الثلاثاء، 20 مايو 2025

شاربان معقوفان. قصة قصيرة

 

شاربان معقوفان

أقصوصة

بقلم. محمد فتحي المقداد

 

حانتْ اِلْتِفاتةُ منِّي لذلك الرَّجُل، الواقف أمام مرآةٍ غير نظيفةٍ في الحمَّامات العامَّة. تأمَّلتُ حركة أصابعه الرَّشيقة بتفتيل طَرَفَيْ شاربيْه المعقوفيْن للأعلى. بعد اِطمئنانه على وضعِهِما الطَّبيعيِّ؛ أظنُّ بل مُتأكِّد من عدم اِسْتطاعة الصَّقر بالوُقوف عليهما، ولأنَّهما ليسا عريضان فكثافتهما الوُسطى غير كافيَة، لا تُؤهِّلُ إلَّا عُصفورًا صغيرًا بحجم البُلبُل؛ للتَّغريد فوقهما.

بخُطوات مُنمَّقة مُتَبَخْتِرِة، يتمايل معها جَذْعه الأعلى بإيقاعٍ داخليِّ شِبه راقص، لا يُشبه تمايُل الثَّمِل على أنغام موسيقى بائسة رديئة.

ما إنْ أصبحَ بمُحاذاتي، حتَّى غطَّى على خيالِ "طوني حنَّا"، الذي اِنْتصَب أمامي هذه اللَّحظة، بطلعته المُفعمة بالحياة. لكنَّه كان صامِتًا ملامحه حائِرَة. 

أطلقتُ اِبْتسامتي المُعجبة بشاربي الرَّجُل. بادرته بلكمة مُرفقة بابتسامة:

-"حِلْوين".

بادَلَني نظرة شُكْرٍ بطَرَف عَيْنه، اِسْتمرَّت خُطُواته نحو المَخْرَج بلا توقُّفٍ، لاحظتُ خُطوط جبهته المُتغضِّنة غاصت عُمقًا، وكشرة وجهه تميلُ إلى العُبوس. صوتُ حذاء الكَّعب العالي سابَق صاحبته قدومًا ليس إلى مكاننا بل إلى سَمْعِي. اِلْتَفَّ الرَّجُل بنصف اِسْتدارة نحوي، واِبْتسَم.   

الثلاثاء ــــــــا 20\ 5\ 2025

الجغرافبا ومرض التاريخ

 الجُغرافيا ومرض التاريخ


بقلم. محمد فتحي المقداد

 

لمَّا تقزَّمت الجغرافيا بالتقسيم؛ أصبحت جغرافيا مقتولة، تئن تحت وطأة تاريخ اِجْتماعي مقطوع مجزوء غير مُكتمِل الرِّواية.

بل اِكْتملت فكرة كيانات مُتجاورة ضعيفة مُتدابرة مُتناحرة، وأنشأت لها أدبيّات تُمجّد خُصوصيّة تاريخ مريض، وتعزَّزت كيانات اِجْتماعيّة حارسة حدود رُقعتها الجُغرافيَّة المجزوءة، وتتغنَّى بأنغام ناشئة عن سياقات مُنكفئة بذاتها على ذاتها المُتأقلِمة بواقع رُقعتها الجديدة، التي أصبحت وطنًا ذا قوانين وأنظمة مُقَونِنَة لوضعها المنبثق في لحظة تاريخيّة خاطئة.

إذا مرضت الجغرافيا؛ انتقلت عدواها إلى توأمها التاريخ. بكلّ تأكيد ما أصاب الجُغرافيا، اِنعكسَ سلبًا باستيلاد تاريخ مريض، أورث هُويَّات مريضة، بحاجة لطبيب نطَاسيٍّ ليضع يده على الدَّاء، ليتّخذ قراره الجريء باللّجوء إلى آخر الطبِّ – الكيَّ- بعد أعيت الحالة جميع الأطبّاء الذين تعايشوا مع الحالة بوصف المُسكنّات والمُهدّئات، حتّى لم تعُد هذه الوصفات مُجدية وغير ذات نفع لا على المدى القريب ولا البعيد.

وهكذا كان مُتنفَّسًا للمُشعوذين والمُنحرفين والمُنَظّرين والمُلِّمعين والمُصفِّقين، لتكتمل الجوْقة بالمُحلِّلين السياسيّين والخُبراء النفسيّين، بتسويق الأكاذيب والدّجل، مُستخدمين كافّة وسائل التضليل والتعتيم الإعلامي، وتكلّلت مساعيهم الشيطانيّة على وسائل التواصل، وتقنيَّات الذَّكاء الاِصْطناعيِّ. ومن يجهل هذه التقنيّات ووسائلها، يُصدِّق كل ما يشاهده ويُصادفه أثناء تصفّحه، ابتداءً من الكتابات والصُّور والمقاطع الصوتيَّة، والأعمِّ والأشمل ذات التأثير الواسع بالصَّوت والصورة.

بتوقيت بُصرى _|  16/ 5/ 2025