الكاتب
الذّبابة
خاطرة
(5)
بقلم
– محمد فتحي المقداد
من المُفزعِ لي، لو ظنّ القارئ للوهلة الأولى وصفي لكاتب بأنّه ذُبابة. سيكون ذلك بكلّ تأكيد إهانة عظيمة لذوي الفكر والكفاءات؛ عندها يتوجّب عليّ لَبْسَ دروع الدّنيا كلّها لاتّقاء السّهام التي ستُصوّب انتقامًا منّي، أو أُتّهم بالعُنصريّة ومُعاداة السّاميّة، وبالتالي؛ سأكونُ مطلوبًا لمحكمة العدل الدُّوليَّة، ودمي مهدور في العالم أجمع، ولن أستطيع السّفر من قرية إلى أخرى، لأنّ العدالة الدُّوليّة ستتعقّبني، ولا أشكّ في ذلك أبدًا.
مُتفّق سابقًا على مُصطلح كاتب: (الشاعر والروائيّ والقاص والمُفكّر
والفيلسوف والصحفيّ.. إلخ).
لكنّ
مَنْحَى المقالة هذه بعيدٌ كلّ البُعد عن دلالة الذّبابة الحشرة القميئة، بل هي
"ذُبابة سُقراط". يُقال: بأنّ أفلاطون وصفَ أستاذه سُقراط:
"بأنّه كالذُّبابة، التي تلدغُ الخيل؛ فتدفعها إلى الحركة. قائلًا: بأنّ
حِواراته الفلسفيّة؛ تلدغُ البشرَ، وتدفعهم إلى التفكير والتبصُّر".
وهذا
المنحى الذي أحاولُ تطبيقه على الكاتب، بإثارة التساؤلات الكثيرة والمُتكرّرة:
"لماذا.. لِمَن.. من أجل مَنْ.. مِنْ أجل ماذا، يكتبُ الكاتب".
أعتقد أنّ المقالة غير معنيّة بالإجابات المُقنعة أو غير المُقنعة، أو سَوْقُ
الأدّلة والبراهين على صحتّها أو خطئها. إنّما هي مُقاربات للواقع.
وفي
مقولة للكاتب "فرانز كافكا": "على الكاتب أنْ يكونَ
الفأسّ؛ التي تكسرُ ما في دواخلنا من جليد". أظنّ هُنا بانَتْ هُويّة
المقال، والمطلوب من الكاتب. سأورد استشهادًا آخر، للكاتب سلامة موسى: "إنّني
العُضو المُقلق للمجتمع المِصريّ، مثل ذّبابة سُقراط؛ أُنَبّهُ الغافلين، وأثيرُ
الرّاكدين، وأُقيمُ الرّاكعين الخاضعين".
وقصّة
سُقراط كما ذكرها كتاب "قصّة الحضارة – ويل ديورانت": (عندما
هَمّ حُكّام اليونان بإعدام سُقراط، بِتُهَمٍ تتعلّقُ بإفساد عُقول الشّباب،
وزعزعة البلاد بسبب أفكاره. فقال لهم: "عند إعدامه، أفضل لهم أكثر منه"؛
فقالوا: "كيف؟". قال لهم: "أنا كمثل الذُّبابة، والأمّةُ كمثل
الحصان السّمين؛ فهي تُساعده على الحركة، وهي حافزٌ كبير ؛لكي يتحرّك وينتفض).
ورغم
عُمق مثال سُقراط؛ لأنّ غرور قاتليه، منعهم من فَهْم ما قال، وأعدموه. أخيرًا،
وفيما قاله سلامة موسى: "إنّني مُوفّقٌ دائمًا في كَسْب الأعداء"،
وهو حال لسان كلّ كاتب، إذا حادَ قيْدَ أنمُلةٍ عن السّائد للعُموم.
(من
كتابي – كيف.. كاف.. ياء.. فاء)
عمّان
– الأردنّ
ــــــــا
5\ 4\ 2021
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق