الجمعة، 1 يوليو 2022

فلسفة العناوين عند فتحي المقداد

 

العنوان فلسفة

عند الروائي محمد فتحي المقداد.

 

 

العنوان لائحةٌ مُعلِنةٌ لماهيّة أيِّ نصٍّ أدبيٍّ أو غير ذلك، وإنّ اختيار الروائي المقولة الرّئيسة عنوانًا لروايته  فهو أمر جيّدٌ جدًّا، بما يفتح أبواب دلالات وتأويلات ما قبل وما بعد القراءة.

وهو بطاقة النصّ التعريفيَّة التي تُولّد من الرُّؤى والتصوّرات، لترسم خطّة من التمحورات في الذهن، وهو فكرة مبدئيّة يُستجمَع من خلالها فكرة مُتولّدة من وحي العنوان.

عندما تصطرع الأفكار في الدّماغ؛ لتتمخّض عن كلمات مُتآلفةٍ متناسقةٍ لتشكيل نصٍّ أدبيٍّ رشيقٍ مقروءٍ، وهكذا يبقى النصُّ مَهيضَ الـجـنـاح غير قادر على التحليق، ولا على الإعلان عن نفسه بالظهور علانية؛ إلا إذا اقترن بعنوان يحمل دلالاته الرمزيّة والنفسيّة الخاضعة للتفسير والـتـأويل في مدارات محتملة أو مجازيّة حسب ثقافة المُتلقّي، وارتباطه بخيوط رابطة للكلمات والمعاني.

العناوين تستعبد الكاتب ليعيش حالة من الهذيان ما بين اللَّاوعي والجنون؛ ليأتي بعنوان فيّاضٍ مُجدٍّد غير مُستهلَك أو تقليديٍّ؛ فكما يولد الطفل ويولد اسمه معه؛ فالعنوان مُلازِم للنصّ لا غنى عنه أبـدًا، وهـو عتبة لا يُمكن الولوج لبواطن النصِّ إلا من خلالها. العصف الذهني له دور خطير في استخلاص الـعـنـوان بمجرَّد حضور الفكرة، ومن الممكن أن يتأخَّر أثناء معالجة الفكرة بالكتابة، ويستعصي أحيانًا فيكون الانـتـظـار سـيّـد المـوقـف، والـلـُّجـوء في بعض الأحيان لاستشارة الأصــدقـاء طـلـبـًا للمُساعدة.

 

دلالات العناوين:

 

(1)- رواية: دوامة الأوغاد

العنوان: كلمتان شكّلتا صدمة المفارقة بين كلمة "دوامة" التي عقد قرانها على كلمة "الأوغاد"، إن التباين المتباعد ما بين الكلمتين من صعيد المادي الملموس باليد والمرئي بالعين "دوامة". والتي تكون حسب المدلول اللغويّ، أما الدوّامة فتكون:

(قطعة من خشب مُستديرة يلفّ الصَّبيّ عليها خيطًا ثمّ ينقضه فتدور على الأرض. "رَمَى الدَّوَّامةَ")، وكُتلة مَاء أو هَواء تَدُور علَى نَفْسِها بسُرْعة مُحْدِثة في وَسَطها فراغًا يُشْبهُ القِمْع."دُوَّامة نَهْر").

*الدُّوَّامة :

(-لُعبة مستديرة يَلُفُّها الصبي بخيطٍ ثم يرميها على الأَرض فتدور والجمع : دُوَّام

-الدُّوَّامة من البحر أَو النهر: وسطه الذي تدوم عليه الأمواج بسرعة وبشدّة، وهي مستديرة وأَعلاها متسع وأَسفلها ضيق

-فلانٌ يعيش في دوَّامة: تنتابه مشكلات تسبِّب له قلقًا واضطرابًا) حسب قاموس المعاني. والمنحى في العنوان هو المنحى الثالث وهو المنحى المجازيّ الذي توافق في ذهن الروائي للتعبير عن الحالة المجازية مما ذهب إليه في سرديته للحدث الروائي

*الأوغاد: صفة مشبَّهة تدلّ على الثبوت من وغُدَ. أحمق دنيء رَذْل "ما أكثر الأوغاد في هذا الزَّمان- إنه وَغْد يستغلّ بؤس الآخرين". يَوغُد، وغادةً، فهو وَغْد ، وغُد الرَّجُلُ : كان رذلاً دنيئًا صغير العقل "وغُد في معالجة أموره العائليّة".

(وَغَدَ [و غ د]. (ف: ثلا. متعد). وَغَدَ، يَغِدُ، مص. وَغْدٌ. وَغَدَ النَّاسَ: خَدَمَهُمَ.

وَغُدَ: [و غ د]. (ف: ثلا. لازم). وَغُدَ، يَوْغُدُ، مص. وَغَادَةٌ وَغُدَ الرَّجُلُ: ضَعُفَ عَقْلُهُ، حَمُقَ وَغُدَ الوَلَدُ: كَانَ رَذْلاً، دَنِيئاً.

وَغْدٌ مفرد والجمع: أَوْغَادٌ رَجُلٌ وَغْدٌ: ضَعِيفُ العَقْلِ، أَحْمَقُ وَغْدٌ مِنَ الأَوْغَادِ: دَنِيءٌ، خَسِيسٌ، وَغْلٌ.) قاموس المعاني.

وعاد العنوان للمواءمة بين المعنيين ما بين المادي والمعنوي، لتتحدا تحت المظلة المعنوية، وبذلك شكلتا العنوان ليكون مقولة موجزة عن الرواية، بتطابق دقيق الدلالة لمحتوى الحدث الروائي، بينما الحدث جاء بدوره مُتساوقًا مع فلسفة العنوان، بتفسير وتحليل الرؤى التي أشارت إليها رواية "دوامة الأوغاد".

وبذلك كان العنوان عتبة للرواية كمدخل صالح شكّل في ذهن القارئ دوائر وأقواس حول المعنى العام، وتوقعات ما سيكون، تماشى ذلك منذ البداية إلى النهاية.

 

(2)- رواية (الطريق إلى الزعتري)

العنوان عتبة الرواية بدلالته. رغم أنه عنوان مكرور بجزئه الأول(الطريق إلى...) فللمُتتبّع للكتب والروايات التي حملت هاتين الكلمتين (الطريق إلى)؛ لوجد أن (الطريق إلى مكة. للنمساوي محمد أسد) ، و(الطريق إلى الله. للشيخ محمد متولي الشعراوي)، وكتاب (الطريق إلى النجاح)، ورواية (الطريق إلى روما. لمحمد طارق) ورواية (الطريق إلى إيلات. لفايز غالي، ومثلت بفيلم سينمائي) و(الطريق إلى تدمر. لطلال أبو الخير) ورواية (الطريق إلى كابول. لجمال أبو  حمدان، ومثل مسلسلا)، ورواية (الطريق إلى بلحارث. لجمال ناجي). وهكذا كان على سبيل المثال لا الحصر.

مما يعني أن الكلمتين استهلكتا من كثرة استخدامهما، ودائما ما كانتا في بداية أي عنوان، وتأتي لاحقتهما تكميلا للتدليل على حالة معينة بأبعادها الزمانية والمكانية وشخوصها.

 بينما الجديد الفريد هنا كلمة (الزعتري) اسم لقرية صغيرة نائية منسية على أعتاب التاريخ في شمال الأردن.

الثورة والحرب السورية وما تبعهما من إفرازات ومخرجات، أنهضت القرية الغافية من سباتها لتجعل اسمها يتردد على ألسنة العالم أجمع، عندما أقيم المخيم على مقربة منها، واكتسب اسمه منها.

قضية المكان والانتماء رسّخت وكرّست مفهوم المكان. وبذلك أصبحت الكلمة عالمية حيث دخلت لغات الدنيا جميعاً.

عندما اختار الروائي "محمد فتحي المقداد" مقولة روايته تحت عنوان (الطريق إلى الزعتري) بكل صدق لقد حكى بهذا المختصر الشديد بثلاث كلمات قصة الثورة السورية، لتأتي سردية الأحداث داخل الرواية متطابقة معه، وبالتالي فالعنوان والرواية يحكي كل منهما الحدث بتناسب المقام مع المقال.

وبدقة كانت قصدية العنوان واضحة تمامًا. أن ما حدث هو ما أوصل الناس إلى المخيم. ففي آخر صفحة من الرواية عندما وصل (أبو فندي) البطل الرئيس في الرواية ووقف أمام بوابة المخيم، ليقرأ لوحة كبيرة: (أهلًا بكم في مخيم الزعتري)، وبذلك انتهت الرواية في هذه الجزئية السردية وهي الرواية التي حملت هذا الاسم (الطريق إلى الزعتري).

 

(3)رواية (فوق الأرض) :

يقول الروائي محمد فتحي المقداد، عند سؤاله عن هذا الاختيار، الذي يبدو من طاهره أنه غير مثير، ولا يشكل أيّ قيمة فلسفة أو عمق لدى المتلقي، إلى ان اتضحت الصورة عند سؤال الكاتب عن طبيعة وسبب اختياره لهذا العنوان:

"يبدو للوهلة الأولى أن العنوان عادي، لكن بحثي عنه استغرقني سنة كاملة، ورب صدفة أفضل من ميعاد. جاءت الكلمتان على لسان صديق أثناء سؤال اعتيادي عن أحواله، أجابني: فوق الأرض، بتفاؤل وثقة. قصة لقائي بهذا العنوان بعوالمه الواسعة".

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق