الجمعة، 1 يوليو 2022

الكتابة التجريبية عند فتحي المقداد

 

الكتابة التجريبية

 

بقلم الروائي محمد فتحي المقداد

 

لكلّ كتابة لون ومذاق مختلف، عند المتذوق الهاوي والمحترف، والقارئ والباحث، وهو الجانب المُستهدَف من فعل الكتابة، المُتفاعل مع الفكرة سلبًا أو إيجابًا.

الكتابة كاشفة فاضحة ليس بطروحاتها الناشرة لأخبار وأسرار الآخرين، وإنّما على الكاتب نفسه؛ فهي تكشف عن عمق تفكيره، ورصيده من المخزون المعرفي التراكمي، نتيجة التجربة والخبرة الشخصية، والمطالعة والمتابعة.

لكلّ كاتب أسلوبه الخاص الذي يتعاطى به فعل الكتابة، المندرجة بتصنيفها ضمن جنس أدبي وفكريّ معيّن، ومن الممكن أن تتداخل الأجناس الأدبيّة بأساليبها ومذاهبها ومدارسها المختلفة، كما هو الحال في الأعمال الروائيّة، حيق تعتبر وعاء يستوعب جميع الفنون، من خلال المزج بينها، والتنقّل بسلاسة ويُسر لإيصال فحوى الرسالة ومضمونها القِيَمي بمحتواه الوازن، ولتخلق أجواء المتعة للقارئ.

 

تجريب وتنوّع السرد الروائي. عند الروائي محمد فتحي المقداد:

1-ففي روايتيْه (دوامة الأوغاد) الصادرة 2016م. وروايته (الطريق إلى الزعتري) 2018م. تشابهتا بأسلوب كتابتهما، بطريقة المشاهد المتناظرة ما بين النساء والرجال من خلال تجمعاتهم وتفاعلاتهم الاجتماعية، بطريقة عرض متتالية تكاد أن سمة منتظمة في مسار الخطة السرديّة للروايتيْن، وكثيرًا ما لوحظ في بعض المواقع، الطرح المباشر بلهجة خطابيّة حشدها الكاتب لصالح خط فكرته التي اشتغل عليها. كما أنهما كانتا في جوانب سردية أقرب إلى كتابات السيناريو بطريقة المشاهد الحوارية.

ولم يكن هناك البطل الأوحد محور الحدث والمحرّك له، ليكون نقطة مرجعيّة للروايتين، وإنّما توزّعت البطولة بين الأسماء الرّئيسة المتناوبة على تحريك الحدث، والتي تحرّك الحدث من خلالها وبسببها. وهو ما ينبئ عن عدم وجود أشخاص يُشكّلون حالة اجتماعيّة فاعلة، بمعنى أم يكونوا قادة. هذا الوضع الذي انمحى من البُنى الاجتماعية السوريّة في ظل حكم الحزب الواحد، والقائد الواحد المُتَفرّد بالحكم، وتشكيل قبضة أمنية قويةّ خانقة.

الروايتان تمثّلان مرحلتيْن زمنيّتين مُتتابعتيْن، امتدّتا زمنيًّا لأكثر من أربعين عامًا، وهي الفترة التي تناولتها الروايتان؛ ف (دوّامة الأوغاد) مثّلت مقدّمة رسمت لوحة المجتمع السوريّ منذ بداية السبعينيّات من القرن الماضي إلى نهاية العقد الأوّل من القرن الواحد والعشرين.

2- وتتابع الزمن المُؤشّر لانطلاق الثورة السوريّة بالرواية الثانية (الطريق إلى الزعتري) التي جاءت كوثيقة تاريخية سجّلت معاينات وحوادث البدايات، ولم يتجاوز زمنها الروائي العام الواحد، واضطرار الناس للفرار في ظل انتشار الخوف من القتل والاعتقال، طلبًا للنجاة قاصدين الملاذات الآمنة في دول الجوار، ورواية (الطريق إلى الزعتري) من عنوانها يُعلَم أنّ المكان المقصود يقع في المملكة الأردنية الهاشمية، وكلمة الطريق يتضح من دلالتها، سلوك طريق اللجوء والهجرة. حيث أن الرواية انتهت أحداثها على بوابة مخيّم الزعتريّ. وهي من أوّل الأعمال الأدبيّة المصنفة تحت مصطلح أدب اللجوء، المستخدم حديثًا على نطاقات واسعة مع تصاعد وتيرة الحروب خاصّة في عدد من الدول العربيّة.

 

3-أما الرواية الرابعة (خلف الباب) التي تأخرت كتابتها إلى أن صدرت في العام 2022، حيث جاءت بعد رواية "فوق الأرض" التي سبقتها في النشر في العام 2019. لكن يبدو أن فراغا حدث في ذهن الروائي "محمد فتحي المقداد" بأن مشروعه عن الثورة السوريّة ينقص حلقة مهمة، وهو فترة حياة المخيم المحطّة الأساسيّة في حياة اللّاجئين. وخلقت في ذهنه فكرة، أن روايته السابقة انتهت في آخر صفحة فيها، أمام بوابة مخيم الزعتري، بينما هناك خلف باب المخيم المحاط بأسلاك للحماية، تفاعلات هي نتيجة لما سبق، تستحق الكتابة عنها لثراء مادّتها الحدثيّة المُتخمة بالتفاعلات الكبيرة والصغيرة، المنظورة والخفيّة أو المخفيّة بفعل اسلاك المخيم، وأدوات الضبط والرّبط.

وولدت فكرة رواية "خلف الباب" لتميط اللّثام عن هذه الجزئية الأهمّ في رحلة اللجوء، وتسليط الضوء على التحدّيات للتشكيلة الواسعة ضمن هذا الحيّز الجغرافيّ المحدود بمساحة ضئيلة، مكتظة بالخيام المُتخمة بساكتيها، يحوفهم القلق وانتظار المجهول الذي لا يأتي، إلا توهانًا في دروب الحيرة والضياع.

جاءت تقنية الرواية مختلفة تمامًا عن سابقاتها الثلاثة بأسلوب بنائها السردي، الذي اعتمد الراوي البديل، الذي روى بدوره ماسمع، ومن ثمّ أعاد ما سمع وشاهد لصديقه من وثّق ما وصله وسمعه عن بعد بعدما تفرّقت بهم الإقامة في مناطق جغرافية متباعدة ما القارّات. كما أن الرّاوي المُوازي في كل الحدث السرديّ؛ رواه بطريقة تفاعليّة مع محيطه من خلال حواسّه، وعلى الأخصّ حاسّة السّمع، الحدث المروي، سمعه بأذنه من الآخرين، وهو لم ير وجوه من يتحدثون، ولا يعرف الأشخاص موضوع الحديث، سمع المناجاة وكلام السرّ فيما بين الأصدقاء، لتتولّد لديه قناعة صدق ما يسمع.

4- وبالانتقال إلى رواية "فوق الأرض" الثالثة التي صدرت 2019 م؛ تُمثّل مخرجات الحرب القذرة في تفرعاتها المؤثرة على كافة الفئات الاجتماعية. نرى فيها الشهيد ومعاق الحرب والمعارض المسلح والمعارض الفكري المُهجّر واللّاجئ إلى المُخيّمات، ومن يركب البحر مخاطرًا بحياته للوصول إلى دول أوروبا، آملًا في متابعة حياته بهدوء، والتعويض عن الحرمان بالرفاه المأمول. وهناك ممّن اختفوا عن مسرح الأحداث بظروف غامضة. رسالة الرواية كانت واضحة: وهي أن السلاح والمسلحين يتساوون مع النظام، في خطورتهم وضررهم، وبث الرعب والدمار النفسي، وتدمير البُنى الاجتماعية وتفتيتها وتشتيتها.

كل ذلك جاء على محمل سرديّ باعتماد نظام اللوحات، وترك فراغات فيما بينها لإشراك القارئ والمُتلقّي في إتمام الحدث وفق رؤيته الخاصة، بعيدًا عن سطوة الكاتب التي يمارسها على أبطاله في بعض الأحيان.

وكان الراوي الموازي أو البديل "فطين"، في الفصل الأول من الرواية، ليخرج من الرواية؛ ليُفسح المجال للأبطال الآخرين بصنع الحدث جسب واقع كل منهم، وبما يتفّق مع رؤيته واعتقاده، وفي الفصل ما قبل الأخير من الروائي، يتوقف القارئ أمام معضلة اختفاء مصائر الأبطال، كان من المُحتّم والضروري عودة الراوي الموازي "فطين" لإخبار القارئ بطريقة منطقية عن مصائر شركائه الأبطال الآخرين في الرواية.

كما استخدم الكاتب تقنية جديدة، وهي إجراء حواريات مطوّلة عبر مقابلة تلفزيونية الى أحد الفضائيّات، والاشتغال الى تفريغ الحلقات من كلام بين المذيع المُحاور، وبين الضيف الذي يجيب على الأسئلة، وتحليل بعض ةالمواقف ااتي يحتاجها لتوضيح وتأكيد آرائه ومقولاته.

 

 

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق