السبت، 22 أغسطس 2020

شهادة إبداعية رسائل وتين

 شهادة إبداعية 

قُدّمت للأديبة الواعدة آلاء حسن الشعرات — حفل توقيع كتابها رسائل وتين. في منتدى البيت العربي الثقافي. – عمّان:  28/1/2019


كل إبداع أدبيّ هو محطة للقارئ مثلي.. أتوقّف عنده طويلًا مُتفيئًا ظلال روح الكاتب المُتدلّية كقطوف دانية من روحي.. متاهة تأخذني بعيدًا في مسافات زمنيّة استحوذت على حياة الكاتب، آكلة وقته.. حارقة لدواخله اعتبارًا من ولادة الفكرة في مخاضها العسير إلى صارت في صفحات كتاب رسائل وتين.. للأديبة آلاء الشعرات.

** أرسلت وتين إلي نبض رسالتها الأولى: «كم هو شهيٌّ هذا الصباح. وحكايا المطر تناقضٌ مبعثر.. بك يا نبضُ.. أراكَ وأسمعكَ، وأحملكَ جنينًا في أحشائي.

شكرًا لك أستاذي..!!. أنتَ مطلع الفرحة، وأنا نهايتها. أنا صغيرتُك معك. فلا تختلّ جاذبيّة قمري إلّا لعينيْكَ.. أنتَ ميلادي الأوّل، سرجُكَ العالي تلمسُه أناملي، فيهوي ما تبقّى من رماد الكبرياء.

فصل الشتاء نقطة ضعف العشّاق.. ففي حبّكَ أكون عنيفة لا أقبلُ التّراجع، أراكَ طوق النجاة، الذي أهربُ إليه. غريقةٌ أنا يا نبضُ، لم أعُد أعلمُ كيف النّجاة؟.

تعالَ نُسابقُ الرّيح المتأزّمة ونُركدها أرضًا تحت أقدامنا.

عزيزي: أعيشُ بين تراكيب ذاكرتي، وأنتَ حاضرٌ في تلافيفها، علّمتَني كيف أروّضُ كلماتي لتنساب حروفي بين السّطور. صوتُك الدّافئ يحملُني نحو كوكب بعيد أجهلُ اسمه، لأنه لم يُكتَشف بعد». 

** بعدما اسْتمعَ نبض بقلبه لها، وقرأ رسالتها مُحلّقًا في فضائها الروحيّ، أجابها: «أنتِ ساحرةٌ يا وتين».

** من جديد كتبت وتين إليه: «أنا لا أبالي يا سيّدي..!!. فأين المشاعر التي دفنّاها سويّة تحت شجرة الدُّر. تلك السّنون لم تكن جديرة على اكتسائي ثوب النّسيان».

** فردّ نبض عليها: «لم تكتمل قصّتنا بعد، ماردُ الصّباح يُسقط العقلانيّة لينتصر القلب، عندما تنضجين بعد طفولتَكِ البريئة ستكونينَ أعظم حُبّ، فهل تتغيّرُ المرأة بعد سنّ الثلاثين؟. لا تكوني إمّعة تريد الهروب من واقعها.. ستصمدين أمام معتركات تواجهينها، نحن كلّ يا أيتها النّساء. وأنتن تولدن من جديد كشعاع الأمل في فجر كل صباح».

** اختتمت وتين برسالتها له: «هل تساءلتَ يومًا أمام نفسك؟. فأنا علياء في جمالي أعاند انحناء الظهر لك. فتتراقص أنوثتي على وتر الشّقاء. أرفض لعبة الاحتكار، فقلبي خطّ أحمر.. احذر الاقتراب، لا تقُل عنّي مغرورة.. تواضعي بعيدٌ عن الكِبر والغرور، يجعلني أسلكُ منابر الرقيّ والتّسامي. سأبتسم ابتسامتي الشهيّة لحياني، وأمضي نحو حلمي.. وسأكون أنا ..أنا».  


وبعد ذلك صمتَتِ الشّفاه ونطقتِ العيون. (رسائل وتين) حملت تفاسير الكلام. لا تفتأ تُعلن للملأ شرح الحالة المُثلى للإنسانية، عندما ترتقي بأحاسيسها ومشاعرها رِفعة، بعيدًا عن الهبوط إلى قذارات الحضيض، لتُنافس الملائكة بفضائلها الروحانيّة. وتتسامى على حمأة الجسد المحمومة برغباتها وشهواتها الهائجة.

جاءت مجموعة الخواطر ممزوجة بروح قصصيّة، لتحاكي واقعًا مُدجّجًا بقسوة العواطف المتكلّسة المنبثقة عن نفوس مريضة. ارتضت مغادرة إنسانيّتها بتوحّش تنهش بضراوة القلوب والأرواح تحت مُسمّيات اختزلت الحياة ضمن دائرة ضيّقة من المصالح الآنيّة.

الأديبة آلاء الشعرات استطاعت تسجيل خواطرها وقصصها على شكل رسائل متبادلة بين قطبي الحياة (المرأة والرجل)، لتُسمع صرختها للعالم أجمع وبجرأة الحق، وهي تنظر بعين خبيرة إلى التشوّهات المجتمعيّة، تروم إزاحة الغيار والصدأ والطحالب عن النفوس، من خلال مؤلفها البكر (رسائل وتين)، الذي شكّلت منه نسقًا صادقا واضحًا في مسارات الأدب النسائيّ العربي. 

الفطرة السليمة تنتج عقلًا سليمًا يتوخّى الخير والجمال، وإبراز محاسنه من بين رًكام الإنسانيّة المُحتَضَرة على مذبح الظلم والتظالم، وهذا ما ناقشته وعالجته آلاء الشّعرات في رسائل وتين.


عمّان – الأردن 

28 / 1 / 2019 

محمد فتحي المقداد

قاص و روائي 


سين جيم اسئلة أغنية ع الروزانا

 سين – جيم 

أغنية عالروزانا

« مقابلة مع قناة الغد العربي / 18*12/2018»


** ما هي قصة الأغنية؟.


الرواية الأولى: 

تقول حكاية الأغنية انه في أيام الاستعمار العثماني أرسلت تركيا باخرة إلى بيروت تحوي جميع انواع المواد الغذائية وتم بيعها بسعر رخيص وزهيد جداً للمضاربة على تجار بيروت والحاق الضرر بهم وليكون اهناك كساد للبضاعة . وهذا ماحصل فعلاً وتكدست البضائع اللبنانية وكادت تتلف فما كان من تجار حلب إلا ان اشتروا البضاعة من تجار بيروت وأنقذوهم من الافلاس، وتم نقل التفاح الى خلب مهربا وتم اخفاؤه تحت العنب ، لأن الدولة العثمانية حظرت نقل ذلك التفاع خارج بيروت ،  وعادت الباخرة إلى تركيا خائبة وفشلت في تحقيق هدفها.‏


تدقبق هذه الرواية: 

1- روزانا اسم أوربي، فلا هو عربي و لا عثماني.

2- إذا كان هناك قرار عثماني بإغراق الأسواق اللبنانيّة بالبضائع والمواد الغذائيّة، كان المفروض أن تكون السفينة تركية.

3- ثمّ من يستطيع القيام بأن يشتري حمولة سفينة كاملة ويرسلها إلى لبنان لإغراق أسواقها، ويتحمّل كافّة مصاريف الشحن، وأثمان البضاعة ليبيعها يسعر مُغرٍ.

4- إذا كان الهدف السيطرة من ذلك السيطرة على أسواق لبنان. فهو في الواقع كله كله تحت السيطرة والحكم العثماني.

5- فيما نستطيع قبول واقعة تصدير التّفاح من لبنان إلى حلب، فلا غرابة في ذلك وهو طبيعي للغاية لأن الشام وحلب هما الرئتان الذي يحتاجهما لبنان على مدار التاريخ لضمان بقائه واستمراره، وهما شريان الحياة له. أما لماذا ركّزت الأغنية على أن التّفاح موضوع تحت العنب، لما يتحمله التّفاح بقساوته خلاف العنب

 الذي لا يحتمل هذه المسافات الطويلة في السفر الذي كان على الوسائل البدائية من الحمير والبغال والخيول. 

*** 


الرواية الثانية:

مرت بلاد الشام بموسم زراعي صعب نتيجة الجراد وشح الامطار فظهر شح بمادة القمح، ولأن بيروت كانت منطقة تتمتع بنظام خاص من الحكم الذاتي بالاتفاق مع الدولة العثمانية كان يسمح لهم بالاستيراد، فاستوردوا القمح من إيطاليا لانقاذ المنطقة من المجاعة.. فكانت قصة سفينة الروزانا الايطالية التي وصلت حاملة القمح .. الا انه ومع تحول إيطاليا إلى صف الحلفاء في الحرب بعد أن كانت حيادية .. مُنعت سفينة القمح من افراغ حمولتها .. وكان من المفترض ان يتم الدفع مقابل القمح المستورد بشحنة من التفاح تصدر الى اوروبا، الا انه وبسبب المنع بارت بضاعة تجار بيروت من التفاح .. فما كان من تجار حلب الا ان اخذوا ذلك التفاح الذي تم تهريبه الى حلب بعد تخبئته تحت العنب. وتم تسويق العنب وبيعه ، فأنقذوا بذلك تجار بيروت من الافلاس.


تدقيق هذه الرواية:

1- هذه الرواية كانت أيام الحرب العالمية الأولى في العام1915 على الأرجح، وكان حصار دول الحلفاء على الدولة العثمانيّة على اعتبار أنها تناصر دول المحور (ألمانيا – إيطاليا) من الطبيعي أن يكون الحصار لمنع وصول السفن والبواخر إلى أي ميناء عثماني.

2- منع باخرة القمح الايطالية روزانا كان من دول الحلفاء. 

3- من المؤكّد أن تجّار بيروت كانوا يهيئون بضائعهم لتصديرها إلى الدول الأوربية بتحميلها على متن الباخرة الايطاليّة روزانا. ولما لم لتصل ميناء بيروت بفعل ظروف الحرب، لم يحتملوا كساد بضائعهم وفسادها، فتوجّهوا إلى العمق الاستراتيجي لهم في الشام وحلب.

4- كذلك بقية ولايات الدولة العثمانية واجهت نفس المشكلة، كما أنّ العاصمة استانبول كانت تعاني خلال هذه الفترة في توفير المواد التموينية. من المستحيل في مثل هذه الظروف لن نجد أية جهة تسعى لشراء بضائع بأسعار حقيقية لبيعها في لبنان بأسعار رمزية لإغراق السوق وضرب الاقتصاد. 

5- حتى سوق لبنان فيه شحّ في هذه المواد فكيف يكون إغراقه بزيادة عرض البضائع بأسعار أقل من السائدة.

6- هذه الواقعة كانت أحد الأسباب الكافية وراء قيام الانتداب الفرنسيّ بتشكيل دولة لبنان الكبير من متصرفية جبل لبنان والمدن الساحليّة، مع ضمّ أربعة أقضية غنيّة زراعيّا كانت تابعة لولاية دمشق. لتأمين الحياة للبنان الكبير كدولة مستقلّة.

7- هذا التوسع والضمّ كان لجعل لبنان دولة متعدّدة الأعراق مع السيطرة الكاملة لحلفاء فرنسا بالسيطرة السياسية.

8- من المعلوم بما لا بدع مجالًا للشكّ أن التجّار هذا موسمهم. يشترون بأسعار زهيدة ليحققوا هوامش أرباح كبيرة في مثل هذه الظروف العصيبة وهؤلاء هم من يطلق عليهم تجّار أو أثرياء الحروب. لأن هدف التجارة أولًا وأخيرًا المال.

***


 هناك روايات أخرى ايضاً هل ممكن أن تذكرها لنا؟.

** أنا أصنّف هذه الأغنية بأنها (أغنية للتاريخ)، عندما كتبتها في كتابي مقالات ملفقة ج1 تحت نفس العنوان، فهي تحكي عن حقبة الاستعمار الفرنسي ّ لسورية ولبنان، ففي إبان الثلاثينيات من القرن الماضي حصلت انتفاضة في بيروت على ممارسات الاستعمار، وجاءت الأغنية من تأليف (إلياس سابا) لتخلد هذا الحدث التاريخي بمحاكاة رائعة. فعندما تشدو فيروز وتقول: (عالروزانا .. عالروزانا)، والروزانا هي فرقاطة حربيّة في الأسطول الفرنسي، كانت ترابط قبالة ميناء بيروت في البحر المتوسط. 

وحين تقول: (كلّ الهنا فيها) كان الفقراء في بيروت وغيرهم يذهبون للميناء فيعطيهم الجنود مما يفيض عن حاجتهم من الطعام. لأنه في هذه الفترة كانت ظروف الجفاف وانحباس المطر والقحط، هي ألجأت الناس بالوصول لهذه الحالة.

