الثلاثاء، 3 يونيو 2025

كتب الشاعر أبراهيم علي الغزالي. قرفا

 بطاقة تهنئه للصديق الأخ العزيز

ابن حوران

الروائي  محمد فتحي المقداد

بمناسبة فوزه 

بجائزة ناجي نعمان الأدبيه العالميه


طوتك السنون غيابا

وأسحم شعرك ثلجا

وقلبك بالشوق ضجا

ومر الغياب شرابا


حبوت الخطاوي بنفس صبور

وكنت الدليل المعين اصطحابا

رسمت *الطريق إلى الزعتري *

بكل * الزوايا * وحسن النوايا

مواخر بحر بدون عبابا


وأطت إليك أحاجي الحروف

وكنت في* عتماتها الشاهد *

وأسكنت في*دوامة أوغادها*

* بتوقيت بصرى * دحة وعتابا


وأعلنت فتوى ل* رقص السنابل*

على * قارعة خاطر.*

وهمشت عنفا  * قيل وقال *

وبوحاأطحت*الرؤوس المدببه* 


و* فوق الأرض * أشدت بناءا

*بنسيون الشارع الخلفي* غصابا


ثم حصدت كل الحصاد

جوائز عز وصوت يناد

أنا ابن بصرى ذات العماد

أنا ابن درعا سهولا هضابا


نزف إليك التهاني نشيدا

نزف إليك التهاني كتابا


الفخور بك أبو حمزه

...... 

كتب. مفلح شحادة. ردت على قصيدة إيراهيم الغزالي. 

"حين تتحوّل التهنئة إلى ملحمة: قراءة في بطاقة إبراهيم الغزالي لأديب الجنوب محمد فتحي المقداد"


في كل ثقافة، هناك نصوص تُكتب للاحتفاء، وأخرى تُكتب كي تبني معمارًا موازيًا لما نحتفي به. وفي حالة بطاقة التهنئة التي أبدعها الكاتب إبراهيم علي الغزالي (أبو حمزة)، لا نقرأ تهنئةً عابرة، بل نشهد بعثًا جديدًا للقصيدة الحديثة ذات النَفَس السردي والرمزي، التي تتخفى في ثوب المديح، وتنتصر عبره للهوية، والذاكرة، والمكان، والكتابة المقاومة.


مقام أول: القصيدة التي تقودك إلى ذاكرة الجنوب


يفتتح الغزالي نصه بمشهد مدهش في بساطته الظاهرة وعمقه الضمني:


"طوتك السنون غيابا

وأسحم شعرك ثلجا

وقلبك بالشوق ضجا"


إنها ليست مجرد جمل شعرية، بل بوابة وجع رصين، يُخبرك منذ اللحظة الأولى أن هذه التهنئة ستُقاس بنبض القلب، لا بعدد الكلمات. يختار الغزالي طريقًا عكسيًا عن السائد: يبدأ من الغياب، لا من الحضور؛ من الشيب، لا من المجد؛ من الحنين، لا من المنصة. كأنه يُعلن أننا أمام احتفاء بالكينونة قبل الإنجاز، وبالوجدان قبل الورق.


مقام ثان: حين تتحوّل عناوين الروايات إلى نجوم على خارطة التكوين


"رسمت الطريق إلى الزعتري

بكل الزوايا وحسن النوايا"


"في عتماتها كنت الشاهد

وفي دوامة أوغادها… بتوقيت بصرى دحة وعتابا"


هذه ليست إحالات، بل شيفرات سردية مشفّرة، يعيد الغزالي توليفها ببراعة إلى مركّب شعري/سردي موازٍ. إنه يستخدم عناوين روايات المقداد كما تُستخدم أسماء المدن في القصائد الملحمية، فتتحوّل إلى إشارات للنجاة، للحكاية، للفداء.

ولعل استخدامه لعبارات مثل "دوامة أوغادها" و"الرؤوس المدببة" يقدّم ملمحًا نادرًا: تهنئة لا تتجمّل، بل تُجابه. فالأدب الذي يكتبه المقداد، كما يراه الغزالي، ليس مجرّد كتابة، بل فعل مقاومةٍ أخلاقيٍّ، لا يُهادن الفساد، ولا يجامل السلطة، ولا يهادن التافهين.


مقام ثالث: من "نسيون الشارع الخلفي" إلى نسيج الحارة الكبيرة


"فوق الأرض أشدت بناءا

بنسيون الشارع الخلفي غصابا"


في هذا المشهد، نقرأ أعنف ما يمكن أن تقوله قصيدة عن واقعها دون أن تصرخ. نسيون الشارع الخلفي يتحوّل هنا من عنوان رواية إلى استعارة مكانية واجتماعية، لواقع مهزوم يحاول الأدب ترميمه. الغزالي لا يُهدي فقط جائزة لصاحبها، بل يهديها أيضًا إلى الشارع الخلفي، إلى المهمّشين، إلى الذين لا يملكون سوى الكلمة كسقف وكسيف.


مقام رابع: من ابن بصرى إلى أيقونة الجنوب


"أنا ابن بصرى ذات العماد

أنا ابن درعا سهولا هضابا"


ما أجمل أن تتحول التهنئة إلى نشيد هويّة. فالمقداد هنا، كما يراه أبو حمزة، ليس فردًا بل تمثيلًا جغرافيًا وعاطفيًا للجنوب السوري بأكمله. بصرى، درعا، الزعتري، كلها تتداخل في النص لتؤكّد أن ما كتبه المقداد لم يكن عن شخصه، بل عن شعبه، وناسه، وتاريخه.


مقام خامس: التهاني كعمل أدبي مستقل


"نزف إليك التهاني نشيدا

نزف إليك التهاني كتابا"


هل ثمة أجمل من أن تتحوّل الكلمات إلى "نشيد" يُغنّى و"كتاب" يُقرأ؟ بهذا الختام العبقري، يُتوّج الغزالي نصه، لا كمجرد صديق يُكرِّم صديقه، بل ككاتب يعرف تمامًا كيف تصنع الكلمة ملامح المجد.


خاتمة: أبو حمزة… الكاتب الذي كتب تهنئة بمقام الرواية


في النهاية، هذه ليست بطاقة تهنئة، بل قصيدة سردية تستدعي قراءات متعددة. نص يمكن تدريسه في البلاغة الحديثة، أو في مادة "القراءة النقدية للتهنئات الأدبية" إن وُجدت!

إننا أمام لقاء نادر بين التكريم والتمكين، بين الشعر والتاريخ، بين المديح والمرآة. ولعل أجمل ما في النص أنه لا يُضيء المقداد وحده، بل يُضيء من كتب له، ويُضيء كل قارئ يلتقط ما بين السطور.

فطوبى لأدب تُكتب تهانيه على هذا النحو.

وطوبى لك، محمد فتحي المقداد، لأنك كتبت... حتى صار في تهنئتك نصٌ يُكتب عنه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق