الجمعة، 26 مارس 2021

ضجيج (أقصوصة)

 ضجيج(أقصوصة)


بقلم الروائي محمد فتحي المقداد


   فكرةٌ عنيدة لا تُبارحه؛ حتّى تُعاوده من جديد؛ لِتسحوذَ على نوافذ عقله، وجوامع قلبه، في كلّ مرّة عند لحظة الكتابة يتوقّف لأسباب قاهرة خارجة عن إرادته، يستسلمُ لِخَوَر عزيمته، تنهارُ مُقاومة رغبته؛ فيُعرِض صارفًا النّظر عن الكتابة، اختلاطاتٌ غاضبةٌ مُشوبةٌ بالعجز الطّارئ عن المُتابعة، لم تمنعه من تكرار تجربته التي لم يستطع سكبها للآن في ورقة.

   أهمل الموضوع رغم أهميّته: "لماذا لا أصرف النّظر عنه تمامًا، وأنتقلُ إلى شيء آخر"، انتفضَ جافلًا من غفلته، ارتعشَ جسمه باهتزاز ملحوظ، اِنْدلقَ قليلًا من فنجان قهوته على طرف الورقة، كأنّ الصّوت سمعه من آخر وليس من نفسه، بحركة لا إراديّة قام عن كُرسيّه مُستعجلًا، فتح الباب ثم أغلقه، أزاح السّتارة عن زجاج النّافذة، رأى خياله كشبح أسود، اِصْكّتْ ساقاه كاد أن يسقط مكانه في أرض الغرفة، استند للحائط، وهو يتحسّس أثر بَللٍ مُنسرِب بينهما. "الحمد لله إنّه تعرّق". أخذ نفَسًا عميقًا، وراح في إغفاءة بعدما تمدّد على سرير.

   ما إن وصل إلى دوامِه صباحًا في دائرته الحكوميّة، وقبل القيام بأيّ عمل، تفقّد قلمه، والورقة أمامه على طاولة المكتب جاهزة تنتظر، أوّل نقطة طُبعت عليها أخذت موقعها في أوّل سطر. 

   عينا صاحب السّعادة في الصورة الكبيرة المُتربّعة  تُراقبانه، حانَتْ منه التفاتةٌ إليها، تذكّر شيئًا مخبوءًا بنفسه منذ زمان، بتنّشجٍ واضحٍ يضغط بأصابعه على القلم؛ لإجباره على المُتابعة، فيضان بياض الورقة رفض النّقطة بمحو أثرها.

   لسانُه تحرّك مُردّدًا: "الحمد لله". 

   يداه تمسحان وجهه لإزاله نوبة الكسل عنه، ذهب ثانية إلى النّافذة. طمأنينة عارمة غَزَت قلبه.  حركاتُ قطّة المنزل المُثيرة بمُداعبة أوراق الأشجار المُتساقطة بفرح غامر، صاح عليها لتأتي.  تذكّر حاله: "أوه..!! مازال صوتي باستطاعته أن يعلو".

من كتابي (دقيقة واحدة فقط)

تداول/خاطرة

 تداول.. (خاطرة)


الروائي- محمد فتحي المقداد

 

منذ زمان وأنا متوقّف عند فكرة الاستحمار. لم أتوصّل إلى نتيجة التساؤلات، أحببتُ مشاركتكم إذا كانت الفكرة هامّة لكم:

- وهل الاستحمار هو الاستغباء؟.

هل نحن كسوريّين، وصلنا إلى نهاية مرحلة الاستحمار؟. 

- أم ستمتدّ بنا إلى مرحلة استغباء أخرى مُتزاوجة مع الاستحمار؟.

وأوّل من استخدم مصطلح الاستحمار، هو الدكتور علي شريعتي في كتابه الشّهير (النّباهة والاستحمار): “الاستحمار: هو طلسمةُ الذّهن وإلهائه عن الدِّراية الإنسانيّة، والدِّراية الاجتماعيّة، و إشغاله بحقٍّ أو بباطل، مُقدّس او غير مُقدّس”. 

بالطبع سأنتقي من الإجابات ما يروقني لتثبيته مع خاطرتي في كتابي (كيف.. كاف.. ياء.. فاء)

كون الردود صارت مُلْكًا لي. لكن للأمانة سأذكر صاحبها الأساسي، ولن أنتحلها نسبة إلى نفسي.

فهم لم يتأخر/خاطرة

 فهم لم يتأخّر (خاطرة)


بقلم الروائي-  محمد فتحي المقداد


الآن فهمت جانبًا مُهمًّا من الآية الكريمة: (لا إكراهَ في الدّين) 256 سورة البقرة. حيث جاءت مُطلقة الدلالة تمامًا.

و بوصولي إلى قول الشيخ محمد الغزالي رحمه الله؛ تفتّحت أمام عينيّ حقيقة مهمة، بأنّ حريّة الخيار والاختيار عن قناعة، أساس مهمٌّ مُتوافق مع طبيعة الإنسان العاقل السّويّ: (الإكراه على الفَضيلة لا يَصنع الإنسان الفاضل، كما أنَّ الإكراه على الإيمان لا يَصنع الإنسان المُؤمن؛ فالحرية هي أساس الفضيلة).

والحساب والعقاب عند الله، هو العقل، وهناك قاعدة أصوليّة تقول: (إذا أخذَ ما وَهَبَ؛ أسقطَ ما أوجب). وهذا ما أكّده الحديث النبويّ: (رُفِع القلمُ عن ثلاثة: عن النّائم حتّى يستيقظ، وعن الصبيّ حتى يَبلُغْ، وعن المجنون حتْى يَعقِل).رواه الإمام أحمد في مسنده.

وقيل أنّ: (العقل مناط التكليف). ورحم الله ابن بُصرى محمد العليوي، وكانت مقولته الشّهيرة: (الله يعين.. إلّلي ما معه عقل)، لكن بصراحة أرى أن يكون بمن معه عقل. وما جاء على لسان المتنبي في الكفاية: (ذو العَقلِ يَشقَى في النّعيمِ بعَقْلِهِ//

وَأخو الجَهالَةِ في الشّقاوَةِ يَنعَمُ) 


من كتابي (كيف.. كاف.. ياء.. فاء)