سين – جيم
أغنية عالروزانا
« مقابلة مع قناة الغد العربي / 18*12/2018»
** ما هي قصة الأغنية؟.
الرواية الأولى:
تقول حكاية الأغنية انه في أيام الاستعمار العثماني أرسلت تركيا باخرة إلى بيروت تحوي جميع انواع المواد الغذائية وتم بيعها بسعر رخيص وزهيد جداً للمضاربة على تجار بيروت والحاق الضرر بهم وليكون اهناك كساد للبضاعة . وهذا ماحصل فعلاً وتكدست البضائع اللبنانية وكادت تتلف فما كان من تجار حلب إلا ان اشتروا البضاعة من تجار بيروت وأنقذوهم من الافلاس، وتم نقل التفاح الى خلب مهربا وتم اخفاؤه تحت العنب ، لأن الدولة العثمانية حظرت نقل ذلك التفاع خارج بيروت ، وعادت الباخرة إلى تركيا خائبة وفشلت في تحقيق هدفها.
تدقبق هذه الرواية:
1- روزانا اسم أوربي، فلا هو عربي و لا عثماني.
2- إذا كان هناك قرار عثماني بإغراق الأسواق اللبنانيّة بالبضائع والمواد الغذائيّة، كان المفروض أن تكون السفينة تركية.
3- ثمّ من يستطيع القيام بأن يشتري حمولة سفينة كاملة ويرسلها إلى لبنان لإغراق أسواقها، ويتحمّل كافّة مصاريف الشحن، وأثمان البضاعة ليبيعها يسعر مُغرٍ.
4- إذا كان الهدف السيطرة من ذلك السيطرة على أسواق لبنان. فهو في الواقع كله كله تحت السيطرة والحكم العثماني.
5- فيما نستطيع قبول واقعة تصدير التّفاح من لبنان إلى حلب، فلا غرابة في ذلك وهو طبيعي للغاية لأن الشام وحلب هما الرئتان الذي يحتاجهما لبنان على مدار التاريخ لضمان بقائه واستمراره، وهما شريان الحياة له. أما لماذا ركّزت الأغنية على أن التّفاح موضوع تحت العنب، لما يتحمله التّفاح بقساوته خلاف العنب
الذي لا يحتمل هذه المسافات الطويلة في السفر الذي كان على الوسائل البدائية من الحمير والبغال والخيول.
***
الرواية الثانية:
مرت بلاد الشام بموسم زراعي صعب نتيجة الجراد وشح الامطار فظهر شح بمادة القمح، ولأن بيروت كانت منطقة تتمتع بنظام خاص من الحكم الذاتي بالاتفاق مع الدولة العثمانية كان يسمح لهم بالاستيراد، فاستوردوا القمح من إيطاليا لانقاذ المنطقة من المجاعة.. فكانت قصة سفينة الروزانا الايطالية التي وصلت حاملة القمح .. الا انه ومع تحول إيطاليا إلى صف الحلفاء في الحرب بعد أن كانت حيادية .. مُنعت سفينة القمح من افراغ حمولتها .. وكان من المفترض ان يتم الدفع مقابل القمح المستورد بشحنة من التفاح تصدر الى اوروبا، الا انه وبسبب المنع بارت بضاعة تجار بيروت من التفاح .. فما كان من تجار حلب الا ان اخذوا ذلك التفاح الذي تم تهريبه الى حلب بعد تخبئته تحت العنب. وتم تسويق العنب وبيعه ، فأنقذوا بذلك تجار بيروت من الافلاس.
تدقيق هذه الرواية:
1- هذه الرواية كانت أيام الحرب العالمية الأولى في العام1915 على الأرجح، وكان حصار دول الحلفاء على الدولة العثمانيّة على اعتبار أنها تناصر دول المحور (ألمانيا – إيطاليا) من الطبيعي أن يكون الحصار لمنع وصول السفن والبواخر إلى أي ميناء عثماني.
2- منع باخرة القمح الايطالية روزانا كان من دول الحلفاء.
3- من المؤكّد أن تجّار بيروت كانوا يهيئون بضائعهم لتصديرها إلى الدول الأوربية بتحميلها على متن الباخرة الايطاليّة روزانا. ولما لم لتصل ميناء بيروت بفعل ظروف الحرب، لم يحتملوا كساد بضائعهم وفسادها، فتوجّهوا إلى العمق الاستراتيجي لهم في الشام وحلب.
4- كذلك بقية ولايات الدولة العثمانية واجهت نفس المشكلة، كما أنّ العاصمة استانبول كانت تعاني خلال هذه الفترة في توفير المواد التموينية. من المستحيل في مثل هذه الظروف لن نجد أية جهة تسعى لشراء بضائع بأسعار حقيقية لبيعها في لبنان بأسعار رمزية لإغراق السوق وضرب الاقتصاد.
5- حتى سوق لبنان فيه شحّ في هذه المواد فكيف يكون إغراقه بزيادة عرض البضائع بأسعار أقل من السائدة.
6- هذه الواقعة كانت أحد الأسباب الكافية وراء قيام الانتداب الفرنسيّ بتشكيل دولة لبنان الكبير من متصرفية جبل لبنان والمدن الساحليّة، مع ضمّ أربعة أقضية غنيّة زراعيّا كانت تابعة لولاية دمشق. لتأمين الحياة للبنان الكبير كدولة مستقلّة.
7- هذا التوسع والضمّ كان لجعل لبنان دولة متعدّدة الأعراق مع السيطرة الكاملة لحلفاء فرنسا بالسيطرة السياسية.
8- من المعلوم بما لا بدع مجالًا للشكّ أن التجّار هذا موسمهم. يشترون بأسعار زهيدة ليحققوا هوامش أرباح كبيرة في مثل هذه الظروف العصيبة وهؤلاء هم من يطلق عليهم تجّار أو أثرياء الحروب. لأن هدف التجارة أولًا وأخيرًا المال.
***
هناك روايات أخرى ايضاً هل ممكن أن تذكرها لنا؟.
** أنا أصنّف هذه الأغنية بأنها (أغنية للتاريخ)، عندما كتبتها في كتابي مقالات ملفقة ج1 تحت نفس العنوان، فهي تحكي عن حقبة الاستعمار الفرنسي ّ لسورية ولبنان، ففي إبان الثلاثينيات من القرن الماضي حصلت انتفاضة في بيروت على ممارسات الاستعمار، وجاءت الأغنية من تأليف (إلياس سابا) لتخلد هذا الحدث التاريخي بمحاكاة رائعة. فعندما تشدو فيروز وتقول: (عالروزانا .. عالروزانا)، والروزانا هي فرقاطة حربيّة في الأسطول الفرنسي، كانت ترابط قبالة ميناء بيروت في البحر المتوسط.
وحين تقول: (كلّ الهنا فيها) كان الفقراء في بيروت وغيرهم يذهبون للميناء فيعطيهم الجنود مما يفيض عن حاجتهم من الطعام. لأنه في هذه الفترة كانت ظروف الجفاف وانحباس المطر والقحط، هي ألجأت الناس بالوصول لهذه الحالة.
وحين تقول فيروز: (وش عملت الروزانا.. الله يجازيها)،نعم الله يجازيها على ما فعلت في بيروت من قصف للمدنيين الآمنين العُزّل بمدافعها وقنابلها وحممها الغاضبة الهمجية.
هنا ..ونيجة لما حصل فرض الحصار على بيروت ومنعوا تصدير المنتجات من بيروت للعالم الخارجي، فاتجه التجار لعمقهم التاريخي. فقالت: (يا رايحين عاحلب حبّي معاكم راح.. يا محمّلين العنب تحت العنب تفاح). وبذلك أنقذوا محاصيلهم من الكساد والبوار ببعيها في أسواق الشام وحلب.
***
** هناك رواية تقول بأن كاتب هذه الأغنية هو (المُلّا عثمان الموصللي 1864-1923). على أساس أن الروزانا معروفة في العراق باسم (الرّازونة)، وهي فتحة صغيرة في الجداران فيما بين البيوت العربية، تستخدم للتحدث بين النساء والبنات والجيران، ولمناولة بعض الأشياء والأغراض باختصار المسافة عليهم. ومن ذهب في مذهب هذه الرواية لإثباتها بأن الأغنية أساسها عراقي.
بالتدقيق نجد:
1- أن التفاح و العنب ليسا من منتجات العراق الزراعية القابلة للتصدير.
2- كما أن حلب بعيدة نسبيًّا بمسافات شاسعة.
3- منطقة حلب غنية بإنتاج هذه المواد الزراعية، وإذا احتاجت شيئًا منها من الممكن استيراده من اللاذقية أو لبنان.
***
ملاحظة هامّة:
كلمة (روزنة) كلمة معروفة في بلاد الشام وهي الكوّة في السقف، هاصة في بيوت الفلاحين. بقصد إخراج الدخان المتصاعد من المواقد ومدافئ الحطب في غرف سكناهم. وفي مستودعات الحبوب والتبن لافراغ المحاصيل من خلالها. ويقال بأن الروزنة كلمة فارسية مُعرّبة. وتعني (النور ، الضياء). وتحولت في أعراف بلاد الشام، لتصبح النافذة الصغيرة أو الكوّة في الجدار أو السقف تسمح للنور والضياء بالدخول لأنها نافذة بالاتجاهين الداخلي والخارجي.
وفي القاموس وردت على أنها الكوّة غير النافذة في الجدار أو الحائط أو في صخرة فتكون معروفة باسم (الجُرُن). وفوائدها للتهوية وطرد الدخان من الغرف والمغاور المغلقة، وإدخال النّور والضوء.
***
-لماذا تعددت روايات الأغنية برأيك؟.
إن ارتباط الشعوب وجدانيًّا بقضاياهم المصيرية جعلهم على صلة وثيقة بحوادثها معتمدين على ذاكرتهم بحيث صار تراثًا يتناقلونه شفاهيًّا، وفي كل يزاد فيه وينقص منه، ففي كلّ مرّة تتحوّل الحادثة لرواية جديدة، يحفظها من سمعها ويرويها للآخرين كما سمعها. من هنا جاء تعدّد الروايات، ولأن لم يكن هناك توثيقًا مكتوبًا لها في حينها حتى يكون مرجعًا معتمدًا. لكن الأغنية مؤكّد أنّها كانت في حالة لبنان ولا خلاف في ذلك أبدًا.
***
(ما المعاناة التي كان يلقاها أهل بلاد الشام وتحديدا لبنان وسوريا من العثماني؟).
بداية النقطة المهمة هو دخول الدولة العثمانية الحرب العالمية الأولى. وكان يحكم الدولة العثمانية حزب الاتحاد والترقي.
** الضرائب:
الحرب كارثة تتوالد عنها كوارث على كل المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ومع دخول الدولة العثمانية الحرب العالمية الأولى، احتاجت للأموال لشراء الأسلحة والدعم اللوجستيّ لجيوشها التي تحارب على جبهات عديدة فرضت العديد من الضرائب المرهقة للشعب بشكل عام، خاصة الولايات العربية التي تعتمد في اقتصادها على الزراعة، التي ضعف إنتاجها من خلال اهمالها بسبب نقص الأيد العاملة من الرجال والشباب عندما سيقوا الى ساحات الحروب.
** سياسة التتريك:
لضعف الانتاج الصناعي في عاصمة الدولة اضطرت لأخذ الحرفيين المهرة من الولايات العربية لابقاء حالة الانتاج الصناعي في حالة جيدة بما يخدم الدعم اللوجستي للجيش المقاتل على الجبهات، ومع وصول الاتحاد والترقي لحكم الدولة العثمانية، وهو القائم على نزعة قومية طورانية تضطهد القوميات الاخرى، وهو ما تزامن مع عصر القومية العربية. حيث حصل التنافر على أساس قومي.
كما أن لغة دوائر الدولة ووظائفها كانت باللغة التركية، ومن يتعلم اللغة التركية يستطيع الحثول على. وظائف والعمل مع الدولة.
** سفر برلك:
المعاجم :سَفَرْبَرْلِكٌ: نفير عامّ تعبئة ، نفير ، سفربرلك ، تأهب للحرب ، إستعداد للحرب سفر ، رحلة ، سفرة ، حملة ، غزوة ، وفي تفسير آخر سفر برلك كلمه تركيه معناها بالعربي التهجير الجماعي وقد اشتهرت هذه الكلمة وارتبطت بحادثة تهجير أهل المدينه المنوره بالقوه خلال الحرب العالميه الاولى وقد تفرقوا بين مناطق الشام وتركيا وبعض مناطق الحجاز الأخرى وكلمة السفربرلك تركية وتعني “الحرب الأولى”، وسميت كذلك لأنها أول حرب شُنت بعد إزاحة السلطان عبد الحميد الثاني من قبل حزب الاتحاد والترقي على الرغم من الوضع المتردي آنذاك للدولة العثمانية، وقيل أيضاً أن معناها “الترحيل الجماعي” وكلمة سفر برلك اصبحت تطلق على كل حادثة مشابهة لخوض حرب مع إندلاع الحرب العالمية الأولى، تحالفت السلطة التركية الجديدة مع ألمانيا، في محاولة منها لإيقاف الانهيار المستمر لسلطتها في البلاد الخاضعة لها، والتي كانت هدفاً لأطماع الدول الكبرى السائدة آنذاك، وعلى وجه الخصوص بريطانيا وفرنسا، مما دفع بالسلطات التركية إلى خوض حرب ضروس مع هذه الدول، وتجنيد أعداد كبيرة من الجنود كانت غالبيتهم من شعوب الدول الخاضعة لسلطتها، وخاصة من البلاد العربية، فيما عرف لاحقاً بالسفر برلك، وذهبت أعداد كبيرة من شبان العرب إلى هذه الحرب، وكثير منهم لم يعودوا، ولم يعرف أحد أين ماتوا أو دفنوا وأيام السفر برلك جرت بين عام 1914م – 1918 م .وتمثل أيام السفر برلك وهي أيام الحرب العالمية الأولى إحدى أوجاع الإنسان العربي في المشرق العربي فقد قامت الدولة العثمانية بالتجنيد القسري لأهالي بلاد الشام والمدينة المنورة وتم مطاردة الفلاحين وأهل القطعان وحتى الصبيان الذين اقتربوا من سن الرشد، حيث تم إرسالهم للقتال في أوروبا بعد فشل الحرب في قناة السويس. مما سبب إهمالاً للزراعة وعناصر الحياة الضرورية، فانتشر الفقر والبؤس والجهل في المشرق العربي إن ذكرى أيام حرب السفر برلك والقصص المروعة خلالها طوال ثلاث سنوات مازالت راسخة في أذهان أهالي بلاد الشام والمدينة المنورة حتى الآن، فقد كانت القوات العثمانية تفتش القرى والمدن وترسل الشبان والرجال وحتى الشيوخ إلى أتون تلك الحرب فالذهاب إلى سفر برلك للقتال الى جانب الجيش التركي يعني غياباً بلا رجعة. هذا بالإضافة إلى أن العثمانيين قاموا بمصادرة المؤن من السكان لإطعام الجيش وفرضوا المزيد من الضرائب لتمويل تلك الحملة وما تزال ذاكرتنا تتذكر أحاديث الأجداد وكبار السن وكيف كانوا يتحدثون عن تلك الأيام السوداء والمجاعة والعذابات بكثير من الألم والحزن. ،
** قمع الحريات:
** التجهيل:
** الفقر والمجاعة:
** استغلال موارد البلاد المسيطر عليها:
***
•• ما علاقة الأغنية عند أهل بلاد الشام بالمقاومة؟.
تاريخ بلاد الشام مشترك الهموم والآمال والطموحات، وجميع أقطاره عانت من الغزاة والمستعمرين قديما وحديثا. وأبغضها على الإطلاق الاستعمار الاستيطاني اليهودي.
** لماذا كان يوثق الناس الأحداث السياسية القصيدة والأغنية؟
منذ القديم و أيام العرب الأوائل كانت القبائل تحتفل بميلاد شاعر فيها. وهو بمثابة وسيلة إعلامية متنقلة يفخر بقومه ومكارمهم وشجاعتهم.
•• الاغنية تغنى في لبنان وسوريا وفلسطين ماذا يعني ذلك برأيك؟.
الهم واحد. والمصير مشترك.
** لماذا لجأ كاتب الاغنية للتورية والمجاز فبدت الأغنية وكأنها رومانسية؟.
التّرمبز والتكنية هما من أساليب الشعر، وكثيرًا ما يلجأ الشاعر إليها أولا للابتعاد عن موضوع المباشرة التي تقلل من جماليّة القصيدة، وحتى لو فُسٍّرت على منحى. يأتي من من يقول: الكعنى قي قاب الشّاعر.
** من أشهر من غنى الأغنية؟
فيروز – صباح فخري – سناء الموسى – نسمة شماميان –
** تحدث لنا عن تجار حلب ؟
حلب تعتبر العاصمة الاقتصادية في سرية حاليا. وقبل ذلك ففي حلب كانت معظم الوكالات الأجنبية تتركّز فيها منذ أيام الفرنسيين وقبلهم الأتراك. كما أن خط الشرق السريع كانت محطة انطلاقه من حلب لينتهي في البصرة، وموقع حلب الاستراتيجي جعل منها عقدة تلتقي فيها الطرق من الشمال والشرق والغرب لتلقي ونن ثم تنطلق في الاتجاهات الأخرى. وفي أيام الفرنسيين كانت حلب مقر الريجيه في حلب واللاذقية والادارة الرئيسية في بيروت.
** اليوم يفصل ما بين حلب وبيروت الحدود .. ما رأيك بذلك وماذا تتمنى أن يكون حالهم.
بطبيعة الحال لم يكن يوما ما هناك حدود مشتركة ما بين بيروت وحلب، إلا من خلال سورية. ونحن شعب واحد في بلدين فرّقتنا السياسة، فمصيرنا واحد ومشترك ولا فكاك لنا من بعضنا مهما حاول الأعداء.
**بعض مشاهدي الحلقة من عرب لا يفهمون لهجة بلاد الشام .. هل لك أن تفسر الكلمات بالفصحى؟.
** عالروزنا عالروزنا كل الهنا فيها
و إ يش عملت الروزنا الله يجازيها
** يا رايحين لحلب حبى معاكم راح
يا محملين العنب تحت العنب تفاح
** كل من وليفه معه وانا وليفي راح
يا رب نسمة هوا ترد الولف لي
** لاطلع ع راس الجبل و اشرف ع الوادى
و أقول يا مرحبا نسم هوا بلادى
** يارب يغيب القمر واقضي انا مرادى
و تكون ليلة عتم والسرج مطفية.