وحين تقول فيروز: (وش عملت الروزانا.. الله يجازيها)،نعم الله يجازيها على ما فعلت في بيروت من قصف للمدنيين الآمنين العُزّل بمدافعها وقنابلها وحممها الغاضبة الهمجية.

هنا ..ونيجة لما حصل فرض الحصار على بيروت ومنعوا تصدير المنتجات من بيروت للعالم الخارجي، فاتجه التجار لعمقهم التاريخي. فقالت: (يا رايحين عاحلب حبّي معاكم راح.. يا محمّلين العنب تحت العنب تفاح). وبذلك أنقذوا محاصيلهم من الكساد والبوار ببعيها في أسواق الشام وحلب. 

*** 


** هناك رواية تقول بأن كاتب هذه الأغنية هو (المُلّا عثمان الموصللي 1864-1923). على أساس أن الروزانا معروفة في العراق باسم (الرّازونة)، وهي فتحة صغيرة في الجداران فيما بين البيوت العربية، تستخدم للتحدث بين النساء والبنات والجيران، ولمناولة بعض الأشياء والأغراض باختصار المسافة عليهم. ومن ذهب في مذهب هذه الرواية لإثباتها بأن الأغنية أساسها عراقي. 

بالتدقيق نجد:

1- أن التفاح و العنب ليسا من منتجات العراق الزراعية القابلة للتصدير.

2- كما أن حلب بعيدة نسبيًّا بمسافات شاسعة.

3- منطقة حلب غنية بإنتاج هذه المواد الزراعية، وإذا احتاجت شيئًا منها من الممكن استيراده من اللاذقية أو لبنان.

*** 



ملاحظة هامّة:

كلمة (روزنة) كلمة معروفة في بلاد الشام وهي الكوّة في السقف، هاصة في بيوت الفلاحين. بقصد إخراج الدخان المتصاعد من المواقد ومدافئ الحطب في غرف سكناهم. وفي مستودعات الحبوب والتبن لافراغ المحاصيل من خلالها.  ويقال بأن الروزنة كلمة فارسية مُعرّبة. وتعني (النور ، الضياء). وتحولت في أعراف بلاد الشام، لتصبح النافذة الصغيرة أو الكوّة في الجدار أو السقف تسمح للنور والضياء بالدخول لأنها نافذة بالاتجاهين الداخلي والخارجي.

وفي القاموس وردت على أنها الكوّة غير النافذة في الجدار أو الحائط أو في صخرة فتكون معروفة باسم (الجُرُن). وفوائدها للتهوية وطرد الدخان من الغرف والمغاور المغلقة، وإدخال النّور والضوء. 

*** 


-لماذا تعددت روايات الأغنية برأيك؟.

إن ارتباط الشعوب وجدانيًّا بقضاياهم المصيرية جعلهم على صلة وثيقة بحوادثها معتمدين على ذاكرتهم بحيث صار تراثًا يتناقلونه شفاهيًّا، وفي كل يزاد فيه وينقص منه، ففي كلّ مرّة تتحوّل الحادثة لرواية جديدة، يحفظها من سمعها ويرويها للآخرين كما سمعها. من هنا جاء تعدّد الروايات، ولأن لم يكن هناك توثيقًا مكتوبًا لها في حينها حتى يكون مرجعًا معتمدًا. لكن الأغنية مؤكّد أنّها كانت في حالة لبنان ولا خلاف في ذلك أبدًا.

*** 


(ما المعاناة التي كان يلقاها أهل بلاد الشام وتحديدا لبنان وسوريا من العثماني؟).

بداية النقطة المهمة هو دخول الدولة العثمانية الحرب العالمية الأولى. وكان يحكم الدولة العثمانية حزب الاتحاد والترقي. 


** الضرائب:

الحرب كارثة تتوالد عنها كوارث على كل المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ومع دخول الدولة العثمانية الحرب العالمية الأولى، احتاجت للأموال لشراء الأسلحة والدعم اللوجستيّ لجيوشها التي تحارب على جبهات عديدة فرضت العديد من الضرائب المرهقة للشعب بشكل عام، خاصة الولايات العربية التي تعتمد في اقتصادها على الزراعة، التي ضعف إنتاجها من خلال اهمالها بسبب نقص الأيد العاملة من الرجال والشباب عندما سيقوا الى ساحات الحروب.



** سياسة التتريك: 

لضعف الانتاج الصناعي في عاصمة الدولة اضطرت لأخذ الحرفيين المهرة من الولايات العربية لابقاء حالة الانتاج الصناعي في حالة جيدة بما يخدم الدعم اللوجستي للجيش المقاتل على الجبهات، ومع وصول الاتحاد والترقي لحكم الدولة العثمانية، وهو القائم على نزعة قومية طورانية تضطهد القوميات الاخرى، وهو ما تزامن مع عصر القومية العربية. حيث حصل التنافر على أساس قومي. 

كما أن لغة دوائر الدولة ووظائفها كانت باللغة التركية، ومن يتعلم اللغة التركية يستطيع الحثول على. وظائف والعمل مع الدولة.



** سفر برلك:

المعاجم :سَفَرْبَرْلِكٌ: نفير عامّ تعبئة ، نفير ، سفربرلك ، تأهب للحرب ، إستعداد للحرب سفر ، رحلة ، سفرة ، حملة ، غزوة ، وفي تفسير آخر سفر برلك كلمه تركيه معناها بالعربي التهجير الجماعي وقد اشتهرت هذه الكلمة وارتبطت بحادثة تهجير أهل المدينه المنوره بالقوه خلال الحرب العالميه الاولى وقد تفرقوا بين مناطق الشام وتركيا وبعض مناطق الحجاز الأخرى وكلمة السفربرلك تركية وتعني “الحرب الأولى”، وسميت كذلك لأنها أول حرب شُنت بعد إزاحة السلطان عبد الحميد الثاني من قبل حزب الاتحاد والترقي على الرغم من الوضع المتردي آنذاك للدولة العثمانية، وقيل أيضاً أن معناها “الترحيل الجماعي” وكلمة سفر برلك اصبحت تطلق على كل حادثة مشابهة لخوض حرب مع إندلاع الحرب العالمية الأولى، تحالفت السلطة التركية الجديدة مع ألمانيا، في محاولة منها لإيقاف الانهيار المستمر لسلطتها في البلاد الخاضعة لها، والتي كانت هدفاً لأطماع الدول الكبرى السائدة آنذاك، وعلى وجه الخصوص بريطانيا وفرنسا، مما دفع بالسلطات التركية إلى خوض حرب ضروس مع هذه الدول، وتجنيد أعداد كبيرة من الجنود كانت غالبيتهم من شعوب الدول الخاضعة لسلطتها، وخاصة من البلاد العربية، فيما عرف لاحقاً بالسفر برلك، وذهبت أعداد كبيرة من شبان العرب إلى هذه الحرب، وكثير منهم لم يعودوا، ولم يعرف أحد أين ماتوا أو دفنوا وأيام السفر برلك جرت بين عام 1914م – 1918 م .وتمثل أيام السفر برلك وهي أيام الحرب العالمية الأولى إحدى أوجاع الإنسان العربي في المشرق العربي فقد قامت الدولة العثمانية بالتجنيد القسري لأهالي بلاد الشام والمدينة المنورة وتم مطاردة الفلاحين وأهل القطعان وحتى الصبيان الذين اقتربوا من سن الرشد، حيث تم إرسالهم للقتال في أوروبا بعد فشل الحرب في قناة السويس. مما سبب إهمالاً للزراعة وعناصر الحياة الضرورية، فانتشر الفقر والبؤس والجهل في المشرق العربي إن ذكرى أيام حرب السفر برلك والقصص المروعة خلالها طوال ثلاث سنوات مازالت راسخة في أذهان أهالي بلاد الشام والمدينة المنورة حتى الآن، فقد كانت القوات العثمانية تفتش القرى والمدن وترسل الشبان والرجال وحتى الشيوخ إلى أتون تلك الحرب فالذهاب إلى سفر برلك للقتال الى جانب الجيش التركي يعني غياباً بلا رجعة. هذا بالإضافة إلى أن العثمانيين قاموا بمصادرة المؤن من السكان لإطعام الجيش وفرضوا المزيد من الضرائب لتمويل تلك الحملة وما تزال ذاكرتنا تتذكر أحاديث الأجداد وكبار السن وكيف كانوا يتحدثون عن تلك الأيام السوداء والمجاعة والعذابات بكثير من الألم والحزن. ،

** قمع الحريات:

** التجهيل: 

** الفقر والمجاعة:

** استغلال موارد البلاد المسيطر عليها: 

*** 

•• ما علاقة الأغنية عند أهل بلاد الشام بالمقاومة؟. 

تاريخ بلاد الشام مشترك الهموم والآمال والطموحات، وجميع أقطاره عانت من الغزاة والمستعمرين قديما وحديثا. وأبغضها على الإطلاق الاستعمار الاستيطاني اليهودي. 

** لماذا كان يوثق الناس الأحداث السياسية القصيدة والأغنية؟  

منذ القديم و أيام العرب الأوائل كانت القبائل تحتفل بميلاد شاعر فيها.  وهو بمثابة وسيلة إعلامية متنقلة يفخر بقومه ومكارمهم وشجاعتهم. 


•• الاغنية تغنى في لبنان وسوريا وفلسطين ماذا يعني ذلك برأيك؟.   

الهم واحد. والمصير مشترك. 


** لماذا لجأ كاتب الاغنية للتورية والمجاز فبدت الأغنية وكأنها رومانسية؟. 

التّرمبز والتكنية هما من أساليب الشعر، وكثيرًا ما يلجأ الشاعر إليها أولا للابتعاد عن موضوع المباشرة التي تقلل من جماليّة القصيدة، وحتى لو فُسٍّرت على منحى. يأتي من من يقول: الكعنى قي قاب الشّاعر.


** من أشهر من غنى الأغنية؟

فيروز – صباح فخري – سناء الموسى – نسمة شماميان – 


** تحدث لنا عن تجار حلب ؟

حلب تعتبر العاصمة الاقتصادية في سرية حاليا. وقبل ذلك ففي حلب كانت معظم الوكالات الأجنبية تتركّز فيها منذ أيام الفرنسيين وقبلهم الأتراك. كما أن خط الشرق السريع كانت محطة انطلاقه من حلب لينتهي في البصرة، وموقع حلب الاستراتيجي جعل منها عقدة تلتقي فيها الطرق من الشمال والشرق والغرب لتلقي ونن ثم تنطلق في الاتجاهات الأخرى. وفي أيام الفرنسيين كانت حلب مقر الريجيه في حلب واللاذقية والادارة الرئيسية في بيروت.


** اليوم يفصل ما بين حلب وبيروت الحدود .. ما رأيك بذلك وماذا تتمنى أن يكون حالهم. 

بطبيعة الحال لم يكن يوما ما هناك حدود مشتركة ما بين بيروت وحلب، إلا من خلال سورية. ونحن شعب واحد في بلدين فرّقتنا السياسة، فمصيرنا واحد ومشترك ولا فكاك لنا من بعضنا مهما حاول الأعداء. 

 

**بعض مشاهدي الحلقة من عرب لا يفهمون لهجة بلاد الشام .. هل لك أن تفسر الكلمات بالفصحى؟. 


** عالروزنا عالروزنا كل الهنا فيها 

و إ يش عملت الروزنا الله يجازيها

** يا رايحين لحلب حبى معاكم راح

يا محملين العنب تحت العنب تفاح

** كل من وليفه معه وانا وليفي راح

يا رب نسمة هوا ترد الولف لي

** لاطلع ع راس الجبل و اشرف ع الوادى 

و أقول يا مرحبا نسم هوا بلادى

** يارب يغيب القمر واقضي انا مرادى

و تكون ليلة عتم والسرج مطفية.


قراءة على لوحة عنان محروس

 إضاءة على لوحة (النجمة)

للفنان التشكيلي عماد المقداد


بقلم الروائي – محمد فتحي المقداد


للألوان واستخداماتها فلسفتها الخاصّة عند معظم الفنّانين التشيكليّين، لتشكيل ثقافة بصريّة لدى المتلقّي، ولإحداث صدمتة الدّاهشة من النظرة الأولى، آخِذةً به إلى عوالم بعيدة عن الواقع ساحرة بأفكارها؛ في محاولة لجرّه إلى رحاب اللّوحة؛ ليكون جزءًا من نسيجها وبُنيتها، وهي تكتسب شرعيّتها وألقها من فرط إعجابه، فتتكرّس في ذهنه بأنّها باهرة خالدة.

وعند عماد المقداد يتخّذ اللّون البنّي وتدرّجاته الترابيّة رؤية عميقة لبدء الخلق ونهايتهم، فمن أديم هذه الأرض نبتت هذه الأجساد، وإليها تعود لتفنى ملامحها الماديّة وهي تتّحلّل وتتفسّخ لتعود ترابًا وفق ترتيباته ذرّات صغيرة لا تكاد بعضها تُرى بالعين المجرّدة.

فكانت لوحة (النّجمة) مُتدرّجة بألوانها تقاربًا ما بين البُنيّ العديدة والأسود والأبيض. يتجلى الكون هنا بليله ونهاره، وهما يتعاقبان على أرضه العامرة بالإنسان ضمن نواميس أزليّة لا تحيد عن مُهمّتها التي خُلقت من أجلها لاستدامة الحياة عليها.

وتشكيلات خطوطها الأبرز هي: دائرة تتوسّط أعلى اللّوحة وفيها يتجلّى وجه كالقمر في ليلة بدره, لون العينان الأزرق بصغر حجم العين فقد احتلّ مساحة أزرق الكون أجمع (السماء و البحر)، وكأن الفنّان يرسم تشابيه علم البديع باللّون؛ فلم يكن للسماء والبحر وجود في اللوحة، بل استعاض عنهما بلون العينيّن.. ونُقاط بلا حروف كمرتكزات بنائيّة لفكرة الهجائية باحتوائها العلوم كافّة.. يا لها من ذاكرة مُستوطنة دواخل الفنّان عماد في لا وعيه..!!

والدائرة تشي في الأذن بأنها قرص الشمس، والقمر، بل الأشمل والأوضح بأنّها الكرة الأرضيّة تسبح في مداراتها الأشكال الهندسيّة المربّعات والمستطيلات والمثلثات وخطوط مستقيمة ومتوازية، وهناك أشكال موميائيّة متحجّرة على ذاتها، كأنّها مهمومة بوجودها القسري على وجه التراب أو تحته، والحاجة الأوضح هي ما يتّضح في أماكن من اللّوحة على أنّها خلايا النحل المعروف بجديّته في الحياة ضمن تجمّعات تكوينيّة دالّة على الجد والأمل والتفاؤل. وهي صفات الروائية عنان محروس المتأرجحة بين الجد والبساطة في حياتها.

فضاءات اللوحة كثيرة ربّما وصل للمتأمّل مثلي بعض ما أرادت أن يصل لي، وخفي عن إدراكي لما استعصى فيما وراء فكرتها، أدركتُ بعضًا من فضاء، وضاعت منّي عقدت فضاءات.

ملاحظة : (لوحة النجمة قدمها الفنان عماد المقداد للروائيّة عنان محروس في حفل إشهار روايتها خُلق إنسانًا في مركز الحسن الثقافي في مدينة عمّان ــا 30/3/ 2019)


قراءة على رواية الباترا

 


قراءة الرمز والأسطورة في رواية (الباترا – مخاوي الطير)

للروائي السوداني (جمال الدين علي الحاج) 


بقلم الروائي محمد فتحي المقداد


   ما بين كنداكة النيل وابن المقفع مسافة رواية اختصرت الزمان بصفحات قالت الكثير، وسكتت عن الكثير، وما بان منها رسم المشاهد الخفيّة فيما بين طيّاتها، وواضحًا جليًّا فيما بين السّطور. ما حدا بي الذهاب في هذا المنحى، هو الكلام الكثير الذي جرى على لسان الحيوانات، وهو أسلوب  التورية، يلجأ إليه الكتّاب والمفكّرون خاصّة في ظروف الخوف على الحياة من الظلم الأعمى، الذي لا يرحم شيخًا طاعنًا، ولا امرأة، ولا طفلًا.

   تنطيق الحيوانات على الورق ليس مستحيلًا، لأنّه مجال فسيح لانطلاق مخيال الكاتب بلا حدود، فيما بين المعقول واللامعقول، لايصال رسالته الفكريّة والإصلاحيّة للفت أنظار مجتمعه لسوء يمشي بين ظهرانيهم، أو لخير بتوجيه أنظارهم إليه، أو تجديفًا معاديًا للقيم الاجتماعيّةِ والدينيّة، بما يمثّله من طابور فكري خامس.

   بينما زمن المعجزات ولّى مع الأنبياء والرّسُل، ولغة الطير كانت لسيّدنا سليمان عليه السلام: (وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ۖ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ ۖ إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ) سورة النمل 16. ومن ذلك ما جرى في رواية (الباترا) من سيرة الفتى الذي أطلقوا عليه لقب واسم (الباترا)، وكان معاقًا حركيّا ومصاب بحالة توحّد، ولسان ثقيل النّطق بالكلام، مع دمامة الخَلقة. هكذا جاء وصفه في الرواية.

   ولكي تكون هذه الشخصيّة التي بناها الروائي (جمال الدين) دراميٍّة مُقنعة للقارئ ضمن تسلسل النسيج الروائي، نسب إليه الذكاء الفطري؛ فقد حفظ القرآن بالقراءات السبع سماعيًا من الأولاد المداومين في حلقات الشيخ الذي تبنّاه. كما اتّضح اكتسابه للعلوم التاريخيّة وغيرها من المعارف لدُنيًا، كأنّ الله صبها في جوفه ككتلة معلوماتيْة تراكميّة، دون أن يفهم منها (الباترا) شيئًا من تفصيلاتها، ولا مآلاتها العلميّة بعديد طرائقها.

   ونظرًا للأفق السرديّ الواسع بتشّعباته عند الكاتب (جمال الدين)؛ فقد صرف لشخصيّة بطل روايته (الباترا) ثيمة الحكمة التي تعلّمها من الطير، خاصّة طائر (البومة – الحدأة،  وهو نذير الشؤم المعروف، ففي المثل الشعبيّ يُقال: (اِلْلحَق البومة؛ تدُلّك على الخراب)، فهو يعيش في المناطق المهجورة، وهو كائن ليلي نائم نهارًا على الأغلب، وفي الرواية كان حكيمًا خلاف المعتاد والراسخ في المخيال الشعبيّ عنه، بينما بقيت سمة طائر الغراب الشؤومة والغدر.

   تسلسل بناء شخصيّة البطل (الباترا) جاء مُتساوقًا مع البناء الطبيعي للقاعدة التي قام عليها السرد، بتدفّق منطقيّ، كل حلقة تقود القارئ وتسلمه للأخرى بأمان واطمئنان، إلى أنه لن يغادر الرواية تشتّتًا ومللًا، وللتدليل على تعميق مفهوم ذلك وتجذيره في الرواية؛ فقد ابتكر ثيمة أخرى للعنوان الرئيس (مخاوي الطير)، وكأنّ الكانب يريد إقناعنا بحالة التوحّد الفريدة لبطله المُبتكر إِبداعيَّا من خلال تكريس فكرة المؤاخاة مع الطير، وتطابق شخصيّة البطل مع الطبيعة الجامدة بعين الآخرين، بينما البطل الذي انصرف عنه البشر كراهة ونبذًا؛ لذنْب لم يك له يدًا فيه؛ فقد فتح الأفق الكونيّ له؛ لتعويضه عمّا فتته من صدر أمّه وعطف أبيه؛ ليكون طفلًا سويًا مثيلًا لأقرانه، فأراد تعويض النقص عنده في هذا الفيض برمزيّه وأساطيره، الخارجة عن نطاق المعقول.

   ميّزة الكتابة الإبداعيّة أن تخرج من ثوب المألوف والمعتاد، إلى رحاب أوسع حتى تستطيع بوصفها إبداعية، فالأفكار المتشابهة في موضوعاتها المعهودة بنمطيّتها لا تصنع نصًّا مميّزًا متقدّمًا عمّا سواه، ربّما تنصب أعواد المشانق للكاتب كما حالة رواية (الباترا)، وتقديمه قربانًا من أجل من تأخر فهمه عن مرامي النصّ البعيدة والقريبة، أو حسد حاسد مُبغض. 

***  

   وللجغرافيا منطقها الدكتاتوري في صناعة التاريخ؛ فقد صعّد الكاتب حدّة الصّراع الاجتماعيّ إلى الذروة، من خلال قطبي الرواية (الباترا + العمدة)، الباترا تمثيل للأغلبيّة من البشر الذين لم يكونوا في نظر ذوي النّفوذ والجاه، إلّا أدوات وأعداد للإحصاء، وجنودًا يُساقون إلى ساحات النزاعات للحكّام والوجهاء، وعمدة القرية هو للوجه البغيض للسلطة المركزية في العاصمة، وفي الولاية، وهو مُتقلّب سياسيّا بطريقة انتهازيّة لتسويق مصالحة؛ فموقفه ثابت ودائم مع الأقوى، ومن هو في سدّة الحكم.

   ففي ذروة احتدام الحدث السردي، يتأجّج الصّراع ما بين القديم والحديث، بين التاريخ والواقع الحالي، بين مملكة كوش العريقة، وقضيّة السدّ المنوي إقامته في المنطقة، فهو كما السدود في الأقطار الأخرى، كالسدّ العالي في مصر، وسدّ الفرات في سورية، جميعها غمرت مناطق جغرافية ذات إرث حضاري وتاريخيّ، ومحت تاريخ وذكريات شعوب تلك المناطق، وفي هذا الصدد كتب الروائي السوري (د. عبدالسلام العجيلي) رحمه الله روايته (المغمورون)، عالجت هذه القضيّة الإنسانيّة الكبيرة، وتتساوق مع رواية (الباترا) في هذه الجزئية الهامّة.

   الكنداكة تتماثل مع نساء القرية، والعمدة بجبروته وبطشة وقوة شكيمته، يريد إغواء الجماهير في قبول إنشاء السدّ تماشيًا مع رغبات مخططي الدولة المستفيدين الفاسدين المستغلين لموارد البلاد، وهي رؤية الكاتب الواعية والتنبيه لحفظ التراث الإنساني، مقابل مشاريع لا تدرّ مردودًا ذا فائدة تذكر على المكان، الذي يفتقر لأبسط قواعد العيش الكريم والخدمات.

   بذكاء  أيقظ الروائي شخصية (حميدة) ابن أخ العمدة الثائرة للدفاع عن القرية، الأمر الذي أغصب العمدة، وبمهارة الكاتب استطاع عرض المادة التاريخيّة الجافّة بسلاسة، من خلال النسيج السردي للرواية، بطريقة مُشوّقة، من خلال التسجيل الذي قامت به الباحثة الأجنبية (سارا) واعتمدت على معلومات حصلت عليها من (الباترا)، وبسقوط العمدة صريعًا، يعادل في الانقلاب العسكري الإنقاذي، والذي انقلب معه العمدة على العهد البائد. (حميدة) شخصية ثائرة واعية جريئة، تكلمت بلسان الجماهير، الأقرب في سلوكها لسلوك القطيع.

 

*** 

   للمتتبع تفاصيل رواية (الباترا)، لا بد له من التوقف منذ الصفحات الأولى على رمزية شخصيتين قام عليهما بناء الرواية السردي (العمدة والباترا)؛ وبالتحليل لهما تتبيّن رسالة الرواية بجلاء، وتصنيفها بأنها وثيقة اجتماعية، سجّلت يصدق فطريّ الحياة الاجتماعية في قرية (مرو) الصغيرة في مجاهل أرياف السودان المترامية الأطراف، وتباعد جغرافيّ مهول، وتراخي سلطة الدولة؛ والعمدة الإقطاعي والوجيه الاجتماعي، يمثّل الوجه البغيض للنظام وأزلامه، حينما يتجاوزن على حقوق البشر، يحرقون الدستور والقانون، ولا أحد يسائلهم، فالعمدة اغتصب البنت التي رمز لها الكاتب باسم (دولة)، المزاوجة في تركيب، وتشكيل المفاهيم لدى القارئ، كانت حرفة الكاتب (جمال الدين) في خدعة لتوريط القارئ في النص الروائي، وليجعل منه جزءًا سرديًّا يدافع عن فكرة الكاتب. 

   أما الشخصيّة الإشكالية الأخرى (الباترا)، لا أدري ما الذي قادني إلى القصص القرآني، وفي قصة سيدنا موسى عليه السلام، كيف قذفته أمه في البحر بعدما وضعته في صندوق، فعلت ذلك مخالفة دافع الأمومة، ولم يكن ذلك إلا وحيًا إلاهيًا؛ لتنجية موسى، ولتكون الفرعون على يدي هذا الطفل، الذي تكلؤه عين العناية الربانيّة وهو النبي المنتظر، رغم تربيته في بيت الفرعون. 

   وهذا (الباترا) الذي تشابهت حالته مع سيدنا موسى، مع اختلاف بشريته وهو الطفل المجهول النسب وقد ربّاه شيخ الجامع العقيم، أمّه (الدولة) المغتصبة من العمدة المتغطرس، لم تحتمل العيش، إلا بالهروب إلى المجهول؛ للنجاة من العار. وهي تتأمّل وجه طفلها بقلب الأمّ، ودموعها تحكي لها أن لا ترى وجهه ثانية، ولن يبتسم لها. والعامل المشترك ما بين الباترا وسيدنا موسى عليه السلام، هو بداية نهج جديد ذ، وحياة جديدة في إنهاء الفرعون والعمدة. 

   الديكتاتوريات إشكالية جماعية، شرقية الميزات والمواصفات، تتّحد تغوّلًا على حقوق الإنسان، ولا تستطيع هذه الدكتاتوريات إخفاء معالمها وإن تلفّعت بملاءة قومية أو دينية أو حزبية أممية، فهي تتشارك النهج القمعي للحريّات العامّة، وحالات الطوارئ العامّة وقوانين الأحكام العرفيّة تحت ذرائع شتّى لا مبرّر لها، سوى تنويم القوانين في متاحف النسيان، وغياب المساءلة، واغتصاب ونهب ثروات دولهم وشعوبهم. بهذا تكون اتّضحت رسالة رواية (الباترا) في مقاومة الظلم، من خلال رسمها للوحة فسيفسائيّة للمجتمع السوداني، تتمائل في نهجها مع العديد مع الكتابات الروائيّة التي سارت في هذا ابمنحى على السّاحة العربية عمومًا، وغير العربيّة. 


عمّان – الأردنّ

16/ 8/ 2020


وثوقية الرؤية عند القاص محمد فالح الصمادي

 وُثُوقيّة الرؤية عند القاص

محمد فالح الصّمادي (نشرت في كتابه هو الذي يرى =صدر ٢٠٢٠) 

بقلم الروائي محمد فتحي المقداد

   ليس من السهل على أيّ شخص دخول عالم الأدب والثقافة، إذا لم يكن يتمتّع بموهبته الفطريّة التي تُحدّد مساره؛ لتثبيت قدميْه في ساحة مليئة بالمنافسين بقوّة، والموهبة تحتاج لتدريب وصقل من خلال التجريب والتمرين، بعد استكمال أدوات وتقنيّات القصّ كما عند (محمد الصمادي)، من خلال القراءات الواعية المُستمّرة، واستخلاص الأساليب لكلّ كاتب، وهذا ميدان واسع برؤًى مُتقاربةٍ مُتباعدةٍ في آن واحدٍ معًا.    

   للمُتتبّع لمسيرة الأديب والقاص (محمد الصّمادي) يلحظ بشكلٍ جَلِيٍّ موهبته الأدبيّة من خلال نصوصه القصصيّة؛ ففي مجموعته الأولى (حنين وسبعٌ أخريات)، التي يتجلّى فيها البُعد الوطنيّ والقوميّ العربيّ، إحساسًا منه بالمسؤوليّة المُلقاة على عاتقه ككاتب صاحب رسالة، بأبعادها السياسيّة والاجتماعيّة والثقافيّة، وتبايناتها فيما بين أقطار وربوع الوطن العربيّ ما بين شرقه وغربه، ولم يخرج عن ثوابته القِيميّة، ولم يُجدّف ضدّ التيّار ساعيًا، وطالبًا لشّهرة مُزيّفة. بل لم يستطع إلّا إبراز أحزانه المُستكنّة في دواخله على حال الأمّة الممزّقة تقسيمًا، وإرثها الروحيّ وثالث الحرميْن بيد اليهود شُذّاذ الآفاق، مغتصبي الأرض والعِرْض.

   ولم تكن قصصه إلّا من الواقع الثريّ بمادّة تُمكّن الكاتب الحاذق مثل (محمد الصمادي) من اقتناص الأفكار، ومحاولة معالجتها بطريقة الأديب القاصّ الماهر المُتمكّن من أدواته؛ فمن وحي وظيفته جاء بعنوان (المدير)، وجاءت المجموعة كذلك بعنوانات لافتة للقارئ كـ(الرحلة إلى الموت) و(على سرير الشفاء) و(فرح) و(لا شيء يدوم لي) وهي مليئة بالحزن والشّجن من خلال دلالات الألفاظ على هذه الموضوعة، التي ربّما تكون متلازمة واضحة المعالم في مجموعته القصصيّة. 

   ولا بدّ للقارئ من الخوض في أعماق نصوص محمد الصّمادي التي جرّب فيها العديد من تقنيّات القصّ، وأضفى عليها تجربته الذاتيّة ليُشكّل ملمحًا أدبيًّا خاصًّا به جديرًا لتتبّعه من الدّارسين والنّقاد لتأطير رؤيته وتجربته، واستخلاص ملامح شخصيّته الهادئة والثائرة، وهذه الإشكاليّة لا تكتمل إلّا بمن اقترب منه، مُستقرئًا خلفيّته البيئيّة في قرى جبال عجلون، ليعلم مدى صلابته الداخليّة، وللجغرافيا أن تفرض دكتاتوريّتها على محيطها؛ لتخلق تاريخًا على شاكلتها من صُنع ناسها.    

 وبالانتقال  إلى الجانب الإبداعيّ الآخر عند (محمد الصّمادي)، جانب الفنّان فلا أدلّ على ذلك، إلّا كالماء المنبثق من بين صخور (عجلون) الصّمّاء؛ ليُشكلّ حالة فريدة في مجال الفنّ (الفوتوغرافي)، وهو يجوب بكاميراته كافّة الأصعدة الثقافيّة توثيقًا، ليصبح المرجع الأوّل على السّاحة؛ لمتابعته الحثيثة لكافّة النّشاطات الكثيرة في إربد وعجلون على الأخصّ، وكلّل هذا الجهد إعلاميّا من خلال موقعه الأدبيّ (مجلّة ألوان للثقافة والفنون)، لاستيعاب هذا الجوّ المليء الأفكار، ويتّخذ منه نافذة للإطلال منها على السّاحة الثقافيّة العربيّة والعالميّة، وإيصال صوت مجتمعه إلى العالم الخارجيّ. 

بالتوقّف أمام نص (ق.ق.ج) لـ(محمد الصّمادي)، لتتأكّد بجلاء موهبته الفنيّة المُنضافة للأدبيّة بتزاوجيّة فريدة: (عندما سأل المراسلُ الحربيُّ في جبهة القتال الجنديّ: كيف تُدافع عن وطنك؟ أطلق عليه الرّصاص). إشارة للمراسل الحربيّ الموصل لصوت الجنديّ إلى العالم، وهو لا يقلّ أهميّة عن الجنديّ الحامل لسلاحه ويقاتل، فالمُصوّر الحربيّ مُقاتل بعدسته، لإبراز الانتصارات، ورفع المعنويّات للمقاتل المعزول عن حياته المدنيّة دفاعًا عن وطنه وأهله. 

   وتقنين صورة المراسل الحربيّ في نص إبداعيّ، تكريس لبهاء ونقاء وأهميّة هذه الصّورة في الأدب، كما انتقال (محمد الصمادي) يصول ويجول بين السّاحات الثقافيّة العديدة، كما هذا المُحارب يخوض المعارك في توثيق الوجوه بنظرة موضوعيّة ثاقبة، تستحقّ كلّ الاحترام والانتباه لهذا البنك الضّخم المُحتوي على أرشيف ضخم امتدّ بتغطيته على مدار سنوات عديدة، استهلكت حياته ووقته وجهده بلا كلل ولا مللٍ، عن طيب نفس وخاطر ورضا داخليّ. 

   لكنّي كأديب أنتهز هذه الفُرصة؛ لأتأسّف على سرقة أديبنا محمد الصّمادي من ساحة القصّة المُقلّ أدبيًا فيها، الكاميرا أخذته بعيدًا بعيدًا، لتظهر مواهبه في احترافيّته إلى عالم التصوير الضوئيّ، كهواية بدّدت الكثير من مواهبه وأفكاره في الكتابة، وهذا مما كان لا يتمنّاه أحدٌ من الأدباء المُخلصين لأدبهم بأن ينسرق من صفوفهم. 

   لكنّ في النّهاية فإن التّشكيل البصريّ، وتجسيم الصّورة للقطة مسروقة من عالم مضى، وأصبح في دوائر النّسيان، فإنّها تُعيده من جديد طازجًا بنكهة الماضي. (إنّه هو يرى)، أردّدُ عنوان هذا الكتاب الذي احتوى على مجمل من رأوا تجربة محمد الصّمادي، وقد كافؤوه بتوثيق مسيرته، كما وثّقهم، ولم تَطْوِهم سِجّلات النّسيان بتقادم الزّمان عليها، مثلما كذلك لن يُنسى أديبنا الجميل محمد الصّمادي بما كتبوا عنه، وشاركتهم في ذلك تقدمة إكبار وإجلال لجهوده الحثيثة التي طالتني بعضًا منها فيما سبق وقبل سنوات. 

إربد – الأردنّ

ــا 24\ 7\ 2020



تأملات في الأيادي(2ن

 تأملات (2).. في الأيادي


بقلم(محمد فتحي المقداد)* 


تعتبر الأيادي هي أداة الفعل الإيجابي و السلبي في الحياة على حد السواء، وهي الحانية التي تمسح الآلام، و الأحزان عن القلوب، وأخرى تزرع الخراب، والدمار، والأحقاد، حينما تنبش الأسى من مكامنه.  

الأيادي البيضاء لها السّبْق في المبادرة إلى دروب الخير، بفيْض عطائها، لتجدد الأمل في القلوب الظامئة.

الأيادي السّود، الملوثة بمشاريع قاهرة، غارقة في وَحْلِ المؤامرات، فنسجت، وحبكت خيوطها في عتمة الليالي بعيدًا عن الأنظار، لتعيث فسادًا في الكون على كلّ المستويات، فتنعكس آثاره على العباد لاحقًا أم آجلًا. 

الأيادي المتوضئة، تطّهرت من أوطار الحياة، ونفضت عنها الأرجاس و الآثام، وامتدّت لنثر الخير، فسكبت السكينة و الطمأنينة على الأرواح لتسكن في أمان من غوائل الدهر، وفي الليل ترتفع لتمسح دموع الضراعة، و الخوف من الله، نهارًا تفتح أبوابها، وتشرعها للعابرين إلى رحابها، تمتد لتعطي. 

الأيادي الأثمة، الأثيمة، المُؤثّمَة، تُلوّح من بعيد بخناجرها المسمومة، تطعن بها في الظّهْر، و في الخاصرة في غفلة من عيونٍ، غَفَتْ في سبيل استراحةٍ، ولو لبرهة. 

الأيادي الحائرة فيما، بين ..و.. بين، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، أيادٍ أقّل صفة لها أنها منافقة، أقلامها مأجورة للأقوى، تُلوّح بعصاه، وتُصفّق له، تخطّ مصائر البُسطاء بقسوة، وبلا رحمة، فقد باعت ضميرها المتكلّس بأبخس الأثمان، تصطف بتوافق عجيب من الباطل جهارًا نهارًا، بلا حياد، أو وقوف على مسافة واحدة من الفرقاء، وقاعدتها الدافعة لرؤيتها الميكافيليّة، "أن الغاية تُبرر الوسيلة". 

أيادي الحقّ تعلن على الملأ بلا خوف أو وَجَلٍ، أنها نصيرة المظلومين، شعارها رفع الظلم عنهم، ومقاومته بشتى السبل المتاحة، خيارها صعبٌ مليء بالعقبات الكأداء، وستصرف جهدها، وربما تستنفذ كل زَخَمها قبل أن تصنع شيئًا ملموسًا، بينما تأتلف ضدّها كلّ الأيادي الشريرة؛ لتكريس حالة الظلم والظلام.  

أيادي العَسَس، أيادٍ مخيفة، تنشر الرّعب و الخوف في كلّ مكان تحلّ فيه، لها آذان كبيرة، تتسمّع فيها همسات الهامسين، وتفهم كلام البُكم على أنه احتجاج ضدّها، تُسكتُ الأصوات، وتزجّ بأصحابها خلف القضبان وراء الأسوار، وتحرك الستارة من الخلف، والأحجار على رقعة الشطرنج، عيونهم تدور في رؤوسهم على مدار السّاعة، يتلصصون على دقائق الأمور الخاصة و العامة، باسم القانون ينفذون أعمالهم.

الأيادي ميّزتها العظمى أصابعها، فإذا ما ارتفعت السَّبابة وحدها بمحاذاة الوجه فتكون علامة تحذير من أمر ما، والإبهام إذا ما أطلق للأعلى، والكفً مضمومة على شكل قبضة، فإنه يكون علامة إعجاب، و الوسطى إذا ما نتأت واقفة بحركات إيمائية، والكف مبسوطة، وممدودة للأمام علامة وسخة يُشار بها لشخص ما لإغاظته، وإذا ما اجتمعت الكفّ مضمومة؛ فتشكل قبضة تتهيأ للضرب و المقاومة، وإذا  ما اجتمعت رؤوس الأصابع لتتشكّل بشكل أجاصة فإنها تُحذّر وتتوعد. 

والفرق شاسع ما بين اليد التي تمتد للسلام على الآخرين، وتحمل غصن الزيتون تُلوّح به، وبين اليد التي تضغط على الزناد لتُسيح الدماء، وتسفح أرواح الأبرياء, و "اليد العليا خير من اليد الدنيا"، و" يد الله فوق أيديهم ".   


عمّان - الأردن

22 \8 \ 2016