الفكرة
بين المنع والانتشار
(13)
بقلم
محمد فتحي المقداد
كلّ فكرة
تبوحُ بمحتواها المليء، ولها قيمتها التي ستُبقيها على قيد الحياة، تعيشُ مع
النّاس على اختلاف أماكنهم وأزمانهم؛ فإذا ما لها توافرت شروط النموّ؛ تزدهر في
مناخ من الحُريّة، التي تُفسح كُلّ الطُّرق؛ لتسير بخُطًى ثابتة واثقة.
وفي
يقيني أن الصّراعات البشريّة تتمحورُ غالبًا على الأفكار؛ فالفكر التسلّطي القهريّ
لمن يملكُ للقُوّة وأدواتها من حاكم أو سلطان، يُريد أن يُثبّت نفسه ساعيًا
لاستقرار كُرسيّه له ولمن بعده من أبنائه إن استطاع. ولا يتأتّى له ذلك إلّا من
خلال التُرغيب والترهيب، واستحمار الآخرين، واستغفالهم، يُقرّب الموثوقين
بإخلاصهم، ولا أظنّ إخلاصهم إنمّا السّعي خلف مطامعهم، ليكونوا عصاه الغليظة
المأمورة، فتُطيع بلا تردّدٍ.
أمّا
الفئة الواعية حاملة الأفكار، قسمُ منها عنيد صلب خلف لائحة فكره، لا ينحني أبدًا،
يستميتُ أمام فكرته فِداء لها يُقدّم روحه
لها بلا تردّد، رغم العروض السخيّة بالإغراءات التي لا تعني له شيئًا، بكلّ تأكيد
أن فكرته ممنوعة التداول، مُعادية للسّلطان الخائف منها، فيأمر بمحوه من المشهد،
بالسّجن والقتل والتّشريد، لأنّ قانونه لا يرضى إلّا بمن يكُن معه، مُعلنًا ولاءه
له بصراحة، فيصنع من صاحب الفكرة عدوًّا، وشهيد قداسة الفكرة. (الأمثلة لاتُعدّ
ولا تُحصى).
بالمُقابل
تطفو الأفكار الرّخوة ذات الطّبيعة الرّغويّة الخادعة بمظهرها البرّاق، ذات طويّة
خاوية، لا خير فيها، تتصدّر المشهد متلألئة تحت الأضواء، والطُّبول تُقرع لها، ويرقص
أصحابها على وقع الإيقاع النّشاز، بفرح وسرور، فيُشكّلون حالة إبهار للأغلبيّة
المُضلّلة، التي سترقص وتُصفّق بانفعال مُثير. الفكر لا يُقاوم إلّا بفكر أقوى بالإقناع والإفحام،
والعصا تُخمِد وهج الفكرة إلى حين، فتبقى حيّة تحت الرّماد. والحريّة هي المناخ
الوحيد لانطلاق الفكرة الأصيلة الواعية المؤثّرة،
(من
كتابي: كيف.. كاف.. ياء)
عمّان
– الأردن
13\
4\ 2021
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق