطفال على اختلاف مراحلهم العمرية، أحاول أن أخاطبهم وفق مستوياتهم العقلية
والنفسية واللغوية، وأتعرف على اهتماماتهم، ومن ثم أصوغ إبداعات سردية أو مسرحية
موجهة لهم، أسعى من خلالها إلى تقديم قيم ومعلومات ومثل وأخلاق، أطمح أن يستفيد
منها الأطفال في مستقبل حياتهم. وللأمانة، فإن الكتابة للطفل أصعب كثيرا من
الكتابة للكبار، فعليك أن تنزل إلى الطفل، وتخاطبه بقاموس لغوي وبموضوعات يفهمها.
س10: الحديث شيِّقٌ يطول ويطول، وبحاجة
لمحاور كثيرة تراود ذهن أي قارئ مثلي. ولكن سأنحو إلى المسار الشخصيّ، أستاذ مصطفى
كتبت كلّ هذه الكتب وأبحرت في أروقة الفكر والأدب والدّين، وحصلت على العديد من
الجوائز العربيّة والعالميّة، وفي زحمة الإعلام والفضائيّات على كثرتها، سامحني،
لو قلتُ لكَ: لو أنّني توجهّتُ بسؤال إلى طلبة الآداب بجامعة القاهرة مثلًا. من هو
مصطفى عطية.. أتوقّعُ في أحسن الأحوال أن أسمع إجابة نسبة عشرة بالمئة أنّهم
يعرفون عنكَ شيئًا، بينما يحفظون دقائق حياة الفنّانين والفنّانات ولاعبي كرة
القدم. ما تفسيركَ للأمر برأيكَ استاذي الفاضل؟.
**- مصطفى عطية جمعة هو روائي وقاص ومسرحي، وناقد أدبي،
ومفكر، وباحث في التاريخ والحضارة والفنون.
ربما يطول
تعريفي بعض الشيء، ولكن هذا هو الواقع، وتلك هي المسارات التي سلكتها في حياتي،
اتخذت من الموسوعية نهجا، ومن تعدد المجالات الإبداعية سبلا.
وأعتز بهذه
المسارات، وأدعو كل المثقفين والباحثين والكتّاب والمبدعين إلى الاستفادة من
تجربتي ومن تجارب الآخرين، وكما يقال من أراد أن يعيش ضعف عمره، فعليه بقراءة سير
الآخرين، والاستفادة من تجاربهم في العمل والإبداع والحياة، ومن أراد أن يقتصر على
عمره فقط، فهو حتما خاسر، لأنه قد يكرر أخطاء الآخرين، ويبدأ من حيث بدأوا، لا أن
يبدأ من حيث انتهوا، وشتان بين البدايتين.
وهناك
آخرون في العالم العربي يشتركون معي في اهتماماتي الموسوعية والبحثية، مع تميز كلٍ
منهم في مجالات بحثية وكتابية بعينها، فأنا لست وحيدا في مساري، ولا رائدا في
تجربتي، وإنما هناك آخرون، أعتز بهم، وأتعلم من مسيرتهم.
أما أن يعرف
طلاب جامعة القاهرة أو غيرهم من الجامعات العربية عني شيئا، فهذا أمر لا يعنيني
كثيرا، لأنهم ببساطة جيل مشغول –كما ذكرتَ-
بأمور أخرى غير الثقافة والأدب والفنون. بل إنهم لا يعرفون عن أعلام الأدب
والثقافة إلا ما درسوه في مراحل الدراسية. المشكلة يا أخي الحبيب أن لدينا أجيالا
لا تقرأ، ولا تتثقف، بل إن المبدعين والمثقفين والأكاديميين هم في غالبيتهم أيضا
غير قراء ولا متابعين للحياة الثقافية العربية إلا في حدود ضيقة، وتلك أزمة الأمة.
وختاما، كل
الشكر والتقدير لك أخي الحبيب أ. محمد فتحي المقداد، استمتعت كثيرا بالحوار معك،
فأسئلتك ثرية، دالة على خصوبة فكرية، وروح إبداعية، ورؤية واقعية ومستقبلية.