السبت، 19 سبتمبر 2020

انتطار. قصة قصيرة

 انتظار..


قصة قصيرة 

بقلم الروائي - محمد فتحي المقداد 


- "هل تذكرين..؟". من فوري انطلق لساني، بعد اشْتبكاكِ نظراتنا صُدفة في لقاء عابر لم يحصل منذ سنين. 

- "أوه..!!". وضربت كفًّا بكفٍّ..، نظراتُها زاغت في لُجّة الشّفق المُتماهية مع حُمرة خدّيْها المُتوهّجين توغّلًا، غير آبهة بانسحاب آخر خيوط الضوء على عجلة من أمرها. لسانها يتلجلج بكلمات متداخلة لم أتبيّن ما قالت، وتابعت بوضوح: "نعم.. وهل يُنسى ذاك المساء البعيد؟".

- "ها أنا ألتقيكِ.. والهوى ثالثُنا على شرفة الأشواق".

- "آه.." مبحوحة خرجت من بين شفتيْها النّاشفتين على استحياء وعناد: "آآآآآآه .." طويلة تتقلّب قهرًا مع أنفاسها الحرّى الصّادرة من أعماق أعماقها: "أحِسّ انسكاب روحي في كأسِ عُمريَ المكسور، يُراقب حركات البيادق على رقعة الشطرنج، والأيدي تتحرّك برشاقة وذكاء. وما زلتُ بانتظار من سيقُل:" كِشْ ملِكْ".

- "عزيزتي.. مؤكّدٌ أنّ أحدهم سيُنهي اللّعبة في لحظة ما".

-" وأنا مُقيمةٌ علي قيد انتظار".

اللّاعبون لم يُخالطهم الملَل، أفكارهُم تتواثبُ تزاحمًا مع سُحُب الدّخان من لفافات السّيجار. 

لم يَطُل اللّقاء لاستجرار المزيد، حتى اختفى خيالها بين حشود العابرين في الاتّجاهيْن للشارع المستقيم، الذي تصطفّ محلّات البلدة كلّها على جانبيْه، أدركتُ سبب انطلاقها بلا كلمة وداع، وخطواتها تتسارع لوصول المخبز قبل موعد إغلاقه، لا سيّما مع اقتراب ساعة حظر التّجوال، والعتمة تتمدّدُ للسيطرة على بقايا فُلول النّهار.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق