الأربعاء، 10 أغسطس 2022

فراءة أحمد العربي. خلف الباب

 

قراءة في رواية: خلف الباب.

الكاتب: محمد فتحي المقداد.

مخطوط، ب د ف، ٢٠٢٢م.

 

محمد فتحي المقداد روائي سوري مُجد ومتميز، قرأت له ثلاثيته السابقة، الطريق الى الزعتري وفوق الارض ودوامة الاوغاد، حيث رصد واقع اللجوء السوري في الحدود الاردنية السورية، من تداعيات عنف النظام بحق السوريين بعد الثورة السورية التي حصلت في ربيع ٢٠١١م.

هذه روايته الجديدة خلف الباب تعتبر استمرارا لذات المسار ومتابعة لواقع اللاجئين السوريين، بدء من مخيم الزعتري حيث كانوا او استمر بعضهم وحيث اصبحو في بقاع الدنيا بعد مضي احد عشر عاما على الثورة السورية.

خلف الباب رواية تعتمد أسلوب السرد بلغة المتكلم على لسان الشخصية المحورية في الرواية.

 حيث يبدأ متحدثا عن رؤيا أقرب للواقع وهي من صنع الخيال، عن لقاء يحصل بينه وبين أبي ذر الغفاري، يناقشه به حول اسلامه وعبادته لله الواحد قبل لقاء الرسول محمد ص واعلانه الايمان بالاسلام واستمرار حياته مصاحبا للرسول ص. وكيف كان نموذجا للصدع بالحق، واختلافه مع الظالمين، كان قاضيا في الشام، لم يهادن معاوية والي الخليفة عثمان في الشام، واشتكاه إلى الخليفة، الذي نفاه للربذة. فعاش وحيدا مناصرا للحق ومات وحيدا في منفاه، أراد الكاتب مخلق مقارنة بين حكام دمشق عبر التاريخ وان الاستبداد والظلم كان سمتهم الأساسية، في مقارنة مع النظام المستبد السوري…

 اعتمد الكاتب السرد على لسان شخصيته المحورية وكذلك بذات الأسلوب عندما ينتقل منبر السرد الى صديقيّه اللذيّن كان قد التقى بهم في مخيم الزعتري بداية اللجوء، ثم تقطعت بهم السبل، حيث بقي صاحبنا "فطين" في الاردن ومن ثم عاد الى بلدته في حوران، أما أصدقاؤه فقد وصل لجوء أحدهم إلى فرنسا والثاني الى السويد.

يعتمد الكاتب الخلط بين شخصية الكاتب الاساسية محمد فتحي المقداد، والشخصية المحورية للرواية فطين حيث يتحدث فطين عن نفسه أن يعمل على كتابة روايته الرابعة عن مآل من عرفهم في مخيم الزعتري ايام الثورة الاولى وهو منهم، وهذا واقع محمد المقداد ذاته.

كما أن الرواية تعتمد متابعة واقع حياة اصدقاء فطين البعيدين عنه عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يتناوب على منصة السرد هؤلاء الاصدقاء الثلاثة.

يكاد ان يكون واقع الحياة في المخيم كما عاشوه جميعا، محور تواصل الاصدقاء الثلاثة في الرواية، وكأن مرور الزمن لم ينفع في النسيان والتجاوز. نعم عُمر الأسى لا يُنتسى…

لقد كان المخيم الوطن البديل الذي وُجد على عجل للسوريين المظلومين الذين وجدوا انفسهم تحت سيف النظام المجرم الطائفي وحلفائه الطائفيين الإيرانيين والمرتزقة من الميليشيات على الارض والروس من الجو، يقصفون ويقتلون ويدمرون و يجتاحون البلاد كالجراد ويعتقلون ويسرقون، يمتهنون الكرامات ويعتدون على الحرمات في حوْارننا الثائر.

 عندها كان الهروب هو الحل الوحيد المتاح للنجاة بالنفس وبمن بقي حيّا من الاهل، مع متاع قليل لا يسمن ولا يغني…

المخيم لم يكن مكان استراحة ومنتزه، حيز خاوي في الصحراء بما تعني من طقس قاس على الانسان. لقد تبين أن في المخيم تمييز بالتعامل، وأن هناك متحكمين به. البعض اُعطي كرفانات جاهزة في ظروف اكثر راحة للعيش. والبعض وضع في خيم جاهزة، والبعض اعطي خيما وعليه أن يبنيها بنفسه.

مع الزمن تبدأ معالم المخيم بالايضاح، هناك مجتمع صغير جديد تشكل، لكنه يحمل كل ايجابيات المجتمع السابق من حرص وأثره وإكرام ومودة، ويحمل كل سلبيات الحياة السابقة، فهناك عديمي الاخلاق والمنتفعين من نكبات الآخرين. يضاف الى ذلك التمييز بالمعاملة من الإدارة و ممّن نصبوا انفسهم متحدثين عن أهل المخيم، لقد بدأت تظهر السرقات من لوازم المخيم، تُهرّب خارجه وتُباع  لصالح شبكة لصوص منتفعين خارج وداخل المخيم. كما بدأت تظهر النعرات المناطقية والصراعات التي قد تودي بحياة البعض لأسباب تافهة، وبدأت تظهر شبكات المستفيدين من واقع الناس المأساوي ذلك. حيث قام رجل ادعى أنه شيخ وبدأ يفرض حضوره ، لقد رعى زواجات لكثير من الفتيات القاصرات على كهول من الدول الخليجية بعمليات فساد تشبه البيع والشراء لعبيد في سوق النخاسة، الرشاوي للوسطاء، بحيث كانت حياة الكثير من الفتيات المتزوجات اقرب للجحيم. البعض منهن تطلقوا دون الحصول على مؤخر المهر، والبعض انتحرن، والبعض أُودعنّ السجن بسبب احتيال الوسطاء والأزواج الهاربين بعد أن فرغّن عقدهم الجنسية. هذا غير التربص بحياة الناس من بعض الشبان الساقطين اخلاقيا واللصوص، وبدأت تظهر حالات اعتداء جنسي و خطف وطلب فدية، بحيث احس الناس انهم لم يعودوا يحسوا بالامان الذي غادروا بلادهم للحصول عليه. لم تكن ادارة المخيم من الاردنيين تتدخل بما يحصل في المخيم. لعله تواطؤ او ان الكثير لا يشتكون خوفا من الفضيحة في قضايا الاعتداءات الجنسية، ولان الغريم غالبا ما يغيب في الظلام ولا يعرف من هو. ظهر الانتحار لبعض اهل المخيم خاصة الفتيات المعتدى عليهن، وظهر الحمل على بعض الفتيات، وتفاخر البعض بذبح اخواتهم دفاع عن الشرف المدعى. الفاقة تطل برأسها في المخيم، الحياة مستمرة في الحد الأدنى المساوي للجوع. أصبح الهم اليومي للناس انتظار الحصول على الخبز و بانتظار الدخول الى الحمامات العمومية لساعات.

لم يعد للناس أي أفق في المستقبل يفكرون به خارج الحصول على الحاجات الدنيا من اجل الاستمرار بالعيش…

كل ذلك دفع اهل المخيم للتفكير بشكل جدي بالبحث عن بدائل للحياة خارجه.

بالمآلات لم يستطع فطين ان يصبر اكثر، ينظر باتجاه بلدته بصرى، يعاني يحن الى بيته وأرضه وحياته السابقة، يخاف ان يعود، وأن يُنكل به، لكنه يقرر العودة، يصل بلدته يعيش فيها، لكنه يجد بلدا غير البلد والناس غير الناس، النقص في كل شيء، الفاقة تلف حياة الناس، الغربة في الوطن هي احساس بغياب أي مقوم للحياة فيها…

 مازال غريبا ومتألما ومظلوما حتى في بلدته…

اما صديقاه اللذان وصلا الى السويد وفرنسا، وسجلا في مفوضية اللاجئين هناك، فقد احسّوا انهم يحصلون على حقوق كونهم من بني الانسان، اهتمام وسكن وموارد مالية وعلاج، تأهيل للبداية في حياة جديدة، تعلم لغة البلاد وتجهيزهم ليكونوا من بنيتها العاملة المنتجة…

هنا تنتهي الرواية.

في التعقيب عليها نقول:

اننا امام رواية أخرى تتحدث عن تبعات اللجوء السوري، والمظالم التي وقعت على السوريين من خلال استرجاع الحياة داخل مخيم الزعتري، يكشف غطاء عن حقائق عاشها الناس، لنقل عيوب المجتمع الذي كان ضحية القهر والاستبداد والتخلف. وكيف تم اعادة انتاج الاستغلال والظلم على الناس في المخيمات وفق آليات جديدة ومن بشر فاسدين مختلفين عن النظام وأعوانه، وكيف يضطّر الناس للتكيف، حتى لو انخرطوا بالخطأ المعمم ، من يبيع ابنته للزواج المؤقت، من يبيع دينه وأخلاقه ليحصل على اي مكتسب ولو كان تافها، من يعيش على الحرام سرقة وغيرها، طالما أن لا رادع من دولة او اخلاق… وكيف انتقل بعض اللاجئين للعيش في الغرب الاوروبي وانخرطوا في بنيته، وكيف يتم استيعابهم واعطائهم حقوقهم..

الاكثر ايلاما هو أن الوطن لم يعد يريد ابناءه، وان من عاد أو من بقي به يعيش حياة مأساوية على كل المستويات…

مازالت القضية السورية تحتاج لحل يُسقط الاستبداد و يُنصف الناس ويسترد الحقوق ويبني دولة الحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية لكل السوريين…

 ولو بعد حين…

 

احمد العربي

٥ . ٨. ٢٠٢٢م.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق