الأربعاء، 7 أكتوبر 2020

الممحاة (3)

 الممحاة (3)


بقلم الروائي - محمد فتحي المقداد


حَسْبُ الشاعر (إبراهيم ناجي) من رائعته (الأطلال)، هذه الأبيات الثلاثة، ومن يعِش سراب الذكريات المُحبّبة إلى النفس، ومع استدراج الآلام وتجديدها، عندها توصف بالذكريات الأليمة، وللمتأمّل قراءة متأنيّة:

(أَيُّهَا الشَّاعِرُ تَغْفو//تَذْكُرُ العَهْدَ وَتَصْحو 

وَإِذا مَا إَلتَامَ جُرْحٌ//جَدَّ بِالتِذْكَارِ جُرْحُ 

فَتَعَلَّمْ كَيْفَ تَنْسى// وَتَعَلَّمْ كَيْفَ تَمْحو) 

وفي البيت الأخير ضالتي لرفد فكرة الممحاة، ولفت الانتباه لفكرة التعلّم، والصبر على مشّاقه، وغرابة طلب الشاعر بتعلّم النسيان والمحو، ومآل النسيان الأخير هو المحو على الأقل من ساحة الشعور الأمامية، وإرساله لاحقًا إلى مستودعات الذّاكرة. رغم أنّ الذكريات جزء أساسيّ من تاريخ أيّ إنسان على وجه البسيطة بلا استثناء. 

والنسيان والمحو صفتان متلازمتان للبشر الأسوياء جميعًا، وبالانتقال من رحاب الممحاة الماديّ إلى المعنويّ؛ تتجلّى عظمة العفو والتسامح، لمن يستطيعه من الأنقياء الأصفياء ذوي الهمم العالية، هؤلاء هم ملح الأرض، وإشراقة الحياة، والخُلُق السّامي. وهذا المستوى نقيض الحاقدين والشّامتين، من المتخيّل تباعُد شُقّة السُّموّ الإنسانيّ بين النقيضيْن. 

...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق