الروائي: محمد فتحي
المقداد
عندما اتّخذتِ الأديبة (جملا ملحم) عنوانًا لكتابها (ربوع أدبيّة)،
كأنّها أرادت للقارئ أن يمكث طويلاً في ربوعها، بعد أن نصبت عرائش خواطرها فوق
مصطبة توسّطت إحداها، بجوار معبدها الأدبي، بعد أن أجرَت نهرًا رقراقًا صافيًا من
قصائدها، وهناك جلست لتحكي: كان يا مكان في حاضر الأيام وغابرَها.
جاء العنوان فضاءً شاملًا بدلالاته المنفتحة على فضاءات الخاطرة
والشعر والقصة القصيرة، هذه الألوان المْتجلّلة بأوشحتها الأدبيّة، تجعل من
عرائشها مُتفيَّئًا يُستطاب المُقام به.
فقد جاء مولودها الأدبيّ الأوّل بُستانًا
زاخرًا بثمار يانعة؛ فحان قطافها من ربوعها لتعانق القلوب، وتداعب الأرواح دغدغةً
بلمسات شفّافة رقراقة ترطّب الأشواق، وتروي ظمأ النّفوس الجامحة؛ فتهبط عليها
الطمأنينة بردًا وسلامًا.
الأديبة (جملا ملحم) مادت في
ربوعها ذات اليمين، وذات الشّمال ما بين الأشواق والأحلام، تبصر الآلام والأحزان
فتكبّل القارئ معها، ومن ثم تأخذه في نقلة نوعيّة إلى عالم السرور والأفراح بسلاسة
ويُسرٍ.
مزاجها الأدبي يتجلّى في جودة
خواطرها بأبعاد البوْح الجُوّاني، تُصوّر النفس الإنسانيّة بسموّها الرّاقي، ولم
تنس رسم الخطّ البيانيّ هبوطًا إلى الحضيض المترافق بحمولات من الحبّ والكراهيّة،
واللّوم والعتاب، والصّدق والأمانة، والغدر والخيانة، هذه الصّفات من صميم النفس
البشريّة على الإطلاق.
وبالانتقال إلى ربوع الشّعر
تأخذنا معها إلى عوالم القلوب، وهي تنادي: "هات الفؤاد"، وهي ترنو إلى
طهارة القلب للانتقال على أجنحة النقاء والبياض إلى "مدينة الطّهر" يا
قدس.. يا مدينة السلام.. قلوبنا ترحل إليك كلّ يوم، وهي تتلو من هناك على وقع أجراس
كنيسة القيامة وأذان الأقصى: "مولد الحبيب"، وهي تُعاند "ظروفًا
طارئةً"، وتعلن للدنيا أجمع أنا "عندي حنين" لكنّني أعرف لمن على
خلاف من قال: "أنا عندي.. مش عارف لمين".
بينما تبثّ "شكوى"
للخالق المقصود في مثل حالات الضيق والضّنك، وما دامت "أمٍّي" شاركت
أحزان ودموع "أمّ الشّهيد" هذا "العصفور الجريح" من أجل
"أرض العزّ" الأردن الوطن المفدّى يتلألأ تحت "بريق القمر" .
خاضت (جملا ملحم) معمعة الأدب
بثقة عالية بما تكتب إيمانًا منها بفائدته، وإسهامًا في ميدان الأدب، وفي نصوصها
القصصيّة القصيرة القسم الثالث من رُبوعها، كانت واقعيّة في نظرتها، بمعالجة
عقلانيّة للسرد القصصي بتسلسل منطقيّ منسجمة ما بين الفكرة والحدث مفعمة بروح أدبيّة
راقية.
والتجربة الأولى تُعتَبر خطوة
جريئة رائدة واعدة بالأفضل، بالرّغم مما اعْتَوَرَها من بعض الهنّات والزّلّات في
بعض الأحيان، لكنّ فيها من الأنوار البرّاقة، وواثق الخطوة يمشي ملِكًا.
عمّان – الأردن
ـــا 8 \ 3 \ 2019
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق