البُعد الإنساني في كتاب
(منخفض جوّي) للأديبة\ جملا ملحم
بقلم \ الروائي محمد فتحي المقداد
من خلال مُتابعتي مسيرة الأديبة
(جملا ملحم)، ومع مؤلّفها البِكْر (ربوع أدبيّة)، وصولًا إلى
مولودها الثّاني (منخفضٌ جوّيٌّ)، تبدّى الفرق الواضح في تقدّمها بخطىً ثابتةٍ نحو
هدف وضعته نصب عينيْها، بإصرار؛ فطوّرت من أدواتها برؤية جديدة، ومن خلال كتابتها
لفنّ الخّاطرة الذي أبدعت فيه.
تجربتها الأولى تمحورت حول
ذاتها، بخطاب ذاتيٍّ مونولوجيٍّ، حديث النّفس للنّفس، ومن أجل النّفس الحاملة للهَمّ
الدّاخليّ المأزوم بتداخلات الحياة الاجتماعيّة والأسرة والمجتمع، والعاطفة
المختبئة خلف تعابير تُشير برمزيّة غارقة بدلالات تحتاج للتوقّف، والتأويل،
والتفسير القريب والبعيد؛ لاستبيان على ما وراء الكلام، وفهم لرسالة الكاتبة
بدقّة. وما تُريد إيصاله.
أمّا في هذا الكتاب (منخفضّ
جوّيٌّ) فالأمر مختلف تمامًا بكثير في جوانب طرح قضايا المحيط العامّة
والخاصّة، بالتكنية، والتّلميح التي تأتي في كثير من جوانبها، فتكون أرقى من
التّصريح.
والنصّ (منخفضّ جوّيٌّ) الذي هو عنوان الكتاب، ما جعلني أنحو بهذا
الاتّجاه، والخروج من فضاء محور الذّات، إلى فضاءات واسعة لافتة للعديد من
المواضيع (اشتدّت الرّيح.. سقط الورق.. بانتْ عورة الشّجر)،
(تعرّت مساكنُ الطّيور.. باتت بلا مأوى). رمزيّة الفقرتيْن تحكي
واقع المحيط العربيّ المليء بالحروب والدمّ والموت؛ لتقول: (اشتدّت الكُروب..
سقطت الضّمائر.. تهدّمت بُيوت الفقراء.. باتت بلا جدران).
الحرب دمار للحجر والبشر، للبيئة، ومكوّناتها النباتيّة والحيوانيّة. قبل
الإنسان. (سكت الحقّ.. فرح الباطل).
الرؤية ذات البُعد الإنسانيّ تكلّلت بها معظم خواطر الكتاب، نسيج الألم،
دروب الخوف، أنين الجراح، صور الحنين والأشواق، البوْح الدّاخليّ، حديث الرّوح،
والطّفولة، هذه المواضيع في كثير من جوانبها؛ طغت عليها الصّفة الخطابيّة،
والوعظيّة، والتعليميّة.
كما أنّ كثيرًا من الخواطر
مُموْسَقة بنغمة قريبة من الشعريّة، وطغى عليها الحسّ الشعريّ. تعاطت الكاتبة
برشاقة مع أفكارها، ونسجتها بحسّها الأدبيّ الأنثويّ المُرهف بشفافيّته، وصدقه
بالتّعبير الصّريح والمُضمر، وما بينهما بإتقان مُحبّب لنفس القارئ.
أمنياتي بالنّجاح الدّائم.. والتفوّق.
إربد ــــا 13\2\2020
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق